شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد.. صور الفنانة ندى القلعة تزين شوارع أم درمان.. شباب سودانيون يعلقون لافتات عليها صور المطربة الشهيرة (يا بت بلدي أصلك سوداني) والأخيرة ترد: (عاجزة عن الشكر والتقدير)    شاهد بالصورة والفيديو.. طفل سوداني غاضب يوجه رسالة للمغترين ويثير ضحكات المتابعين: (تعالوا بلدكم عشان تنجضوا)    شاهد بالصورة والفيديو.. عريس سوداني يحتفل بزواجه وسط أصدقائه داخل صالة الفرح بالإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد الحاج عبد المحمود يكتب حول دعوة د. عبد الله أحمد النعيم 4. بين تطوير التشريع، وإعادة تفسير الشريعة
نشر في سودانيزاونلاين يوم 24 - 09 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) .. صدق الله العظيم..
يقول د. عبدالله، عن تطوير التشريع، عند الأستاذ محمود: (أحد الحلول الممكنة للجزء الأول من هذه المعضلة هو دعوة الراحل الأستاذ محمود محمّد طه من السودان، لإحداث تحوّل في إطار التوجيه في مجال "الاجتهاد" و إعادة النظر في "أصول الفقه" بغرض إعادة صياغة الجوانب المُشْكلة في الشريعة.. هذا الطرح يتكون من شقّين اثنين: الشق الأول هو "شرط ضرورة إحداث تحول في إطار التوجيه".. والشق الثاني هو "المنهاج" المحدَّد لتحقيق هذا التحوّل، وحصيلة هذا المنهاج.. أنا أؤمنُ بصحةِ الشرط، ومشروعيةِ وجدوى المنهاج المحدَّد، الذي اقترحه الأستاذ محمود.. ولكنْ يمكن التفريق بين الشقّين، بحيث يستطيع المرءُ أنْ يقبلَ الشرط، بينما يقترح منهاجاً بديلاً عن المنهاج الذي اقترحه الأستاذ محمود، بشرْط أنْ يكونَ هذا المنهاجُ البديل قادراً على تحقيق نفس الأهداف).. من ورقة (مستقبل الشريعة..) قدمت بنيجريا..
الأستاذ محمود، لم يتحدث قط عن أنه يعمل على (إحداث تحول في إطار التوجيه في مجال الاجتهاد)!! هذه مجرد تخريجات من عبدالله، لا علاقة لها بدعوة الأستاذ.. وعبدالله يتحدث عن أنه يقترح منهاجاً بديلاً عن المنهاج الذي اقترحه الأستاذ محمود!! أولاً الأستاذ لم يقل إنه يقترح منهاجاً، وإنما قال بوضوح إنه يتحدث عن علم بالله، وإذن منه، تعالى.. فأمر الدين عند الأستاذ محمود لا يقوم على الاقتراحات!! هذا دين عبدالله، الذي يقوم على الاقتراحات، ولا علاقة له، من قريب أو بعيد، بالدين الذي يدعو له الأستاذ محمود.
ولقد تعرض عبدالله لنفس القضية في كتابه (الاسلام وعلمانية الدولة)، فهو، بعد أن أشار الى (تطوير التشريع) عند الأستاذ محمود، قال: (بينما أرى أن هذا المنهج الذي يقدمه الأستاذ محمود مقنع جداً، أبقى رغم ذلك قابلاً لإمكانية قبول أي منهجية أخرى مقنعة تستطيع إنجاز الدرجة الضرورية من الإصلاح).. ص 182.. هذا المنهج البديل هو ما يقدمه هو، وهو عنده يقوم على (تطوير فهم الشريعة).. اسمعه يقول: (أقترح أن نقوم نحن المسلمين بتطوير فهمنا للشريعة في السياق المعاصر للمجتمعات الاسلامية)..ص 156.. ففي حين أن الأستاذ محمود يدعو إلى (تطوير التشريع)، يدعو عبدالله أحمد النعيم، الى بديل لهذا التطوير، هو (تطوير فهم الشريعة).. ويعطي الأمثلة لهذا التطوير، ونحن سنعود لمناقشتها..
