توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيما غابت مذابح (صبرا وشاتيلا) تدريس (محرقة اليهود) بمباركة وزارة التربية والتعليم السودانية (2-2)


كتب: عطاف محمد مختار
[email protected]
طرحنا في الحلقة الماضية قضية تدريس مذبحة (الهولوكوست) ضمن مادة التاريخ لتلاميذ الفصل التاسع بمدرسة الاتحاد العليا بالخرطوم (UNITY HIGH SCHOOL)... مع عرض فيلم “Schindler's List “ (قائمة شندلر) الذي يحكي عن إنقاذ 1100 يهودي بولندي من القتل في المحرقة. بعض آباء التلاميذ قالوا إن الأمر أزعجهم خصوصاً عندما شعروا أن أبناءهم بدأوا يتعاطفون مع اليهود، باعتبار أن ماحدث لهم يعد اعتداء على حقوق الإنسان... تلميذة قالت لأبيها: "يا بابا اليهود ديل مساكين والله، واتعذبوا شدييييد، وإسرائيل دي ما بتستحق إننا نحاربها"... كلام هذه الطفلة ذكرني أنه لطالما استخدم الإسرائيليون (الهولوكوست) ذريعة يستدرون بها عطف الشعوب بحجة (معاداة السامية) للتغطية على جرائم إسرائيل... أحد الآباء قال لي إن المعلمة طلبت من التلاميذ أن يكتبوا في (الواجب المنزلي) عن اثنين من "انتهاكات حقوق الإنسان" التي يعتقدون أنها تتم في السودان، وبعث لي بورقة ال(Home work) التي تؤكد حديثه... أب آخر حدثني أن ابنته سألته: هل تحديد لبس معين للمرأة في السودان مثل (العباءة) ألا يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان... الأب قال لابنته هل المعلمة الإنجليزية تلبس (عباءة أو تضع طرحة على رأسها)؟، فأجابت الابنة: لا؟... فقال لها الأب: هذه هي حريتها، فديننا الإسلامي يأمرنا بالاحتشام كمسلمين، ولكن لا يحجر على حرية غير المسلمين، ويأمرهم بالحجاب أو الحشمة؟.... الآباء تخوفوا من أن يكون هناك عملية (غسيل مخ) يتم لأبنائهم.
• توقفنا في الحلقة الماضية في سؤالنا لمدير المدرسة المستر "روبرت بولس": هل أجازت وزارة التربية والتعليم تدريس (الهولوكوست) للتلاميذ؟.... مستر "روبرت" اجاب: نعم أجازت وزارة التربية والتعليم تدريس (الهولوكوست) للتلاميذ، ولم تبدِ لنا أي ملاحظات عليه، فكما سبق وذكرت، الوزارة سنوياً ترسل لجنة مختصة لدراسة المنهج وتقييمه، وجامعة كامبردج هي التي تضع وتحدد المنهج سنوياً، الذي يؤهل لنيل شهادة (IGCSE).. سألته هل من الممكن أن يتم حذف جزء من المنهج إذا شعرتم أنه يتعارض مع المعتقدات السودانية؟.. قال لي: نعم.. فقد سبق وأن قمنا بتغطية صفحة من كتاب العلوم بها صورة عن التناسل بين الرجل والمرأة، وأخطرنا الوزارة بذلك، وقلنا لهم هل نحذف كذلك المادة، قالوا لنا لا واصلوا التدريس فيها، فحتى المنهج السوداني يتطرق لها.
بعدها استاذنني وتوقف عن الحديث، وطلب من الساعي منادات المستشار الأكاديمي للمدرسة المستر "ريتشارد وورز"، ومعلمة المادة ورئيسة شعبة التاريخ "ديان بيريسفورد"... ريتشارد أتى أولاً، ومن بعده أتت المعلمة ديان، التي تخوفت في بادئ الأمر من فلاشات كاميرا الزميل سعيد، وبدت على ملامح وجهها علامات التوجس والحذر، إلا أن المدير طمأنها بأنه لا توجد مشكلة في ذلك...
