لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غازي والتوهان في طريق معالم الإحياء الإسلامي (1-X)
نشر في حريات يوم 21 - 01 - 2012

قدم غازي صلاح الدين العتباني دراسة حول (معالم في طريق الإحياء الإسلامي) ألقاها بقاعة الشهيد الزبير مساء الأربعاء 16/3/2005م في إطار مناشط (هيئة الأعمال الفكرية) للمؤتمر الوطني الحاكم تحت شعار ما أطلق عليه ( العمل الإسلامي.. حقبة جديدة) وقتها في فضاءات ومسميات (حوارات الحركة الإسلامية). ولقد حضر للقاعة ما لا يقل عن خمسمائة من الإسلاميين وقتها وفي يد كل منهم “كشف حساب” على طريقة علم المحاسبة، ولكن تأتي المفاجأة للجميع أن الدكتور غازي حلق بهم في عالم التجريد والبلاغة والأدب!!
اليوم يعيد الدكتور غازي نفسه بقاعة الشارقة في ندوة صحيفة الانتباهة. ومجددا أثبت الدكتور غازي إنه يعيش التيه في الطريق الفكري، فما يزال يصف كافة المسلمين الحركيين وغير الحركيين (ما عدا تنظيمه وتنظيمات السلفيين) بالعلمانيين!! فهل الدكتور غازي الرجل الخطأ في المكان الخطأ في الزمان الخطأ لكي يتحدث في الدين؟ يبدو ذلك، ولقد زعم أحدهم قدحا في الدكتور غازي حين شبه حاله مع الدكتور بالبيت التالي للمتنبي:
وفارقتُ شَرَّ الأرضِ أهلاً وتُربةً بها عَلَوِّىٌ جَدَّةُ غَيرُ هاشَمِ
وهكذا زعم هذا الأحد وهو الذي قذف بالبيت الشعري في وجه الدكتور غازي على إن الدكتور غازي في الإسلاميات مدعي، مثل المهجو الأصلي (بدر بن عمار أمير طبريّة) الذي أدعي نسبه للعلويين بينما هو غير هاشمي!! وهذه من باب السخرية من قبل أبي الطيب المتنبي، لأن العلويين هاشميون بالضرورة.
لقد بدأ الطبيب بداية سيئة حين وصف الحكام والسلاطين في العهود التاريخية السابقة “بالعلمانيين”، وترجمة “العلمانيين” في رأيه هي الآتي: غير ملتزمين بضوابط الدين في معتقداتهم ومعاملاتهم. ولقد أختار الطبيب غازي مصطلح العلمانية في توصيف الخلفاء والسلاطين لكي يحمل المصطلح ما لا يلزم والمزيد من السلبيات رغم أن أدبيات المسلمين تاريخيا زاخرة بوصف كل خليفة وملك وسلطان الخ وبالذات السيئين منهم وما أكثرهم..بصفات مثل الفاسق، والخمير، والفاجر، والدموي، والدوانيقي، وملاعب القرود الخ. ولعل الطبيب أختار استعمال مصطلح “العلمانية” بشكل نمطي مثل غيره من الإسلامويين لكي يؤكد القطبية المتنافرة ويعطي قطب “الحركيين” ميزة تفاضلية على قطب “اللاحركيين”، وهذا يرضي غروره أو غرورهم. الاعتراض هنا من جانبي على استعماله مصطلح العلمانية أن الاسلامويين بجهل لا يفهمون مفهوم ومصطلح “العلمانية” على حقيقته، لقد تم زحزحة مدلوله الحقيقي بخبث، ليس لكي يتمايز الإسلاميين الحركيين ويحتكروا القضية الدينية فحسب، بل أيضا لإقصاء القاعدة الاجتماعية العريضة المتعلمة وهي المؤهلة علميا من أن تبحث بنفسها في تفاصيل الدين الإسلامي. وبهذا الأسلوب المنافق أزاحوا أو جردوا المتعلمين من سلاحهم العلمي، وفرضوا الوصاية على المجتمع العريض، بينما لا يكون “حركيو غازي” إلا القلة القليلة وفيهم من فيهم الجاهل والمدعي والسماعي واللص والمنافق الخ.
