يمثل عام 2006م عام الفضيحة الكبرى للمتمردين في دارفور أولئك الذين يتلفعون بجلباب الثورة ضد الظلم أو التهميش ففي هذا العام تمزقت الحركتان المسلحتان الأبرز في دارفور حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة إلى مجموعة حركات استمرت في التشطي والانقسام حتى أصبح من العسير حتى على المختصين معرفة هذه الحركات أو إحصائها، وكان سبب الانقسام الرئيسي هو التدافع للاستئثار بأكبر نصيب من السلطة والثروة والوظائف والمخصصات التي بدأت تتبلور في اتفاقية سلام دارفور في العاصمة النيجيرية أبوجا ولازم هذا الطمع ومحاولة نيل نصيب الأسد في السلطة والمناصب للحركات حتى أصبح مطلباً أساسياً للمتمردين حيث حاولت حركة العدل والمساواة اخضاع المتمردين بقوة السلاح وخاضت قتالاً مريراً لتثبت أنها الحركة الأقوى في دارفور وذلك قبل أن تجاهر في منبر التفاوض بالدوحة أنها لا تقبل جلوس مجموعة غيرها للتفاوض مع الحكومة الأمر الذي أدى إلى انسحابها تماماً من عملية السلام بسبب قبول الوساطة والحكومة التفاوض مع مجموعة التحرير والعدالة. يتضح أيضاً أن التنافس حول السلطة والمناصب قد ضرب حركة مناوي عام 2007م حيث خرج محجوب حسين مغاضباً واختلف مناوي ونائبه د. الريح وانتهى الأمر بخروج مناوي نفسه بعد فقدانه لمنصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية بعد الانتخابات الأخيرة عام 2010م. لقاء الطامعين بدأت تحالفات الدارفوريين منذ عام 2010م حيث ذهب مناوي إلى جوبا قبيل إجراء استفتاء جنوب السودان ورحبت به الحركة الشعبية وشجعته لاحضار قواته أو ما استطاع من رجاله وذلك لاستخدامهم كوسيلة ضغط تجاه الشمال الذي دعا لوحدة السودان بدلاً من انفصال الجنوب الذي دعت له الحركة الشعبية وعملت عليه حتى انفصل رسمياً والسؤال الذي يظل بلا إجابة هو ما هي مصلحة مناوي في ذلك؟ أو بصورة أخرى ماذا أراد مناوي أن يحقق لدارفو بانفصال الجنوب؟ لن نكلف أنفسنا عناء الإجابة على هذه الأسئلة لأن مناوي هو الأحق بالإجابة عليها وشرح أسبابه لأهل دارفور قبل كل السودانيين لكن من الواضح أن هنالك مصالح مشتركة يلعب بها مناوي لصالح دولة الجنوب الوليدة. في جنوب السودان التقى مناوي بأحمد بخيت كما التقى بأحمد عبد الشافع وهناك رواية اسطورية عن حضور عبد الواحد إلى جوبا عبر كمبالا وقد انفض سامر هذه اللقاءات دون نتيجة عقب إعلان نتيجة الاستفتاء على مصير جنوب السودان لتظهر مرة أخرى مع إعلان موعد التوقيع على وثيقة الدوحة حيث تم إعلان تحالفات على الانترنت بين مناوي وحركة خليل وبين مناوي وشخصين أو ثلاثة تم استقطابهم من مجموعة التحرير والعدالة وقد وصلت التحالفات لدرجة غير مسبوقة بإعلان تحالف مع الحركة الشعبية في كاودا بهدف إسقاط نظام الحكم في الخرطوم حيث ظهر إعلان التحالف ممهوراً بتوقيع د. الريح محمود نائب مناوي وهو الذي تولى مهمة التوقيع على كل التحالفات ما عدا تحالف واحد وقعه مناوي بنفسه في كمبالا مع عبد الواحد نور، أما الذي وقع عن الحركة الشعبية لإسقاط الحكومة فهو عبد العزيز آدم الحلو ولم يعلن الطرفان من هو الذي سيحكم الخرطوم وكيف سيحكمها إنما اكتفوا فقط