غرض عبدالله، من هذا الاقتراح، هو تطفيف مفهوم (تطوير التشريع)، كموضوع يقوم على أصل الدين، بل ويشكل خلاصة التجربة الدينية، منذ سيدنا آدم وإلى اليوم.. وعبدالله يسعى ليجعل من هذا المفهوم، مجرد اقتراح، يتعلق فقط بالتشريع، ويمكن تقديم اقتراح غيره، يؤدي نفس المهمة!!
إن مبدأ تطوير التشريع، يقوم على قضية هي أساس الإسلام، ويقوم عليها أهم مفتاح لفهم القرآن (المثاني)، والأصول والفروع.. فالقرآن كله يقوم على المثاني.. وقد تم تناول هذه القضية في كتاب (العصر الذهبي للإسلام أمامنا) الصادر عن دار النهضة العربية، القاهرة.. ومما جاء فيه: (الوحدة هي أصل الوجود الأول والأساسي، والثنائية هي أصله الثاني، فهي تنتظم جميع مظاهر الوجود الحادث، يقول تعالى: "ومن كلّ شيء خلقنا زوجين، لعلكم تذكّرون" (الذاريات_49 ).. ويقول: "سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض، ومن أنفسهم، ومما لا يعلمون" (يس_36).. فالوجود الحادث، في جميع مستوياته، يقوم على الثنائية.. فالأكوان ثنائية، والإنسان ثنائي.. ومن الجانب الآخر، القرآن أيضاً يقوم على الثنائية، فهو كله مثانٍ، وفي ذلك يقول تعالى: "الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً، مثانيَ، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" (الزمر_23).. (مثاني) يعني أنه ذو معنيين، كل آية فيه، وكل كلمة، وكل حرف، له معنيان.. وأمر المثاني من أهم مفاتيح فهم القرآن، التي لا يمكن أن يفهم من غيرها.. ونحن هنا سنذكر بعض أسباب كون القرآن مثاني، والحكمة في ذلك، كما سنذكر بعض أوجه المثاني الأساسية) ..
وعن حكمة المثاني جاء، في نفس الكتاب: (السبب الأساسي في كون القرآن مثاني هو أنه خطاب من الرب في عليائه إلى العبد في الأرض، وهو بذلك خطاب من حضرة إطلاق، إلى مستويات قيد، تتنزل في أوقاتها إلى مستوى القيد في اللغة الذي يفهمه الرجل العادي الذي يفهم اللغة العربية، يقول تعالى: "حم* والكتاب المبين* إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون* وإنه في أم الكتاب لدينا لعليٌّ حكيم".. ولقد سبق لنا أن أوردنا الآية، وقلنا عن عبارة "وإنه في أم الكتاب لدينا.."، أن "لدينا" تعني، عند الذات في إطلاقها، ومن لدن الذات تنزل القرآن في المنازل المختلفة، حتى صُب في قوالب اللغة العربية، لعلة أن ندرك نحن الذين ندرك عن طريق اللغة، فالمثاني هنا، معنى بعيد عند الذات، ومعنى قريب عند العبد، وما يدركه العبد، لا يمكن أن يكون هو كل ما عند الرب، ولكن العبد نُدب ليسير من مستوى ما نزِّل إليه، حسب طاقته، إلى مستوى ما عند الرب، وذلك بزيادة طاقته في الإدراك.. وهذا أمرٌ السيرُ في مضماره سرمدي لا انتهاء له، فمهما علم العبد عن الله من القرآن، يظل ما يجهله أكبر مما يعلمه بما لا يقاس، وعلى ذلك فإن المثاني طبقات من المعاني لا انتهاء لها)..
ونحن، هنا، نذكر بعض المثاني الأساسية، وباختصار:
1. الشريعة والحقيقة.. واستخدام الكلمتين هنا استخدام اصطلاحي.. فالشريعة، تعني ما يتمشى مع ظواهر الأشياء أو مع الإرادة البشرية.. والحقيقة، هي ما يقوم على أصل التوحيد.. وللاصطلاحين مقابل هو الظاهر والباطن.. فالقرآن يساير وهم الحواس ووهم العقول الذي يقوم عليه التشريع، ريثما يتجاوز هذا الوهم الى الحقائق التي وراء الظاهر.. فمثلاً قوله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) شريعة.. وقوله تعالى: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) حقيقة..