ردود ديان
المدير شرح ل(ريتشارد، وديان) خلفية الموضوع وبأني صحفي أبحث في الأمر... عقب ذلك سألت "ديان": من المؤكد أنك تعرفين طبيعة العلاقة بين العرب -مسلمين كانوا أو مسحيين - واليهود، فإسرائيل تستعمر فلسطين، فلماذا تقومون بتدريس مذبحة (الهولوكوست) للتلاميذ؟.. ديان أجابت: لنيل شهادة (IGCSE) يجلس طلاب الفرقة (11) للامتحان النهائي، وفي مادة التاريخ هناك سؤال إجباري حول (الهولوكوست) ودرجاته كبيرة، وإذا لم يجيب التلميذ عليه فسوف "يسقط في الامتحان"... وأضافت: مذبحة (الهولوكوست) التي راح ضحيتها (6) ملايين يهودي، موضوع من ضمن مواضيع شتى تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة التي تأسست عقب الحرب العالمية الثانية في عام 1945، من أجل تنمية العلاقات الودية بين الأمم وتعزيز التقدم الاجتماعي، وتحسين مستويات المعيشة وحقوق الإنسان.... وتواصل ديان: لقد بدانا السنة الدراسية عن العدل والمساواة في أمريكا وما كان يحدث من انتهاكات لحقوق الأفارقة الذين كانوا يخطفونهم من بلادهم كي يجعلونهم (عبيداً) لهم، وأن (20) مليون إفريقي وقعوا في أسر العبودية... هنا قاطعتها وقلت لها: هل ينحصر تدريس الاستعمار حول أمريكا وحدها، وآلا يدخل الاستعمار البريطاني والأوربي ضمن المنهج؟... أجابت: بلى، هؤلاء أيضاً يدخلون ضمن المنهج فهم من المستعمرين، ولقد أخضعوا الشعوب واستغلوا كنوزها الطبيعية واستعبدوا الناس لصالح الدول الأوروبية، فالاستعمار قام من أجل استغلال خيرات الشعوب الضعيفة، فهو نهب وسلب منظم لثروات البلاد المستعمرة، فضلاً عن تحطيم كرامة شعوب تلك البلاد، والنقطة الجوهرية في هذا الموضوع هي أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وهذا مانود أن نعلمه للتلاميذ.
بعد حديث ديان، دخل المكتب الأستاذ سيف مدرس مادة التاريخ في المدرسة... وسبق أن طلب المدير من (الساعي) مناداته للمشاركة في الحوار...
قلت للأستاذة ديان: مقابل تدريس (الهولوكوست) للتلاميذ، هل تدرس القضية الفلسطينية والانتهاكات التي يقوم بها اليهود الصهاينة تجاه الفلسطينيين ضمن المنهج؟... توقفت "ديان" لبرهة وقالت: هناك بعض التلاميذ كتبوا عن القضية الفلسطينية وعن الصراع... هنا قاطعتها وقلت لها: عفواً أستاذة ديان سؤالي واضح، هل تدرس القضية الفلسطينية والانتهاكات التي يقوم بها اليهود الصهاينة تجاه الفلسطينيين ضمن المنهج؟
أجابت: المقرر يتحدث عن الاستيلاء على الجولان... قلت لها: لكن (الجولان) أراضي سورية، أنا أعني فلسطين المحتلة... قالت: نعم، هناك حديث عن قطع المياه عن غزة.
قلت: ألم يتطرق المقرر مثلاً لمذبحة (صبرا وشاتيلا) – هذه المذبحة هزت العالم، إذ قتل فيها الإسرائيليون الآلآف من الفلسطينيين العزل "نساءً وأطفالاً وشيوخاً" بدم بارد، حتى السلاح الأبيض استخدم فيها لذبح المئات منهم، ووثقتها جميع وسائل الإعلام العالمية والصليب الدولي- ؟
أجاب الاستاذ سيف؟... لا، لا توجد في المقرر.
