Forawe@ hotmail.com. سألت وبحثت عن قصة نعامة السلطان فعلمت أنَّ التاريخ قد أرَّخ لأكثر من نعامة سلطان، ولكن هناك رواية تقول بأنَّ أحد سلاطين دارفور القساة كان يملك نعامة مدللةً و"مُعَجَّنةً " تعوس الخراب وتفعل ما يفعله ديك العِدَّة ، ولا يجرؤ أحدٌ على التذمر أو الشكوى ،بسبب أنها نعامة السلطان الربداء، التى قال الشاعر القديم فيها أنَّها من فرط جبنها تجفل من صفير الصافر . بلغ السيل الزبى بالناس وتضايقوا من عبثها، فقرروا الذهاب للسلطان شاكين وباكين . سألهم السلطان عن أمرهم ؟ قالوا بصوت واحد : النعامة سيدى السلطان ؟ ..انتهرهم بعنف صائحاً: النعامة مااالااا ؟ فردوا بصوت مضطرب : النعامة دايرة ليها ظليم !!وهو(ذكر النعام). بالطبع فان بصات الوالى معلومة للجميع ، ونقاط الشبه بينها وبين نعامة السلطان الربداء المدللة كثيرة فهى ملفحة بعوالق الغبار ليل نهار، كما النعامة تماماً . تجوب الشوارع والكبارى مطلقة السراح دون أن يمسها لغوب . لا تغشاها لعنة المرور، ولا تتحرج من محاصرة الركشات ، أو مضايقة أهل "الهايسات "، أو مزاحمة المساكين من أرباب الحافلات، أو حتى التشويش على شركاء الطريق . لا أحد يستطيع مع كل هذا أن يشكوها للسلطان، خوفاً من السؤال :أها ، بصات الوالى مااالااا؟ ساكنوا مدينة الواحة والحارة العشرين بالثورات لديهم قصة مأساوية مع بصات الوالى .قبل شهرين ونصف وعند منتصف الليل فوجئ السكان القاطنون لمربعى (1 و2 ) بمدينة الواحة بشارع الوادى ، و الحارة (20) بكررى بسربٍ ضخمٍ من هذه البصات - ذات الطابع " النعامى"- قوامه حوالى ثلاثمائة بصٍّ وهى تحتل الميدان الذى يشكل متنفساً ، بل ساحةً لممارسة الرياضة وفضيلة المشى لأهل الحى، وتطل عليه المنازل و المسجد الوحيد بالمنطقة ومدرسةٍ الأساس وسوقٍ يتعيش منه بعض الحرفيين والتجار وبائعات الطعام والشاى . اعتقد الناس أنَّ هذه البصات قد تم احضارها من الخارج للتو، وهى فى حالة تمام مفاجئ ، لحين خفرها الى ورشها الحديثة والمجهزة سلفاً، لحفظ هذا النوع من الحديد ذى البأس الشديد . بادرت اللجنة الشعبية، ومن بعدها لجنة المسجد المجاور للميدان بالاتصال بمسؤوليها، بعد أسبوع من تمركزها الخاطئ داخل الأحياء السكنية، فأكدوا بأنهم سيرحلون بعد ثلاثة أيام .مرت الأيام والأسابيع والناس يتذمرون ويلعنون ويسخطون، بعد أن عانوا المرائر من التلوث البيئى الهوائى والضوضائى الذى تثيره هذه البصات منذ الفجر الكاذب وحتى الى ما بعد منتصف الليل . الشئ المعلوم لسائقى وكماسرة ومفتشى هذه البصات وسكان الحى وكبار المسؤولين بالولاية وكل ذى مخلب وناب، هو أنَّ هذه البصات تعتمد على وقود الديزل . معظم هؤلاء –للأسف- لا يدرك أنَّ هذا الوقود الفتاك يعتبر المسؤول الأول لانطلاق المواد الكيماوية الخطيرة المتمثلة فى العوالق الدقائقية، التى تنبعث وتشكل المتهم الأساسى لتدمير الجهاز التنفسى للانسان بتليف الرئة والتهاب القصبات والسعال المزمن ، لتصل المعضلة أخيراً الى الكبد ، فتقضى على الانزيمات الضرورية لانتاج الأوكسجين. العلماء يشيرون الى جزيئات الخام الدقيقة للغاية التى يتم استنشاقها واستقرارها فى جسم الانسان، أثناء دوران ماكينات ومحركات هذه البصات وتسخينها والمناورة بها داخل الميدان، لاختبار الفرامل أو الاستعراض الذى يقومون به