كتبت قبل عدة شهور مقالة أصلية عن مصطلح العلمانية، واردفتها بعد بحث طويل بمقالتين إضافيتين لتدعيم المقالة الأصلية، وخلصت فيها أن مصطلح “العلمانية” لا يعني سوى “البيعة” من مصادره الغربية. لفظة “العلمانية” هي مشتقة أو ترجمة للمفردات اللاتينية التالية secular, secularization, secularism، وهي أيضا تعني “الدنيوي أو الدنيوية” مقابل divine وتعني هذه الإلهي. هذه الألفاظ اللاتينية الأربعة لم تستخدم في الغرب إلا في نطاق إشكالية مشروعية الحكم. حصرا بقضية بيعة الشعب “الدنيوية” مقابل مباركة البابا “الإلهية”. ولا نحتاج إلى القول المفصل أن القيصر أو الملك الأوروبي لا يستمد مشروعيته “الإلهية” إلا إذا باركه البابا ومسح بيده “المباركة” على رأسه ووضع التاج بنفسه على رأس القيصر أو الملك المتوج.
أما لماذا تلقف الأخوان المسلمون مصطلح “العلمانية” منذ الخمسينيات وحشوه بكل قبيح وألصقوه بالمجتمع المسلم المُوَحِّد العريض – فهو موضوع يستحق أطروحة ماجستير. ولكن في هذه العجالة نعطي بعض التفسيرات الإضافية دعما لما قلناه سابقا أن “الحركيين” يرغبون بنفاق أن يتمايزوا عن المجتمع المسلم الكلي – لذا يتكاسلون كأن يصححوا موقفهم من مصطلح العلمانية. فمن التفسيرات الإضافية، هنالك سببان رئيسيان حَتَمَا تشويه هذا المصطلح أولهما سياسي: رغبوا أن يدمغوا القوميين في الفترة الناصرية على أنهم ملحدون – وهذه رغبة سعودية سياسية بحتة، والسبب الثاني عقيدي: فعقلية الخوارج هي التي تسيطر على السلفيين، فالخوارج وحدهم هم الذين يفتشون في سريرتك هل تفكر في الله أم لا، وكيف تفكر في الله، وأين هو، وهل هو محدود، وهل سيجلس النبي (ص) على يمينه بالعرش (المقام المحمود) أم لا الخ.
ويفيد أيضا الإصرار على طمس وتشويه مدلول العلمانية في قضية أخرى شائكة. مثلا حتى لا يجد آل سعود أنفسهم مجبرين كأن يعترفوا أن العلمانية في الغرب تعني انتخاب الشعب لحاكمه بأسلوب الشورى الجامعة، أي العقد اجتماعي أو البيعة الإسلامية، أو كأن يعترفوا أن العلمانية هي الشورى عبر الأنخاب ليست إلا. لذا لا يعترف السلفيون بالانتخابات كما علمهم شيوخ آل سعود ولا حتى بالبرلمانات، كما رأينا صاحب الأنتباهة يروج لدستور السروريين المقبل – يريدونها دولة سودانية بدون برلمان وبلا انتخاب. يفضل عبد الحي يوسف في دولته الافتراضية التي يسعى لبنائها في السودان أسلوب “أهل الحل والعقد”.
