اللقاء الذي تم في يوغندا يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات عديدة حول الدور اليوغندي الذي بدأ يظهر بوضوح منذ حوالي العام، حيث تكررت التصريحات اليوغندية المتعلقة بدارفور وكثرت زيارات المتمردين ليوغندا. كما أن هناك تساؤلاً آخر عن تحالف مناوي وعبد الواحد بعد فراق وطول قطيعة وصلت لدرجة العداوة المعلنة بين اثنين من أهم مؤسسي حركة تحرير السودان، وذلك في ظل نقل قوات مناوي لجنوب السودان وماهية الدور الذي يمكن أن تقوم به الحركة الشعبية مع حركات دارفور. علاقة الرجلين بدأت علاقة عبد الواحد ومناوي منذ عام 2001م، عندما قام عبد الواحد بزيارة إلى دار زغاوة برفقة أحمد عبد الشافع وآخرين، كان هدفها المعلن هو الوقوف على تجربة اللجنة الشعبية للدفاع عن دار قلا والاستفادة منها في مناطق جبل مرة، أما هدفها غير المعلن فكان التحريض والاتفاق على تفصايل التمرد، فقد سافر مناوي وعبد الله أبكر بشير وآخرون إلى جبل مرة بعد شهر من زيارة عبد الواحد لتدريب المتمردين على استخدام السلاح، وسرعان ما تم إعلان التمرد بطريقة رسمية لينتشر انتشار النار في الهشيم في مناطق مختلفة من شمال وغرب دارفور بالإضافة لجبل مرة وأخيراً إلى جنوب دارفور. لكن العلاقة بين الرجلين لم تستمر على وفاق حيث فرقهما النزاع على الزعامة والقيادة، وقد ظهر ذلك في اجتماعات القادة بوادي هور والتي أعلن فيها القائد العام جمعة محمد حقار عزل عبد الواحد من قيادة الحركة، ورد عبد الواحد ببيان عاصف اتهم فيه جمعة حقار وواحد وخمسين قائداً يقفون خلفه بالعنصرية والتمرد على الحركة وذلك عام 2004م. أبرز نقاط النزاع في علاقة الرجلين كانت عام 2005م أثناء الجولة السادسة لمفاوضات سلام دارفور بالعاصمة النيجيرية أبوجا، حيث تلقى عبد الواحد في هذه الجولة ثلاث صفعات مؤلمة من حلفائه في التمرد، كانت أول صفعة وأشدها هي التي وجهها له مناوي نفسه عندما خطط ونفذ قيام المؤتمر العام الأول والأخير حتى الآن لحركة تحرير السودان، والذي انعقد في نهايات أكتوبر وبدايات نوفمبر عام 2005م بصحراء درافور على مشارف قرية حسكنيتة، وتم الإعداد له وإخراجه بطريقة دفعت بمناوي إلى رئاسة الحركة وأطاحت بعبد الواحد نور وأحمد عبد الشافع وأبو القاسم إمام من الفور وكذلك خميس عبد الله أبكر من المساليت. وقد دارت عقب ذلك المؤتمر معركة ضروس بين الطرفين في بئر مزة قادها مناوي بنفسه من ناحية ومن الناحية الأخرى كان أبو القاسم إمام هو من يقود القوات التابعة لعبد الواحد. الصفعة الثانية كانت عندما اجتمع تسعة عشر فرداً من قيادات الحركة العسكرية والميدانية في فندق شيدا بأبوجا وقرروا عزل عبد الواحد من رئاسة الحركة وتنصيب نائبه خميس عبد الله أبكر، وكان المحرك الرئيسي والدينمو الفاعل في مجموعة التسعة عشر هو المهندس أبو القاسم أحمد أبو القاسم. أما الصفعة الثالثة فكانت عندما زجر الرئيس أبوسانجو عبد الواحد النور وطرده من محفل التوقيع وهي ضربة قاصمة لعبد الواحد أمام المجتمع الدولي. بعد توقيع مناوي على اتفاق سلام دارفور عام 2006م لم يلتق الرجلان سراً أو علناً إلا في كمبالا حيث تم التوقيع قبل أيام قلائل على بروتكول ينضح بعداوة الوطن. وهن التمرد لسنا في حاجة لذكر تفاصيل كثيرة توضح مدى الوهن والضعف الذي تمر به كل الفصائل المتمردة في دارفور، فعبد