[email protected] القاريء والمتابع لروايتي عرس الزين وبندر شاه في مرتكزيها ( ضو البيت ومريود ) لابد من أن يلاحظ أن شخوص تلك الروايات قد إستصحبهم الطيب صالح معه ، محجوب ودالرواس ، سعيد عشا البايتات ، عبدالعظيم ، وسعيد صاحب الدكان ، وحمد الريس. وهنا فإن كاتب الرواية كان هدفه من ذلك هو عدم إزعاج قاريء الروايات تلك بأسماء شخصيات أخري تباعد بينه وبين أولئك الأبطال ، حتي وإن تتابعت قراءته لتلك القصص الشعبية فإنها سوف تحدث إنسجاما في نفسه وهو يري ذات الشخصيات تمثل أدوارا جديدة لأحداث جديدة ، لكنها لاتخرج عن إطار حياة القرية في تلك الأماكن مثل جلسات العصاري ، وتناولهم للعشاء الجماعي ، وصلوات راتبة في المسجد ، ويمزجون كل ذلك بالقطيعة البريئة التي تأتي نتاجاً للفراغ . وكل ما حدث من تطور في أداء الشخصيات في بندر شاه أنهم قد بدأوا يتحدثون عن ماضي شبابهم بعد أن زحف العمر زحفا عليهم وبات الكبر يطغي علي حركتهم وعلي حراكهم الإجتماعي ، وقد بان ذلك في تأوهاتهم وحزنهم علي ذهاب ايامهم الخوالي ، بما ظلوا يتندرون به لاحقاَ في بندر شاه ، ولنري ذلك في الحوارات التالية أمام دكان سعيد ، خاصة وأن الدكان في القرية يعتبر منتدي يجتمع فيه الناس في العصاري حتي مغيب الشمس ، ثم بعد المغرب حتي وقت العشاء ، إذ لاسبيل آخر لقتل الوقت : قال الطاهر ودالرواسي : مسكين محجوب ... كبر . وقال سعيد من بطن الدكان : ( انت ياود الرواسي مالك ما بتعجز مع انك اكبر مننا كلنا ؟ ) فقال الطاهر : ( عشان أنا قلبي ميت ، ناس محجوب وإنت قلوبكم حارة ، الزمن ده الواحد يقيف بعيد يتفرج ويتعجب ) وخرج سعيد وجلس جوارنا علي الكنبة ، وقلت لسعيد : ( الدنيا كلها تكبر والكنبة دي في حالتها ) ضحك سعيد وقال : ( ده شغل ودالبصير رحمة الله عليه ، تقول حديد ، شغل الزمن ده زي الورق ) . والملاحظ أن الطيب صالح في سرده للأحداث لابد وأن يقرن حكاويه في تلك المجالس بسرد قصة زواج أحد أبطال روايته ، ودائما ما يؤكد علي أن اي شخصية تكون مثار سخرية القوم هناك ، نجدها تسيطر علي متن الرواية بسبب أن تلك الشخصية تتزوج زواجاً مدهشاً لأهل القرية ، فيتم تداول الأمر في مجتمعها البسيط ، وهنا فإن المؤلف يريد أن يحدث فرقعة مفاجئة في المجتمع ، مع تأكيد الأستاذ الطيب علي خاصية عقد زيجات أهل السودان في المسجد ، وهي خاصية تظل ملازمة للناس في القري والحضر إلا إن كان عقد الزواج يتم في زمان لا يتناسب وتوقيت الصلوات . لكن السؤال الذي يحيرني ، بمثلما يحير العديدين من قراء الطيب صالح هو : هل تفاصيل أحداث الرواية تجذب القاريء غير السوداني ، خاصة وأن السوداني نجده يستوعب أحداث الرواية بسهولة ويسر ، وذلك ناتج من أن أهل السودان تتقارب لديهم العادات والتقاليد ، بمثلما يتم تداول العديد من مصطلحات السرد بينهم في معظم بقاع السودان الشمالي ، فضلا علي الفهم السريع لمفردات الصياغة القصصية التي لا تبتعد كثيرا عن العامية السوادنية . فهل القراء العرب يعيشون أحداث الرواية بذات الروح التي نستقبلها بها ؟ أي الروح السودانوية !! أنا شخصيا حضرت عدة ندوات للأستاذ الطيب صالح خارج الوطن ، فلم أجده يتحدث عن رواياته ، حيث يكون الموضوع الذي يختاره للحديث فيه هو واحد من شعراء العرب ، سواء كان من زمان الجاهلية أو في عصر الإسلام ، لكنه يتحدث عن رواياته حين يحاورونه عبر الصحف ، خاصة وأن رواية موسم الهجرة إلي الشمال تظل دائماًُ تستأثر علي نصيب الأسد من الحوارات ، وذلك لجملة أسباب حظيت بها تلك الرواية ، وقد سردناها من خلال الإستهلالية التي إبتدرنا بها هذه الكتابة ، كما إختيار إسم الرواية كان موفقا لأنه عنوان يظل جاذباً ، فكلمة موسم معروفة بشدة عند العرب ، فمابالك إن إضفت عليه كلمة الهجرة ، وكلمة الشمال التي تعني أوربا علي أية حال . لذلك فإن عنوان الرواية قد شكل نسبة حضور طاغية وعالية لها في الميديا العربية والعالمية أيضاً . لكننا نجد خيالا خصيبا في مريود ( ضو البيت ) ، تلك الرواية التي يعتمد المؤلف فيها علي تبادل إظهار الحوارات بين ذات الشخوص المذكورة آنفاً ، بما تحتويه تلك الحوارات من سخرية محببة ، لكنه هذه المرة يسرد لنا حواراً شيقا بين أؤلئك القوم وهم في طريقهم إلي سوق الخميس ، ففي العديد من مناطق السودان يوجد سوق إسبوعي في يوم محدد في اقرب بندر حيث يأتي إليه أهل القري والحلال كي يبيعوا منتجاتهم ويشتروا إحتياجاتهم الإسبوعية ، فقد سرد المؤلف الحوار التالي لرموز الرواية وهم في طريقهم علي ظهور دوابهم إلي السوق الإسبوعي : قال الطاهر ودالرواسي وهم علي ظهور حميرهم ضحي في طريقهم إلي سوق الخميس : ( يومداك سألتني سؤال وأنا رديت عليه ، لكن إنت قطع شك ما سمعت الجواب ) . أي سؤال ، اي جواب ، لكن سعيد القانوني كان أسبق ، قال من علي ظهر حماره – الخندقاوي – الملقب ( تاني دور ) كأنه يتحدث من منصة : ( محيميد مما رجع لي ودحامد وهو يسأل وينشد تقول عاوز يؤلف تواريخ). وهنا فإن المؤلف يتواصل في تبيان الحوارات التي أصلا لا معني لها غير أنهم يريدون بها قتل الوقت حتي يصلوا إلي حيث يوجد سوق الخميس. وهنا يريد المؤلف أن يظهر لنا تفاصيل نقاشات تلك المجتمعات علي أساس أنهم لايحملون للدنيا هموماً تذكر . إما إن إستعرضنا ملامح من دومة ودحامد والتي تحتوي علي سبع قصص صغيرة ، كل قصة تتميز بنكهة محددة ، ترتبط بالأولي ولا ترتبط ، تأخذ من مفاصلها ولا تأخذ . ذلك أن الفكرة واحدة ، لكن التفاصيل تتنوع في السبع حكاوي . وهنا لابد من ذكر أن الطيب صالح قد أهدي قصص الدومة إلي صديقه رجل الإعمال الراحل فتح الرحمن البشير ، تماما مثلما أهدي من قبل بندر شاه وعرس الزين إلي والديه.