أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    حياة جديدة للبشير بعد عزله.. مجمع سكني وإنترنت وطاقم خدمة خاص    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    كبش فداء باسم المعلم... والفشل باسم الإدارة!    ((أحذروا الجاموس))    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    مبارك الفاضل..على قيادة الجيش قبول خطة الحل التي قدمتها الرباعية    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غازي والتوهان في طريق معالم الإحياء الإسلامي (2-X) صناعة التاريخ في الهواء

كتب الدكتور غازي في بحثه "صعود الإسلاميين دلالاته ومآلاته" بندوة الإنتباهة:
(يختلف الدارسون في تقصي أصول هذا التيار الحديث، لكن كثيراً من الذين كتبوا حول الموضوع افترضوا أن المحاولات الأولية التي قام بها جمال الدين الأفغاني في دعوته إلى "الوحدة الإسلامية" مثلت وعياً مبكراً بالحاجة إلى رؤية معاصرة يواجه بها المسلمون المتفرقون الموجة الاستعمارية التي نشطت في القرن التاسع عشر. وكما هو معلوم فقد جعل ذلك المزج ما بين السياسة الدولية والإسلام من الأفغاني شخصاً غير أثير لدى الحكام فنفي أكثر من مرة. وبرغم الفوارق الشخصية والفكرية بين الأفغاني وحواريه الإمام محمد عبده، وبرغم اعتراض كثير من الإسلاميين على اجتهادات الأخير، فإن إنتاجه الفكري والفقهي الثر مثل محاولات لصياغة استجابات معاصرة للتحدي الحضاري الغربي. وقد أثّر كلا الرجلين، ولا يزالان يؤثّران، على تفكير كثير من المسلمين المعاصرين.
لكن نقطة التحول الأهم في نشأة التيار الإسلامي جاءت مع قيام الحركة التي أسسها حسن البنا والتي وضعت أساساً أوضح وأشمل لفكر الإسلاميين. لم توفر أفكار حسن البنا إطاراً فكرياً فحسب، بل أضافت قوة عملية لتلك الأفكار من خلال إنشاء تنظيم يجسدها ويدفع الدعوة إليها. ومن هنا تفرع ما أسمي الفقه الحركي الذي كان له دور كبير في تشكيل مفاهيم الإسلاميين في العمل العام وتوليد منظومة جديدة من الأفكار والاجتهادات لمقابلة القضايا المعاصرة. منذ ذلك الوقت لم تعد أفكار الإسلاميين محض جدليات نظرية في الصحائف، لكنها تحولت إلى حركة حيه تتحدى كل صباح الأنماط والتقاليد السائدة.) أ.ه.
هل فعلا كانت نقطة التحول الأهم كما يقول الطبيب غازي متمثلة في التيار الذي أسسه حسن البنا؟ فهل حارب مثلا تيار حسن البنا الاستعمار؟ وإذا كان هنالك تحول فإلى أي اتجاه؟ وهل فعلا أرست حركة حسن البنا أساسا أوضح واشمل لفكر الإسلاميين، أم إنها كانت طابورا خامسا للوهابية؟
نحن نرى كلمات الطبيب غازي أعلاه فضفضة إنشائية لا تستند إلى دراسة ولا تصمد أمام حقائق التاريخ المعاصر القريب أو في القرن الماضي أو الذي سبقه. فقد ذكرنا القليل من تاريخ حسن البنا في المقالة الأولى أن هنالك حاضنتين له ولتنظيمه، المملكة السعودية وبريطانيا. ولكن لم نذكر ماذا كان موقف البنا وجمعيته في قضايا حساسة مثل الثورة الفلسطينية 1933-1936م حين أبحر في عام 1936م الشاب ذو الثلاثين عاما إلى حاضنته الحجاز كما ذكرنا في المقالة الأولى عن محمد حسين هيكل، ومع ذلك لم نرى لحسن البنا صوتا في قضية الثورة الفلسطينية المشتعلة وقتذاك - فمثلا للسخرية نذكر لولا تخليد بعض الشباب الفلسطينيين المعاصرين المناضلين ذكرى عز الدين القسام لما سمع أحدنا بهذه الشخصية!! فهل القاعدة أن يدفن كل من قاتل اليهود والاستعمار؟ ففي نفس العام 1936م أرسل عبد العزيز بن سعود ابنه فيصل بمعية سنت جون فيليبي لإقناع "مكتب الثوار" لكي يوقفوا "الاضطراب" كما كان يسمي آل سعود "الإضراب" في برقياتهم. اقسم لهم الفيصل أن "صديقتنا" بريطانيا ستحل مشكلة فلسطين!! ولعبت عائلة النشاشيبي الفلسطينية دور الطابور الخامس لآل سعود حين نجحت في استمالة بعض أعضاء المكتب وصوتوا ففاز اقتراح وقف "الاضطراب".
