بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    مناوي ل "المحقق": الفاشر ستكون مقبرة للدعم السريع وشرعنا في الجهود العسكرية لإزالة الحصار عنها    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    السودان يطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة العدوان الإماراتي    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلام في القانون والشريعة و(شوية) أحلام مشروعة


بقلم: عادل حسون
حرمتني من لقاء قارئي في أيام الله الجديدة الماضية مشغلتان، الأولى، الجلوس لامتحان مهنة القانون بمواده السبع المعروف بامتحان (المعادلة) وهو الاختبار الذي يقرر مدى أهلية خريج الحقوق لامتهان القانون والاسترزاق منه، ولي معه قصص كثير وتجارب لا حل لي تناول بعضها هذه المرة لأن تصحيح الامتحان جار والنتائج لم تعرف بعد وحتما من غير اللائق الكتابة عنه، ولعله لا يسوغ التعليق على بعض المسائل قبل ذلكما. والمشغلة الثانية بدء إجراءات المحاكمة في الدعوى التي رفعتها أمام قضاء العمل الموقر، على الصحيفة التي كنت أعمل لحسابها، لاسترداد حقوقي الغائبة في متأخرات الرواتب الشهرية، عوض الإجازات السنوية، بدل ساعات العمل الإضافية، مكافأة نهاية الخدمة وشهادة الخبرة بتفاصيلها، إضافة إلى الرسوم والمصاريف وأتعاب محاميي. ولا يجوز لي أيضاً التطرق إلى الدعوى ومجرياتها قبل الفصل فيها بحكم قضائي، ولكني أعدك بالعودة إلى هذين الموضوعين إذا حل الأجل وإذا أمد الله في الآجال على قول أستاذنا أحمد البلال الطيب. وكانت أياماً مدهشة بلا شك، لم تربو على العشرين لكنها أشرت على عامٍ حافلٍ بالقضايا ذات الطابع الفلسفي الديني الثر والسياسي الاجتماعي المثير، فقد اتخذت وجه قانوني ودبت الحياة النابضة وظهر الميلاد في وثيقة الأزهر الشريف ومفاجآت قول القانون في محاكمة الرئيس المنحى حسني مبارك، فأطلقت صرخات الميلاد في وثيقة المبدعين المصريين الموجهة أصالةً إلى الإسلاميين الحائزين على الشرعية النيابية. وئدت صرخة التغيير عبر مذكرات الإصلاح المقدمة من شباب الإسلاميين السودانيين إلى شيوخهم الحاكمين، وعَم وباء إدعاء بالردة وتكفير تفكيري وليس قانوني، للسيد الإمام الصادق المهدي. عطلت صحيفتي (رأي الشعب) الحزبية و (ألوان) المستقلة لداعيات تهديد الأمن القومي وإثارة الشعور العام والبلبلة وسط المجتمع في المثال الثاني، فحملنا هذا وكل ذلك للدواية والحبر الإلكترونيين للكتابة في أفق ما جرى ويجري وآت. فما الروح التي أوجدتها وثيقة الأزهر الشريف؟، وما هي مرتقبات مذكرتي المبدعين المصريين والإصلاحيين الإسلاميين السودانيين في المستقبل؟، وكيف هو مآل محاكمات الرئيس مبارك ورجاله والإمام المهدي واجتهاده على ضوء أس قضية الاتهام في كلا الإدعاءين؟.
(رأي الشعب وألوان).. وبؤس فعلين
أجهل البعض القانون وقد صودرت صحيفة (ألوان) المستقلة بما لها وما عليها من قبل الجهات المختصة أو المعنية كما في لغة القانون في مصر- ويبدو أنه ::بما فيها:: أيضاً تدخل في الجزاء، فكيف يتصور مصير العاملين في الصحيفة وقد حجب مورد رزقهم؟، وأما مصادرته بوصفه مال فذلك يرجع لمالك الصحيفة وحده، وهذا يقودنا إلى الإفتاء في أهمية إعادة التفكير في الملكية الخاصة للصحف والبحث عن صيغ مفيدة للكافة، إدارة وصحفيين ومستهلكين- أجهلوا وأغفلوا أن الإغلاق والمصادرة اختصاصين أصليين للجهة الأمنية المختصة حال قيام ما يبرر هذا العقاب. وأستغرب محاولات البعض الظهور في كتاباتهم بمظهر الأبطال المدافعين عن الحرية الهطالين بالدمع على (تاج محلها)، وهؤلاء غالبا ما يكونون منافقين لأن القانون الذي يمنح هذه الاختصاصات نوقش في قاعة (الشهيد الزبير) للمؤتمرات على مدار ضحى ولم يظهر منهم أحد ليجادل من دافعوا عنه وتبنوه بدعوى نسب مشتملة الأسباب والبيانات في تلك الندوة، وأعني وزير العدل السابق الأستاذ عبد الباسط سبدرات والقانونية والنائبة البرلمانية الأستاذة بدرية سليمان والأستاذ المحامي غازي سليمان الذي عاب على البعض قصد تحويل الجهاز إلى وكالة (سونا) للأنباء كمستودع لجمع المعلومات- بمناسبة لفظ الجهاز يستعجب المرء من كتابة الصحف والصحفيين لهذه الصفة وهم غير عالمين أن لهذا اللفظ مدلول محدد في قانون الأحوال الشخصية لسنة 1991م يختلف تماماً عن المدلل به صفة للجهة المختصة إياها، وهذا خطأ لا يليق بصحافة عمرها قد تخطى المائة وسبع أعوام- فظهر يوم ذاك أن القوم عزموا على تخويل السلطة الأمنية هذين الاختصاصين قانونا وعبر التشريع، وكان القانون المشرع يناقش يومها تحت قبة