وقد تلبس الطبيب غازي بالفكر الخارجي في عبارته النمطية التالية:
مصطلح الأحزاب والحركات الإسلامية..(الحركيين) … هي الجماعات التي انطلقت من رؤية كلية معاصرة للإسلام، بحيث أصبح الإسلام عندها محدداً فقهياً وضابطاً شاملا لكل مشارب الحياة بما في ذلك السياسة العامة، مع الاعتبار بحقائق العصر وخصائصه. وقد انبثقت تلك الرؤية من فكرة أساسية هي أن الحياة كلها، الخاصة والعامة، ينبغي أن تكرس لعبادة الله، لقوله سبحانه وتعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
هل أتى الطبيب غازي بجديد؟ كلا لم يأتي بجديد مطلقا. فهذه المقولة كررها غيره كتبرير اعتذاري للهيمنة على الدين دون المجتمع، فهذا الفهم الشمولي للدين والتدين الذي رغبه الطبيب غازي والذي يتعلق بعلاقة الفرد بربه في علاقة ملتحمة هو متوفر ضمنا بحكم طبيعة العلاقة وهي العبودية لله، وهي قضية محسومة يفهمها أي مسلم اعتيادي، الجاهل منهم والمتعلم، فما الجديد إذن؟ تجب الملاحظة هنا أن مضمون عبارة الطبيب غازي ومراميها يتم استغلالها كمبرر “أخلاقي” لإنشاء “حركات إسلامية” أو قيام “أحزاب إسلامية” دوافعها “دينية”، جميعها تقول لك: أنت لا تفكر بربك بشكل شمولي!! أي كأن من حق هذه الحركات الإسلامية أن تتدخل في سريرتك، وأن تتحرى ما في ضميرك..وهكذا كان يفعل الخوارج!! رغم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: “أمرت أن أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر”. فكيف إذن يتدخل كائنا من كان في علاقتي بربي؟
قد نفهم أو نوافق هذه الحركات الإسلامية أن تقيم معززات للدين والأخلاق، أما أن تتدخل في ضمائر البشر أو تحيل من نفسها نقطة القياس فهو جهل صارخ بالدين. ومن معززات الدين مثلا أن تتوفر كل الكتب التراثية بحيادية تامة للمجتمع دون وصاية أو انتقائية من قبل جماعة إسلامية أو غيرها مثل الدولة، وتترك الخلق في حالهم!! ومن السخرية حين نشير مضطرين للخدعة التي تمارسها السلفية الوهابية ومن سقطوا في حبالها، حين جففوا المجتمعات العربية والإسلامية عبر مؤامرة خفية من كل المصادر وكتب التراث الإسلامية، ووفروا لهذه المجتمعات بغزارة كتب بن تيمية وتلاميذه بشكل حصري!! يشبه حال السلفيين مع الكتب والمصادر الإسلامية حال الطبيب غازي، فالطبيب يكون متجنيا حين يمنع الدواء عن المجتمع ومع ذلك يطالبه الطبيب أن يكون سليما صحيحا مبرأ من الأسقام. من هو ابن تيمية شيخهم هذا؟ وما هي عقيدته في التوحيد؟ إذ لا يكفي المرء أن يقول أن الله واحد أحد، يجب أن (ينزه) المرء (الله) عن (مخلوقاته) في الصفات. ولكن حين تتخيل أن لله جسم محشو مثل البشر ويضحك وله فم يتكلم ويجلس كما يعتقد بن تيمية وتلاميذه ومن لف لفه مثل الطبيب غازي وإضرابه – سيهون قدر الله في وعيك، وهكذا يضربون توحيد الله في الصميم، وهكذا تضيع معرفة الله الحقيقية فيهون الفساد على العباد. إذن الحركات الإسلامية المتسربلة بالسلفية هي نفسها التي تصد الناس عن الدين وتنفرهم منه، وهي المساهم الأول في تفشي الفساد الأخلاقي على كل المستويات حين يفشل المجتمع عبر علم التوحيد المشوه كأن يعرف قدر الله حق قدره. والمجتمع أي مجتمع لا يستطيع أن يحصن نفسه ذاتيا إلا عبر توفير المقروء وليس عبر تلك الأشرطة الصوتية الخبيثة التي يوزعها السلفيون كشراك للضحايا لعقيدتهم التوحيدية الفاسدة!! وحين تنعدم البحوث العلمية الحقيقة الجادة، يصبح الفرد الاجتماعي فارغا أجوفا سطحيا يمكن تعبئته بسهولة بعناوين سطحية نحو التكفير والعنف الدموي، بفضل حرمانه من كتب التراث والمصادر الإسلامية!!