قالت ديان: لكن المنهج تطرق للمسلمين الصرب الذين قتلوا بواسطة ضخ الغاز السام في الغرف، وتطرق "للهولوكوست الإفريقي".... وهناك بعض الأطفال متعاطفين مع الفلسطنيين جداً، بعضهم كتب عن فلسطين، ولماذا يأخذ الاسرائيليون أرض أطفال فلسطين...
سألت ديان: لماذا تم عرض فيلم “Schindler's List “ على التلاميذ؟... وهل يدخل عرض الفيلم ضمن المقرر... وهل تم أخذ إذن الآباء بعرض الفيلم على أبنائهم؟
قبل التطرق لإجابة "ديان" عزيزي القارئ، لنأخذ لمحة صغيرة عن فيلم “Schindler's List “ أو (قائمة شندلر).. الفيلم يحكي قصة "أوسكار شندلر" وهو ألماني مسيحي أنقذ 1100 يهودي بولندي من القتل في المحرقة، بالاستناد إلى كتاب (قائمة شندلر)، وأخرجه "ستيفن سبيلبرغ" وحاز الفيلم على سبع جوائز، واحتل المرتبة التاسعة ضمن قائمة المعهد السينمائي الأمريكي لأفضل مائة فيلم على مر العصور.
ديان أجابت: الفيلم تم عرضه لأنه ضمن المقرر، وهناك أسئلة عديدة يطرحها المقرر حول الفيلم، وقد طلبت من التلاميذ إخبار آبائهم وأخذ الموافقة منهم، وفي اليوم التالي أجابني جميعهم بالموافقة.
لسنا أغبياء!
سألت "ديان": هل سبق أن طلبت من التلاميذ ضمن (الواجب المنزلي) أن يتحدثوا عن الانتهاكات التي تحدث في (السودان)؟
قالت: في (السودان) لا.
هنا تدخل المستشار الأكاديمي للمدرسة المستر "ريتشارد وورز" في الحديث بقوله: منهج المدرسة منهج عالمي، يهتم في المقام الأول بتنمية وتطوير عقلية ونفسية التلميذ، والبيئة التي نشأ فيها، ويهدف المنهج إلى أن ينمو التلميذ بصورة متطورة، ولا يمكن أن ندخلهم في مثل هذه الأشياء.. وأضاف: أنا عملت في أكثر من 11 دولة حول العالم، والأستاذة "ديان" كذلك، ونفهم طبيعة البلدان، ونراعي البيئة التي نشأ فيها التلميذ.
قلت لهما: لكن أحد الآباء قال لي إن إحدى المعلمات طلبت من التلاميذ أن يكتبوا في (الواجب المنزلي) عن اثنين من "انتهاكات حقوق الإنسان" التي يعتقدون أنها تتم في السودان...!
قال لي مستر "ريتشارد" بلهجة حادة: We are not stupid (نحن لسنا أغبياء)!... لنقوم بمثل هذا الفعل.
وتدخلت "ديان" بالقول: لقد طلبت منهم في (الواجب المنزل)، كيف يمكن أن تنتهك حقوق الإنسان؟ مع اختيار 2إلى 3 مواد من ميثاق الأمم المتحدة، وإيراد مثالين من دول العالم يمكن القول أنها انتهاكات قد حدثت فيها.