ثلاثة مرات فى اليوم . لقد ثبت علمياً وجود خمسة ملوِّثات تنتج من مثل هذه السيارات، وهى العوالق الهوائية الكلية وثانى أكسيد الكبريت وأول وثانى أكسيد الأوزوت وأول أكسيد الكربون ، الشئ الذى جعل الناس فى حيرة من أمرهم أمام الأتربة والأغبرة، التى تحملها رياح الشتاء النشطة الى داخل المنازل وقاعات الدرس وأماكن الصلاة، ومن بعدها الى أجهزتهم التنفسية بعد اختلاطها بمخرجات عوادمها السامة، التى تحمل المزيج من الأبخرة المؤذية من الغازات والجزيئات والمركبات العضوية الطيارة. امتد عبث هذه البصات الى تكسير وتحطيم مواسير المياه بالحى فأصبحت المواسير المعطوبة تشفط المياه الملوثة بواسطة "موتورات" الكهرباء لأغراض الاستخدامات المنزلية التى منها الشرب والوضوء والاستحمام ...إلخ . لعل الشئ الأخطر والذى يجب أن يعلمه يقيناً مسؤولوا ولاية الخرطوم كفاعلين سلبيين، والسكان المتأثرون كضحايا لهذا التلوث المدمر، هو فحوى آخر دراسة طبية أوضحت أنَّ استنشاق أبخرة عوادم السيارات يسبب تصلب الشرايين والتهاب الأوعية الدموية، ويؤدى الى نوبات وسكتات قلبية، لا سيما اذا ترافق ذلك مع ارتفاع نسبة الكولوسترول . توسعت هذه الدراسة الحديثة، وأضافت بأنَّ التعرض لهذه الملوثات ، يؤدى الى الدوخة وتسارع نبضات القلب والتشويش الذهنى والنعاس ، وربما فقدان الوعى، وأن المأكولات والمشروبات الملوثة تسبب القى وحرقة المعدة، اضافة الى خلل الدماغ والوعى ، مع تلفٍ فى الجلد وقرنية العين وأجزائها الخارجية . قد يسأل سائلٌ عن المكان الذى تقضى فيه هذه البصات حاجتها (تغيير زيوتها ) ؟. لن نجيب أبداً ولكن نتساءل عن مغزى وجدوى استيراد وجلب مثل هذه البصات ، دون أن تعد لها الولاية عدتها من أماكن الحفظ البعيدة عن الأحياء السكنية؟ لماذا لا تهيئ لها ورش صيانة ومغاسل ومشاحم ومعامل علمية محمية ومؤمنة للفحص الهندسى الدقيق ، وكابحاتٍ لاجمةٍ للأبخرة الملوثة للبيئة والقاتلة للكائنات الحية، حسب المواصفات والمقاييس العلمية العالمية قبل الاستيراد؟ ، من المسؤول عن الأمن البيئى والصحى للمواطنين والحيوانات والنباتات والممتلكات!!؟ . هنالك قانون لصحة البيئة لسنة 2009م يحظر مثل هذا النشاط الملوِّث للبيئة ولكنه نائم كنوم المجلس القومى لصحة البيئة . هناك قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991م يجرم ويعاقب من يلوث البيئة ويسبب ضرراً بصحة الانسان والحيوان والنبات ولكنه مصاب بيئياً . لسنا فى حاجة لذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى حرمت وجرمت مثل هذه الأفعال التى تعتبر نوعاً من الفساد الذى عمَّ البر والبحر بما كسبت أيدى الناس. وأخيراً : لقد هرب جارى العزيز صلاح الافندى من منزله وقام بايجار شقة بعيدة عن مواقع الأذى فهو مصاب بأمراض قد تعجل برحيله اذا اشتم مخلفات عوادم بصات الوالى الملوِّثة للهواء، وتركنا نغالب أمراضنا وأحزاننا ونجاهد باستماتةٍ لايعاد وطرد هذا العدو الذى يسعى لتدمير أجهزتنا التنفسية ولا يبالى . لقد شكونا وشكونا حتى كدنا أن نلحس "كوعنا " ولم يتبق لنا سوى تحريض المنظمات المهمومة بحقوق الحيوان والنبات علَّها تحرك ساكناً، فهناك أيضاً أغنام تنفق، وأشجارٌ تذبل،ونباتات تشحب وبيئة تتعرى ، ونعامات سلطانٍ تهدر غير آبهةٍ لمن يقول لها عَرْ أو هُرْتْ .