البرلمان فيما الكتلة البرلمانية لشريك الحكم والمعارضة في آن الحركة الشعبية الجنوبية وقد كانت في الشمال، عكفت ترتقب وتناور وتتهرب من التزاماتها السياسية والأدبية مع المعارضين لتغنم قليل تنازلات موازية مع الشركاء الحاكمين في قوانين أخرى أهمتها وأفقدتها وقارها مثل قانون الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان وقانون استفتاء أبيي وقانون المشورة الشعبية لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وهكذا بدا ذلك إلى النفاق أقرب، ولعل ذات الصفة ظهرت في هذا البعض في الأيام الماضية ممن أستنكر الإيقاف والمصادرة للصحيفتين بشكل غير حقيقي يجوز تكييفه بالنفقي. أما إن كان أولئك لا يعلمون أن مصادرة الصحيفة تطبيق لقانون ضمن الصلاحيات المفوضة للجهة الأمنية بموجب قانونها المنشئ، وأما إن كان ذلك حادث، ولماذا هو يحدث؟ وهل يجب حدوثه أم لا؟؟، فتلك هي الأسئلة التي تقبل الأخذ والرد والحوار وموازين القوى في الشارع السياسي وما يستقر عليه المشرعين تحت قبة البرلمان. كانت تلك مضمون مداخلتي الافتراضية في الخيال مع أستاذنا فيصل محمد صالح في تعليقه لقناة (الجزيرة) ظهيرة صدور القرار. ولكن فلنزدك من العجب آيةً، فهناك قيادي تحريري حاول باستجداء مثير للشفقة تبرير القرار الإداري المسنود بسند القانون، وحاول التشفع بأن سبب الإيقاف كان نشر المادة الصحفية العلانية وأنه ما كان يجب أن تنشر وأن مستشار التحرير لو كان موجودا لما نفذت من مقص رقيبه ولكنه للأسف انتقل للعمل مستشارا لدى صحيفة أخرى، وأن الصحيفة المصادرة كانت هي بيتي الذي نشأت فيه، وبالله يا سعادة قائد الأمان لا تضر صاحبها فإن له سبق في حركة الإسلام ولكن البعض هفا وأغلط في حقكم- لاحظ حقكم وليس حق الدولة والمجتمع المحمي والمكفول بالقانون- ليأتي ويختم محاولته البائسة برجاء مثير للغثيان لمدير الجهاز أن أرحم عزيز قوم ذل وأرجوك أطلق سراح الصحيفة، أتصور أنه أصاب القراء بفتور وغثيان، فما دخل المدير؟، وأين القواعد والقانون، ولماذا نشخصهن هيبة النص وقوله الفصل في وجوه الشخوص ذوي الصفات؟، وكأن معنى ذلك أن القرارات الإدارية تصدر مزاجاً لأشخاص وليس بالاستناد إلى نصوص القانون. وبمناسبة القانون، أستغرب لما لم يتقدم محام المؤتمر الشعبي والأمين السياسي له مولانا كمال عمر المحامي بعريضة شكوى إلى مجلس شئون الأحزاب السياسية بسبب مصادرة جهة الإدارة للصحيفة الناطقة بإسم حزبه، حتى يختبر لنا مدى حجة هذه الجهة المختصة في مقاومة القرارات الإدارية ذات الصلة حال تعسفها؟.
صحوة المذكرات.. مال قومي لا يفهمون
لا شك أن طفو المذكرات على السطح في الأيام الأولى للعام الجديد سلوك حضاري مشجع عليه، مذكرة المبدعين ووثيقة الأزهر الشريف في مصر، ومذكرة الإصلاحيين. ووجه الحضارة استخدام الكلمة والحوار لا البندقية والرصاص، ويلاحظ أن من وجهت له المذكرات في الحالتين يحوز أغلبية التمثيل النيابي وعلى ذلك شهد المراقبون الدوليون في 2010م السودان و 2011- 2012م في مصر وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر بذات شخصه. أصحاب الأغلبية هؤلاء هم بطبيعة الحال حركة الإخوان المسلمين في البلدين بأجنحتها السياسية الحرية والعدالة والمؤتمر الوطني. فأما المذكرة الأولى فجاءت معبرة عن حالة الخوف من كره الممثلون النيابيون الجدد لضروب الفن والإبداع وحرية التفكير والاعتقاد والبحث قدما إلى التكفير وتحريم حركة الإبداع وتجريم الفنون ليغدو هنا المستقبل مقلق ومظلم. ولذا اجتمعت نقابات السينمائيين والكتاب والإعلاميين والموسيقيين والفنانين عموماً على بلاغ لمن بيدهم سلطة التشريع أن أحذروا تقييدنا بلا أسباب معقولة ومناسبة وجوهرية ومقنعة وكافية، فالإبداع مطلق والتقييد بحدود عدم المس بالأديان والعقائد والأعراف والمعتبرات المرعية في المجتمع. وبالطبع لا مهرب للإسلاميين المصريين عموماً من الإصغاء بعين الاعتبار لصرخة الميلاد هذه وإلا خنقت بذرة الحياة الأزلية الخصبة في ولادة الإبداع على بر مصر المحروسة. ولعل مما يفرح ويبث في النفس كثير اطمئنان التوافق الجمعي الغير المسبوق الذي جمع قداسة رأس الكنيسة القبطية بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر تحت سقف الجامع الأزهر الشريف بوجود زعماء الأحزاب الإسلامية والوطنية والقومية واليسارية ورفقة مرشحي انتخابات رئاسة الجمهورية وعديد الشخصيات المستقلة، المعبر عنه في وثيقة تاريخية وبلاغ للناس الحاضرين كافة وإبراء ضميري للمستقبل، أنه لا لبشر أن يحد من حياة أو حرية أو تفكير بشر مثله إلا