سجل الفريق أول سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان والنائب الأول لرئيس السوداني السابق حتى 9 يوليو 2011، زيارة للخرطوم لأول مرة بعد الانفصال. وتجئء زيارة سلفاكير ولا يزال هناك عدد من القضايا العالقة التي كان الجانبان يتباحثان حولها قبل الاعلان الرسمي للانفصال وذلك بوساطة من الاتحاد الافريقي برئاسة لجنة يترأسها رئيس جنوب افريقيا السابق ثامبو امبيكي، وهي تتصل: بالحدود ومنطقة ابيي المتنازع عليها بين الدولتين، وتقاسم عائدات النفط الذي يتركز انتاجه في جنوب السودان بينما توجد موانئ التصدير وأنابيب النفط في الشمال، وقضية الديون الخارجية لدولة السودان قبل انفصال الجنوب والبالغة 38 مليار دولار، وأصول الدولة السودانية. وأكتسب الزيارة أهميتها من الملفات العالقة بين الجانبين والتي يستوجب حلها حرصاً مشتركاً وإرادة حقيقية تيسر تجاوز التعقيدات التي تكتنف هذه الملفات بمنأى عن ممارسات الماضي. وقد وصل سلفاكير إلى الخرطوم في معية وفد كبير وكان في استقباله المشير عمر البشير رئيس الجمهورية قبيل بدء المحادثات بين الطرفين، ورافق كير خلال الزيارة وزير جنوب السودان لشؤون مجلس الوزراء دينق ألور، فضلاً عن وزراء النفط والمالية والعلاقات الخارجية. وينظر معظم المراقبين لهذه الزيارة من منظور سعي دولة الجنوب الوليدة للبحث عن حلول لمشاكلها الداخلية المتزايدة خارج حدودها بمعنى أن مجموعة عوامل ضاغطة جعلت سلفاكير يحزم حقائبه على عجل ميمماً نحو الخرطوم. وليس بخافٍ على أحد تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في الدولة الوليدة وهو ما كان له تبعات انعكست على المواطنين الجنوبيين من ذلك: التفلتات الأمنية والانشقاقات في الجيش الشعبي ووجود معارضين مسلحين وتهديدات جيش الرب اليوغندي الغلاء الطاحن للسلع والمواد الاستهلاكية والركود التجاري ونقص المواد الغذائية ثم الجوع الذي يهدد حياة الكبار والصغار خاصة وأن دولة الجنوب تفتقر للبنى التحتية التي تجعلها ذات امكانيات انتاجية لها القدرة على مقابلة الاحتياجات المحلية. وفي ذات السياق تجدر الاشارة إلى أن مدينة واو شهدت خروج مظاهرات عبرت عن سخطها إزاء الأوضاع المعيشية ومطالبة بالانضمام إلى الشمال مرة أخرى. وليس ببعيد عن الأذهان التكهنات التي رجحت اضطراب الأوضاع في الجنوب عقب انفصال الجنوب وكان بين هذه التكهنات ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر "الجنوب لديه توقعات كبيرة لن تتحقق جميعها.. رفاهية اقتصادية شبه فورية وتعليم ورعاية صحية.. ولذلك سيكون هناك قدر كبير من خيبة الامل." من جانبه قال الرئيس السودانى عمر البشير فى كلمة امام جلسة المباحثات المشتركة "نؤكد التزامنا بعدم العودة إلى مربع الحرب والعمل على تمكين السلام واقامة علاقات تتسم بحسن الجوار والاحترام المتبادل". واضاف "إن تحقيق الأمن والاستقرار مرتبط بنزع فتيل الازمات ومنع التدخل الخارجى فى شؤوننا والاعتماد على قدراتنا الذاتية، وعلينا العمل على تأسيس علاقة ذات خصوصية من واقع الروابط التاريخية بين شعبينا". وفي حديث الرئيس البشير تأكيدات ظل يرددها حتى قبل أن تعلن نتيجة الاستفتاء على تقرير المصير وحتى بعد اعلانها وخلال خطابه في جوبا غداة الاحتفال الرسمي باعلان الدولة الجديدة مما