وفي سنة 1946م كانت معاهدة صدقي-بيفن الشهيرة، وهي المعاهدة التي وقف الشعب المصري كله ضدها وقد وصمها وإسماعيل صدقي بالخيانة الوطنية، ومع ذلك يقف البنا مع رئيس الوزراء إسماعيل صدقي والملك وحاشيته "المتبرطنة". ماذا فعل حسن البنا في هذه الثورة؟ وقف مع بريطانيا. وقف حسن البنا وتنظيمه في صف إسماعيل صدقي وفي صف الملك وصف البريطانيين في حذاء واحد!! ركب حسن البنا مع حكمدار القاهرة سيد زكي سيارته المكشوفة على طريقة الرؤساء، لكي يهدئ من الجماهير الوطنية الثائرة ويقنعها بالهدوء والسكينة - فقذفتهما الجماهير بالحجارة وبكل ما تيسر. علاقة حسن البنا مع رجل القصر علي ماهر مشهورة وكان كل تاريخه وتنظيمه هما في حالة تحالف مستمر مع القصر الملكي من 1928م وحتى 1948، وكانت علاقة حسن البنا بالقصر والملك قوية جدا همزة الوصل فيها علي ماهر، حتى "إنه" مدح الملك بالفاروق – يقصد الخليفة الثاني- كما فعل علي عبد الله يعقوب مع الملك فيصل حين وصفه بالخليفة السادس، بينما كانت جمهرة تنظيم الأخوان المسلمين ليست اقل من مرشدها حبا في القصر، زفت إسماعيل صدقي بجامعة القاهرة ويمدحه زعيم الأخوان والطالب وقتها مصطفى مؤمن بآيات قرآنية (وأذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا)!!
كانت الست عشر سنة الأخيرة من حياة حسن البنا حافلة وغير اعتيادية. الشاب ذو الاثنين وعشرين ربيعا عام 1928م وحتى الثانية والأربعين 1948م حين اغتيل..أي ست عشر سنة فقط صنع فيها بطل الطبيب غازي ما لم تفعله كل النخب الوطنية المصرية، وكلنا يفهم أن الحراك التنظيمي لا يمكن أن يتم بدون أموال!! فمن أين لجمعية حسن البنا بالأموال؟ قطعا من عبد العزيز آل سعود.
إذا فهمنا أن محمد حامد الفقي أسس جمعية أنصار السنة المحمدية في مصر عام 1926م بدعم صريح وعلني من آل سعود، وكذلك كل المطابع والصحف التي كان يديرها محمد رشيد رضا بدعم صريح وعلني من آل سعود – وصنع منها من يدافع عن ملك آل سعود مثل أحمد أمين الخ، وحين يصبح محب الدين الخطيب السوري وحافظ وهبة المصري يعملان مستشارين لعبد العزيز في شؤون كل من سوريا ومصر، فلماذا لا يتخيل أحدكم أن حسن البنا كان يتلقى الأموال من آل سعود؟ (أنظر الصورة حافظ وهبة المصري المستشار مع أكبر أبناء عبد العزيز الأمير سعود في قطار متوجها للإسكندرية عام 1936م)...فالقضية الكبرى بالنسبة لآل سعود هي اختراق البلدان العربية التي كانت سابقا تدمغ الوهابية على إنهم خوارج كان قتالهم واجب شرعي.."طوبى لم قتلهم وقتلوه" كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولقد أبادهم محمد علي بيك الكبير بثلاث حملات عسكرية، كان يجلب شيوخ الوهابية ويسجنهم أو يشنقهم في القاهرة وإسطنبول. كذلك يجب أن يفهم القارئ الكريم أن فتن الوهابية تاريخيا في نجد حيث يخرج قرن الشيطان كما قال نبينا هي ثلاثة مراحل أو فتن، كلما يُبْتَر قرنها حتى ينبت لها قرن آخر، ويعتبر المؤرخون عبد العزيز آل سعود وأبناءه يمثلون الفترة الثالثة للوهابية بدءا من عام 1889م بدعم بريطاني، أي قرن الشيطان الثالث يخرج انطلاقا من نجد – التي رفض نبينا العظيم مباركتها بينما دعا بالخير لبعض جغرافية الجزيرة العربية وقبائلها.