بالقانون، وهذا لا يعني عبارة (وفقاً للقانون) المفترى عليها من أفاعيل (ترزية) القوانين، ولكن بمعنى التقييد الموفي لمقابل الاحترام من طرف المبدع الفاعل. وفي السودان ظهرت مذكرة للإصلاحيين تكشف بعد أيام أنها من عمل الشباب فيما بدا وكأنه بدء صراع بين الشيوخ والشباب كصراع الأجيال المعطى في علم الاجتماع والتاريخ، والتاريخ يقول بسابقة مذكرة العشرة التي كانت تمهيداً للانقسام الدرامي بين الإسلاميين إلى وطنيين وشعبيين، لكن كان لافتاً أن المذكرة الجديدة، التي انتقدت طول بقاء الشخصيات الحاكمة على كراسي السلطة وتراجعهم عن مرتكزات أصلية في فكر الحركة الإسلامية، جاءت بعكس المذكرة السابقة، فرد عليها بسرعة شديدة وبما جاوز الغاية من الجزاء المعنوي إلى فعل الردع المادي. فإذ كان الرد في السابقة الأولى بشكل تفاعل هادئ أدى إلى انقلاب أبيض أطاح بالشيخ الفقيه وثبت الشيخ القائد، جاء الرد في الثانية أكثر انفعالاً وأوقع صدمة، فقرر على لسان أحدهم وقد نشر ذلك في الصحف أنه مَن تفلت مِن عضوية الحزب، أي المؤتمر الوطني، سيطرد شر طردة من صف العضوية. وتعجبت أيضاً لمقابلة السلوك الحضاري بفعل إرهابي وتخويفي، فهناك ثمة شعرة رقيقة ما بين الكيان الحزبي والكتيبة العسكرية، ويبدو أن من أطلق هذه (الفزاعة) فوق أنه أراد حبس صوت الإصلاحيين، لم يدر أنه كشف عن جانب جديد في حركة التفاعل الداخلي داخل حركة الإسلاميين المثيرة للجدل منذ الأربعينات من القرن العشرين سواء إخوان مصر أو إخوان السودان، وأنها كتيبة حربية وليست كيمونة فكرية سلمية، وفوق ذا فمن ذاق ويلات القمع في الماضي لا يتقبل منه أن يذيق الآخرين ذات الكأس في الحاضر. ولعل العام الجديد أدخل الإسلاميين الحاكمين، أمس واليوم وغدا، في السودان ومصر، في ورطة مبدئية وأخلاقية قياساً على الحكم الشرعي "وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان"، فالإحسان يقابل بمثله، وهذا من اليقيني بالضرورة، ومقدمي المذكرات أحسنوا بالنصح ويبقى أن من يخالف ذلك الحكم فليس يفهم من الدين شيئاً ولا من هذه الحياة وقطعاً لا يفهم في السياسة بتاتاً. ومن العيب أن يكون غير الفاهمين يوصفون بمسمى الدين أو يصفون هم أنفسهم بهذه الصفة وموصفها السياسي.

للسودان لا للمهدي
وفي العام الجديد حاولت إحدى الهيئات الاعتبارية العاملة في مجال الدعوة تكفّير السيد الإمام الصادق المهدي، عبر القانون بعدما كفرته علناً وأهدرت دمه. وبني أمية الجدد هؤلاء حاصل أمرهم أنهم جميعاً لا يعلمون من القانون بالضرورة، فالنص المجرم للردة في القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م لا يدخل فتيا الإمام الصادق المهدي المثيرة لأعصابهم ضمن هذه الجريمة. فقد جاء في تعريف جريمة الردة وعقوبتها في نص المادة (126) بفقراتها الثلاث والمقرر:- يعد مرتكبا جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة. يستتاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فإذا أصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالإسلام، يعاقب بالإعدام. تسقط عقوبة الردة متى عدل المرتد قبل التنفيذ:- وهكذا فالنص يعّرف الجريمة صراحةً، وحسناً فعل حتى لا يترك المجال لأي مدع كذوب أو جاهل الفتا في ذلك، إذ لا يتضمن هذا التعريف أي خطوط حمراء تحجب التفكير. لكنه وضع خطاً واحداً وحيداً لقيام الجريمة متى ما تحقق من وجوده وقعت الجريمة وهو/ ترويج المسلم للخروج من ملة الإسلام سواء قول جهرةً أو فعلاً قاطعاً/ ولعمري لا يلتف ذلك الخيط على رقبة المدعى عليه-نظرياً- الإمام الصادق المهدي، فلا هو روج للخروج عن الإسلام بصريح القول ولا بفعل قطعي الدلالة، ولكنه اجتهد علمياً بحسب وسعه وهو واسع في ذلك وذلك من المعلوم بالضرورة للكافة، أما استخدام فزاعة (إنه لمن المعلوم من الدين بالضرورة) التي ترد كثيرا في حجج التكفيريين، فلا منطق مقنع فيها، فمن ذا يعلم العلم؟؟، وكم ممن يعلم العلم سواه جل جلاله؟