2. العبادة والعبودية.
3. الأمر التكويني والأمر التشريعي.
4. القرآن المكي والمدني.
5. الناسخ والمنسوخ.
6. (آيات الآفاق) و (آيات النفوس).
7. التفسير والتأويل.
8. الإسلام الأول والاسلام الأخير.
9. أمة المسلمين وأمة المؤمنين.
10. الأصحاب والأخوان.
11. السنة والشريعة.
12. الرسالة الأولى والرسالة الثانية.
13. الأصول والفروع.
والأصول والفروع كما هي في القرآن، بين دفتي المصحف، هي أيضاً يقوم عليها القرآن الخلقي _الأكوان.. وقد تم تناولها في هذا المستوى بإيجاز في كتاب (الإسلام ديمقراطي اشتراكي) الذي صدر مؤخراً.. وقد جاء فيه: (قد سبق لنا أن تحدثنا عن الأصول والفروع، في النص القرآني.. أما الأصول والفروع التي سنتحدث عنها هنا، فهي تتعلق بطبائع الأشياء في الوجود: طبيعة الوجود، والطبيعة البشرية.. وهما معاً يشكلان القرآن الخلقي.. وأصل الأصول، في الوجود، هو الذات الإلهية المطلقة.. وكل ما عداها، هو تجلٍّ لها.. وبين الذات وتجلياتها، تقع كل الأصول والفروع والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. الأصل في الوجود هو المطلق وما المحدود إلا مظهر للمطلق.
2. المطلق هو الثابت الوجودي الوحيد وكل من عداه، وماعداه، لايقوم بذاته، وإنما يقوم بالمطلق، ولذلك حاجته للمطلق حاجة تامة لا مجال فيها للاستغناء، وحاجة دائمة.. وهذا هو جوهر العلاقة بين الخالق والمخلوق.. الخالق في حالة استغناء تامة.. والمخلوق في حالة حاجة تامة للخالق، مطلقة وسرمدية..
3. الأصل في الوجود الوحدة، وما التعدد، وفي قمته الثنائية، إلا مظهر لهذه الوحدة.
4. الوجود الحادث، متحرك، حركة حسية ومعنوية، ولن ينفك.. وهو في حركته، يطلب غاية واحدة، أساسية، هي المطلق.. ولذلك الحركة هي حركة من النقص الى الكمال، ومن الجهل الى العلم، ومن القيد إلى الحرية، ومن الباطل إلى الحق، ومن الحق إلى الحقيقة.
5. الأصل في الوجود هو الخير، والخير المطلق.. وما الشر إلا فرع من الأصل، ومظهر له، متنزل عنه لحكمة سوق المحدود الى المطلق.. فالشر، وجنود الشر جميعاً، موظفون لخدمة الخير، الذي هم طرف منه.
6. القانون الذي يحكم الحركة، في جميع مستوياتها، وفي مختلف أشكالها، هو القانون الطبيعي _الإرادة الالهية_ وهو الأصل، وما عداه من قوانين هو الفرع.
7. البيئة، في جميع مستوياتها هي بيئة روحية ذات مظهر مادي.. فالروح هي الأصل، والمادة هي الفرع والمظهر.. والاختلاف بين المادة والروح هو اختلاف درجة.
8. الحياة هي الأصل، والموت فرع، ومظهر لها، وهو لا يختلف عنها اختلاف نوع، وإنما اختلاف درجة.
9. الإرادة الالهية هي الأصل، والارادة البشرية مظهر وفرع.. والفعل الإلهي هو الأصل.. فالله تعالى هو الفاعل الحقيقي في الوجود، وكل فاعل عداه هو فاعل مباشر، وفعله محاط به من قبل فعل الفاعل الحقيقي.
10. النعيم هو الأصل، والعذاب فرع ومظهر له.. واللذة هي الأصل، والألم فرع ومظهر.
11. الحق هو الأصل، والباطل فرع ومظهر.
