د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أمين حسن عمر في حوار المراجعات الفكرية

الحديث عن وضعية الحركة الإسلامية انتقل في الآونة الأخيرة من المناقشات الحذرة داخل الاجتماعات الخاصة ليكون موضوعاً يصلح للنقاش في العلن. وإذا كان البعض يرى أن المذكرات التي دفعت بها قيادات الإسلاميين وما تبعها من آراء جريئة حول واقع ومستقبل الحركة تدل على حالة تململ واضحة، فإن الإسلاميون يحسبونها دليل حيوية انطلاقاً من الانتماء الذي يدفع صاحبه للإخلاص في القول، حرصاً على الحركة الإسلامية التي يعتبرها البعض نتاجاً لتجربة طويلة بذلوا فيها الكثير من التضحيات حتى تصل إلى ما وصلت إليه.
وفي هذا الوقت الذي اتسعت فيه أبواب الاجتهاد بين الإسلاميين حول الوضع الأمثل للعلاقة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، جلسنا إلى د. أمين حسن عمر أحد أبرز قيادات ومفكري الحركة الإسلامية، وذلك لمعرفة أراءه حول ما يجري في أوساط الإسلاميين.. فأدرنا مع د. أمين نقاشاً هادئاً - وغير هاديء أحياناً – حول واقع الحركة الإسلامية، ورأيه في المناقشات والتكهنات الدائرة حول دمجها في المؤتمر الوطني أو فصلها عن الحزب لتكون صفوية. فتحدث بصراحته المعهودة والوضوح الذي يلازم شخصيته عن كل ما ثار من أحاديث حول مستقبل الحركة الإسلامية، فإلى مضابط النقاش..

في ظل الحديث عن مقترحات بتذويب الحركة الإسلامية في المؤتمر الوطني وبروز مذكرات الإسلاميين التصحيحية هل تعتقد أن العلاقة بين الحركة والحزب أصبحت على المحك؟
هذا حديث ليس له أساس من الواقع. وهناك اتجاهات لبعض الأشخاص أو الأفراد لهم آراء أن يعملوا حزب إسلامي خالص، ولذلك يتحدثون عن مثل هذا الحديث. وهؤلاء أقلية وليسوا هم الأكثرية .. حزب إسلامي خالص لا تعني خالص في مبادئه. نحن الآن نتحدث عن المؤتمر الوطني ونعتقد أنه الحزب الإسلامي الخالص، ولكنهم يعتقدون أن الحزب الإسلامي يكون خالص في عضويته وفي شروط الانتماء وهكذا.
بالطبع هذا رأي كان مطروح عند إعادة انتظام الحركة الإسلامية سنة 2000م، ولم يستقطب مؤيدين. والنموذج القديم الذي عرفته الحركة الإسلامية هو أن تكون هناك حركة إسلامية، وهناك حزب تشارك فيه.. كان هذا موجود في جبهة الدستور سنة 1958م. كان هناك الأخوان المسلمون في إطار جامع مع الآخرين. وفي سنة 1964م كان هناك جبهة الميثاق الإسلامي والأخوان المسلمين وهم حتى كانوا مختلفين. في الأخوان كان هناك محمد صالح عمر وفي جبهة الميثاق د. حسن الترابي. وهذا ما حدث أيام الجبهة الإسلامية القومية، على الرغم أن الناس في مرحلتها عملوا على تجنيب نشاط الحركة الإسلامية المنفصل عن الجبهة، وأصبحت أجهزة الحركة الإسلامية أشبه بأجهزة الرقابة فقط.
هل هذه وقائع أم تحليل لما جرى في تلك الفترة؟
هذا ليس حديث تحليلي لأني كنت عضوا في المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية في ذلك الوقت وعضو في مجلس الشورى. وكنت مسؤولا عن المكتب الثقافي في الجبهة الإسلامية. أنا أتحدث حديث العارف عن هذه التفاصيل التي دارت نقاشات حولها..
كنا نبحث عن اسم للحزب الجديد قبل تكوينه في الأيام الأولى بعد الانتفاضة، والذين يتذكرون ذلك يعرفون أن أول الندوات كانت باسم الاتجاه الإسلامي. كان هناك اجتماع لمجلس الشورى في ذلك الوقت يناقش تنظيم الحزب الجديد وعلاقته بالحركة الإسلامية الخالصة، ثم نشأت الجبهة الإسلامية. بنفس الطريقة قرار الانقلاب لم يتخذه مجلس الشورى للجبهة بل اتخذه مجلس الشورى للحركة الإسلامية، وهو الذي اتخذ قرار تعليق نشاط الحركة الإسلامية فيما بعد.