مما لا شك فيه، أن السلفيين وإضرابهم حرضوا بأسلوب خفي واستباقي شبكتهم المتغلغلة في الجامعات كأن يزينوا لطلبة الدراسات العليا أن يُحَضِّروا أطروحاتهم حول “الدولة الإسلامية” بشكل اقرب إلى الإغراق، ولقد أطلعت بنفسي على بعضها وهي ساذجة ومضحكة في آن، ويحضرني ذاك العراك على نفس العنوان ما بين البروفيسور محمود حسن أحمد وبين عصام أحمد البشير، وكاد الأول أن يضرب الأخير باليد!! العريف عبد الحي يوسف أيضا تحصل على دكتوراه في “الدولة الإسلامية” أهداها له الحبر يوسف نور الدائم، علما أن هذا “الحبر السلفي” لا يستطيع تفسير سورة الأنفال، ودعك من عريفه يوسف عبد الحي الذي سنكشف لاحقا بمقالة ضحالته الدينية اعتمادا على تحليلنا لبحثه بعنوان: “الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي والدعوى”. وفي هذا البحث أسقط تفكيره التنظيمي بدون وعيه كيفية أن يعمل ليس فقط الدعاة بوحي من تنظيمه السروري بل أيضا كيف تعمل آليات الدولة القائمة أو القادمة التي يحلم بها.
ولكي تلقى المزيد من الضوء على نقطة الطبيب غازي “من هم الإسلاميون” ونفاق الحركات الإسلامية المتسربلة بفكر الوهابية الخارجي، عليك أن تفهم أولا صفات المؤمن الحق، تجدها خمسة صفات في الآيات 2-4 من سورة الأنفال أ) إذا ذُكِر اللهُ وجلت قلوبهم، ب) وإذا تُليَت عليهم آياته زادتهم إيمانا، ت) وعلى ربهم يتوكلون، ث) الذين يقيمون الصلاة، ج) ومما رزقناهم ينفقون….ثم قال المولى مؤكدا.. “أولئك هم المؤمنون حقا”. أي من تتصف فيه هذه الصفات الخمسة هو المؤمن الحق. ولا تنطبق الخمسة إلا على من رحم ربك وهو العليم بخلقه…لذا قال تعالى في ذلك..”لهم درجات عند ربهم” لإستحالة انطباق الصفات الخمسة في جميع المسلمين. ويعني ذلك ليس كل المسلمين المؤمنين في درجة واحدة، بالإمكان أن يكون هنالك مؤمن فيه صفة واحدة فقط، أو صفتان أو ثلاثة، أو أربعة الخ.
