[email protected] مع السفير السوداني في لبنان وحرمه السفير إدريس سليمان يحشد نجوم السودان لمهرجان الثقافة الثاني في لبنان حاتم باشات يعود إلى السودان مع الرقم المصري منصور عامر وبابا بورتو لأول مرة ومنذ سنوات طويلة أغيب عن مصر لأكثر من ثلاثة شهور، حتى في الظروف الأخيرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير العام الماضي، لم انقطع أيضا عن أرض الكنانة، ولقد كنت يوم اندلاع شرارة الثورة الأولى في مصر وحضرت«موقعة الجمل» ثم ظللت أواظب على زياراتي لمصر دون انقطاع وكان كثيرون يعتقدون أنني أغامر بالسفر في تلك الأيام الملتهبة، التي كانت فيها الثورة مشتعلة، وكذلك الأيام التالية لإجبار الرئيس السابق حسني مبارك للتخلي عن الحكم فصار مخلوعاً بأمر الجماهير. ولما كنت أقول إن مصر في طريقها إلى الاستقرار ظن البعض أنني أحكم بعواطفي ولا احتكم إلى المنطق والعقل، وهم يرون أن ما أصاب مصر بعد الثورة لا حصار له وكنت أقول لهم إن هذه هي أشبه بالتوابع التي تعقب الزلزال، وهي سرعان ما تزول وتنتهي. ما أصاب مصر كان أكبر من الزلزال، فنظام حكم حسني مبارك الذي أسقطته الثورة الشعبية لم يكن حكماً لثلاثين عاماً فقط، كما يقول القائلون ولا يقف عمره إلى بدايات ثورة يوليو التي أطاحت بالحكم الخديوي في العام 1952م، ولكنه ميراث لحكم سلطوي تعود جذوره إلى عهد الفراعنة قبل آلاف السنين، فلما يسقط حكم بهذا التاريخ وتلك الجذور، لا بد أن يكون سقوطه مثل الزلزال وتكون له توابع أكبر بكثير من بعض الانفلاتات الأمنية التي آعقبت ثورة يناير المصرية الظافرة. وأذكرعندما دعا المجلس العسكري الحاكم في مصر إلى استفتاء شعبي حول بعض التعديلات الدستورية، ودعت بعض القوى السياسية إلى مقاطعته قلت إن إجراء هذا الاستفتاء يشكل أهم بوابة للدخول إلى عالم الاستقرار في مصر بعد الثورة ، فلما جرى الاستفتاء وشهد مشاركة كبيرة لم يسبق لها مثيل قلنا إن انحياز الشعب للتعديلات الدستورية يشكل المحطة الثانية في طريق الاستقرار وكان الإخوان المسلمون وحزب الوفد وكثيرون من غير المنتمين سياسياً قد أعلنوا تأييدهم للتعديلات الدستورية بينما أعلنت عشرات القوى الحديثة، ومئات الشخصيات من الذين يريدون أن يحكموا مصر باسم الثورة معارضتها، ولما ظهرت النتيجة وصوت أكثر من 75% لصالح التعديلات الدستورية لم يساورني أدنى شك في أن الثورة سوف يصل قطارها إلى المحطة الأخيرة التي يتحقق فيها الاستقرار وتنطلق منها مصر رائدة لكل الآفاق التي هي أهل لها. وجاءت زيارتي الأخيرة إلى مصر بعد عبور جسرين مهمين من جسور الامتحان في الانتماء، وهما انتخابات مجلس الشعب الشوري وبرغم الدلالات المهمة لفوز القوى الإسلامية والإخوانية والسلفية، والتي يأتي في مقدمتها التأكيد على إسلامية مصر و ريادتها في هذا المجال إلا أن الأهم من ذلك كله هو الرغبة في الاستقرار، وتأكيد نزاهة وحياد المؤسسة العسكرية المصرية التي يمثلها المجلس العسكري الحاكم بقيادة المشير طنطاوي. ومن دلالات إجراء الانتخابات لمجلس الشعب والشورى أن انتخابات الرئاسة صارت شبه مؤكدة بإذن الله تعالى، ولقد دنا الوقت الذي تشهد فيه مصر رئيساً منتخباً شعبياً في عملية انتخابية حرة نزيهة هي الأولى من نوعها، وهو أيضاً سيكون الأول بهذه الصفة، ولقد بات في حكم المؤكد أن الرئيس القادم لمصر لا بد أن يكون إسلاميا أو مرضياً عنه من القاعدة الإسلامية في مصر، وهي صاحبة القوة والغلبة والثورة. ومما دلّ على أن الاستقرار قد بات وشيك العودة إلى مصر الهدأة التي حلت على ميدان التحرير، فلقد عبرناه يوم الجمعة الماضية في دقيقة واحدة فقط بصحبة الأخوين ياسر تيمو المدير الإقليمي لشركة الخطوط الجوية السودانية في مصر ومحمد كباشي المدير المالي لمكتب الشركة في القاهرة في