هل وجد قرار فصل النشاط التأييد والرضا أم أن هناك من اعترض عليه؟
القرار بعد صدوره وحدوث التغيير بدأ احتجاج بعض الناس عن تغييب الحركة. فأعاد بروفيسور إبراهيم أحمد عمر رئيس مجلس الشورى جمع المجلس، وقال لهم إن بعض الناس الآن يتحدثون عن أننا غيبنا الحركة الإسلامية، أليس قرار مجلس الشورى أن نعلق النشاط؟. ومجلس الشورى أكد على قراره مرة أخرى لأسباب منطقية وليس لأنه لا حاجة للحركة الإسلامية، لأنه لا يمكن أن تمنع الآخرين وتعمل، هذا سيستفز الآخرين وينشيء مقاومة لا حاجة لها، خاصة أن شعورنا أن الشعب سئم ويريد بداية جديدة.
كان هذا المبرر الذي اقنع الناس في ذلك الوقت، لكن هذه القناعة لم تكن مستقرة. فكرة تعليق الحركة الإسلامية لمدة طويلة كانت غير مقبولة، ولذلك ظلت هناك مجموعة ضغط لإعادة الحركة الإسلامية للفاعلية. وقدمت مذكرة كما أذكر على رأسها فتحي خليل طالبت الأمين العام بفك تعليق الحركة الإسلامية، وهذه أول أزمة باطنة داخل الحركة بعد التغيير الذي حدث في يونيو 1989م. وفي النهاية كانت التسوية أننا لن نغير الحركة الشعبية الجماهيرية ولكن سنعيد مجلس الشورى، وهذا ما حدث بالفعل لكن بشرط وضعه الترابي هو إعادة المجلس مع إضافة ضعفيه من العناصر الجديدة، وهو الذي سيضيف، بمعنى أن ترشح الأمانة العامة إسلاميون آخرين من المستقطبين. بعض الناس اعتقدوا أن هذه محاولة من د. الترابي لإلغاء معنى إعادة فك تعليق الحركة، وكأنهم شعروا أنه لا يريد مجلس الشورى قيدا عليه، واتهموه أنه عندما يأتي ضعفي المجلس من أشخاص هو الذي استقطبهم هذا يعني أن المجلس سيكون تابع للأمانة العامة.. هذا النقاش موجود رغم أن الناس لا يتحدثون عنه، هذا مسكوت عنه لكنها نقاشات موجودة. وأنا لا أعتقد أن هذا مما يجب أن لا يستحي منه أحد، مثل هذه النقاشات دليل على الحيوية والرغبة الصادقة للانتماء.
رغم ما ذكرته إلا أن الوضع الحالي يثير تململ البعض؟
الفكرة الأساسية أن هذه الحركة ليست تبعاً لأحد، ولذلك أي حديث الآن عن حل الحركة الإسلامية أو دمجها خارج المؤسسات لا قيمة له، إلا أنه حوار أو نقاش لكن لا قيمة له على مستوى القرار، من يملك هذا الاتجاه للحل؟ .. لا الأمين العام يملك (والآن ليس لدينا أمين عام بل مكتب قيادي وله رئيس) والمكتب القيادي لا يملك حلها، ولا مجلس الشورى، إلا أن يقرر المؤتمر العام عندما ينعقد في النصف الآخر من هذه السنة. لكن ليس هناك فكرة واردة في حل الحركة الإسلامية ولم أسمع أحد يدعو لذلك.
ألا يمكن أن يكون هناك منطقية في حديث من يطالبون بمراجعة أمر الحركة الإسلامية؟
هناك نظريتان لتغيير الوضع الحالي، وفي تقديري كلاهما ضعيفتان، الأولى نظرية الدمج الكامل، ولم أسمعها إلا من قيادي واحد فقط، وهو يعلم أنها غير مقبولة من غالب الناس.