وعلى ذلك قس كل الأضداد في الوجود.. فالأصول هي الحق، والفروع مظهر لها.. والأصل دائماً مهيمن على الفرع، وأكثر منه بقاءً، واستمرارية.. والفروع جميعها فانية.. ومعنى فانية هو أنها متحولة وسائرة وصائرة الى الأصل.. والأصل نفسه متحرك وصائر، أو سائر، الى مركز دائرة الوجود.. ولذلك دون مستوى الاطلاق، الأصل نسبي، والفرع نسبي.. والقانون هو الذي يسير الفروع إلى الأصول، فيحفز هذا السير.. ومع أن السير كله في اتجاه واحد، اتجاه الأصل، إلا أن حركة السير، ليست خطية، ولا هي دائرية، وإنما هي لولبية، تشبه النهاية فيها البداية، ولا تشبهها.. فالتكرار في هذا السير يمتنع)..
هذه مجرد لمحة عامة، لخلفية قضية تطوير التشريع، تلك التي يعمل د. عبدالله، على تطفيفها، وجعلها مجرد اقتراح، يمكن أن يستبدل باقتراحه هو!!
على كلٍّ، مفهوم تطوير التشريع تقوم عليه أمة المسلمين _وهي خلاصة تجربة الدين على الأرض_ وبها تنتقل البشرية، من مرحلتها الحالية، الى مرحلة الإنسانية، وكل ذلك مفصل في كتب الفكرة.. ودعوة الأستاذ محمود تبشير بهذه الأمة، وبدولتها، التي ستكون على مستوى الأرض جميعها.. والتبشير الذي يقوم عليه تطوير التشريع، لا يقوم على مجرد الفهم، وإنما يقوم أساسا على الإذن من الله، تعالى.. يقول الأستاذ محمود من كتاب الرسالة الثانية: (ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخاً، وما هو محكم محكماً.. فهل هناك أحد مأذون له في أن يغيّر هذا التغيير الأساسي، الجوهري، فيبعث ما كان منسوخا، وينسخ ما كان محكما؟؟).. وفي هذا المستوى، يقول الأستاذ عن المأذون: (هو رجل أتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..).. فالفهم والإذن، إذن، من الله!! ولما كان الإذن هنا إذن تبشير، فهو لم يتعداه إلى التطبيق.. فالتطبيق له وقته، وله إذنه.. يقول الأستاذ في هذا الصدد: (أما ساعة التعمير فهي لحظة مجيء المسيح ليرد الأشياء إلى ربها حساً ومعنى، ويملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً.. ويومئذ يظهر الإسلام على جميع الأديان.. ويتحقق موعود الله "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً".. ويتأذن الله بالتطبيق كما تأذن بالإنزال).. هذا هو إذن التطبيق، وهذا هو رسوله.. وهو أمرٌ، يعلن د. عبدالله أحمد النعيم، صراحةً، أنه لا ينتظره، وليس مشغولا به، بل حتى لو جاء، لا يمكن أن يحل مشكلته، إذا لم يحلها هو، بنفسه!!
وعبدالله، في اقتراحه، الذي يستبدل به تطوير التشريع، لا ينتظر إذناً ولا مأذوناً، وإنما الأمر كله، يملك أن يقرر فيه هو، دون الحاجة الى إذن من الله، وهو بالفعل في (ميثاقه) يدعو للتطبيق الفوري!! وقد تمت مناقشة أمة المسلمين، ورسولها، في كتاب (الإسلام ديمقراطي اشتراكي)، فيمكن لمن يريد أن يرجع إليه..
عبدالله، في قوله هذا المبتذل، إنما يعمل على تشويه الفكرة، والتطفيف من قيمها ومعانيها، في سبيل تقديم ما يزعم أنه البديل لها.. وهو بديل، كما هو الشأن في جميع دعوته، ذاتي، ولا يقوم على أي فكر موضوعي.. ونحن لسنا في حاجة للتفصيل في مناقشته، لأنه واضح البطلان، وبصورة سافرة.. ولكنا سنتطرق له بصورة موجزة بغرض توكيد عمل عبدالله على تطفيف مفهوم (تطوير التشريع) في الفكرة الجمهورية..
