بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غازي والتوهان في طريق معالم الإحياء الإسلامي (2-X)
نشر في حريات يوم 26 - 01 - 2012


صناعة التاريخ في الهواء
كتب الدكتور غازي في بحثه “صعود الإسلاميين دلالاته ومآلاته” بندوة الإنتباهة:
(يختلف الدارسون في تقصي أصول هذا التيار الحديث، لكن كثيراً من الذين كتبوا حول الموضوع افترضوا أن المحاولات الأولية التي قام بها جمال الدين الأفغاني في دعوته إلى “الوحدة الإسلامية” مثلت وعياً مبكراً بالحاجة إلى رؤية معاصرة يواجه بها المسلمون المتفرقون الموجة الاستعمارية التي نشطت في القرن التاسع عشر. وكما هو معلوم فقد جعل ذلك المزج ما بين السياسة الدولية والإسلام من الأفغاني شخصاً غير أثير لدى الحكام فنفي أكثر من مرة. وبرغم الفوارق الشخصية والفكرية بين الأفغاني وحواريه الإمام محمد عبده، وبرغم اعتراض كثير من الإسلاميين على اجتهادات الأخير، فإن إنتاجه الفكري والفقهي الثر مثل محاولات لصياغة استجابات معاصرة للتحدي الحضاري الغربي. وقد أثّر كلا الرجلين، ولا يزالان يؤثّران، على تفكير كثير من المسلمين المعاصرين.
لكن نقطة التحول الأهم في نشأة التيار الإسلامي جاءت مع قيام الحركة التي أسسها حسن البنا والتي وضعت أساساً أوضح وأشمل لفكر الإسلاميين. لم توفر أفكار حسن البنا إطاراً فكرياً فحسب، بل أضافت قوة عملية لتلك الأفكار من خلال إنشاء تنظيم يجسدها ويدفع الدعوة إليها. ومن هنا تفرع ما أسمي الفقه الحركي الذي كان له دور كبير في تشكيل مفاهيم الإسلاميين في العمل العام وتوليد منظومة جديدة من الأفكار والاجتهادات لمقابلة القضايا المعاصرة. منذ ذلك الوقت لم تعد أفكار الإسلاميين محض جدليات نظرية في الصحائف، لكنها تحولت إلى حركة حيه تتحدى كل صباح الأنماط والتقاليد السائدة.) أ.ه.
هل فعلا كانت نقطة التحول الأهم كما يقول الطبيب غازي متمثلة في التيار الذي أسسه حسن البنا؟ فهل حارب مثلا تيار حسن البنا الاستعمار؟ وإذا كان هنالك تحول فإلى أي اتجاه؟ وهل فعلا أرست حركة حسن البنا أساسا أوضح واشمل لفكر الإسلاميين، أم إنها كانت طابورا خامسا للوهابية؟
نحن نرى كلمات الطبيب غازي أعلاه فضفضة إنشائية لا تستند إلى دراسة ولا تصمد أمام حقائق التاريخ المعاصر القريب أو في القرن الماضي أو الذي سبقه. فقد ذكرنا القليل من تاريخ حسن البنا في المقالة الأولى أن هنالك حاضنتين له ولتنظيمه، المملكة السعودية وبريطانيا. ولكن لم نذكر ماذا كان موقف البنا وجمعيته في قضايا حساسة مثل الثورة الفلسطينية 1933-1936م حين أبحر في عام 1936م الشاب ذو الثلاثين عاما إلى حاضنته الحجاز كما ذكرنا في المقالة الأولى عن محمد حسين هيكل، ومع ذلك لم نرى لحسن البنا صوتا في قضية الثورة الفلسطينية المشتعلة وقتذاك – فمثلا للسخرية نذكر لولا تخليد بعض الشباب الفلسطينيين المعاصرين المناضلين ذكرى عز الدين القسام لما سمع أحدنا بهذه الشخصية!! فهل القاعدة أن يدفن كل من قاتل اليهود والاستعمار؟ ففي نفس العام 1936م أرسل عبد العزيز بن سعود ابنه فيصل بمعية سنت جون فيليبي لإقناع “مكتب الثوار” لكي يوقفوا “الاضطراب” كما كان يسمي آل سعود “الإضراب” في برقياتهم. اقسم لهم الفيصل أن “صديقتنا” بريطانيا ستحل مشكلة فلسطين!! ولعبت عائلة النشاشيبي الفلسطينية دور الطابور الخامس لآل سعود حين نجحت في استمالة بعض أعضاء المكتب وصوتوا ففاز اقتراح وقف “الاضطراب”.