الثانية هي نظرية الصف الخالص، فبعض الناس يعتقدون أن هذا المؤتمر أصبح حزب سلطة وجمع المتسللين والراغبين في السلطة، وأنه أصبح يأتيه الناس من أجل مغانم الحكم، ومن أجل ذلك يريدون أن ينشئوا حركة إسلامية خالصة قوامها الناس الذين لهم سابقة ومروا بامتحانات الاعتقالات والسجون والجهاد وتقديم الأولاد.. ألخ، هذه فكرة لا تصلح في السياسة لأن طبيعتها أنك تريد أن توسع الصف لا أن تضيقه. هذه نظرية موجودة في باكستان في حزب الجماعة الإسلامية هو الذي يمنع نفسه من التوسع، لأنه يضع شروطاً صعبة للانتماء له. وعدم توسعه سمح لتيارات علمانية مثل الرابطة الإسلامية وهي حزب علماني أن تتوسع على حساب التيار الإسلامي في باكستان، على الرغم أن العاطفة الإسلامية في باكستان قوية إلى درجة حتى أزعجت أمريكا في الطرف الآخر من العالم.. فالحركات عندما تتحول إلى صفوية تعطل طاقاتها وتقتل المبادرات. ونحن لا نريد أن نفعل هذا بالحركة الإسلامية، ولذلك مثلاً سنة 2000م قدمت أوراق حول إعادة انتظام الحركة الإسلامية، وكانت الفكرة أن نعمل بالنموذج السابق، بأن تنشط الحركة في مجالات الثقافة والدعوة والفكر والعمل الاجتماعي والعمل الطلابي، ولكنها في السياسة لا تعمل إلا داخل المؤتمر الوطني، باعتبار أنها شريكة مع تيارات وطنية أخرى لبناء تجربة إسلامية في السودان تسع الجميع .. كانت هذه فكرة المؤتمر الوطني، ولذلك النكوص عن هذه الفكرة لا أجد له أي مبرر سوى نزعة تطهرية عند البعض.
لكن ثبت بالتجربة أن التوسع له آثار سلبية ذكرت بعضها بنفسك؟
صحيح أن طبيعة الأحزاب الواسعة أنه سيأتيك فيها من تحب ومن لا تحب، وأن نشاط الأشخاص يقدمهم إلى المقدمة حتى إذا كان استحقاقهم النضالي أو الأخلاقي من المقبولة عند الناس ضعيف. لكن ينبغي أن يكون الحل أن نعمل آليات داخل حزبنا لتصفية العناصر الانتهازية المتسلقة، وجعل النفاذ إلى مراكز القرار صعب عليهم.. يعني أن نعمل على إيجاد حلول في إطار الحزب الواسع وليس في إطار الانكماش.
بعض الناس يتهمونك بالدعوة لحل الحركة الإسلامية؟
طبعاً أنا لم أدع إلى حل الحركة الإسلامية.. ولكني قلت بوضوح إنها ليست بقرة مقدسة وليست واحدة مما كتب علينا في الكتاب أو في السنة، بل هي تنظيم اجتماعي نحن أنشأناه لضرورة تاريخية. لو كانت تنظيمات المسلمين العادية المذهبية والدينية ناشطة وقادرة على أن تحتفظ بحيوية الإسلامي فكرة ودعوة وحركة سياسية واجتماعية لما احتجنا لهذه الحركة، وكنا سنكون في هذه التنظيمات، فالحركة الإسلامية قامت لحدوث حالة خمول وجمود في هذه التنظيمات، فهي تنظيم اجتماعي تُنشط المجتمع لإحداث التحول الفعال الذي يعيده إلى روح الإسلام الحقيقية، وهذا الواجب لم ينته بعد. ولذلك علينا الحفاظ على الحركة الإسلامية لتؤدي هذا الدور، ولكن ليس إلى يوم القيامة إذ يمكن أن ينتهي هذا الدور في وقت من الأوقات، فالحاجة للحركة الإسلامية بشكلها الحالي ستنتهي، والأفضل أن تنتهي وتتحول الحيوية منها لكل المجتمع، لا أن تحتكر هي الحيوية وتكون هي التيار الحيوي الوحيد.
الحركة الإسلامية تعتبر المؤتمر الوطني ملكها ولا يرضيها أن ترى إخفاقات أو حتى فساد؟
-مقاطعاً- من قال إنه ليس هناك داخل الحركة الإسلامية إخفاقات وفساد؟ هذا توهم المتوهمون بالتطهرية.
البعض قد يرى إن المؤتمر الوطني بعُد عن الطرح الإسلامي وأن هناك تيارات طرحها الإسلامي أقوى ؟
هذه التيارات تطرح خطاب لتيار محافظ .. لكن غالبية الجمهور منفتح..
