قيادات المسلحين في نيروبي وأبو ظبي ترغب في العودة للسودان بدون ثمن العدل والمساواة أحوج ما تكون للتفاوض أكثر من أي وقت مضي..! مشاركة الرئيس في قمة الدوحة أكدت ان المحكمة الجنائية ليس لها سند خارجي خليل مستغل لأغراض صغيرة ضد السودان، وعبد الواحد ميئوس منه التأييد الداخلي للحركات المسلحة أنكمش وتناقص، وهذا سيعجل بعملية السلام خدمة (smc): مدخل: بالرغم مما أفرزته قمة الدوحة التي عقدت مؤخراً من مواقف مساندة لرئيس الجمهورية ضد افتراءات المحكمة الجنائية، إلا أن قرار الحكومة بطرد عدد من المنظمات قد أشعل الملف بصورة غريبة، وسعت عدد من الدول بشكل حثيث لعودة المنظمات أكثر من سعيها لحل القضية. الحكومة بدورها تمسكت بقرارها مستندة علي أن هذه المنظمات ما هي إلا أجهزة استخبارات صغيرة تتجول بحرية مستخدمة الجواز الإنساني، الذي بات الأكثر استخداماً في الإيقاع بالدول وإدخالها قسراً في نفق الابتزاز. حول قمة الدوحة والموقف العربي القوى وإمكانية تأثيره لتغيير بعض المواقف ضد السودان، وحول الدور الفرنسي المزدوج، وما ورد من تطورات بشأن مواقف حزب المؤتمر الشعبي ، والدور الأمريكي، والحركات المسلحة وإستراتيجيتها المستخدمة في ظل الوضع الحالي، كان للمركز السوداني للخدمات الصحفية هذا الحوار مع مستشار رئيس الجمهورية المهندس عبد الله مسار، والذي أجاب عن كل الاستفسارات بصراحته ووضوحه المعروفين:- بداية سعادة المستشار ما هي دلالات زيارة البشير للدوحة لحضور القمة العربية، وهل سيغير المجتمع الدولي نظرته بعد ذلك أم سيصف السودان بالمتحدي؟ زيارة الرئيس للدوحة خرج منها السودان بثلاثة أشياء رئيسية، أولاً مساندة القادة العرب والعالم العربي لقضية السودان، والجانب الثاني كسر حاجز المحكمة الجنائية الدولية والتعقيد والتعتيم الذي أريد أن يظل الرئيس السوداني فيه ،وكذلك أن يظل البشير حبيساً وسجيناً في داخل السودان، حتى لا يمارس حياته الدستورية التي فرضها القانون، والجانب الثالث والأساسي هو مقابلة أجهزة الإعلام العربية والعالمية وشرح قضية السودان في المحافل الإقليمية والدولية. وأعتقد أن زيارة الرئيس حققت كل هذه الأهداف، فاولاً هناك موقف قوي جداً من قضية المحكمة الجنائية الدولية والوقوف ضدها، والسودان حقق في هذه القمة ستة نقاط أساسية فأولاً: اوصت القمة بالغاء قرار التوقيف والوقوف ضد المحكمة الجنائية، حيث أتخذ القادة العرب قراراً بإلغاء مذكرة الجنائية بدلاً عن رفضه أو تأجيله، وهذه مهمة جداً، وكذلك كسب السودان اتجاه نحو انسحاب الدول العربية الموجودة في هذه المحكمة، باعتبار أنها محكمة ظالمة وغير عادلة. كما حظي السودان من خلال طرده للمنظمات المشبوه العالمية بمساندة مالية عربية، حيث تكفل العرب بدفع ثمانية ملايين دولار شهرياً لدارفور لتغطية الفراغ الذي خلفته هذه المنظمات. والجانب الرابع أنها أكدت علي الموقف العربي من قضية دارفور، وأمنت علي المبادرة القطرية المدعومة من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة. وواحدة مما حققته هذه الزيارة أيضا أنها أكدت أنه لابد من أن يكون الحل سلمياً لقضية دارفور، ولابد للعرب من أن يساهموا في ذلك بدعم وبناء دارفور، وكذلك أمنت الزيارة علي التحرك العربي الأفريقي المشترك في إطار دارفور