وفي سنة 1946م كانت معاهدة صدقي-بيفن الشهيرة، وهي المعاهدة التي وقف الشعب المصري كله ضدها وقد وصمها وإسماعيل صدقي بالخيانة الوطنية، ومع ذلك يقف البنا مع رئيس الوزراء إسماعيل صدقي والملك وحاشيته “المتبرطنة”. ماذا فعل حسن البنا في هذه الثورة؟ وقف مع بريطانيا. وقف حسن البنا وتنظيمه في صف إسماعيل صدقي وفي صف الملك وصف البريطانيين في حذاء واحد!! ركب حسن البنا مع حكمدار القاهرة سيد زكي سيارته المكشوفة على طريقة الرؤساء، لكي يهدئ من الجماهير الوطنية الثائرة ويقنعها بالهدوء والسكينة – فقذفتهما الجماهير بالحجارة وبكل ما تيسر. علاقة حسن البنا مع رجل القصر علي ماهر مشهورة وكان كل تاريخه وتنظيمه هما في حالة تحالف مستمر مع القصر الملكي من 1928م وحتى 1948، وكانت علاقة حسن البنا بالقصر والملك قوية جدا همزة الوصل فيها علي ماهر، حتى “إنه” مدح الملك بالفاروق – يقصد الخليفة الثاني- كما فعل علي عبد الله يعقوب مع الملك فيصل حين وصفه بالخليفة السادس، بينما كانت جمهرة تنظيم الأخوان المسلمين ليست اقل من مرشدها حبا في القصر، زفت إسماعيل صدقي بجامعة القاهرة ويمدحه زعيم الأخوان والطالب وقتها مصطفى مؤمن بآيات قرآنية (وأذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا)!!
كانت الست عشر سنة الأخيرة من حياة حسن البنا حافلة وغير اعتيادية. الشاب ذو الاثنين وعشرين ربيعا عام 1928م وحتى الثانية والأربعين 1948م حين اغتيل..أي ست عشر سنة فقط صنع فيها بطل الطبيب غازي ما لم تفعله كل النخب الوطنية المصرية، وكلنا يفهم أن الحراك التنظيمي لا يمكن أن يتم بدون أموال!! فمن أين لجمعية حسن البنا بالأموال؟ قطعا من عبد العزيز آل سعود.
إذا فهمنا أن محمد حامد الفقي أسس جمعية أنصار السنة المحمدية في مصر عام 1926م بدعم صريح وعلني من آل سعود، وكذلك كل المطابع والصحف التي كان يديرها محمد رشيد رضا بدعم صريح وعلني من آل سعود – وصنع منها من يدافع عن ملك آل سعود مثل أحمد أمين الخ، وحين يصبح محب الدين الخطيب السوري وحافظ وهبة المصري يعملان مستشارين لعبد العزيز في شؤون كل من سوريا ومصر، فلماذا لا يتخيل أحدكم أن حسن البنا كان يتلقى الأموال من آل سعود؟ (أنظر الصورة حافظ وهبة المصري المستشار مع أكبر أبناء عبد العزيز الأمير سعود في قطار متوجها للإسكندرية عام 1936م)…فالقضية الكبرى بالنسبة لآل سعود هي اختراق البلدان العربية التي كانت سابقا تدمغ الوهابية على إنهم خوارج كان قتالهم واجب شرعي..”طوبى لم قتلهم وقتلوه” كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولقد أبادهم محمد علي بيك الكبير بثلاث حملات عسكرية، كان يجلب شيوخ الوهابية ويسجنهم أو يشنقهم في القاهرة وإسطنبول. كذلك يجب أن يفهم القارئ الكريم أن فتن الوهابية تاريخيا في نجد حيث يخرج قرن الشيطان كما قال نبينا هي ثلاثة مراحل أو فتن، كلما يُبْتَر قرنها حتى ينبت لها قرن آخر، ويعتبر المؤرخون عبد العزيز آل سعود وأبناءه يمثلون الفترة الثالثة للوهابية بدءا من عام 1889م بدعم بريطاني، أي قرن الشيطان الثالث يخرج انطلاقا من نجد – التي رفض نبينا العظيم مباركتها بينما دعا بالخير لبعض جغرافية الجزيرة العربية وقبائلها.