، وهل يظن المدعي في حق السيد الصادق أنه يعلم وربنا القائل "سبحان من خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسكم ومما لا تعلمون" وسبحانه القائل "سبحان فوق كل ذي علم عليم"، فأين علمكم، فإن كانت الفزاعة تعني ذي العلم فليس هو العالم وليس بعليم ولا تقييد في العلم أو إطلاق في معنى العالم، فهذا اختصاص حصري لله عز وجل وهذا من الجلي بالضرورة أيضاً. أما الحديث عن أن الإمام المهدي أفتى في جواز محاذاة النساء للرجال في صفوف الصلاة وأن يشيعن الموتى في المقابر ورأيه في ما يسمى بالحجاب، وما إليها من أسباب للإدعاء بالتكفير، فهذه جميعها لا تصلح أساسا لاتهام قانوني طبقاً لنصوص القانون الجزائي وهي مناقضة أساساً لمبدأ شرعية النص الجنائي- لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص مقرر- فهذه حزمة آراء فقهية اجتهادية ليس إلا، إن أصابت فلعاملها أجران وإن أخطأت فأجر واحد، ولكن ليس الجزاء هو عقوبة الردة بأي حال. إذن كان الاتهام شكل من أشكال الانفعال المستمر في وجه كل من يجتهد وتكييف أسباب في غير ما محل للتقاضي لاستخلاص حق لله مدعى به دون سند من شرع وقانون. وعلى الرغم من الرأي القائل بأن (حد الردة) ليس من بين الحدود قطعية الثبوت وبالتالي يقين العمل به، فأدلة من يستندون إلى ذلك من السنة الشريفة حديثين من خبر الآحاد- وهي الأحاديث المشهورة أو الحسنة أو الصحيحة أو الضعيفة التي لا تفيد قطعية الورود واليقين في الاستدلال ولا ينكر جاحدها ولا ترقى هي في درجتها إلى مرتبة أحكام وقواعد القرءان الكريم وأحاديث التواتر عن محمد رسول الله المخبر بها عنه سبحانه وتعالى المتساوين في الدرجة، وذلك إما لشذوذ روايتها أو اضطراب عبارتها أو تأوبلها أو علل النسيان والتناقض والدس والتحريف من رواتها- هذين الحديثين هما ×× من بدل دينه فاقتلوه×× و ×× لا يحل دم امرئ إلا بثلاث، كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس××. ولكن يبقى السؤال من يكفر من؟، فإذا كان اتهام الردة بموجب دفع قانون ونص تجريم وعقاب فهذا أدعى من سيادة الغوغائية وإرهاب التكفير وعودة كهنوت الكنيسة في القرن الواحد والعشرين على أرض النيلين أرض الذكر والذاكرين. وذلك من العيب بالضرورة ولست في مقام المدافع عن السيد الإمام الصادق فهو وحده حجة في المنطق وبمقدوره أن يوكل عشرات المحامين للدفاع عنه-وإن كنت أنصحه بتوجيه اتهام مقابل قبل الشاكي نورده بعد قليل- ولكن لا أريد لبلدي في عصور النهضة والتطور العلمي التي تسود العالم أن يرتد إلى العصور الوسطى المظلمة.

مبارك على ميزان العدالة.. جدل الحقيقة
ولأن مصر عودت العالم على التفرد والتجديد والسبق، فكانت أول دولة تحاكم رئيسها السابق بشكل حضاري لم يكن متصورا في مصر كبلد مركزي الإدارة منذ آلاف السنين. في مصر ينطق بالأحكام الجنائية على وجه القطع واليقين، فالحكم لا بد أن يقوم مقام الحقيقة مشتملاً في تجريمه على بيان مقنع لركني الجريمة المادي والمعنوي، أي السلوك الإجرامي والسلوك النفسي للجاني. ولذا جاءت (محاكمة القرن) كما أسماها التليفزيون المصري مثيرة وغنية بالمادة العلمية. ولأنه قضاء يجري فأظن في هذا المقام جدوى للتعليق على أس الاتهام فقط دون غيره وهو، الاتهام بالقتل والشروع في قتل المتظاهرين في ثورة يناير المصرية. فقد بدا أن الاتهام بنا قضيته على تهم الشروع والاشتراك الجنائيين في القتل ومدى إثبات مسئولية كلٌ من المتهمين بحسب عمله. ولا ضير هنا إذا تخيلنا مبارك يحاكم تحت القانون الجنائي في السودان بذات أسس الاتهام، وعلى ذلك هي محاولة للمقارنة بين النصوص الواجبة النفاذ في القانونين الجنائيين المصري والسوداني على الأساس الذي ترافع به الاتهام المصري في الشق الرئيسي من الدعوى الجنائية. لكنه من المفيد بداية أن نتأمل في إيجاز لأحكام الشروع والاشتراك الجنائي- أو المساهمة- في قانون العقوبات المصري الأساس الذي بني عليه الاتهام دعواه. حيث يفرق قانون العقوبات بين التفكير في الجريمة والتصميم عليها والأعمال التحضيرية التي تعّبر عن ذلك التصميم، وبين الأعمال التنفيذية التي تنتهي بتمام الجريمة أو الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون. ويقرر تبعاً لذلك كما في الفقرة الأخيرة من المادة (45 عقوبات) أن ما يصدر من الشخص في المرحلة الأولى لا يعد جريمة، أي مرحلة التفكير والتصميم والتحضير لارتكاب الجريمة. وكذا فيما قررته الفقرة الأخيرة من المادة (39 عقوبات) أن الفاعل مع غيره يستعير إجرامه من فعله ويعتبر كأنه ارتكب الجريمة وحده، فلا يتأثر بظروف الآخرين وأحوالهم. وهذا يعني أن الشريك في الجريمة لا يعاقب إلا إذا ارتكب الفاعل الجريمة، ولذا تجد القانون قد قرر في نص تال في (م 42 عقوبات) على أنه إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة (كحق الدفاع الشرعي مثلاً) أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به، وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً. أما المادة (45 عقوبات) فتعرف الشروع بأنه هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها. وثبت من محكمة النقض الموقرة قضاؤها والتي قالت في حكم لها