تطوير فهم الشريعة:
رغم أن عبدالله أحمد النعيم، يقول أن مفهوم تطوير التشريع، عند الأستاذ محمود، مقنع، إلا أنه يتركه، ويدعو لتركه، ويقترح البديل له، والبديل الذي يقترحه هو (تطوير فهم الشريعة).. فلو كان (تطوير التشريع) عنده مقنعاً، لانتفت الضرورة لتجاوزه.. فهو يتجاوزه، لأنه يعتبر نفسه صاحب دعوة خاصة، وأنه (أصيل في إطار التقليد) كما يقول.. ولذلك هو يريد أن يأتي بشيء يخالف الأستاذ محمود، كدليل على أصالته، هو.. وهذه سمة أساسية، من سمات طرحه.. فهو دائماً، ينظر ماذا قال الأستاذ، ليخالف قوله هذا.. ورغم ذلك، هو يزعم أنه: تلميذ الأستاذ محمود في كل أحواله، وفي كل أقواله العامة.. وهذا الزعم الباطل، ضروري لتشويه فكرة الأستاذ.. فهو يجعل من يستمعون له، أو يقرأونه، يظنون أن ما يقوله _من أفكاره الخاصة_ هو فكر الأستاذ، يعبّر عنه أحد تلاميذُه.. وهذا ما ظل يجري لوقتٍ طويل، خصوصاً بالنسبة للذين لا يعرفون الفكرة الجمهورية، ويسمعونها لأول مرة منه هو، تحت زعم أنه أحد تلاميذ الأستاذ.
وحتى يتمكن من تقديم فهمه عن تطوير فهم الشريعة، بدأ بتشويه الشريعة نفسها، فجعلها، ليست وحياً الهياً، وإنما هي مجرد فهم بشري!! فهو يقول: (بما أن التفاسير التقليدية للشريعة هي نتاج جهد بشري، وليست وحياً إلهياً، فإنها قابلة للتغيير عبر نفس عملية إعادة النظر في الفهم، وتأسيس إجماع جديد على الفهم الحديث)..علمانية الدولة ص 157..
ويقول: (ليس هناك أي فهم متجانس ومستقر للشريعة بين المسلمين..).. ويقول: (بما أن كل فهم للشريعة دوماً نتيجة للتفسير البشري للمصادر الإلهية، فإن أي فهم لها سيعكس القصور البشري لهؤلاء الذين يفسرونها، بغض النظر عن إلهية تلك المصادر التي يستندون اليها)..علمانية ص 453.. ويقول: (الشريعة استحدثها وطورها الفقهاء).. ويقول: (من المهم أن نلاحظ أن الإجماع، الطوعي والمتواتر، عبر أجيال المسلمين بصورةٍ عامة، هو في الواقع الأصل الأصيل لكافة مصادر ومناهج الشريعة، في الماضي، وفي الحاضر، وفي المستقبل..).. من ورقة مستقبل الشريعة في نيجريا.. ويقول: (حتى النص القرآني، إنّما هو معلومٌ ومقبولٌ، كنصٍّ قرآني، عن طريق إجماع أجيال المسلمين منذُ عهدِ الرسول)..المصدر السابق..
كل هذه الأقوال باطلة، شديدة البطلان، بل هي تحريف موبق للاسلام: قرآنه وسنته، وشريعته.. فالقرآن ليس مقبولاً عند المسلمين كنص قرآني عن طريق الإجماع، كما يزعم.. وإنما هو مقبول، من باب أنه كلام الله الموحى به لسيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم.. وليس لإجماع المسلمين أي دور في هذا الوحي.. كما ليس للنبي دور أكثر من التلقي، فالقرآن نصه ومعناه من الله.. وهذا مقتضى العقيدة الأساسية عند المسلم.. والشريعة، كلها، وفي كل تفاصيلها، من الله.. فهي إما جاء بها النص القرآني، الصريح، أو جاءت بها السنة.. والسنة كلها موحى بها من الله، وليس للنبي فيها سوى اللفظ _المعنى من الله، واللفظ من النبي_ هذا ينطبق على كل شيء في الشريعة، من أعظم شيء فيها، الى أدق شيء.. الجهاد بالسيف، والزكاة، وكون العصر أربع ركعات سراً، الى آخر ما جاء في الشريعة، فهي، جميعاً، من عند الله، ولا يوجد فيها أي شيء له علاقة بإجماع أجيال المسلمين، حتى يقال إن الإجماع هو الأصل الأصيل للشريعة!!