فحسن البنا أستخدم الخدعة ولا نقول التقية..فالتقية واجبة شرعا حين يستهدف دمَ المؤمن الجبتُ والطاغوت!! لقد استفاد حسن البنا من النظام الليبرالي الديمقراطي في عصره..ليعمل فيه هدما بتنظيم خفي مسلح!! وطبقا للخدعة بدأ حسن البنا بجمعية اجتماعية في العلن ولكنها في الباطن جمعية سياسية أي حزب قبل أن تتحول إلى حزب فعلي بوحي ودعم من آل سعود، مع جناح عسكري خاص سري يسمى التنظيم الخاص. فحسن البنا لعب سياسيا حين وقف في صف الملك وقصره ضد الشعب المصري في كل تفجرت الثورات الوطنية أو الأحداث الوطنية المتقطعة من فترة لأخرى في مصر!! وهذا الموقف منه يتماهى مع الدور السعودي التحالفي تجاه البريطانيين!! فاغتال حسن البنا القاضي أحمد الخازندار باشا في 22 مارس 1948م. ثم أغتال حسن البنا بوحي سعودي بريطاني الرجل الذي قال للبريطانيين في مجلس الأمن.."أخرجوا من بلادنا أيها اللصوص!!"، وهو رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا في 28 ديسمبر 1948م أي بعد عشرين يوما من حله لجماعة الأخوان المسلمين المدججة بالسلاح بخفية!!
ويوضح إخلاص حسن البنا تجاه أولياء نعمته أل سعود أكثر حين أخرج مكتب الإرشاد منشورا للأعضاء بعدم قتال البريطانيين على القناة أو في فلسطين عام 1948م. فتمرد على المنشور بعض أعضاء التنظيم بل خرجوا على التنظيم نفسه، وقاتلوا في فلسطين بخلاف التنظيم!! تماما كما يفعلون هذه الأيام، حين أصدر التنظيم عدم الخروج في مظاهرات ضد حسني مبارك وضد المجلس العسكري، فخرج بعضهم تمردا أو خلافا على التنظيم!! وإلى هذه اللحظة ينافق إسلاميو مصر المجلس العسكري ضد الذين صنعوا ثورة 25 يناير وضد تطلعات الشعب المصري باسم "العقلانية" تارة وتارة أخرى تحصنا ضد "الفوضى" الخ بينما يفوت على معظم المراقبين أن الموقف الإسلامي الحركي المصري يتماهى مع الموقف السعودي الأمريكي الداعم للمجلس العسكري. وقد ذكرنا في المقالة الأولى أن باراك أوباما بخلاف بوش الصغير يطبق سيناريو بندر بن سلطان بحذافيره – فالولايات المتحدة الأمريكية الآن تدعم الإسلام السعودي-الأمريكي-البريطاني، الذي زرعه آل سعود بدعم بريطاني منذ 1920م.