طريقنا إلى «كرداسة». كان من المفروض أن أزور بيت السودان الذي تؤسسه سفارة السودان في القاهرة للجالية السودانية في مصر من المليون دولار التي تبرع بها للجالية النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، فقام السفير كمال وبالتعاون مع مجلس الجالية بقيادة رئيسه الدكتور حسين محمد عثمان حماد بشراء مقر للجالية في وسط البلد في شارع المبتديان بالقرب من السفارة السودانية في جاردن سيتي لكننا أرجأنا زيارة الدار لغياب السفير كمال الذي جاء إلى السودان لمتابعة بعض القضايا والملفات المهمة في الخرطوم. ولقد أسعدني هذه المرة وجود أكثر من فتاة من بنات الجالية في مكاتب شركة سودانير، وفاء للعهد الذي قطعه المدير الإقليمي ياسر تيمو لتقديم أقصى خدمات لابناء الجالية في مصر ولأسرهم، فبدأ مشروع التدريب خطوة للتوظيف الذي سيبدأه بالذين حازوا جنسيات مصرية لأن القانون يعقد توظيف السودانيين في مصر، رغم أن المصريين يُعاملون في السودان معاملة المواطنين وفقاً لقانون الحريات الأربع، ورغم أننا لا نريد أن نشغل الثورة المصرية بقضايا أخرى غير توفير الاستقرار لمصر إلا أن تطبيق الحريات الأربع من الجانب المصري أسوة بما حدث في السودان من شأنه أن يعزز الثقة والتواصل بين البلدين الشقيقين، وهذا ما كان متعثراً في العهد البائد. وعلى ذكر سودانير في مصر لا بد أن نعيد تذكير السلطات السودانية بمخازي الشركات العشوائية المسموح لها بالعمل بين الخرطوموالقاهرة وهي غير مؤهلة للعمل بين الخرطوم وبحري ولقد عاني المسافرين من خيبة هذه الشركات كثيراً ولقد عجزت إحداها عن تشغيل أية رحلة بين البلدين خلال الأسبوع الماضي إلى أن ثار ركابها حتى تدخلت ست الكل«السودانية» وأنقذت الموقف. فإلى متى يظل هذا العبث في الطيران. ونرجو أن يكون في تبعية الطيران المدني لوزارة الدفاع حل لهذه المشكلة. وقمت في زيارتي هذه بزيارة للأخ الصديق اللواء حاتم باشات في مقره الجديد رئيساً للعلاقات العامة والمشروعات الخارجية في مجموعة منصور عامر المشهورة بعامر جروب AmerGroup » وما يجمع بيني وبين اللواء حاتم باشات صداقة حميمة لأكثر من عشرين عاماً قبل أن يأتي إلى السودان قنصلاً عاماً لمصر في بلادنا، وهو بلا منازع القنصل الأشهر لمصر في السودان. ولقد صار صديقاً لكل السودانيين، ومعلوم أن حاتم جاء إلى السودان في ظروف بالغة التعقيد فأذكر أن شهد مقدمه الأول إلى السودان ضرب مصنع الشفاء للأدوية بصواريخ أمريكية، فلما انتشرت أخبار تقول إن الصواريخ انطلقت من بارجة أمريكية راسية على البحر الأحمر في مصر انطلقت مظاهرات تلقائية من جميع أطراف البلاد وحاصرت مبنى القنصلية المصرية في الخرطوم تهتف ضد مصر، وتقذف الزجاج بالحجارة وكان حاتم وقتها حديث عهد بالسودان والسودانيين في السودان ولم يكونوا يعرفونه. فذات حاتم باشات الذي استقبلته الخرطوم بالحجارة لم تختلف جهة في السودان عن تكريمه، ولم يكرّم أحد في السودان من الدبلوماسيين من كل الجنسيات العربية وغير العربية مثلما تم تكريم حاتم باشات. فلقد زرع حاتم حبه في قلوب السودانين جميعاً بالتواصل الحميم الصادق وبالمحبة الخالية من الرياء والغرض. فلما اختار حاتم باشات الترجل عن جواد المخابرات الذي صار من أقطابه، التقطه صديقه رجل الأعمال النادر منصور عامر وأسند ٌإليه هذا المنصب المحوري في الشركة، والذي فضله حاتم على عروض كثيرة انهالت عليه تقديراً لعلاقاته الخاصة مع منصور أولاً ، ثم لقناعته بمجموعة عامر التي لم يعد لها مثيل في مجالاتها في مصر وفي الشرق الأوسط وزفريقيا كلها. ولما رأى حاتم أنه من العيب أن ينطلق إلى أية دولة أخرى قبل السودان الشقيق بمشروع خارجي عملا ً بالمثل السوداني المعروف «الزاد لو ما كفّى أهل البيت يحرم على الجيران» اختار الخرطوم