مؤرخ في 29 أكتوبر سنة 1934م // إنه لا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة، بل يكفي لاعتبار أنه شرع في ارتكاب جريمة أن يبدأ بتنفيذ فعل ما سبق مباشرة على تنفيذ الركن المادي لها ويؤدي هذا الفعل إلى ارتكابها حتماً//. ولذا أعتبر// من الأعمال التنفيذية في الحريق العمد سكب سائل البترول على نافذة ماكينة طحين متى كان الفاعل يحمل أعواد الثقاب بقصد إشعال النار فيها//.. حكم نقض مصرية 30 مارس سنة 1959م مجموعة أحكام النقض س 10 رقم 80 ص 260 ورد ضمن (شرح قانون العقوبات) القسم العام تأليف د. محمود محمود مصطفى، جامعة القاهرة، الطبعة التاسعة 1974م. فقضي- مثلاً في جريمة القتل- وهي إحدى الاتهامات بحق الرئيس السابق مبارك// أنه يكون الجاني مسئولا عن الوفاة إذا توافرت بينها وبين فعله علاقة السببية فيما بين فعله والنتيجة المتحققة، فإذا انقطعت هذه العلاقة كان الجاني مسئولا عن شروع فقط//. وجاءت العقوبات على الشروع مشددة بجلاء كما في المادة (46 عقوبات) التي تقرر على أنه يعاقب على الشروع في الجناية إلا إذا نص قانوناً على خلاف ذلك، بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا كانت عقوبة الجناية الإعدام، بالأشغال الشاقة المؤقتة إذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤبدة، بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانوناً أو السجن إذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤقتة، بالسجن مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانوناً أو الحبس أو غرامة لا تزيد على خمسين جنيهاً مصرياً إذا كانت عقوبة الجناية السجن. أما المساهمة الجنائية أو (الاشتراك) كما في لفظ القانون الجنائي السوداني، المواد (39- 44 مكررة) وهي تقرر تطبيق هذه الأحكام عند مساهمة عدد من الأشخاص في جريمة واحدة سواء كان المساهمون جميعاً فاعلين أصليين أو كان بعضهم فاعلاً والآخر شريكا. فوحدة النتيجة الإجرامية في حالة تعدد المساهمين لا تستتبع حتماً وحدة الجريمة، وإنما يلزم فوق ذلك وحدة معنوية، ففي الجرائم العمدية يلزم أن يتوافر لدى المساهم قصد التداخل أو المعاونة في إحداث النتيجة، أما في الجرائم غير العمدية حيث لا تتجه إرادة الجاني إلى إيجاد النتيجة الإجرامية، فإن الإرادة تتجه إلى المساهمة في السلوك أو النشاط الذي ينطوي على الخطأ. ومع ذلك إذا وجدت أحوال خاصة بأحد الفاعلين تقتضي تغيير وصف الجريمة أو العقوبة أو العقوبة بالنسبة له فلا يتعدى أثرها إلى غيره منهم، وكذلك الحال إذا تغير الوصف باعتبار قصد مرتكب الجريمة أو كيفية علمه بها. ويذكر أخيرا، أن قانون العقوبات المصري قد نص على جريمة (الاتفاق الجنائي) في (م 48 عقوبات) وعقوبتها فقرر أنه كل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه، بالسجن، فإذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس، وكل من حرض على اتفاق جنائي من هذا القبيل أو تداخل في إدارة حركته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولى المنصوص عنها في الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية. وعلى ذلك قضي بأنه// إذا كان الحكم (حكم محكمة الموضوع) قد أثبت على المتهم أنه حرض على اتفاق جنائي القصد منه ارتكاب جنح سرقات وأدار حركته بجمع الغلمان الذين استخدمهم في النشل ثم تقديم ما يحصلون عليه، فقد حقت عليه عقوبة السجن المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 48 ولو أنها أشد من العقوبة المقررة لجنحة السرقة//.. حكم نقض مايو سنة 1944م مجموعة القواعد القانونية ج 6 رقم 346 ص 475 ضمن المصدر السابق. وأما جريمتي (الشروع) و(الاشتراك) فقد نص عليهما في المواد (19) و (20) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م في الباب الثالث من الكتاب الأول القسم العام ويضم- أساس المسئولية الجنائية وأحكام الشروع والاشتراك والعود والتعدد وتدابير الرعاية والإصلاح للشيوخ والأحداث والمصابين عقلياً- إذ بعدما عّرف الشروع بأنه :- إتيان فعل يدل دلالة ظاهرة على قصد ارتكاب جريمة إذا لم تتم الجريمة بسبب خارج عن إرادة الفاعل:- مضى لتقرير العقوبة في فقرة (1) :- من يشرع في ارتكاب جريمة، يعاقب بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها، فإذا كان فعل الشروع يشكل جريمة مستقلة يعاقب الجاني بالعقوبة المقررة لها:- وبطبيعة الحال الشق الأول من النص يتحدث عن الجريمة التي لم تكتمل ولكن شرع فيها ابتداء وهذه عقوبتها نصف حد العقوبة المقررة للجريمة التي شرع فيها