فحسن البنا أستخدم الخدعة ولا نقول التقية..فالتقية واجبة شرعا حين يستهدف دمَ المؤمن الجبتُ والطاغوت!! لقد استفاد حسن البنا من النظام الليبرالي الديمقراطي في عصره..ليعمل فيه هدما بتنظيم خفي مسلح!! وطبقا للخدعة بدأ حسن البنا بجمعية اجتماعية في العلن ولكنها في الباطن جمعية سياسية أي حزب قبل أن تتحول إلى حزب فعلي بوحي ودعم من آل سعود، مع جناح عسكري خاص سري يسمى التنظيم الخاص. فحسن البنا لعب سياسيا حين وقف في صف الملك وقصره ضد الشعب المصري في كل تفجرت الثورات الوطنية أو الأحداث الوطنية المتقطعة من فترة لأخرى في مصر!! وهذا الموقف منه يتماهى مع الدور السعودي التحالفي تجاه البريطانيين!! فاغتال حسن البنا القاضي أحمد الخازندار باشا في 22 مارس 1948م. ثم أغتال حسن البنا بوحي سعودي بريطاني الرجل الذي قال للبريطانيين في مجلس الأمن..”أخرجوا من بلادنا أيها اللصوص!!”، وهو رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا في 28 ديسمبر 1948م أي بعد عشرين يوما من حله لجماعة الأخوان المسلمين المدججة بالسلاح بخفية!!
ويوضح إخلاص حسن البنا تجاه أولياء نعمته أل سعود أكثر حين أخرج مكتب الإرشاد منشورا للأعضاء بعدم قتال البريطانيين على القناة أو في فلسطين عام 1948م. فتمرد على المنشور بعض أعضاء التنظيم بل خرجوا على التنظيم نفسه، وقاتلوا في فلسطين بخلاف التنظيم!! تماما كما يفعلون هذه الأيام، حين أصدر التنظيم عدم الخروج في مظاهرات ضد حسني مبارك وضد المجلس العسكري، فخرج بعضهم تمردا أو خلافا على التنظيم!! وإلى هذه اللحظة ينافق إسلاميو مصر المجلس العسكري ضد الذين صنعوا ثورة 25 يناير وضد تطلعات الشعب المصري باسم “العقلانية” تارة وتارة أخرى تحصنا ضد “الفوضى” الخ بينما يفوت على معظم المراقبين أن الموقف الإسلامي الحركي المصري يتماهى مع الموقف السعودي الأمريكي الداعم للمجلس العسكري. وقد ذكرنا في المقالة الأولى أن باراك أوباما بخلاف بوش الصغير يطبق سيناريو بندر بن سلطان بحذافيره – فالولايات المتحدة الأمريكية الآن تدعم الإسلام السعودي-الأمريكي-البريطاني، الذي زرعه آل سعود بدعم بريطاني منذ 1920م.
باختصار، لقد حاول الأخوان المسلمون في السنوات القليلة الماضية تجميل تاريخهم ببعض مواد التجميل عبر الأكاذيب التي يؤلفونها بإصدارات تنفي عن سيرتهم أسلوب اغتيال الخصوم وتمجد دورهم المزعوم في مكافحة الاستعمار – وهذه حقا من الأكاذيب، مثل كتاب محمود الصباغ: (حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان.)، ولكن بشكل أكبر في هذه الأيام عندما أصبحوا جزءا من السلطة المصرية عبر الصناديق الانتخابية نجدهم بدأوا في استغلال الماكينة الإعلامية، أدخل على هذه الوصلة:
http://www.rosaonline.net/Weekly/News.asp?id=59988
في مقالة أخرى سنفصل كيف قتلوا النقراشي والخازندار، وكيف اعترفوا لاحقا، ولكن في هذه المقالة نود أن نشير أن الطبيب غازي ركَّبَ حركة حسن البنا تركيبا مفتعلا كاستمرارية وامتداد على ظهر السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني والشيخ محمد عبده بلا حق، وهذا تجافي وتطاول على حقائق التاريخ المعاصر!! فالرجلان العظيمان منبوذان من قبل آل سعود ودول الخليج ومن لف لفهم..لا لشيء سوى إنهما حاربا حليفهم الاستعمار البريطاني!! وأفضل من كشف علاقة البنا بقصر فاروق الفاسد هي الكاتبة الباحثة د . كاريمان إبراهيم المغربي في كتابها “الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى سيد قطب”. بيد أننا لا نرغب في هدر الكثير من الطاقة في تبيين علاقة المؤسس التاريخية بالقصر المعروفة، فهي منشورة في أراشيف الصحف المصرية، إذ يكفي أن تعلم ماذا يعني وقوف تنظيم الأخوان المسلمين مع الملك فاروق وضد حزب الوفد حتى تفهم أن المحرك الرئيسي هي نجد، لكننا نود أن نحصر أنفسنا في التحليل على كلام الطبيب غازي صلاح الدين العتباني!!