تجربة نيفاشا ألم تأت على حساب الشريعة والطرح الإسلامي؟
هذا غير صحيح.. قولوا لي شيئاً واحداً ألغته نيفاشا من الشريعة؟ الخطاب الإسلامي هو الذي كان يستفز الحركة الشعبية للخطاب المضاد، إلا أنه لم يكن على الطريقة التي يفكر فيها بعض الناس، بأن الإسلام هو أن يكون المسلم درجة أولى وغير المسلم درجة ثانية. وهناك من يفكر أن غير الملتزمين دينياً ينبغي أن نقلص من حرياتهم، هذا النوع من التفكير لم نخاطب به الناس لأنه لا علاقة له بالإسلام، بل بمذهب معين من التفكير الإسلامي. وليس هذا مذهب الشعب السوداني الذي مذهبه مفتوح ويسع الجميع وأقرب إلى السنة.
المساهمة الرئيسية في نيفاشا ومشاكوس هي أن الشريعة ستحكم كل السودان، وأن الجنوب لا يملك إلا أن يستثنى نفسه في القوانين، على أن تكون مطبقة فقط هناك. أما القوانين القومية فهي شرعية وهذا مكتوب بوضوح في الدستور الذي لا يزال قائماً حتى الآن. أما إذا كان بعض الناس يعتقد أن الشريعة غير حاضرة بالقدر الذي يرضيهم، فهذا يتوقف عن تصورهم هم للشريعة، بعضهم تصورهم مسيء للشريعة نفسها.
رضيتم أن يزاحمكم مشروع الحركة العلماني وكانت النتائج انفصال الجنوب وعودة الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟
وهل كنا نكذب على الناس عندما قلنا لهم إن هناك استفتاء حقيقي، وأن الناس إذا اختاروا الانفصال يذهبوا.. أهل الجنوب لم يرضوا بالوحدة الجاذبة، ونفترض أننا جبرناهم على الوحدة هل سيكون هذا في مصلحة السودان؟ لا أعتقد أن الانفصال نتيجة سيئة، بل هو نتيجة طبيعية لواقع العلاقة بين الشعبين على الأرض، حيث لم يكن هناك اتصال فعال بين الجنوب والشمال خاصة الجغرافي والديمغرافي، رغم أنهم جاءوا إلى الشمال وسكنوا فيه وحدثت تأثيرات ايجابية عليهم، ولكنها كانت محدودة ولم تكن كافية لتقنعهم بأن يختاروا الوحدة. والبعض يتعلل أن هناك تزوير حصل في النسبة، لكن حتى التزوير لم يكن هناك حاجة إليه، فهناك 70% من الجنوبيين الموجودين بالشمال اختاروا الانفصال. في كل الأحوال كان الجنوبيون سيختارون الانفصال وهذا تعبير عن واقع الحال، إلا أن يكون هناك انسان مصاب بمرض ويخفي طبيعة مرضه حتى يأتيه الموت، فإذا كنا مصابين بمرض التباعد وعدم القدرة على التوحد هل ننكر هذا الواقع أم نصدقه ونعترف به ثم نعمل على تغييره؟. إذا كانت الوحدة جاذبة وجيدة بين الشمال والجنوب، فالانفصال يمكن أن يكون بداية واقعية لبناء وحدة من جديد. لكني أعتقد أن المسافة الثقافية والواقعية بيننا وبين بعض جيراننا الآن أقرب من المسافة مع الجنوب، والعاقل إذا أراد أن يحقق هدف فليذهب إلى المسافة الأقصر.. أنا لست ممن يدعو إلى بذل الجهود لإعادة الوحدة مع الجنوب، سنفعل للتكامل مع كل جيراننا بما في ذلك الجنوب، ولكن الجنوبيين اختاروا الانفصال ونحن سنختار التكامل والعمل المشترك معهم ومع غيرهم .. لكني شخصياً أعتقد أننا إذا كنا نريد أن نعمل لوحدة أكثر متانة فالمسافة الفكرية والثقافية والنفسية بيننا وبين جيران كثر أقرب بكثير من الجنوب.