نفسها، والشق الآخر يكمل القاعدة إذ يستثني الشروع المعد جريمة مستقلة بذاتها وهنا يعاقب الجاني بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة- مثال هذه الطائفة من الجرائم جريمة (الشروع في الانتحار) المادة (133) المعاقب عليها بالسجن سنة أو الغرامة أو العقوبتين معاً. كما أن التجريم المركب، للشروع، كجريمة مستقلة، والجريمة محل الشروع، يشبه تشدد التجريم الذي يظهر في جريمة (مواقعة المحارم)، (أي من يرتكب جريمة الزنا أو جريمة اللواط أو جريمة الاغتصاب مع أحد أصوله أو فروعه أو أزواجهم أو مع أخيه أو أخته أو أولادهما أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته) فالنص المقرر لهذه الجريمة في المادة (150) في فقرته (2) يعاقب كل من يرتكب جريمة (مواقعة المحارم) ب:- العقوبة المقررة للجريمة التي يشكلها فعله، ويعاقب في غير الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، بعقوبة إضافية هي السجن مدة لا تجاوز خمس سنوات:- وهذا بمقتضى الحال يختلف عن ما يسمى فقها بالظروف المشددة، كأن تقترن جريمة (الإتلاف الجنائي) المنصوص عليها في (م 182)- تقترن بالإغراق أو باستعمال النار أو باستعمال المواد الحارقة أو الناسفة أو السامة، فتقرر عقوبة أغلظ من عقوبة الجريمة إذا وقعت خالية من أي من هذه الحالات، فتغلظ عقوبة السجن سنتين أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً إلى السجن مدة لا تجاوز خمس سنوات وجواز معاقبته بالغرامة، أو أن ترتكب جريمة (الابتزاز) المنصوص عليها في (م 176)- والمعاقب عليها بالسجن مدة لا تجاوز سنتين أو الغرامة أو العقوبتين معاً، أن ترتكب بالتخويف بالموت أو بالأذى الجسيم أو بالخطف أو بالاتهام بجريمة عقوبتها الإعدام، فتغلظ العقوبة بالسجن بما لا يجاوز سبع سنوات كما تجوز معاقبته بالغرامة- (وأي أن ذلك يعني أنه يمكن للسيد الإمام الصادق المهدي الإدعاء في مواجهة شاكيه بالردة، بجرم ابتزازه، فالشاكي بالردة ضمناً يبتز المشكو ضد بالتخويف بالاتهام بجريمة عقوبتها الإعدام وذلك ابتزاز طبقاً لنص التجريم وهو جرم معاقب عليه وفقاً للقانون). وأما الفقرة (2) من المادة (20) فتقرر:- إذا كانت عقوبة جريمة هي الإعدام أو القطع تكون عقوبة الشروع فيها السجن مدة لا تجاوز سبع سنوات:- وهذا هو الاستثناء الثاني للقاعدة والذي يختلف عن الاستثناء السابق في تحديده لمدى العقوبة على الشروع حال كانت الجريمة محل الشروع معاقب عليها بالإعدام أو القطع- وهي طائفة واسعة من الجرائم مثلت على سبيل الحصر في الجرائم الواقعة على النفس والعرض والمال والجرائم الموجهة ضد الدولة والجرائم المتعلقة بالأديان. أما بشأن جريمة الاشتراك فقد فرقت، المواد (21- 24) شاملة، بين الاشتراك في الجريمة تنفيذا لاتفاق بين الجناة أو الاشتراك دون اتفاق جنائي. فضلاً عن تعيين جريمة الاتفاق الجنائي، وكل رتبت له حكمه فذكرت:- إذا ارتكب شخصان أو أكثر جريمة تنفيذاً لاتفاق جنائي بينهم يكون كل واحد منهم مسئولا عنها كما لو كان قد ارتكبها وحده ويعاقب بالعقوبة المقررة لها:- /و/ :- إذا ارتكب شخصان أو أكثر جريمة دون اتفاق جنائي بينهم يكون كل أحد منهم مسئولا عن فعله، ويعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة التي يشكلها ذلك الفعل:- /و/:- من يأمر شخصا غير مكلف أو حسن النية بارتكاب فعل يشكل جريمة أو يكره شخصا على ارتكاب ذلك الفعل يكون هو مسئولا عنه كما لو كان قد ارتكبه وحده ويعاقب بالعقوبة المقررة لتلك الجريمة:- ويلاحظ أن المشرع الجنائي السوداني توسع في التجريم وإن شدد العقوبة عن رصيفه المصري حين قرر تجريم (الاتفاق الجنائي) وأعتبره جريمة قائمة بذاتها تقوم بمجرد الشروع في ارتكاب الجريمة، باستثناء جرائم النفس والمال والموجهة ضد الدولة، وليس تحققها بحدوث النتيجة. فنص في المادة (24) في فقراتها الثلاث على أن:- الاتفاق الجنائي هو اتفاق شخصين أو أكثر على ارتكاب جريمة. فيما عدا جرائم القتل العمد والحرابة والجرائم الموجهة ضد الدولة المعاقب عليها بالإعدام، لا يعد الاتفاق الجنائي جريمة معاقبا عليها إلا بالشروع في ارتكاب الجريمة، وفي جميع الحالات لا يعد الاتفاق المعدول عنه جريمة، من يرتكب جريمة الاتفاق الجنائي يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات، وفي حالة وقوع الجريمة أو الشروع فيها يعاقب بالعقوبة المقررة لارتكاب تلك الجريمة أو الشروع بحسب الحال:- فكيف يا ترى ستمضي محاكمة مبارك ورجاله؟، وهل كان القانون الجنائي السوداني أرأف له، سلوا عن ذلك شهداء الجزيرة أبا؟.