بعد أن أثبتنا إنه لا يمكن لحسن البنا أو تنظيمه أن يعادي الاستعمار البريطاني ناهيك أن يقاتله، نأتي لقول الطبيب غازي العجيب: أن نقطة التحول الأهم في نشأة التيار الإسلامي جاءت مع قيام الحركة التي أسسها حسن البنا!! ونستغرب أكثر حين نقرأ قوله (والتي وضعت أساساً أوضح وأشمل لفكر الإسلاميين. لم توفر أفكار حسن البنا إطاراً فكرياً فحسب، بل أضافت قوة عملية لتلك الأفكار من خلال إنشاء تنظيم يجسدها ويدفع الدعوة إليها. ومن هنا تفرع ما أسمي الفقه الحركي). بل بخس الطبيب غازي الشيخ الترابي حين أدعى ما سماه ب “الفقه الحركي” حين قال: (بل إن بعضهم يزعم أن الإسلاميين قد استفادوا حتى من التجارب التنظيمية لأعدائهم المذهبيين وهم الشيوعيون).
هذا ما قاله الشيخ الترابي فعلا في كتابه “تاريخ الحركة الإسلامية في السودان”.
وبهذه الغمزة الخفية –العتبانية- التي قد بل تفوت على العديد من السودانيين، يثبت الطبيب غازي إنه يرمى عواهن الكلام تمجيدا لحسن البنا لا لشيء سوى الرغبة في سحق شيخه السابق. نفس الأسلوب طبقه السلف الأموي، ففي الصواعق المحرقة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن علي ومعاوية فقال: اعلم أن عليا كان كثير الأعداء، ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه، فجاؤوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له!! هذا موقف الطبيب غازي من الشيخ الترابي!! ما لا يعرفه الكثير من القراء أن الشيخ الترابي أساء بعنف لعائلة العتبانية حين كانوا يتذبذبون في مواقفهم السياسية، فأرجع أصول العائلة إلى التركية بمصر وربط أسم “العتبانية” “بعتبة” السلطان والي مصر محمد علي بك الكبير، هذه “العتبة” كان يجلس عليها كل من رغب من الوالي صدقة أو عطية الخ فأطلق المصريون عليهم “العتبانية”، والعهدة للشيخ الترابي. لذا تجد كل من علي، وغازي، وهويدا، وحسن مكي الخ يضعون السم في كأس العسل للشيخ الترابي، فمعظم مقالاتهم فيه هي انطلاقا من عقدة نفسية ترجع لهذه الإساءة – ويتفانون في الإساءة له في قوالب فكرية زائفة!!
فهل فعلا حسن البنا يستحق كل هذا الإطراء؟ ثم ما هو فكر حسن البنا الذي شكل فكرا إطاريا على زعم غازي؟ نقول، إذا بحث الباحث عن فكر حسن البنا سيطول به البحث ويرجع خائبا بخفي حنين!! لا أجد له أفكارا سوى وصاياه تلك العشرة وفيها: تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلم إلا بالخير، واجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإنها من شعائر الإسلام الخ. وبعد أن نفخ في حسن البنا كعادة المزورين حين لا يجدون شيء يستندون عليه، يستدرك غازي، قائلا: (لكن الفكر الذي ورّثه البنا تعرض لإضافات وتعديلات مهمة. من ذلك ما ورد من أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي التي يرى فيها كثير من ناقديهم تأسيساً لمفاهيم العزلة والتكفير) – وهكذا يقر غازي ضمنيا أن البنا لم يطرح فكرا – فلا تغتر بكلمة “ورَّثه”، وأن سيد قطب صراحة من أوائل رؤوس خوارج الوهابية التكفيرية كما سنشير في الفقرة التالية.