حسناً هناك من يرى أن نية الإسلاميين أصلاً كانت مبيتة لفصل الجنوب ونيفاشا مجرد سيناريو لإخراج هذه الرؤية؟
هذا ليس صحيحاً، لا يوجد شي اسمه رؤية الإسلاميين.. هل تعتقدون أن الإسلاميين هم مشجعي فريق الهلال؟ (كوم واحد، عندهم الهلال يغلب أو ما يغلب). الإسلاميون تيار فكري يتفق ويختلف ويقدر تقديرات مختلفة (وما في حاجة اسمها رؤية الإسلاميين) لأن رؤيتهم عبروا عنها في مؤسساتهم وحولوها لسياسات ونفذوا هذه السياسات. الإدعاء بأن لديهم رؤية باطنة هذا تفكير لا أقول إنه قائم على فكرة التآمر، لكنه قائم على فكر ساذج وبسيط. والسياسة لا تقوم على هذا، بل على ما يظهر للناس. هي فن التعامل مع الوقائع والمستجدات والحوادث على الأرض والنوازل. وهذا ما اتخذته الحركة الإسلامية من سياسات علنية كلها آزرت الوحدة رغم أنها كلها لم تكن متفقة على الوحدة. والدليل على ذلك أن هناك منبر اسمه منبر السلام العادل خرج من بطنها معترض على هذه السياسات، والدليل على أن هناك كثيرين داخل الحزب نفسه ظلوا ولم يخرجوا وكان عندهم تحفظات، ولكن التيار الأغلب الذي عبرت عنه المؤسسات كان مع الوحدة .. أنا شخصياً (أقول لكم سراً) لم أكن مع الوحدة ليس لأنها كعبة، بل أنها غير ممكنة وغير واقعة وممكنة، فحتى لو اختار الجنوبيون الوحدة سيكون هناك انفصالاً بحكم الواقع، ما لم نعمل عبر تغيير المجتمع الثقافي لتغيير هذا الواقع. التغيير السياسي لن يصنع الوحدة، الوحدة يصنعها التغيير الثقافي والاجتماعي والفكري. وواقع الحال في هذا الجانب الذي عبر عنه الاستفتاء أن هذه الوحدة الاجتماعية الثقافية والنفسية ولذلك الوحدة السياسية ستكون أمر مصطنع، وستكون مجرد make up (مكياج) للوجه.
تجاوزتم ذلك كله وذهبتم مباشرة إلى الجمهورية الثانية؟
هذا فهم سطحي .. لا يوجد شيء اسمه جمهورية ثانية بدأت. نحن تحدثنا عن جمهورية ثانية وهي تبدأ بالاتفاق على دستور ينشئها. الجمهورية نظام حكم غير ملكي فيه السلطة للجمهور يفوضها بالانتخاب لجهة معينة أو حتى بالاختيار، هذا النظام له تفاصيل داخله يكون رئاسي أو برلماني أو مختلط وفيدرالي أو غير ذلك. عندما نتحدث عن جمهورية ثانية يعني هذا وجود ترتيبات دستورية جديدة في البلاد سننشيء نظام دستوري جديد. الآن الجمهورية لم تبدأ ونحن لا نزال مستمرين في الدستور الانتقالي، وبدأنا النقاش الداخلي والاتصالات في بلورة رؤية جديدة للمرحلة الجديدة. ليس بمعنى بمجرد انفصل الجنوب أن هناك جمهورية ثانية.
هل يعني ذلك أن مسلمات الجمهورية الحالية ستكون خاضعة للنقاش بمشاركة كل القوى السياسية؟
طبعاً.. أنت لا تستطيع أن تملي الدستور على الناس، وإلا سيكون ملزم فقط لمن يقتنع به. نحن محتاجون لتوسيع دائرة الحوار الدستوري، ثم بعد ذلك نوسع إلى أقصى مدى دائرة الاتفاق الدستوري.
لكن القوى السياسية قد تشكك في ذلك؟
نحن على المحك.. جربونا. لكن إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه، الذين يقولون ذلك سيئون وظنهم سيء. نحن أولاً نريد أن نرضي الشعب السوداني، هذا الرضاء هو عربون مقبوليتنا لدى الشعب السوداني، وسنفتح الأبواب مشرعة إلا لمن أبى.
ما رأيك فيمن يقول أن دستور 1998م جيد ويصلح للمرحلة المقبلة؟
هذا مجرد رأي من أراده فليقله في المناقشات حول الدستور، ليس هناك دستور مبرأ من العيوب، وإذا مرت علينا التجربة واستطعنا اكتشاف هذه العيوب فلماذا لا نصححها؟..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.