بالحديث عن المشاركة في السلطة وتوزيع الثروة وبسط حقوق الإنسان في السودان وبعد اقل من ثلاثة أشهر أعلنت الأممالمتحدة رسمياً أن موقف حقوق الإنسان في السودان مطمئن جداً وسحبت المقرر الخاص لحقوق الإنسان دون أن تتساءل أو توضح هل كانت حقوق الإنسان في السودان منتهكة فعلاً وبالغة السوء أم أن الأمر برمته كان مجرد مسرحية نتيجة للصراع السياسي بين حكومة السودان من ناحية والحركة الشعبية وحركات دارفور من ناحية أخرى والجهات التي تدعمهم وتمول نشاطهم لتحقيق مآربها في السودان وفي منطقة القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات ومنطقة الساحل والصحراء لأن السودان الكبير يربط بين كل هذه المناطق بالإضافة لكونه عمقاً عربياً في أفريقيا. فضيحة الثوار يقول ذو النون التجاني وهو ناشط قضى حوالي عشرين شهراً مع المتمردين في دارفور رجع بعدها ناقماً على حركات التمرد وفضح أمرها يقول: (كشفت السلطة الانتقالية حقيقة المتمردين حيث مثل الصراع حول المناصب والذي وصل درجة الانشقاقات الداخلية خيبة أمل كبرى لسكان دارفور الذين أعتقد جزء منهم فعلاً أن هؤلاء هم فعلاً ثوار ومثلت الفترة التي قضاها مناوي في السلطة فعلاً أكبر تعرية لثوار الأمس وفضحت نواياهم الحقيقية حيث زكم الفساد الأنوف وتجلى الصراع على المناصب في أبشع صوره ولم يهتم أحد بإخفاء المحاصصات العرقية في تولي الوظائف التي لم يقدم شاغلوها لأهل دارفور ولو واحد بالمائة مما تفرضه عليهم وظائفهم). وتوالت الفضائح حيث كثرت الانشقاقات والانقسامات وكل طرف يتهم الطرف الآخر باتهامات ثابتة أهمها العمالة لجهات أخرى وعدم اتباع المؤسسية وتهميش الآخرين وقد أفرز هذا الوضع صراعات مسلحة بين المتمردين أنفسهم في باديء الأمر وبعد ذلك اكتشف حاملوا السلاح أن قادتهم السياسيين يستغلونهم ويتاجرون بقضايا أهلهم لمصالح شخصية ترتبط بالزعامة والرئاسة والمناصب فتفرقوا ولم يبق من العربات المسلحة ومن يقودونها شيء الآن فأين ذهب هؤلاء المقاتلون؟ أقول ببساطة أنهم عادوا لأهلهم ولقراهم لممارسة حياتهم اليومية بدلاً من تقديم دمائهم لمن يستغلها ولا يرحم أهل دارفور. بعيداً عن الاتجار بدماء المقاتلين هناك الاتجار بقضايا أهل دارفور وتشريدهم لمصالح جهات لم يألف السودانيون التعامل معها ونسوق مثالاً لذلك ما صرح به عبد الله بخيت وهو مقاتل في صفوف العدل والمساواة من منطقة عديلة في شهر ديسمبر 2007م وذلك قبيل انعقاد مؤتمر أديس أبابا الذي نصب عبد الله أزرق رئيساً على أحد أجنحة العدل والمساواة قال: (جاء إلينا خليل إبراهيم وطلب تحديد مواقع آمنة في دارفور لأن هناك طائرات ستسقط لنا سلاح قادم من إسرائيل ولكننا رفضنا ذلك واتفقنا على قتل أي سياسي يقول مثل هذا الكلام) ولكن خليل مضى في ذلك حيث قال في لقاء تلفزيوني بثته قناة الجزيرة بعد هجومه على أمدرمان (نعم اشترينا السلاح من إسرائيل ولا يوجد في الدين ما يمنع البيع والشراء من اليهود) ولكننا نقول إنه لم يشتر شيئاً فلا نقود له بل تم اعطائه السلاح ولكن مقابل ماذا؟ كان الأحرى بخليل توضيح ذلك ويبدو أن فضائح المتمردين لا تنتهي ولا نعرف أي ثوار هؤلاء. العمالة مرة أخرى بعد أن جرب المتمردون العمالة لإسرائيل وليبيا التي يحكي ذو النون أن اجتماعات خطيرة تمت في داخلها وأشرف عليها عبد الله السنوسي بنفسه بل وأدار بعضها حيث يقول ذو النون (جلس مناوي إلى جانب عبد الله السنوسي ولم يكن هناك وفد ليبي حتى تكتمل جلسة المباحثات كما قيل لنا فيما عدا بضعة موظفين منهمكين في ترتيب أوراقهم للتدوين بجانب الفنيين الذين يوثقون تلك المباحثات تكلم عبد الله السنوسي باختصار شديد بأنه يريد أن يستمع إلينا أكثر مما يتكلم ولاحظت أن رئيس الأمن الليبي يتفرس في وجوه أعضاء وفدنا ويسأل عن أسماءهم دون اكتراث لحديث رئيس الوفد، خطر ببالي أن هذه الدعوة ما هي إلا استدعاء أمني مغلف ورئيس جهاز الأمن يمارس خبراته ومهاراته في قراءة أوجه ضيوفه لوضع خطته في التعامل معهم واحتوائهم. ما حكاه ذو النون كان بدايات العمالة وجاء الثمن في تمويل إقامة مؤتمر حسكنيته الذي نصب مناوي رئيساً للحركة وبعد ذلك اتجه الاحتواء لخليل إبراهيم الذي قاتل هو ورجال ضمن كتائب القذافي ومرتزقته ليعودوا بعد ذلك بثمن العمالة، أما تحالف كمبالا بين مناوي وآخرين وبين مناوي والحركة الشعبية فهو نوع آخر من التآمر والعمالة حيث أن يوغندا تعتبر حارسة المد المسيحي في أفريقيا وهي بالتالي مدعومة لوقف الزحف الإسلامي وإضعاف العمق العربي الذي يمثله السودان ومن ناحية أخرى تمثل حليفاً قوياً لإسرائيل في حرب المياه بينها وبين دول أخرى أهمها سوريا ومصر وذلك لأن موقع يوغندا يمكنها لدرجة كبير من التحكم بمياه النيل لهذا السبب مثلت يوغندا واجهة أساسية لعدة دول وأجهزة استخبارات عملت على دعم الحركة الشعبية لفصل جنوب السودان والآن تعمل على دعم متمردي دارفور لزعزعة الاستقرار والأمن في شمال السودان بهدف إضعاف الدولة وليس الحكومة أو على أقل تقدير إخضاع الحكومة والتحكم فيها بأكبر قدر ممكن لصالح أجندات مختلفة تهم إسرائيل والولايات المتحدة بالدرجة الأولى ويأتي الصراع مع الصين من أجل السيطرة على النفط في هذا الإطار. أما الحركة الشعبية فهي في مأزق حقيقي فهي لا تستطيع التنكر ليوغندا وحلفائها الأقوياء خارج أفريقيا وبالتالي لا تستطيع طرد متمردي دارفور أو العمل بصورة واضحة لوقف الصراع في دارفور أو جنوب كردفان أو منطقة النيل الأزرق وكذلك لا تستطيع إعلان مناصرتها لهذه الجهات بطريقة سافرة لأن دولة الجنوب الهشة في طور الميلاد وتحتاج لدعم قوي من شمال السودان لذلك فهي تعلن وتظهر حسن النوايا وتدعم سراً ورغم هذه السرية فالوثائق والمنطق يفضحان هذا الدعم الآتي عبر الحركة الشعبية لجهات عديدة يهمنا منها هنا متمردي دارفور الذين يحاول مناوي وآخرين بعث الروح فيهم ولا نعلم حتى الآن إلى أي مدى يرضى مناوي الذي حمل السلاح وسط مقاتليه بأن يتحول إلى مناضل على النت وبوق يصرخ بصوت غير صوته ويلتزم أجندة لا تهمه ولا تهم سكان دارفور في شئ. إن أصابع الشيطان التي يمثلها تحالف متمردين دارفوريين وقطاعات جبال النوبة والنيل الأزرق بالحركة الشعبية تحاول أن تعيش فساداً في السودان ولكنها عاجزة عن إحداث أي أثر فاكتفت حتى الآن بترويع بعض القرى وإزهاق أنفس بريئة لا ذنب لها في أي شئ.