فجأة قامت "ديان" من الكرسي الذي تجلس عليه، وتوجهت نحو طاولة المدير، وأخذت منها عدداً من الأوراق، وقالت لي: انظر إلى هذه الأوراق، هذه بعض النماذج من الواجبات المنزلية التي قام بها التلاميذ، وأفضل درجة تحصل عليها تلميذ، كان بحثه يتحدث عن الانتهاكات التي تتم في (التبت بالصين)... وآخر كتب عن الانتهاكات في (أفغانستان)... وثالث عن (إيران)... والبعض عن (زيمبابوي)، وهناك من كتبوا عن أطفال فلسطين ب(غزة)... الحديث لايزال لديان: الواجبات المنزلية التي سلمها التلاميذ لا يوجد بها مثال واحد عن حالات انتهاكات بالسودان، وإذا كان فعلاً طلبت منهم ذلك، لماذا لم يقدم حتى ولو تلميذ واحد بحثاً عن انتهاكات بالسودان؟...
** بعد النفي القاطع وبالبراهين لكل من (ديان ومستر ريتشارد)، ساورتني الشكوك وصرت أحدث نفسي بأحاديث من شاكلة: يا ربي المعلومة الجاتني دي معقول تكون غلط؟.. لكن أنا اطلعت على ورقة (الواجب المنزلي) التي أرسلها لي أحد الآباء؟... احتمال أكون غلطت في ترجمتها؟... لكن الأب برضو غلط في الترجمة، معقول بس؟.... ياخي أنا كنت داير أجيب معاي الورقة دي، النساني ليها شنو ماعارف...!
(هناك أمر طريف قد حدث)... بهذه العبارة قطعت عليّ "ديان" أحاديثي مع نفسي... وواصلت في حديثها: إحدى التلميذات أرسلت لي رسالة إلكترونية تقول لي فيها إنها تريد العودة إلى أوربا لأنها تشتكي من الأوضاع في السودان، وأكثر شيء يضايقها هو (التراب)... قلت لها أشكري الله على أنك في السودان، فإن موجودة فيه منذ شهر أغسطس الماضي، وهو افضل بكثير من أوربا، وبريطانيا هذه سجلت أكبر نسبة (حمل) مبكر للمراهقات في أوربا... وكثرت فيها الانتهاكات والاعتداءات والاغتصابات، وكثر العنف بسبب الزيادة الكبيرة في (شرب الخمر)، وهناك ناس دون مأوى، ويحملون بطاطينهم، وتم حرقها لهم، وانتشر الفساد حتى وصل إلى البرلمان، وحدثت زيادة كبيرة في رسوم الجامعات بنسبة خيالية... وأصبح العلاج بالمستشفيات العامة درجة ثانية بالمقارنة مع بقية دول أوربا... وأضافت: أحد التلاميذ قال لي إنه يريد الحديث عن السودان، فقلت له إذا تحدثت عن السودان سأعطيك (صفراً) في بحثك... وأنا زرت العديد من البلاد، والسودان أفضل منها بكثير.. وقلت لتلاميذي: أنتم مغشوشون بالغرب، فهو ليس بالصورة الوردية التي ترسمونها في خيالكم.
** إلى هنا ختمت حواري معهم، وودعتهم... لكن لازالت الأسئلة الحائرة عن (الواجب المنزلي) تدور برأسي... وفور عودتي إلى الصحيفة قمت بإعادة قراءة ورقة الواجب المنزلي، وكانت المفاجأة، الورقة تقول: حاول إعطاء مثالين من بلدك، تعتقد أن حقوق الإنسان قد انتهكت فيها، وكيف انتهكت؟ ومن الذين انتهكت حقوقهم؟ ومن الذي أو الذين انتهكوها؟ بالاستناد إلى المرجع 97...
حملت الورقة وعدت أدراجي إلى المدرسة سريعاً، ودخلت على المدير مستر "روبرت" وواجهته بورقة (الواجب المنزلي)، وبدت الحيرة على وجهه، وطلب بمناداة (ديان وريتشارد) سريعاً... قلت للمدير ماهو المرجع رقم 97؟... قام المدير بفتح الكتاب وقلب صفحاته، وفتح كمبيوتره وقال: إنها بنود (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان): ألخصها لك في التالي:
((يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء... ولكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.. لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.. لايجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.. لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.. كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة.. لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.. لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات... لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد.. لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.. لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها... لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة)).