وكل هذا عبدالله، يعلمه، ويخالفه عن قصد!! فهو يقول: (فالقرآن والسنة هما المصدر الأساسي المرجعي لأي فهم للاسلام، أو ما اشتق عنه من مفاهيم)..علمانية الدولة ص 38 .. ويقول: (الإجماع هو المصدر الثالث للشريعة)..نحو تطوير ص 50.. ولكن الغرض جعله يقول إن قبول القرآن عند المسلمين قائم على الإجماع وإن الإجماع هو الأصل الأصيل لكافة (مصادر ومناهج الشريعة)!! والغريب في الأمر أنه هو نفسه يرى اتفاق البشر، فيما دون الإجماع، أمر مستحيل!! ومع ذلك يقول: (كل ما يدركه المسلمون اليوم من تصورات للشريعة، حتى تلك التي ينعقد حولها إجماعهم ما هي إلا نتاج آراء بشرية عن معنى القرآن والسنة)..علمانية الدولة ص 51.. ويقول: (فإن الطبيعة الأصيلة للشريعة هي كونها ناتجاً للتأويلات البشرية للقرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم)..علمانية الدولة ص 61.. مرةً تفسير، ومرةً تأويل، ومن كل ذلك هو يريد أن يجعل أمر الدين، مجرد فهم بشري يختلف الناس حوله، ولا يتفقون.. وهذا الاختلاف يقوم على أمر عنده هو، في الأصل، قائم على الإجماع!! اسمعه يقول: (الصراع الإنساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية وستبقى كذلك حتى يوم القيامة) الصحافة لقاء صلاح شعيب.. ويقول: (الاختلاف هو سنة الله سبحانه وتعالى في البشر ولن ينتهي بحكم نصوص كثيرة في القرآن).. المصدر السابق.. ومع ذلك، كله، يجعل الإجماع هو المصدر الأساسي، ويدعو الى إجماع جديد، هو، نفسه، من يحكم باستحالته!!
كل هذا التحريف للاسلام، ليصل لماذا؟؟ ليصل الى بديل لتطوير التشريع.. ما هي النتيجة المنتظرة من هذا البديل؟ هل هي قيام دولة إسلامية؟! قطعا لا!! فالدولة الإسلامية، عنده، مستحيلة، من حيث المبدأ، وهي مجرد خطأ في المفهوم!! فهو يقول: (أياً كان شكل الدولة الذي يأخذ به المسلمون من أجل خدمة تلك الأغراض الحيوية فسيكون مفهوماً بشرياً بالضرورة، والذي بدوره سيكون علمانياً "أي مادياً بشرياً"، وليس إسلامياً مقدساً)..علمانية الدولة ص 436.. على هذا الفهم لا يوجد أي دين في الأرض، ولا يمكن أن يوجد، طالما أن كل مفهوم للنصوص الدينية، هو علماني بشري، وليس ديني!!
إذا كان الأمر كذلك، فما هي ضرورة كل هذا الالتواء، في الحديث عن تطوير فهم الشريعة، طالما أن النهاية الحتمية هي العلمانية؟!
وأنت عندما تقرأ بعض نصوص د. عبدالله ربما يخيل إليك، لأول وهلة، أنه يعمل على قيام دولة، تقوم على أساس الشريعة المطورة التي يدعو لها، فهو يقول مثلاً: (أقترح من وجهة النظر هذه، إعادة تفسير بعض الوجهات التفسيرية التاريخية المعينة للشريعة، وهي قوامة الرجل على المرأة، واستعلاء المسلمين على غير المسلمين "نظام الذمة" والجهاد العدواني العنيف)..علمانية الدولة ص 453..