دعونا نتحدث عن صاحب الصفة الواحدة: أي الذين يقيمون الصلاة فقط – بينما تنعدم فيهم أو فيه بقية الصفات الأربعة الأخرى!! وهو حال معظم أو جل رجال الحركات الإسلامية!! فهم يلهفون ولا ينفقون، ويسمعون ذكر الله اكبر كل فلا تهتز قلوبهم وجلا ولا يحسون بالخوف، وإذا سمعوا القرآن كأنهم يسمعون خطبة سياسية مملة، ثم لا يتوكلون على ربهم حين يهربون مشفقين من الفقر يتنافسوا لكي يغلوا ما تقع أيديهم عليه فيسقطون في اللصوصية، ومنهم من ينافق السلطان الخ. هل هنالك اعتراض؟ من يعترض فليقل لي المعترض ماذا يعني كل هذا الفساد القائم في المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية إن لم يكن ضعف في الإيمان؟ وهل تكفي فقط الصلاة..الصلاة؟ ومع ذلك ينكرون حدوث الفساد ويتسترون عليه!! يقول الإمام علي عليه السلام في دعاء الصباح: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، من ذا يعرف قدرتك فلا يخافك، ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك!! فهل الذين يمارسون “النهب المصلح” من الحركة الإسلامية عرفوا الله حق معرفته أم هم يعرفون الله بالاسم فقط؟ طبعا بالاسم فقط وإلا وجلت القلوب..وإن لم يحدث وجل القلوب لم يعرفوا الله بعد..الخ
هكذا نثبت للدكتور غازي أن “الحركيين” لا يتميزون عن غيرهم من “غير الحركيين” بشيء، وليس في رأسهم ريشة، ولا يعني انخراطهم تحت لافتة حركة إسلامية إنهم “المؤمنون حقا” وبقية المجتمع ليسوا بمؤمنين طبقا لقول الله تعالى – بل الإسلاميون فسدوا وافسدوا لأنهم احتكروا كل شيء في الدولة السودانية لأنفسهم باسم الدين ولم يوفوا ولم يستقيموا. إذن لماذا كل هذه الضجة وهذا الضجيج؟ لماذا حركات إسلامية؟
قبل أن تستطرد في “لماذا حركات إسلامية” نقول للدكتور غازي ليس هنالك من المسلمين أو أية مسلم أو أية مسلمة من يعارض الإسلام بفطرته، فموقف الإسلاميين من المجتمع المسلم العريض هو موقف مزايدة!! ولا حتى الشيوعيين الطيبين يعارضون الإسلام، وهم الحيطة القصيرة والكرت المفضل لاستغلالهم من قبل الإسلاميين لمآرب أخرى، كما فعل الملك فيصل الذي كان “محاربا لدودا” لعبد الناصر فأستغل كرت الشيوعية وحرض ليندون جونسون فكانت ضربة يونيو 1967م لمصر بطلب وإصرار الملك السعودي، بذريعة أن الشيوعية سيطرت على العالم العربي، مما أثار دهشة الأمريكان أنفسهم!!
ولكن السؤال لأمثال الطبيب غازي هو كيف يطبق الإسلام، وأي إسلام؟
بعد أن خلص الطبيب غازي إلي تعريف من هم الإسلاميون ومن هي الأحزاب الإسلامية، استثنى على “مذبح العلمانية” حزب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي وبالطبع الحزب الشيوعي وحزب البعث والحركة الشعبية الخ من التعريف وأكد على أنهم ليسوا من “الإسلاميين” أو “الأحزاب الإسلامية” أو “حركات إسلامية” طبقا لتلك العبارة السابقة التي أقمنا عليه هذا الجدل. ولا تستغرب قوله لأنه مخلص لعبارته – أو كما قال المتكلم والمحدّث الإمامي الكبير هشام ابن الحكم (ت 179 ه): “أول شغب الرجل تعلقه بالألفاظ”.
فمن هم الإسلاميين في نظره إذن؟ أجاب الطبيب السياسي: تنظيم حسن البنا.