باختصار، لقد حاول الأخوان المسلمون في السنوات القليلة الماضية تجميل تاريخهم ببعض مواد التجميل عبر الأكاذيب التي يؤلفونها بإصدارات تنفي عن سيرتهم أسلوب اغتيال الخصوم وتمجد دورهم المزعوم في مكافحة الاستعمار – وهذه حقا من الأكاذيب، مثل كتاب محمود الصباغ: (حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان.)، ولكن بشكل أكبر في هذه الأيام عندما أصبحوا جزءا من السلطة المصرية عبر الصناديق الانتخابية نجدهم بدأوا في استغلال الماكينة الإعلامية، أدخل على هذه الوصلة:
http://www.rosaonline.net/Weekly/News.asp?id=59988
في مقالة أخرى سنفصل كيف قتلوا النقراشي والخازندار، وكيف اعترفوا لاحقا، ولكن في هذه المقالة نود أن نشير أن الطبيب غازي ركَّبَ حركة حسن البنا تركيبا مفتعلا كاستمرارية وامتداد على ظهر السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني والشيخ محمد عبده بلا حق، وهذا تجافي وتطاول على حقائق التاريخ المعاصر!! فالرجلان العظيمان منبوذان من قبل آل سعود ودول الخليج ومن لف لفهم..لا لشيء سوى إنهما حاربا حليفهم الاستعمار البريطاني!! وأفضل من كشف علاقة البنا بقصر فاروق الفاسد هي الكاتبة الباحثة د . كاريمان إبراهيم المغربي في كتابها "الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى سيد قطب". بيد أننا لا نرغب في هدر الكثير من الطاقة في تبيين علاقة المؤسس التاريخية بالقصر المعروفة، فهي منشورة في أراشيف الصحف المصرية، إذ يكفي أن تعلم ماذا يعني وقوف تنظيم الأخوان المسلمين مع الملك فاروق وضد حزب الوفد حتى تفهم أن المحرك الرئيسي هي نجد، لكننا نود أن نحصر أنفسنا في التحليل على كلام الطبيب غازي صلاح الدين العتباني!!
بعد أن أثبتنا إنه لا يمكن لحسن البنا أو تنظيمه أن يعادي الاستعمار البريطاني ناهيك أن يقاتله، نأتي لقول الطبيب غازي العجيب: أن نقطة التحول الأهم في نشأة التيار الإسلامي جاءت مع قيام الحركة التي أسسها حسن البنا!! ونستغرب أكثر حين نقرأ قوله (والتي وضعت أساساً أوضح وأشمل لفكر الإسلاميين. لم توفر أفكار حسن البنا إطاراً فكرياً فحسب، بل أضافت قوة عملية لتلك الأفكار من خلال إنشاء تنظيم يجسدها ويدفع الدعوة إليها. ومن هنا تفرع ما أسمي الفقه الحركي). بل بخس الطبيب غازي الشيخ الترابي حين أدعى ما سماه ب "الفقه الحركي" حين قال: (بل إن بعضهم يزعم أن الإسلاميين قد استفادوا حتى من التجارب التنظيمية لأعدائهم المذهبيين وهم الشيوعيون).
هذا ما قاله الشيخ الترابي فعلا في كتابه "تاريخ الحركة الإسلامية في السودان".
وبهذه الغمزة الخفية –العتبانية- التي قد بل تفوت على العديد من السودانيين، يثبت الطبيب غازي إنه يرمى عواهن الكلام تمجيدا لحسن البنا لا لشيء سوى الرغبة في سحق شيخه السابق. نفس الأسلوب طبقه السلف الأموي، ففي الصواعق المحرقة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن علي ومعاوية فقال: اعلم أن عليا كان كثير الأعداء، ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه، فجاؤوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له!! هذا موقف الطبيب غازي من الشيخ الترابي!! ما لا يعرفه الكثير من القراء أن الشيخ الترابي أساء بعنف لعائلة العتبانية حين كانوا يتذبذبون في مواقفهم السياسية، فأرجع أصول العائلة إلى التركية بمصر وربط أسم "العتبانية" "بعتبة" السلطان والي مصر محمد علي بك الكبير، هذه "العتبة" كان يجلس عليها كل من رغب من الوالي صدقة أو عطية الخ فأطلق المصريون عليهم "العتبانية"، والعهدة للشيخ الترابي. لذا تجد كل من علي، وغازي، وهويدا، وحسن مكي الخ يضعون السم في كأس العسل للشيخ الترابي، فمعظم مقالاتهم فيه هي انطلاقا من عقدة نفسية ترجع لهذه الإساءة – ويتفانون في الإساءة له في قوالب فكرية زائفة!!
فهل فعلا حسن البنا يستحق كل هذا الإطراء؟ ثم ما هو فكر حسن البنا الذي شكل فكرا إطاريا على زعم غازي؟ نقول، إذا بحث الباحث عن فكر حسن البنا سيطول به البحث ويرجع خائبا بخفي حنين!! لا أجد له أفكارا سوى وصاياه تلك العشرة وفيها: تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلم إلا بالخير، واجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإنها من شعائر الإسلام الخ. وبعد أن نفخ في حسن البنا كعادة المزورين حين لا يجدون شيء يستندون عليه، يستدرك غازي، قائلا: (لكن الفكر الذي ورّثه البنا تعرض لإضافات وتعديلات مهمة. من ذلك ما ورد من أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي التي يرى فيها كثير من ناقديهم تأسيساً لمفاهيم العزلة والتكفير) – وهكذا يقر غازي ضمنيا أن البنا لم يطرح فكرا – فلا تغتر بكلمة "ورَّثه"، وأن سيد قطب صراحة من أوائل رؤوس خوارج الوهابية التكفيرية كما سنشير في الفقرة التالية.