والجنائية الدولية، وهذه من الأشياء الأساسية، وبذا كسَّر السودان القرار، ولم يجعل الرئيس موجوداً فقط في الداخل، ولم تُشل حركة الرئاسة. أكد السودان يستطيع أن يتحرك لأي موقع، وأن الرئيس يمكن أن يتحرك لأي موقع من المواقع، وقطع بذلك رحلة كبيرة وجاء عائداً من السعودية، وهذه زيارة أخري. وهنالك موقف قوي من الإعلام الخارجي، وحتى عندما هبطت الطائرة ونزل منها الرئيس صفّق حوالي ألف إعلامي، والقنوات الفضائية انتبهت لهذا الأمر. وحاولت اجراء مقابلات مع بالرئيس. كذلك استفاد الرئيس من الزيارة وحضر القمة العربية اللاتينية وهذه اكدت وامنت علي المقترح الذي تقدمت به الجامعة العربية. وبهذا استطاع السودان أن يؤثر علي مجتمعه العربي والقادة العرب ويأخذ موقف قوى جداً منهم، واستطاع أن يحصل علي موقف أضافي من قادة أمريكا اللاتينية وهي (15) دولة، وهي قوى كبيرة جداً وليست سهلة. وفي تقديري أنه كسب كثيراً من هذه الزيارة، وأكد أن رئيس السودان ليس هو ذلك الشخص المعزول من الداخل والخارج ،وأكد أن هذه المحكمة ليس لها سند خارجي بقدر ما هي محكمة سياسية ظالمة أكثر من كونها قانونية، وأداة من أدوات الاستعمار لتركيع الدول التي لها رأي في النظام العالمي الجديد، ولذا حققت الزيارة الكثير وكان الرئيس نجم ذلك المؤتمر. وحتى القمة نفسها أعطتها زيارة الرئيس زخماً، وكان يمكن أن تكون كسابقاتها، الا ان مشاركة الرئيس غيرت مجري تاريخ القمم السابقة كلها. هل تتوقع أن يطوي ملف دارفور بعد تصعيد قضية الرئيس رغم المواقف المبشرة التي قلت بها، حيث يعتقد الكثيرون أن الاستمرار في ملاحقة الرئيس لا يخدم السلام في دارفور ؟ القضية في النهاية ليست قضية عدالة، بل تسييس في العدالة، واستعمال العدالة لقضايا سياسية. والمحكمة نفسها قامت علي هذا الأساس، لأن تاريخها ليس بالتاريخ المشرَّف، هي لم تحاكم حتى الآن إلا الرؤساء الأفارقة مثل جوزيف كوني وشارلس تايلور. المحكمة نفسها جزئية لأنها بدأت في العام 1998م ولم تكتمل إلا في 2002م، وأعتقد أن لدي المحكمة من العيوب والنواقص. الآن بالاتجاه الذي سلكه السودان، وبالحركة الدوؤبة التي قام بها الرئيس، نستطيع أن نقول أن هذه المحكمة ستكتب شهادة وفاتها، بدليل أنه أذا انسحبت منها الدول العربية الثلاث، والدول الأفريقية التي تبلغ (37) دولة، وسيقرر ذلك في قمة قادمة في شهر يوليو القادم، هذا يعني ان ثلث هذه المحكمة سينسحب. وإذا أنسحب منها قادة أمريكا اللاتينية وكذلك دول أسيا فإن المحكمة لن تقوم علي أسس كبيرة ،لأنها قامت علي أساس الدول الفقيرة حتى تحقق حقوق الإنسان وتحاكم الكبار، ولكن أنسحب منها الكبار ليحاكم الصغار، والوضع الطبيعي أنها تحاكم بوش والمجرمين الكبار، لأن هؤلاء يملكون الحق في الوصاية علي العالم، فالمحكمة علي ذلك لن تقوم بمحاكمتهم، بل تحولت المحكمة عن أهدافها المتمثلة في حماية حقوق الإنسان وإيقاف الإبادة الجماعية، ولكنها تحولت إلى معاقبة المستضعفين في الأرض وإحداث مزيد من الإبادة الجماعية والصراعات في الدول، وأداة تنفذ كثير من المشروعات علي هذه الشاكلة، ولذا أذا استمر السودان في اتجاهه علي أربعة نقاط هامة، أولها التحرك الدبلوماسي وهذا هو الذي بدأ بمؤتمر القمة العربية ثم الاتحاد الأفريقي ثم أمريكا اللاتينية ثم أسيا