وهذا ديدن الحركات السياسية المصنوعة بقوة المال والسلطان والمخابرات، فالمؤسس الأول لا فضل له فكريا على أتباعه سوى توفير الأموال بخفية..وأن يكون همزة الوصل بطرف خفي بأولياء نعمتهم دون علم الأتباع!! فحسن البنا تعلم أن يضع التنظيم في جيبه وألا يُطلِع أقرب الناس إليه تنظيميا ماذا يفعل أو فيما يدور في ذهنه منذ أن صدمه أحمد السكري برفضه دعم السفارة البريطانية للجمعية، ولهذا السبب ترك السكري حسن البنا وتنظيمه بعد أن تشاجرا. لم يفهم أحمد السكري أن خلف الإنجليز يقبع آل سعود!! لذا يلمس الباحث دوما تلك الفجوة ما بين المعلن من قبل التنظيم من عناوين وشعارات ومبادئ وما بين سلوكيات التنظيم – ومن أعرض هذا المرض أن التنظيم لا يتقيد بتفاصيل الواقع الموضوعي – على سبيل المثال لا الحصر عجز التنظيم أن يهفم المرحلة المصرية التي قادها عبد الناصر. وتصطدم محصلة الباحث بحقيقة خفية أن هنالك عقلا فوقيا يدير هذا التنظيم – وبدون شك تديره السعودية!! وما يدعم هذا الارتباط بآل سعود، حين نأخذ سيد قطب وتفسيره “في ظلال القرآن” الذي هولوه على أنه تفسير تعجيزي، بينما هو ليس سوى تفسير إنشائي ساذج يستغرق فيه سيد قطب نفسه في الإطناب الأجوف، ونجد في تفسيره الظلال ما ينم عن وعي سلفي مبكر وارتباط مذهبي وهابي بالسعودية، حين يضع في “ظلاله” فاصلة (،) في الآية 55 من سورة المائدة، كتبها هكذا: (وإنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة، وهم راكعون). رغب سيد قطب أن يلغي العطف وأن يطمس من كون الذي ركع أعطى الزكاة وهو في حالة ركوع. ولم يكن سوى الإمام علي بن أبي طالب بإجماع المفسرين. ولم يكن سوى تدليس في القرآن لإرضاء نعاثل نجد!! ومعنى ذلك أن وعي سيد قطب بالخط السلفي الوهابي متقدم جدا. نفس هذه الآية مزقها السروري التكفيري الحاج الأمين محمد في إحدى مقالاته شر تمزيق تحت عنوان: الولاء والبراء.
وكذلك يمهد الطبيب غازي الطريق للمرحلة الأمريكية القادمة أي الإسلام الأمريكي وقد سبقه بالتمهيد علي كرتي حين نصح بشار الأسد في دمشق على أهمية التفاهم مع الغرب!! يقول الطبيب: (من المفيد للدارسين المتعمقين، أن يقارنوا تطور فكر الإسلاميين في السنوات العشرين الأخيرة ليروا مفارقته لبعض الاتجاهات الأساسية لفكر البنا وما تلاه من أفكار سيد قطب والمودودي). يسمي الطبيب غازي “مفارقة” الأخوان المسلمين لثوابتهم التكفيرية المشاغبة في المراحل السابقة مثل تكفيرهم عبد الناصر ومحاربته بتحريض من آل سعود بالتجدد ولتطور. وضرب لتطور الإسلاميين مثلا في قضية الحاكمية (..التي تتخذ حيزاً أقل أهمية في الخطاب الإسلامي الحالي مقارنة بما كانت عليه قبل عقدين أو ثلاثة. وكثير من أفكار الإسلاميين اللاحقة تطورت من خلال مجادلة حية مع الواقع دون أن تنتسب لشخص بعينه). وللمرة الثانية يمارس الطبيب غازي “فاول صريح” في الشيخ الترابي حين يقول: “دون أن تنتسب لشخص معين”..وهذه إحدى أباطيل غازي العتبانية. هذه “المجادلة الحية مع الواقع” هي أطروحة الترابي ضد الإسلاميين المصريين – غازي لا يرغب أن يقول “جدلية” وهو التعبير الهيجلي الشائع وسماها “مجادلة” حتى لا يسقط في التناقض مع نفسه- ونقول مكررين “جدل الواقع الحي” هي قضية وإشكالية الترابي منذ 1973م مع بيعة القيادة التاريخية المصرية، وبسببها رفض أن يعطيها البيعة في نفس عام 1973م فعزلوه وتياره في المحافل الإسلامية الدولية والخليجية. فالترابي ليس بالشخص الذي يتبع القيادة المصرية التي تدار بالريموت كنترول من الرياض!!