التكفير.. ردة لسطوة الكنيسة
إن اشتباك التكفير يأتي من الالتباس الكبير في معنيي الإسلام والإيمان- نستدل في هذه الأسطر من جزء من مخطوطة عن (وحدانية دين الله) لم تكتمل- فالكتاب أي القرءان هو شريعة والأركان الخمسة للإسلام هي أركان للشريعة المحمدية وليس أركاناً للإسلام، لأن الإسلام أشمل وأعم من مجرد هذه الأركان الخمسة. نستدل على زينك من نصوص الكتاب المبين، يقول الله تعالى لعبده إبراهيم "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين"، وهذا يقودنا بدوره لاستخلاص أن اليهود والنصارى قطعاً هم أيضاً مسلمين، إذ يقول العزيز الجليل "إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار وبما استحفظوا من كتاب الله". ويقول عز وجل "إذ قال موسى لقومه إن كنتم تؤمنون بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين"، وفي قوله "وقالت بلقيس إني أسلمت مع سليمان لله رب العالمين"، وفي قوله عز وعلا "وما كنت بجانب الطور إذ ناديت ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم نذير من قبلك" إلى قوله "وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا وإنا كنا من قبله مسلمين". وأيضاً قوله عز من قال "إذ حضر يعقوب الموت قال ما تعبدون من بعدي قالوا إلهك وإله آباؤك إبراهيم وإسماعيل واسحق وإنا له لمسلمون". وغاية هذه الأدلة الشرعية السابقة الإشارة إلى وجود مسلمين قبل ظهور الإسلام في مكة المكرمة. ومما استحلي أن من أول دفاع هذه العصبة من المسلمين التكفيريين الذين كفروا ويكفرون المؤمنين من كل الأديان بغير سند استدلالهم بالآية الكريمة "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"، ولكن وتأسيساً على الأدلة السابقة فهذا الإسلام، بتدبر قليل، يعني في حقيقته كل هذه الديانات السماوية الثلاث وليس دين الإسلام فقط، وإلا فما معنى حكمه تعالى في الآية "شرع لكم من الدين ما وصي به نوح والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"، فالله عز وجل لم يقل "الديانات" ولكنه عني "دين واحد مفرد" في قوله المتقدم. فسيدنا نوح كان مسلماً طبقا للنص القطعي الثبوت والدلالة، فإذن دين نوح وملة إبراهيم هو ذات دين إسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ومن مقدمات إدعاء هؤلاء التكفيريين قوله تعالى "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير"، وجلي من أمر الذكر الحكيم هنا تحذير النبي من إتباع أهواء اليهود والنصارى فهم لن يرضون أن لا يتبع ملتهم وكانت هي الأسبق. لكن من المحسن الخفي أنه سبحانه تعالى يسبب عدم رضا اليهود والنصارى لا لسبق دياناتهم وإنما لعدم علمهم بتمام العلم الذي جاء إلى محمد، ولذا على محمد (ص) أن لا يتبع أهواءهم حتى يعلموا، وبالنتيجة يرضون بدين الله الواحد. هذا النص تلاه نص آخر وكأنه في حكم الناسخ له، إذ يقول عز وجل في ذات السورة "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون". وضمن الذكر العزيز فإنه "يحكم أهل الإنجيل بما أنزل فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" وهذا استدلال آخر إلى أنه لا يعقل منطقاً تكفير معتنقي الإنجيل بهذه العلة، فالله في كتابه الفرقان أمر أن يحكم بما أنزل في الإنجيل، أنأتي نحن البشر لنقول بعكس ذلك؟ وهو القائل "لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم"، (أي القرءان المجيد والإنجيل والتوراة). ولذلك لن نعجب حين نعلم أن النبي الكريم قد قضى- وقد شّرعت لدينا هذه العقوبة كما في القانون الجنائي السوداني الذي هو أيضاً يأخذ بمذهب الإمام مالك ويعتبر شرع من قبلنا مصدر من مصادر الأحكام الشرعية- لرجم الزناة من المحصنين والمحصنات مستنبطاً قضاؤه من التوراة. فقد جاءه صلى الله عليه وآله وسلم، رجلاً يهودياً في قضاء وقضى (ص) برجم الزاني المحصن، فأحتج اليهودي وقد جاء متأملاً أن يقضي عليه بالجلد مائةً وهي العقوبة الحدية المقررة في القرءان، وقد كان متيقناً أن عقوبة الزنا في شريعة محمد الجلد فقط وليس الرجم كما في شريعته الموسوية فقال: جئت لتقضي لي بكتابك، فقال له النبي صلواته وسلامه عليه: أمرت في كتابي