يدلل على أن هذا الأمر يمثل قناعة راسخة وليست مجرد عبارات وردت عرضاً بمقتضى موجبات المجاملات البروتوكولية الجوفاء. وكان أيضاً أول من أعلن اعتراف بلاده بالدولة الوليدة. في ختام الزيارة وفي المؤتمر الصحافي المشترك قال سلفاكير "نحن ملتزمون تماماً بالرغم من وجود بعض العناصر التي تريد أن تجرنا لمربع الحرب التي غادرنا محطتها منذ عام 2005م"، مشيراً إلى أهمية الجوار السلمي بين البلدين، وأوضح أن الالتزام بذلك يمكن من هزيمة أعداء السلام. مخرجات الزيارة من المخرجات البارزة للزيارة أنه تم تكوين خمس لجان رئيسية لمناقشة الأوضاع المشتركة بين الجانبين والقضايا العالقة، وتتكون من لجنة العلاقات الخارجية واللجنة الاقتصادية ولجنة التعليم العالي ولجنة الشؤون الإنسانية ولجنة الأمن والحدود. وحول الجانب الاقتصادي قال وزير المالية الأستاذ علي محمود إن الجانبان اتفقا على خمس نقاط في مجال التعاون الاقتصادي وكيفية التبادل المصرفي وإنشاء إدارة مرافق للبترول فضلاً عن تطوير التجارة عبر الحدود إضافة للحديث عن الديون. وفيما يتعلق بملف التعليم العالي بين الدولتين نوقشت قضايا التعاون في مجالات التعليم كما تتطرق اللجنة لقضية الطلاب الجنوبيين بالجامعات الجنوبيةبالخرطوم كجامعة بحري وقضية الاساتذة الشماليين بالجنوب وتطرقت كذلك لجنة التعليم إلى مراجعة ما اتفق عليه في شهر مايو الماضي إلى الاتفاقية حول وضعية الطلاب الجنوبيين في جامعات الخرطوم والنيلين وجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا وجامعة أم درمان الإسلامية على أن يواصلوا دراستهم حتى مرحلة التخرج ويتم تخريجهم بكلياتهم الأم (جامعات بحر الغزال – جامعة جوبا) كما دعا أدوك الطلاب الشماليين للدراسة بالجامعات الجنوبية. وحول العلاقات الخارجية قال الدكتور نيال دينق نيال وزير خارجية جنوب السودان أن اللجنة ناقشت تطوير العلاقات وتم الاتفاق على إرسال كوادر من الشمال لتدريب الجنوبيين على العمل الدبلوماسي بصفة خاصة بغرض تطوير وتأهيل العديد من المؤسسات الحكومية والاستفادة من خبرات الشمال في هذا الجانب. من جانبه قال الأستاذ جلال يوسف الدقير وزير التعاون الدولي إنهم بصدد تعزيز العلاقة بين الجانبين وتطوير وتأهيل القدرات الخارجية في كافة المجالات الدبلوماسية والتدريب كما أمنا على بناء الثقة بين الحكومتين عبر وزارة الخارجية مضيفاً أن الجانبان اقترحا على البشير وسلفاكير تشكيل لجنة عليا لمزيد من التشاور السياسي وتجتمع بصورة دورية يتم الاتفاق حولها. وعن الأوضاع الإنسانية أوضح الدكتور سليمان عبد الرحمن مفوض العون الإنساني بجمهورية السودان أن اللجنة اتفقت على وضع ملامح رئيسية للدفع بالعمل الإنساني لتكون إحدى وسائل التواصل بين الدولتين، كما تم الاتفاق على المواقف الدولية المتصلة بالشأن الإنساني خاصة المتعلقة بالقانون الدولي. ولا زالت لجنة الحدود والأمن تعكف على مواصلة ومناقشة عدد من الموضوعات المختصة بين الجانبين. بالطبع من الممكن تطوير علاقات البلدين فالسياسة هي فن الممكن، و(الممكن) هنا يشير إلى جملة أشياء لابد أن يكون تم نقاشها، ويأتي في مقدمتها تحديد علاقة قطاع الشمال بدولة الجنوب ومسألة وجود عناصر من الحركات الدارفورية المسلحة بالجنوب وما يمثل ذلك من تهديد لاستقرار الشمال.