وهذا ديدن الحركات السياسية المصنوعة بقوة المال والسلطان والمخابرات، فالمؤسس الأول لا فضل له فكريا على أتباعه سوى توفير الأموال بخفية..وأن يكون همزة الوصل بطرف خفي بأولياء نعمتهم دون علم الأتباع!! فحسن البنا تعلم أن يضع التنظيم في جيبه وألا يُطلِع أقرب الناس إليه تنظيميا ماذا يفعل أو فيما يدور في ذهنه منذ أن صدمه أحمد السكري برفضه دعم السفارة البريطانية للجمعية، ولهذا السبب ترك السكري حسن البنا وتنظيمه بعد أن تشاجرا. لم يفهم أحمد السكري أن خلف الإنجليز يقبع آل سعود!! لذا يلمس الباحث دوما تلك الفجوة ما بين المعلن من قبل التنظيم من عناوين وشعارات ومبادئ وما بين سلوكيات التنظيم – ومن أعرض هذا المرض أن التنظيم لا يتقيد بتفاصيل الواقع الموضوعي – على سبيل المثال لا الحصر عجز التنظيم أن يهفم المرحلة المصرية التي قادها عبد الناصر. وتصطدم محصلة الباحث بحقيقة خفية أن هنالك عقلا فوقيا يدير هذا التنظيم – وبدون شك تديره السعودية!! وما يدعم هذا الارتباط بآل سعود، حين نأخذ سيد قطب وتفسيره "في ظلال القرآن" الذي هولوه على أنه تفسير تعجيزي، بينما هو ليس سوى تفسير إنشائي ساذج يستغرق فيه سيد قطب نفسه في الإطناب الأجوف، ونجد في تفسيره الظلال ما ينم عن وعي سلفي مبكر وارتباط مذهبي وهابي بالسعودية، حين يضع في "ظلاله" فاصلة (،) في الآية 55 من سورة المائدة، كتبها هكذا: (وإنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة، وهم راكعون). رغب سيد قطب أن يلغي العطف وأن يطمس من كون الذي ركع أعطى الزكاة وهو في حالة ركوع. ولم يكن سوى الإمام علي بن أبي طالب بإجماع المفسرين. ولم يكن سوى تدليس في القرآن لإرضاء نعاثل نجد!! ومعنى ذلك أن وعي سيد قطب بالخط السلفي الوهابي متقدم جدا. نفس هذه الآية مزقها السروري التكفيري الحاج الأمين محمد في إحدى مقالاته شر تمزيق تحت عنوان: الولاء والبراء.
وكذلك يمهد الطبيب غازي الطريق للمرحلة الأمريكية القادمة أي الإسلام الأمريكي وقد سبقه بالتمهيد علي كرتي حين نصح بشار الأسد في دمشق على أهمية التفاهم مع الغرب!! يقول الطبيب: (من المفيد للدارسين المتعمقين، أن يقارنوا تطور فكر الإسلاميين في السنوات العشرين الأخيرة ليروا مفارقته لبعض الاتجاهات الأساسية لفكر البنا وما تلاه من أفكار سيد قطب والمودودي). يسمي الطبيب غازي "مفارقة" الأخوان المسلمين لثوابتهم التكفيرية المشاغبة في المراحل السابقة مثل تكفيرهم عبد الناصر ومحاربته بتحريض من آل سعود بالتجدد ولتطور. وضرب لتطور الإسلاميين مثلا في قضية الحاكمية (..التي تتخذ حيزاً أقل أهمية في الخطاب الإسلامي الحالي مقارنة بما كانت عليه قبل عقدين أو ثلاثة. وكثير من أفكار الإسلاميين اللاحقة تطورت من خلال مجادلة حية مع الواقع دون أن تنتسب لشخص بعينه). وللمرة الثانية يمارس الطبيب غازي "فاول صريح" في الشيخ الترابي حين يقول: "دون أن تنتسب لشخص معين"..وهذه إحدى أباطيل غازي العتبانية. هذه "المجادلة الحية مع الواقع" هي أطروحة الترابي ضد الإسلاميين المصريين – غازي لا يرغب أن يقول "جدلية" وهو التعبير الهيجلي الشائع وسماها "مجادلة" حتى لا يسقط في التناقض مع نفسه- ونقول مكررين "جدل الواقع الحي" هي قضية وإشكالية الترابي منذ 1973م مع بيعة القيادة التاريخية المصرية، وبسببها رفض أن يعطيها البيعة في نفس عام 1973م فعزلوه وتياره في المحافل الإسلامية الدولية والخليجية. فالترابي ليس بالشخص الذي يتبع القيادة المصرية التي تدار بالريموت كنترول من الرياض!!