الواحد تم إبعاده عن فرنسا نتيجة لتعنته وتشدده وعدم مشاركته في أي مفاوضات سلام، الأمر الذي أوضح للمجتمع الدولي عدم رغبته في الوصول لاتفاق سلام أصلاً. ومن ناحية ميدانية فعبد الواحد كما هو معلوم يعد الأضعف عسكرياً بين فصائل التمرد بدارفور، وقد ضعف اعتماده كذلك على النازحين بمعسكرات النزوح الذين فقدوا الأمل مع طول انتظارهم في وعود عبد الواحد، وتبدت لهم الحقيقة في ما يقوم به من خداع لهم واستغلالهم لتنفيذ أجندته السياسية، فانفضوا من حول عبد الواحد واتجهوا للبحث عن مصالحهم في العودة الطوعية وتوطين التنمية وغير ذلك. أما مناوي فهو الآن يمر بأسوأ أيامه، فبعد أن تم تضليله بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي استغلته كورقة ضغط أثناء مراحل الاستفتاء على مصير جنوب السودان ليعادي حكومة الخرطوم، وجد نفسه وحيداً دون نصير بعد أن انشغلت عنه الحركة الشعبية بمحاولات اخماد الثورات الداخلية التي هبت عليها من فصائل مختلفة بالجيش الشعبي اشتكت من دكتاتورية الحركة وعنصريتها، ولم يعد لديها سبب للإبقاء على مناوي وزمرته إلا للمحافظة على وعود خارجية لإسرائيل تحديداً وبعض أجهزة الاستخبارات الأخرى التي تدعمها وتحاول الاستفادة من مناوي وغيره من المتمردين، أما الحركة الشعبية فلا حاجة لها في مناوي وقد تم تصفية بعض جنوده القابعين منذ شهور في كنف الجيش الشعبي في تكرار نسخة أخرى من حادثة اغتيال القائد صديق عبد الكريم (مساليت) ومجموعته، مما اضطره للذهاب والبحث عن نصير في حركة العدل والمساواة التي تمر هي الأخرى بظروف بالغة السوء، قبل أن يتجه إلى غريمه عبد الواحد نور على طريقة (إن المصائب يجمعن المصابينا). أصابع خلف الستار أضحى حال متمردي دارفور على غرار مسرح العرائس والذي يعتمد على تحريك الدمي بواسطة شخص يختفي خلف ستار يكون ممسكاً بجميع الخيوط بأصابعه، حيث تمثل الحكومة اليوغندية والجيش الشعبي الستار الذي يختفي خلفه محرك التمرد بدارفور، والذي يتمثل في جمعيات كنسية بدأت بتحالف أنقذوا دارفور، مروراً بتوزيع نسخ من الانجيل على المتأثرين بالحرب في معسكرات اللجوء بتشاد كما يروي المهندس أبو القاسم أحمد أبو القاسم أو داخل معسكرات النزوح بدارفور، حيث ضبطت الأجهزة المختصة الآف النسخ من طبعات فاخرة للكتاب المقدس أدخلتها منظمة (لا مزيد من العطش) الأمريكية ونقلتها لدرافور بهدف توزيعها، وأخيراً تم القبض على حواء جنقو مسؤولة التنصير بحركة عبد الواحد نور. لم يقتصر الأمر على التنصير ولكن هناك أهداف تتعلق بالإستراتيجية الإسرائيلية المرتبطة بالمياه والتي تحاول تنفيذها عبر حكومات أثيوبيا، يوغندا وأخيراً حكومة جنوب السودان. بخلاف إسرائيل فهناك الولاياتالمتحدة التي تصارع الصين وفرنسا في إيجاد نفوذ قوي اعتماداً على الوضع العسكري والجيوسياسي من ناحية، ومن ناحية أخرى يعتمد على توسيع منافذ استغلال النفط الأفريقي في مختلف دول القارة الأفريقية، وهذا يتصل مباشرة بالنفوذ الأمريكي على يوغندا وجنوب السودان من ناحية وعلاقات الصين التجارية بالسودان وأخيراً بالهيمنة الفرنسية على الموارد التشادية. هؤلاء هم محركي الدمي في مسرح العرائس. ويبقى السؤال الأخير عن ماذا ستقوم به الدمي والتي يمثلها مناوي وخليل وعبد الواحد وشريف حرير وغيرهم؟، هذا ما ستفصح عنه الأيام القادمات.