وبحسب المراقبين كان من المتوقع أن تطلب الحكومة السودانية إنهاء تفويض البعثة اعتباراً من التاسع من يوليو 2011م وهو تاريخ إنتهاء الفترة الانتقالية والجدول الزمني لاتفاقية السلام الشامل، وأنه ما من سبب يبرر بقاء البعثة في الشمال بعد ذلك التاريخ. وجاء في تعميم صحافي من الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية السفير خالد موسى أن السيد وزير الخارجية علي كرتي قد بعث خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يخطره فيه رسمياً بقرار حكومة السودان إنهاء وجود بعثة الأممالمتحدة بالسودان (يوناميس) اتساقاً مع قرار مجلس الأمن رقم (1590) للعام 2005م والاتفاقية الموقعة بين حكومة السودان والأممالمتحدة. وجاء في التعميم الصحافي للناطق الرسمي باسم الخارجية أيضاً أن السودان قد أوفى بكل التزاماته المستحقة تجاه تطبيق اتفاقية السلام، وابدت الحكومة السودانية إشادتها بالدور الكبير الذي لعبته البعثة الأممية (اليوناميس) في تطبيق الاتفاقية وإرساء دعائم السلام في السودان. ويمضى التعميم الصحافي في القول (إنه اتساقاً مع قرار مجلس الأمن 1978 والذي قرر تمديد مهمة قوات اليوناميس إلى التاسع من يوليو 2011 فإن حكومة السودان قررت رسمياً إنهاء وجود بعثة الأممالمتحدة (اليوناميس) في التاسع من يوليو 2011م نهاية أجل الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل). أزمة ثقة.. يبدو أن الحكومة السودانية قد انتهزت فرصة الإنتهاء القانوني لأجل ومهمة بعثة (اليوناميس) حسب الاتفاقيات الموقعة بين حكومة السودان والأممالمتحدة حول مهام وأجل البعثة بالسودان بعد اتفاقية السلام الشامل عام 2005م وذلك للخروج من دوامة الأزمات الدبلوماسية التي يتسبب فيها وجود البعثة بالسودان وتقاريرها المتحيزة ضد الحكومة السودانية. ويرصد المراقبون أن هناك أزمة ثقة عميقة بين الحكومة السودانية وبعثة (اليوناميس) حسب وتيرة الأحداث ولعل آخرها التوترات التي أدت إلى تدخل الجيش السودانى عسكرياً والسيطرة على أبيي، فقد عبرت أطراف حكومية عديدة عن عدم رضاءها عن أداء بعثة الأممالمتحدة وغضها الطرف عن تجاوزات الجيش الشعبي وخروقاته، وآخرها ضرب القوات السودانية وقوات الأممالمتحدة نفسها. وهاجم قادة الجيش السودانى في مؤتمر صحافي عقدوه عقب توتر الوضع في أبيي تصريحات قادة البعثة الأممية عندما قالوا إن مجهولين هم من هاجموا قواتها وقوات الجيش السوداني، ما يفسر عدم رغبتها في تسمية وتحديد من هو المعتدى وترى الحكومة السودانية أن بعثة (اليوناميس) تتعامل بانتقائية في مواقفها تجاه الأطراف السودانية. دولة داخل دولة... ويرى خبراء أن كل بعثات الأممالمتحدة لحفظ السلام السابقة قد أوكل إليها مهمة إعادة بناء الدولة الخارجة من الصراعات بعد حل مؤسسات الدولة القديمة وكان تصميم بعثة اليوناميس في السودان مشتملاً على إذاعة راديو مرايا FM والذي منعت الحكومة السودانية بثه في الشمال وعندما سئل أول مدير لإذاعة الأممالمتحدة بالسودان عن هدفهم من تأسيس إذاعة تبث باللهجات المحلية، قال إن هدفهم هو إعطاء السلطة لمن لا يملكونها. بالإضافة للراديو هناك جهازاً للشرطة وجهازاً قضائياً لتكون بديلاً عن مؤسسات الدولة السودانية التي وصفوها بالفاشلة حسب قولهم. ولكن إصرار الحكومة السودانية على التمسك بأسس سيادتها الوطنية التي تكفلها القوانين والأعراف الدولية قد أحبط هذا المخطط وحد من قدرة البعثة على تحقيق التصورات التي جاءت بها على إعادة بناء الدولة السودانية وازدادت وتيرة الشك والريبة في علاقة الحكومة السودانية وبعثة (اليوناميس) عقب اندلاع أزمة دارفور 2003م ومحاولة الأخيرة وخاصة رئيس البعثة البلجيكي إيان برونك، الذي طردته الحكومة السودانية 2007م اتباع سياسات تتناقض مع التفويض الممنوح للبعثة، ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدولة. تداعيات القرار... كما يرى مراقبون أن طلب الحكومة السودانية إنهاء تفويض بعثة (اليوناميس) سينهي وجود البعثة في الشمال، وربما يؤثر على قدرة المنظمة الدولية على أداء دورها في دولة الجنوب الوليدة والتي تعاني هي أصلاً من مشكلات مزمنة وسيكون أمام المنظمة الدولية تحديات جمة في توفير احتياجاتها الضرورية لأفرادها في ظل تدهور الأمن في الجنوب وانعكاس ذلك على قدرتها في الإيفاء بواجباتها تجاه السكان في الجنوب. ويبدو أن الحكومة السودانية سوف تتمسك بقرارها بإنهاء تفويض بعثة اليوناميس في التاسع من يوليو 2011م. ويتوقع بعض المراقبون عدة سيناريوهات في علاقة السودان باليوناميس ، السيناريو الأول : أن تتمسك الحكومة السودانية بقرارها كقرار نهائي في تفويض وأجل البعثة بالسودان، والسيناريو الثاني تدخل الأممالمتحدة وأطراف دولية ومناشدة الحكومة السودانية التمديد للبعثة وفق أجل متفق عليه، اما السيناريو الثالث هو أن تتم تسوية أو مقايضة تسمح بموجبها الحكومة السودانية لبعثة (اليوناميس) الاستفادة من المزايا والتسهيلات التي تقدمها لها الحكومة السودانية للمساعدة في أداء مهامها في جنوب السودان. ويرجح المراقبون السيناريو الثالث لأن بعثة (اليوناميس) ستكون أمامها تحديات جمة في دولة الجنوب بعد 9 يوليو 2011م ، مع العلم أنها أكبر بعثة لحفظ السلام في تاريخ المنظمة الدولية. ويرى بعض المتابعين أن الأممالمتحدة تنظر لمهمتها في السودان كتحد أمامها في حالتي الفشل أو النجاح ، فإن هي فشلت سيكون ذلك سابقة تضعف الثقة في الأممالمتحدة ومنظماتها خاصة في ظل الحملات التي يشنها ضدها المحافظون الجدد الذين يدعون إلى تجاوز الأممالمتحدة لأنها من مخلفات الحرب الباردة. أما في حالة النجاح فسوف يعزز ذلك التيار الذي يدعو إلى إيلاء الأممالمتحدة الدور الأكبر في معالجة الأزمات والمشكلات الدولية وإبعادها من هيمنة الدول الإمبريالية لتكون بوتقة للأمم جميعاً.