عند هذه النقطة وصاعدا سنركز على تنظيم الأخوان المسلمين الذي أسسه حسن البنا في عام 1928 وكان عمره حينذاك اثنان وعشرون عاما. ولكي نفهم هل أضر تنظيمه بالإسلام والمجتمعات الإسلامية أم أفادها يجب إن نفحصه وتنظيمه في إطارهما التاريخيين، وبالتحديد كيفية نشوء التنظيم وهل كانت ولادته ولادة طبيعية كإفراز طبيعي لحركة الواقع وصيرورته أم صُنِعَ اصطناعا لكي يطبق أجندة خفية. هنالك نقاط غامضة في تاريخ منشأ هذا التنظيم، وقد رفضت دار الوثائق البريطانية الإفراج عن ملف حسن البنا حتى أنها رفضت لابنه سيف الإسلام فتح ملف أبيه. لدا وقد قيل الكثير عن علاقة الشاب ذي العشرين بالسفارة البريطانية وقتها والرعاية والتمويل الذي مده به البريطانيون وحتى تلك السيارة التي أهديت له من قبل السفارة البريطانية، ولكن العلاقة ما بين حسن البنا ومؤسس الدولة السعودية عبد العزيز آل سعود من النادر أن يصطدم بها باحث، ربما بدأت تظهر هذه العلاقة التاريخية في البحوث المستحدثة فقط في هذه الأيام بفضل الانترنيت. ولنبدأ بالنص التالي:
(يطرح د. محمد أبو الأسعاد في دراسته (السعودية والإخوان المسلمون) سؤالا مؤداه..هل هناك علاقة بين تجربة جماعة الإخوان الوهابية في السعودية 1912م وبين تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر 1928؟ ثم يقول «المؤلف» يجيبنا الدكتور محمد حسين هيكل على هذا السؤال الملح والمحير في مذكراته في السياسة المصرية قائلا.. (إنه قبيل سفره للحج في عام 1936 علم أن على ماهر باشا – رئيس الوزراء – يريد أن يعيد العلاقات بين الدولتين السعودية والمصرية.. فذهبت إليه وعرضت عليه معاونته لتحقيق مقصده.. ثم سافرت إلى الحجاز على ظهر الباخرة (كوثر) وإنني لفي بهوها يوما بعد أن ارتديت رداء الإحرام إذ تقدم إلىّ حاج لم أكن قد رأيته من قبل وقدم نفسه، ذلك هو الشيخ حسن البنا، وقد ذكر لي يومئذ أنه ألف جمعية الإخوان المسلمين لتهذيب الناس تهذيبا إسلاميا صحيحا وأنه يطمع في قبولي رئاستها، والرجل لبق حسن الحديث حلو الإلقاء عرفت ذلك عنه في هذه المقابلة وعرفته بعد ذلك أثناء مقامنا بالحجاز فكان يقف في كل جمع خطيبا واعظا يتلو آيات القرآن في مناسبتها ويلقى خطبه في عبارة بليغة وعربية صحيحة وقيل لي وأنا بالحجاز – إن له صلة بالحكومة السعودية وإنه يلقى منها عطايا ومعونة..)- وتؤكد تقارير جهاز البوليس السياسي ما انتهى إليه الدكتور محمد حسين هيكل من وجود صلة لحسن البنا بالحكومة السعودية وأنه يلقى منها عطايا ومعونة وتؤكد هذه التقارير الأمنية أن حسن البنا مرتبط ببعض دوائر الحكم السعودي وله اتصالات مشبوهة بأجهزة النظام السعودي وأنه يسمح له في مواسم الحج بنشاط واسع ويُسْتَقْبَل من رجال الدولة السعودية استقبالا ينم عن الحفاوة والاهتمام الخاص).
هذا النص الهام يشير إلى عدة نقاط هامة، 1) أخوان نجد ويعني ذلك أن الاسم الأصلي للأخوان يرجع إلى إخوان واحة الإرطاوية (مطير وشمر الخ) الذين كفروا بن سعود وأبناءه وقاتلوه في ثورتهم عليه وامتدت أربعة أعوام 1927-1931م حتى قضى عليهم بمساعدة البريطانيين. وفي الواقع أخوان نجد أي الإرطاوية كانوا جنود بن سعود وبسيوفهم أخضع بهم الجزيرة العربية، ولكن خدعهم حين خبأ عنهم علاقته بالبريطانيين، وحين أدركوا تمردوا عليه. ثورة أخوان نجد تسمى ثورة الأخوان العربية وكانت من أكبر الثورات دكتها بريطانيا بالحديد والنار استخدم فيها سلاح الطيران، ووصل فلول قبائل الثوار وعائلاتهم هربا حتى فلسطين مرورا بالعراق والأردن الخ..