ما سماه الطبيب غازي "التطور" بقبول الإسلاميين للديمقراطية يعتبر مزحة سمجة، فقد احتاجوا لهذا "التطور" أربعة وثمانين عاما!! أي احتاجوا إلى أربعة وثمانين عاما منذ 1928م لكي يقبلوا فقط بمقولة "الديمقراطية" وقبول نظام "البرلمان" الذي يعبر عن إرادة الأمة بدلا من أطروحة "أهل العقد والحل" المتخلفة عقليا للماوردي وأبي يعلي الفراء الحنبلي، ويتمسك بها السروريون في جبرة إلى اليوم. كفروا كل هذه المسميات السياسية المعاصرة خلال هذه الثمانية عقود – وما زالوا يكفرونها!! هل نطلق على هذه الخيبة المزمنة تطورا؟ وما هو التطور في نظر الطبيب غازي؟ لم يلاحظ الطبيب غازي أن عدم قبول مبدأ الديمقراطية وتكفيرها الذي رفع شعاره الإسلاميون لعقود ثمانية تأتي كحاجة تكتيكية وإستراتيجية للسعودية، تديرها في كل الأحوال بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من الخلف لصالح الدول الخليجية النفطية. فهل معنى ذلك أننا نحتاج إلى قرن كامل لكل "مقولة" مختلف عليها؟
هذا يدلل أن تنظيم الأخوان المسلمين لا يفكر بعقول أفراده بل هنالك عقل فوقي يفكر نيابة عنه كما قلنا سابقا – فينتفي فيه "جدل التطور" الذي توهمه غازي. ففي فترة الخمسينيات وصل تنظيم الأخوان المسلمين إلى نقطة مسدودة مع الواقع المصري وعجز أن يفهمه موضوعيا بعد أن كفره ووصمه بالجاهلية بفضل الإملاء والإلهام السعودي العلني والخفي، فأضطر الأخوان المسلمون في مصر أن يصنعوا "دولة افتراضية virtual state"، وضع أسسها لهم فتحي عثمان بكتابه الذي أخذ طابع المسودة التنظيمية الداخلية: "الدولة الفكرة". ومعنى "دولة افتراضية" هو أنها دولة عديمة الجغرافيا – على طريقة الديسابورا اليهودية. ولم يكن مكتب الإرشاد الدولي سوى حكومة هذه الدولة الافتراضية. ولقد سخر الترابي من حكومتهم الافتراضية هذه في كتابه المذكور سابقا حين أكد بذكاء أن أية عمل لا يجلس على الجغرافيا هو مثل صناعة "التاريخ" في الهواء!! إذن على الأخوان المسلمين والإسلاميين عموما أن يشكروا الشعب المصري والتونسي الذين اهدياهم فرصة الوصول للحكم..ولا فضل للإسلاميين في هاتين الثورتين، وإلا كانوا وما زالوا كفرقة "حسب الله لاشين" ينفخون في الآلات النحاسية إلى يوم يبعثون، وهم هم الذين عادة ينبعون ما تجود به لهم قريحة وخزينة السعودية من صرعات إيديولوجية من عقدية لأخرى!!
تبقى الحسرة لأمثالي ثم لا عزاء للطبيب غازي حين نؤكد أن صناعة التاريخ يصنعها السعوديون بدعم غربي كامل، وما مقالتي هذه إلا حجرا صغيرا في مجرى النهر، بينما يطفو غازي كقطعة الفلين على صفحة الماء يسحبه التيار ولا يفهم إلى أين، ونواصل..
شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب) و (محلل سياسي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.