بأن أحكم بما أنزل الله في كتبكم. فقضى عليه بالرجم حتى الموت وكان ذلك حكم الشريعة اليهودية في الزاني المحصن ولم يجد النبي الكريم حرجاً من أن يقضي به، فخطاب الشارع الأعلى واضح لا لبس فيه، قطعي الورود قطعي الدلالة، إذ يقول في سببه لنزول هذه الآية الحكيمة "إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار وبما استحفظوا من كتاب الله"، وفي إثباته سبحانه وتعالى لما يعنيه في الآية السابقة فجاء وقال عز من قال "إن كنت في شك مما أنزلنا عليك فأسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ولا تكونن من الممترين" (أي المتشككين والمترددين) وهذا يعني في تدبر بسيط لقوله تعالى أن الكتب السماوية السابقة واحدة وعليك وجوباً الرجوع إليها وتخريج منطاك وتحقيقه. فلنبحث إذن عمن يفتن بين المؤمنين بلافتاتهم المختلفة سواء أن كانوا مسلمين أو من الذميين؟. إذن فلمن المصلحة في تعطيل كل هذه الباحات، بل قل والمشتركات؟؟. ويبدو أن هناك دسيسة وتضليل متعمد ربما يكون من (الماسونية العالمية) أو (تنظيم القاعدة العالمي) أو أي منظمة سرية تخشى الخروج إلى النور وتحيك لمن تحت الأنوار العالية أن يهبط إلى جب الظلام. ولذلك لا أشك في أن هؤلاء التكفيريين بغير علم هم المعنيين في خطاب الشارع إذ يقول جل من قال"هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقاءه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا". إن تكفير بني آدم لابن آدم مثله يعيدنا إلى تسلط كهنة معبد فرعون كما في التاريخ الحضاري القديم لأرضنا وهو تسلط قوي وليس من منطق ودين وعقل، العقل الذي هو أساس ومناط الاختيار والتكليف الرباني بالخلافة والعمارة وقبلهما العبادة.
نحلم ببكرة أبهى وأنضر
هل يسوغ لنا أن نحلم بعالم خال من محاكم التفتيش كما في كنائس القرون الوسطى، خالية من مصدعات التكفير والتخوين وأن نحلم بالاحتكام لسيادة القانون وتدابير العدالة فحق الله يأخذه له القانون وهذا واضح للكافة، وحق المجتمع والناس كذلك، وكذا حق الدولة. لكن هذه الحقوق لا يمكن إحقاقها سوى بإتباع الحق والحقيقة وإعمالهما معاً. نحن نحلم بتسامح فكري ومعنوي وعلى المؤمنين الحكم فيمن جنح ومن أجرم ومن أجتهد صالحا ومن أثار غبارا في صحو التعايش الإنساني بين الجميع. نحلم بعودة المثلث الذهبي للتكامل بين مصر والسودان وليبيا ونتخيل كم القيمة المضافة التي ستعود على الكافة والقريبين والأباعد، بخاصة وأن ثمة مواجهة وزحف قادم كما بدا في أفق خنق إيران وتضييع حق الإنسانيين كلهم وليس الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين في تحرير القدس الشريف وردها إلى حقيقتها الأولى كمجمع للأديان السماوية الثلاثة والجامع بينها. نحلم بهذا المثلث بحيرة للثروات التي تأخذنا إلى مراق الرفاهة الاجتماعية كأشقائنا في الخليج العربي ورفاهم من رزق نفطهم وغازهم. لن نتزوج مثنى وثلاث ورباع كما يفعل التكفيريين والمقبلين على الدنيا في طمع والمحطمين لكينونة المرأة وكأنها سيارة تقتنى، ولا دفع هنا بإباحة الرخصة الشرعية فهي شرعت لغايات محاجية وهي مقيدة بإعمال العدل بين الزوجات ولن يعدل قلب رجل مهما كان حلمه بين أربع نساء أو ثلاث أو اثنتين- فواحدنا من جيلنا الذي رزئ تحت عصر الإسلاميين يكدح سنين طويلة للاستطاعة وبناء عش الزوجية مع واحدة تنتظر وتحسب النجوم، لإكمال نصف الدين الحلال كما خبرنا محمد بن عبد الله الأمين (ص)، يا ترى كم نصف دين أكمل هؤلاء وهم يكنزون الزوجات كما كنزوا الذهب والفضة والخيل المسومة؟. وأجد ثمة قلق، إذ تفكرنا مثلاً في معالجة بضعة فصول من الكتاب الأثري (طبقات ود ضيف الله) لعمل سيناريو سينمائي منها، ولكن مع تخوفات التكفيريين وإرهابهم الأجواء تدفعنا للتخوف بخاصة وأن في بعض شخوص الطبقات من سار على الماء ومن طار في الهواء ومن أبرأ عاجزين ومرضى ومن أحيا الموتى وقصص من معجزات. نحن فقط نحلم بالممكنات ونقتفى أثر الشرع والمشروع منها فهلا تركوا لنا حياتنا وأحلامنا؟ أم سوح المحاكم والقضاء بيننا فيصلاً حتى يظهر الله أمره ولو كره التكفيريون؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.