ما سماه الطبيب غازي “التطور” بقبول الإسلاميين للديمقراطية يعتبر مزحة سمجة، فقد احتاجوا لهذا “التطور” أربعة وثمانين عاما!! أي احتاجوا إلى أربعة وثمانين عاما منذ 1928م لكي يقبلوا فقط بمقولة “الديمقراطية” وقبول نظام “البرلمان” الذي يعبر عن إرادة الأمة بدلا من أطروحة “أهل العقد والحل” المتخلفة عقليا للماوردي وأبي يعلي الفراء الحنبلي، ويتمسك بها السروريون في جبرة إلى اليوم. كفروا كل هذه المسميات السياسية المعاصرة خلال هذه الثمانية عقود – وما زالوا يكفرونها!! هل نطلق على هذه الخيبة المزمنة تطورا؟ وما هو التطور في نظر الطبيب غازي؟ لم يلاحظ الطبيب غازي أن عدم قبول مبدأ الديمقراطية وتكفيرها الذي رفع شعاره الإسلاميون لعقود ثمانية تأتي كحاجة تكتيكية وإستراتيجية للسعودية، تديرها في كل الأحوال بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من الخلف لصالح الدول الخليجية النفطية. فهل معنى ذلك أننا نحتاج إلى قرن كامل لكل “مقولة” مختلف عليها؟
هذا يدلل أن تنظيم الأخوان المسلمين لا يفكر بعقول أفراده بل هنالك عقل فوقي يفكر نيابة عنه كما قلنا سابقا – فينتفي فيه “جدل التطور” الذي توهمه غازي. ففي فترة الخمسينيات وصل تنظيم الأخوان المسلمين إلى نقطة مسدودة مع الواقع المصري وعجز أن يفهمه موضوعيا بعد أن كفره ووصمه بالجاهلية بفضل الإملاء والإلهام السعودي العلني والخفي، فأضطر الأخوان المسلمون في مصر أن يصنعوا “دولة افتراضية virtual state”، وضع أسسها لهم فتحي عثمان بكتابه الذي أخذ طابع المسودة التنظيمية الداخلية: “الدولة الفكرة”. ومعنى “دولة افتراضية” هو أنها دولة عديمة الجغرافيا – على طريقة الديسابورا اليهودية. ولم يكن مكتب الإرشاد الدولي سوى حكومة هذه الدولة الافتراضية. ولقد سخر الترابي من حكومتهم الافتراضية هذه في كتابه المذكور سابقا حين أكد بذكاء أن أية عمل لا يجلس على الجغرافيا هو مثل صناعة “التاريخ” في الهواء!! إذن على الأخوان المسلمين والإسلاميين عموما أن يشكروا الشعب المصري والتونسي الذين اهدياهم فرصة الوصول للحكم..ولا فضل للإسلاميين في هاتين الثورتين، وإلا كانوا وما زالوا كفرقة “حسب الله لاشين” ينفخون في الآلات النحاسية إلى يوم يبعثون، وهم هم الذين عادة ينبعون ما تجود به لهم قريحة وخزينة السعودية من صرعات إيديولوجية من عقدية لأخرى!!
تبقى الحسرة لأمثالي ثم لا عزاء للطبيب غازي حين نؤكد أن صناعة التاريخ يصنعها السعوديون بدعم غربي كامل، وما مقالتي هذه إلا حجرا صغيرا في مجرى النهر، بينما يطفو غازي كقطعة الفلين على صفحة الماء يسحبه التيار ولا يفهم إلى أين، ونواصل..
(كاتب) و (محلل سياسي)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.