بعد أن قرأ عليّ المدير المرجع رقم97، الذي يدرسه التلاميذ، قلت في نفسي، شيء جيد وجميل أن يتعلم صغارنا هذه الحقوق، لكن لابد من أن يتعلموا اولا ما يتماشى مع ديانتهم وعقيدتهم، فهناك بعض البنود التي تتعارض مع العقيدة، فنحن لم نتعلمها إلا في الجامعات، وبعضنا لا يعلمها حتى بعد تخرجهم منها، في ظل مناهجنا التعليمية (المعلولة)...
بعد ذلك قدم مستر ريتشارد، ولكن ديان كانت قد غادرت إلى مقر سكنها، فطلب المدير ارسال عربة تحضرها على الفور...
اطلع ريتشارد على الورقة ووضع يده على خده، وأخذ يهمهم ببعض كلمات لم اتبينها جيداً، فقلت له: ما رأيك؟... قال لي: صمت لبرهة، وهو ينظر إلى الأرض وكانه يبحث عن شئ ما... وقال: لا أريد أن أبرر، على كل حال هذا الأمر إذا صح فهو خطأ كبير، نحن لا نهتم بالسياسة، وهمنا ينحصر بتربية التلاميذ وأن لا يأخذوا الأمور بطريقة شخصية.
بعد ربع ساعة أتت ديان، وقدم لها ريتشارد الورقة... لم يظهر عليها الارتباك أو التردد، قالت لي على الفور: نعم كنت قد وزعت للتلاميذ هذا الواجب قبل (الكريسماس) ولم أكن أعني السودان فهناك تلاميذ من (الهند والصين وكوريا) وأرادوا أن يتحدثوا عن بلدانهم، فوزعت الواجب على هذا الأساس، ولم أكن أعني السودان... وإضافت ديان: بعدها أدار معي أستاذ سيف نقاشاً، وقال لي إن الامر بهذه الطريقة قد يفهم خطأ وقد يسبب مشكلة، فقمت فوراً بسحب ورقة (الواجب المنزلي)، وأبدلتها بأخرى تتحدث عن بلدان العالم وليس السودان... بعدها طلبت مني ديان مرافقتها، فاصطحبتني إلى الفصل، وارتني (ورقة الواجب المنزلي) مكتوبة على ورقة بوستر كبيرة معلقة في الحائط، تعضد كلامها... كذلك اصطحبتني إلى مكتبها وأخرجت لي ورقة الواجب الجديدة، وفتحت كمبيوترها، وأطلعتني على بريدها الإلكتروني، والرسائل المتبادلة مع تلاميذها، التي تعضض قولها حول السودان وحبها له...
في الختام قلت لها لماذا لم تخبريني منذ البداية إن الورقة قد قدمت بالفعل، ولكن قد تم معالجة الأمر بسحبها؟... أجابتني بأنها لم يدر بخلدها أن الأمر متعلق بهذه الجزئية، ولأنني ذكرت لها أن (الواجب المنزلي) كان يعني التحدث عن السودان، وأنها كانت تعني بلدان عديدة بحسب جنسيات التلاميذ المتعددة بالفصل.
... إذن بعد عرض القضية بكل أبعادها وتفاصيلها، برزت لي العديد من الآراء المختلفة، لكن يبقى النقاش الهادئ والمفتوح بين الجميع، هو الحل الأنسب، لأن تعليم الصغار يعني صناعة (الأمل) في المستقبل... للحقيقة مدرسة (الاتحاد العليا) التي تأسست في عام (1902) تتميز بالاهتمام بالتلاميذ وتطوير قدراتهم، ولكن تبقى المعادلة الأصعب هي الموازنة ما بين الأفكار الغربية والمعتقدات الشرقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.