ولكن لدى إمعان النظر، تجد أنه يتعمد أن يختار من العبارات ما يدين الاسلام مثل (استعلاء المسلمين على غير المسلمين) و(الجهاد العدواني العنيف)!! وهذا هو موقفه الحقيقي من الإسلام، الذي يحاول تغطيته، دون جدوى.. فالمجالات المذكورة في النص، لا تتعلق بشريعة العبادات الفردية، وإنما تتعلق بالقانون العام.. وهذا يوهم القاريء، أنه بصدد تقنين للشريعة في مجال القانون العام، بناء على بديله _تطوير فهم حديث للشريعة_ ولكنه بصورة مبدئية يقرر أنه لا يمكن تقنين الشريعة.. ومع ذلك يقول عن الشورى: (يجب عليها أن تُنِّمي آليات ومؤسسات لانتخاب ومحاسبة الحكومة، بالاضافة لحماية الحقوق الأساسية كحقوق التعبير والتنظيم، حتى يكون ذلك العقد التبادلي ذا معنى اليوم. يمكن أن يحصل هذا عبر تنمية مفهوم الشورى كمبدأ ملزم للحكومة التمثيلية بدل أن يكون مجرد استشارات اختيارية)..علمانية الدولة ص 155.. هذه مجرد كلمات لا معنى لها، فالشورى، بطبيعتها اللغوية والاصطلاحية، مجرد (استشارة اختيارية)!! فبأي وجه يريد عبدالله أن يغير هذه الطبيعة، لتعطي معنى مخالفاً لطبيعتها؟؟! لا مجال للتمثيل النيابي في الشورى.. فهي قد قامت على إطار عام، متكامل، كله يقوم على الوصاية: وصاية النبي على الأمة، ووصاية المسلمين على غير المسلمين.. ووصاية الرجال على النساء.. وجميع صور الوصاية هذه تقوم على نصوص محكمة، هي نصوص الشريعة.. فمثلاً، العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، في الأساس، تقوم على آية السيف: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم...).. وجاءت الشريعة وفصلت أمر الجهاد: (أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله.....)..
فكيف يريد عبدالله إعادة تفسير نفس هذه النصوص لتعطي خلاف معانيها؟! وقبل ذلك، بل فوق ذلك، هل الشريعة نفسها دستورية؟! يقول عبدالله: (أنا لا أقول إن الشريعة غير متسقة بطبيعتها مع الحكم الدستوري وحقوق الإنسان والديمقراطية، ولا أدعو لجعلها مجرد تابعة لهذه المباديء)..علمانية الدولة ص 452.. وأقول لك: (الشريعة بطبيعتها غير متسقة مع الحكم الدستوري وحقوق الإنسان، والديمقراطية..).. وأنت تعلم ذلك، ولكنك ملتوي، ومراوغ!! نصوص الشريعة قائمة على الوصاية بصورة لا يمكن الاختلاف حولها، وهي ناسخة لنصوص الديمقراطية.. وأنت في كتابتك جميعها تجعل الإسلام، كله، وليس الشريعة، تابع لهذه المباديء.. بل وتابع للمنطق المدني الذي ما هو إلا رؤيتك الذاتية التي تقوم، في أساسها، على التناقض!!
يقول عبدالله في مقدمة كتابه علمانية الدولة: (إنني أدعو في هذا الكتاب الى عدم تطبيق أحكام الشريعة من قبل الدولة باعتبارها شريعة دينية...)..ص 6.. هذا واضح، ولكن لماذا تحدثنا بعده عن إعادة فهم تفسير الشريعة، وتفسير (الشورى) كديمقراطية، وكل تخريجاتك هذه المفرطة في الذاتية؟! ولماذا تزعم أن فهمك هذا هو بديل لتطوير التشريع ويؤدي نفس الغرض؟! أنت تعلم، تمام العلم، أن تطوير التشريع يقوم على تطبيق أحكام الشريعة المطورة من قبل الدولة.. إن دعوتك هذه هي بالضبط نقيض دعوة الأستاذ لتطوير التشريع.. وليس وراء دعوتك غرض حقيقي سوى محاولة، تشويه دعوة الأستاذ، وهو أمر رد عليك، وأنت الخاسر فيه.
عبدالله، يعرف تماماً أن الاجتهاد هو فيما ليس فيه نص، فهو يقول: (الاجتهاد _لغة_ هو بذل الوسع في طلب المقصود، واصطلاحاً استفراغ الفقيه الوسع لاستنباط حكم فقهي في أمر لم يرد بصدده نص من القرآن والسنة)..نحو تطوير ص 54 .. ولكن كعادته في التناقض الحاد، يجتهد في نصوص الشريعة المحددة، ليخرجها من طبيعتها الأصيلة والمحددة، ليصل في النهاية، الى ما هو موجود، عنده، منذ البداية _عدم تقنين الشريعة، وقيام الدولة على أسس علمانية!!
خالد الحاج عبدالمحمود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.