والدول الأوربية المحبة للسلام والصين والاتحاد السوفيتي، يستطيع أن يجرد هذه المحكمة من واحد من أسلحتها. والنقطة الثانية الزخم الذي وجده الرئيس في الداخل، وهذا أساسي ومهم وينبغي أن نحوله إلى عمل سياسي ووحدة حقيقية وتماسك وترابط في الجبهة الداخلية، وتحول الرئيس بدلاً من أن يكون رئيس للسودان إلى رئيس لكل الأمة، وإلى زعيم إقليمي وعالمي ليخرج من الإطار الصغير إلى الكبير، وهذا يدفعنا إلى حل قضية دارفور، لأنه بخروج الرئيس للدوحة، وزيارته لهذه المناطق الخمس كسر حاجز أنه أولاً: أنه أرسل رسالة للحركات المسلحة بأنهم لن يستفيدوا شيئاً من المحكمة، علي الرغم من أنها أرسلت لهم إشارات سالبة بأنها تقف معهم، لكن الأوضاع انقلبت الآن ولا طريق لديهم إلا بالجلوس للسلام، خاصة وأن أي تأييد داخلي للحركات المسلحة أنكمش وتناقص، ولذا هذا سيعجل بعملية السلام. والشئ الرابع هو ضرورة توحيد الصف الداخلي في دارفور، باعتبار أن القضية أغلبها صراع داخلي وليس خارجي. وتقريب وجهات النظر بين أبناء دارفور فيما بينهم ومع قبائلها وتحالفات جديدة في دارفور تبدأ بسحب البساط من الحركات المسلحة، وتجمع أهل دارفور حول الحل السياسي الداخلي. وهذا يقودنا إلى أن الحل السياسي مهم، ولكن ينبغي إلا يكون بين الحكومة والحركات فقط، بل لابد إن يشمل ذلك مجتمع دارفور، لأن جزءاً منه يشترك في الصراع وجزء آخر لا علاقة له به، بل هنالك متضررون من الحركات المسلحة فلابد من أن يشارك. وإذا استطعنا أن نجمع هذه الفئات من مجتمع دارفور وأن نحرك الحركات المسلحة، يمكن أن نصل إلى حل أذا تحركنا دبلوماسياً، وعلي الصعيد الداخلي يجب التحرك نحو حل القضية وجمع الصف الدارفوري، وبذلك يمكن أن ننهي هذه المحكمة. أصدرت محكمة لاهاي مذكرات مماثلة لعدد من قيادات حركة العدل والمساواة، فهل يمكن أن يحمل ذلك الحركة علي تغيير موقفها الرافض للسلام باعتبار ان المحكمة باتت تستهدف الجميع؟ حركة العدل والمساواة تقوم بمزايدة ورئيسها يزايد حتى يستطيع أن يجد تعاطف من المجتمع الدولي والغربي، ولذلك أعتقد أن سلوكه فيه مذلة لشخصه وأهانة لكونه رجل معروف أنه كان إسلامياً. وهو في النهاية سيتحول لأداة من أدوات الاستعمار الجديد، ليس أكثر ولا أقل، ولذلك هي لن ترضي عنه، حيث أنني سألت عدد كبير من الغربيين في الداخل والخارج فقالوا أنهم يتساوي عندهم الترابي وخليل والبشير، ولكننا نستغل هؤلاء لنحقق بهم مشروعات ضد الحكومة القائمة، ولذلك خليل أو حركة العدل والمساواة الآن مستغلة في اللعبة السياسية الدولية، ولأغراض صغيرة جداً ضد السودان. وعبد الواحد محمد نور أصلاً ميئوس منه لأنه ذهب لإسرائيل وصار جزءا من المنظومة الأجنبية والعمالة وأولئك الذين يتغذون من هذه المنظومة. وفي تقديري فإن البعض الذين يلتفون حول عبد الواحد سيذهبون عنه، والآن بدأ يفقد هذا السند، حيث بدأ كثير من القرويين يفكرون في تغيير عبد الواحد إلى قائد آخر حتى يمرر لهم أجندتهم في الداخل، لأنهم شعروا بأن عبد الواحد صار مشتطاً إلى درجة أنه فقد التوازن. وبالنسبة لخليل فهو يزايد ويظهر دوماً أنه حليف للغرب، وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً. والنقطة الثانية هي أن حركة خليل تقوم علي الجانب القبلي ومن المقربين منه، وإذا لاحظت في مفاوضات الدوحة الاخيرة جاء هو وأخوه.. فماذا يعني ذلك؟ نجد أن المسألة أسرية، وهذه الميزة أفقدته عناصر كثيرة جداً وجعلته يدخل في صراع مع آخرين، حيث خرج منه الميدوب، والآن هناك تذمر كبير جداً من الأرنجا وجبل مون والقبائل العربية القليلة التي هي كانت معه،كل اولئك بدأوا الآن ينسحبون منه، مما جعله يتجه للتجنيد من المعسكرات في تشاد، وهذا لا يمكن أن يدوم أيضا. خليل كان يقف علي مساعدة الرئيس إدريس ديبي والذي أعتقد أنه سيتخلي عنه، لأن لديه مشاكله الداخلية أيضا، وخاصة بعد ان توحدت المعارضة التشادية تحت رعاية تيمان اردمي، وصار مشكوك هناك في كل شخص موالي لتيمان. أنا ذهبت إلى كثير من مناطق تشاد، ولدي معلومات جديدة حصلت عليها تقول بأن مجموعة من حركة خليل بقيادة أبو بكر حامد وتُقد موجودة في الطينة التشادية حتى يجندوا عناصر، وذهبوا إلى منطقة القرعان وجندوا لهم أربعين شخصاً وما زالوا يبحثون عن المزيد من الناس ليجندوهم. هنالك تفتت في الحركة وخيبة امل منها، وهنالك مشاكل خلقتها بعد غزوها لأمدرمان، ومعتقلين ومحاكمين منها من الذين جندوهم ولكن تخلوا عنهم بعد إن نفذوا لهم ما يريدون في معركة أمدرمان. ولذا حركة العدل والمساواة لديها مشاكل، واعتقد أنها الآن أحوج ما تكون للتفاوض من أي وقت مضي، بالرغم من أنها تزايد بأنها موجودة. وصحيح علمت أنهم حصلوا علي دعم وكمية من السلاح والآليات والمعدات، ولكن لا يوجد وجود لرجال، حتى أنهم غيروا منطقة "أم جرس" لمنطقة ثانية، وهي أصبحت مركز تجاري وكان مقصود أبعادهم عنها، ولذلك هم الآن أحوج ما يكونوا للسلام، وكل يوم سيتناقص تأييدهم الخارجي، وفي الداخل تأييدهم ضعيف، خاصة وأن أهل دارفور بدأوا يشعرون بأن الحركات المسلحة قد جاءتهم بالوبال ولم تأتي لهم بخير ،وإذا تحركت من الضعين حتى تصل إلى الميدوب فلن تجد شخص واحد يوافق هذه الحركات، بل العكس أذا وجدوها سيقتلونها لأنها مثلت أدوار "سخيفة" و "تافهة" جداً في التعامل مع المواطنين، بل استعبدتهم بدلاً من أن تحررهم، وأوقفت خدماتهم وتنميتهم، وجهَّلت أبنائهم، ولمدة سبعة سنوات لم يدرس أبناء مهاجرية في مدارسهم وكذلك أبناء قريضة، وأبادت عدد كبير من المواطنين. ووصلت هذه الحركات لمرحلة أنها تقتل الناس وتدفنهم أحياء من شدة العقاب، ونهبت مواردهم وتموينهم، وبالتالي أصبحت هنالك كراهية من أهل دارفور لهذه الحركات، ولذلك لا يوجد أي مؤيد لها، بل هرب منها الكثيرون، وبعضهم يطلب فقط العفو بدون أي طلبات لوظائف في الدولة. ولذا الحركات هذه تكابر الآن وهي في أسوأ حالاتها، وهي أقرب إلى أن تجلس وبسرعة جداً بدلاً من أن تتلاشي وتفقد زخمها، خاصة وأن المجتمع الدولي راهن عليها ولكن لم تأت بجديد، ولذا سينسحب عنها. وتشاد التي تدعمها الآن لديها موقف منها وأصبحت تحسب لمصالحها الداخلية، ووجدت في نهاية الأمر أنها لا قيمة لها، والعالم الخارجي شعر بأنه ورغم المذكرة إلا أن الحكومة السودانية كسبت تعاطفاً داخلياً وخارجياً كبيراً وتأييداً جديداً. وأعتقد أن الحركات الآن ستتجه نحو السلام، والخمس حركات التي وقعت هي بداية لتجميع كل الحركات، ولدي معلومات في أن جزءاً من الناس التابعين للحركات في نيروبي وأبو ظبي وكانوا قادة فيها بدءوا يقولون أنهم يرغبون في العودة للسودان بدون ثمن.