محطته الأولى، ولم يأت بشخصه فقط ولكنه أتى أيضا بعبقري الفكرة منصور عامر الذي حل ضيفاً عزيزاً على الخرطوم مساء الأمس بعد أن زارا مدينة بورتسودان وهي جديرة بالزيارة الأولى لأنها أصبحت في عهد واليها أمير الشرق محمد طاهر أيلا الأولى في مجال السياحة في السودان والأهم في الزيارة أن من أركانها«بابا بورتو» وهو شخصية دخلت قلوب الأطفال بلا استئذان. ولم يأت بابا بورتو على أفلام أو CDS وإنما أتى بلحمه وشحمه ودمه في طائرة خاصة وكل فريقه الغنائي والاستعراضي ليلتقي أطفال السودان بدون حواجز، وفي حفلات مجانية للأسر والأطفال يشهد مسرح نادي الضباط مساء اليوم الثلاثاء أول عروضه التي يشرفها مستشار رئيس الجمهورية الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل ووالي الخرطوم الدكتور عبدالرحمن الخضر ويتم خلال الحفل تكريم مجموعة من السودانيين الراحلين والمقيمين من الذين خدموا الطفولة في بلادنا. ومن القاهرة سافرتُ إلى العاصمة اللبنانية بيروت ورغم الفرح والمرح اللذين يعتبران ضمن لوازم الشخصية اللبنانية وسماتها المميزة في كل الظروف والأحوال إلا أن حالة حزن لا تغيب وجدتها في صوت كل شامي حادثته عن الأحداث التي تجري في سوريا، فعلى الرغم من الرفض شبه الكامل للكبت الذي ظل يمارسه النظام الحاكم في سوريا في عهد الأسد - الاب والابن معا - إلا أن كثيرين يرفضون السلوك الدولي وكذلك العربي تجاه سوريا وهم يرون أن العرب كان عليهم أن يستفيدوا من تجربة العراق فلما أخطأ الرئيس الشهيد صدام حسين باجتياح الأراضي الكويتية بقواته واستدعى القادة العرب الأممالمتحدة للتدخل لإخراج القوات العراقية من الكويت لم تكتف القوات الدولية بتحرير الكويت وإنما عملوا على احتلال العراق واستباحة كل شئ فيها إلى أن صار ما صار وصارت العراق إلى ما وصلت إليه. فاستدعاء القوات الدولية اليوم لإسقاط حكومة بشار يكون تكراراً للخطأ القديم .وفي تقدير كثيرين وفي تقديري الشخصي أيضاً أن فرصة الحل الآمن للمشكلة السورية لا زال قائماً لا سيما وأن بشاراً نفسه يرغب في ذلك. واعتقد أنه لو أعين على ذلك لفعل ولكن التضييق عليه بهذه الصورة يجعله أكثر شراسة في مواجهة الثائرين وسيكون الوضع أكثر تأزّماً إذا ما تم تسليح المعارضة السورية فمن شأن ذلك أن يحيل الأمر إلى حرب أهلية، وهذا ضار بسوريا والمنطقة وبأمتنا العربية والإسلامية كلها ،وليت بعض عقلائنا من قادة أمتنا العربية ينشطون في مبادرة للحل الآمن مثل الذي جرى في اليمن. وأخشى أن يكون ما قاله لنا مرة السفير السوري في الخرطوم عباس حبيب صحيحاً، إذ قال حبيب إن القوى العظمى لا تريد من سوريا بسط الحرية ولا الديمقراطية ولاغيرها من الشعارات التي ينادي بها الثائرون الصادقون وإنما العالم يطلب من سوريا أن تقطع علاقتها مع إيران وحزب الله وتطرد حركة حماس من أراضيها . فهل نعي الدرس ونفوّت الفرصة على المتربصين بأمتنا، وفي صحبة طاقم السفارة السودانية في لبنان عشت أحلى الأيام مع الصديق السفير إدريس سليمان وحرمه العقيد شرطة دكتورة عفاف أحمد حسن ونائبه الأخ المستشار الهادي صديق نميري وسمير بابتوت ورجل العلاقات العامة المطبوع سامر الشاب الشعلة ود إبراهيم وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة بحفظ اسمائهم. وكانت فرصة للتفاكر حول مهرجان الثقافة السودانية الثاني في لبنان الذي تقيمه السفارة السودانية في بيروت، وكان المهرجان الأول قد أقيم بإشراف كامل من حرم السفير الأخت الصديقة الودودة الدكتورة عفاف، وعفاف لا تعرف السكون، وهي علي هذا الحال منذ أن عرفناها طالبة صغيرة ولقد زادها إدريس اشتعالاً، وادريس رجل يعرف كيف يحرك السواكن، فكيف له مع الذين لا يعرفون السكون خصوصاً إن كان هذا الذي لايعرف السكون يسكن معه في بيت واحد.