السؤال الأعلى في نص د. محمد أبو الأسعاد الذي طرحه إذا ما هنالك ثمة علاقة بين البنا وآل سعود؟ نعم هنالك علاقة، ولكنه لم يصل على كنهها بينما توصلت في بحثي عبر الاستنتاج والتحليل. لقد خاف البريطانيون أن تنتقل ثورة أخوان نجد إلى فلسطين ومصر الخ. ففي مصر وفلسطين كانت هنالك ثورتان وطنيتان مدنيتان ضد المستعمر في حالة إشتعال، لذا خاف البريطانيون أن تتعانق الثورات الثلاثة. وتأتي المصادفة الحسنة للانجليز حين لقطوا حسن البنا بشكل غير محسوب عندما تزوج البنا إحدى بنات أثرياء الحرب المصريين بالإسماعيلية. صهره هذا كان يمون Catering المعسكرات البريطانية القابعة بطول خط القناة، فتوسط لدى إدارة المعسكر البريطاني بالسويس أن يتبرعوا لزوج أبنته لبناء مسجد فتبرعوا، وكانت هذه الحادثة هي التي ربطت البنا بالسفارة البريطانية بالقاهرة. وبعدها زاد كرم السفارة البريطانية من المعونة المالية مع سيارة هدية للدعوة الخ رفض زميله أحمد السكري العلاقة مع البريطانيين وتشاجر معه وترك التنظيم. كل هذا مسجل ومعترف به. وعليه يمكن الاستنتاج أن البريطانيين هم من شجع آل سعود بتبني حسن البنا، والهدف البريطاني هو التالي: 1) أوعز البريطانيون للبنا أو اشترطوا عليه مقابل مساعدته أن يسمى تنظيمه أو جمعيته بجمعية الأخوان. والغرض هو إجهاض اسم “الأخوان” وتفريغه من مضامينه الثورية التي ضمنه إياه إخوان نجد. 2) النقطة الثانية والأهم، ولأسباب تاريخية، معاناة آل سعود وآل عبد الوهاب (آل الشيخ) وجراحهم التي لم تندمل على يد الوالي المصري محمد علي بيك الكبير الذي أرسل ثلاث حملات عسكرية أباد فيها الوهابية وآل سعود، وكان يحمل رجالهم إلى القاهرة واسطنبول ويشنقون على أعمدة الشوارع. أضف إلى ذلك المناخ السياسي والديني في ذلك العصر، فالعالم الإسلامي وقف بقوة ضد الوهابية على أنها فصيل من الخوارج وبتر دابرهم. الخلاصة: لن يجد البريطانيون وآل سعود أفضل من الشاب ذي الاثنين وعشرين ربيعا لكي يُكَوِّن لهم تنظيما لكي يصبح ثاني اختراق سعودي عملي. الاختراق الأول كان علي يد محمد حامد الفقي الذي أسس لهم جمعية أنصار السنة المحمدية عام 1926م. ويعتبر محمد رشيد رضا هو الأب الروحي للصبي حسن البنا والواسطة العملية والنظرية ما بينه وبين عبد العزيز بن سعود.
وهنا يتبادر السؤال العقيدي المذهبي، ما هو التصنيف العقيدي للأخوان المسلمين؟ كل الباحثين يعتبرونهم سلفية على نهج الحنابلة وابن تيمية والوهابية وإن تبرقعوا بمرونة شديدة وتباين في التثقيف الذاتي المنهجي. شخصي الضعيف يؤيد هذه النقطة، وحين أقول للبعض إنهم سلفية يستغربون لقولي لأنهم يركزون بحسن نية على اللافتات وليس يركزون على الجوهر والمضمون الذي عادة يجهلونه!!
خلاصة هذه المقالة: تنظيم الأخوان المسلمين خدم السلفية الوهابية طيلة قرن كامل من عدة وجوه، وتعتبر أهم وظائفه التاريخية دقه “مدماق” عقيدي أحد ثماره شطر المجتمعات المسلمة بثنائيات متعادية antithesis، أي إلى إسلامي وغير إسلامي، علماني وإسلامي، قومي وإسلامي الخ كما يفعل ويقول الطبيب غازي في محاضرته. ونواصل..
شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب) و (محلل سياسي)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.