ابتسامات البرهان والمبعوث الروسي .. ما القصة؟    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    مشاد ترحب بموافقة مجلس الأمن على مناقشة عدوان الإمارات وحلفائها على السودان    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن تسليم الدفعة الثانية من الأجهزة الطبية    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة (هجليج) وثبة تعبوية عاجلة ووقفة معنوية آجلة بقلم عادل حسون

فرحة شعبية عارمة عمت شوارع الخرطوم في اليومين الماضيين بتحرير هجليج من الاحتلال الجنوبي، علام الناس مبتهجون والأسعار نار والكهرباء نار والغلاء فاحش؟. قبل أيام خضعت لعملية خلع (ضرس عقل) بمستشفى الأسنان التعليمي بالخرطوم، وعلى ما هو مشفى حكومي، وعلى القول الحقوقي الدارج بمجانية العلاج كما التعليم الأساس، إلا أنني اضطررت لدفع 124 جنيه الواحد ينطح الآخر كتكاليف ولوازم العملية التي هي بسيطة على ما يقول الناس ببساطة لا تعرف لألم الأسنان الموجع سبيلاً ولا لدفع مبلغ كالذي دفعته والعطالة والبطالة ديدن أيامنا التي نحيا طريقاً. تحتاج تلك الفرحة العارمة إلى تحليل عن المسببات السابقة أو المكونة لها، فمن أقصى غربي الخرطوم بحري حيث أقمنا صلاة الجمعة بمسجد السيد علي الميرغني- للمصادفة كان موضوع خطبة الجمعة للخطيب الخليفة عبد العزيز محمد الحسن عن نصر (بدر) وفي معنى (إن تنصروا الله ينصركم)- إلى مدينة الحاج يوسف أقصى شرقي المدينة، فاضت الطرقات- على انسيابها نسبة لعطلة الجمعة أول من أمس- بالسيارات المسرعة في ضجيج ابتهاجا بنصر (هجليج). كان النصر في هجليج في وقت أعلنت فيه دولة جنوب السودان سحب قواتها الغازية، من الأراضي السودانية، كشفت عنه ذلك الصباح يومية (السوداني) الصادرة في الخرطوم التي عنونت.. (تحرير هجليج بالكامل)، بينما كان إعلان النصر رسمياً في هذه المعركة بعد (10) أيام من الاشتباكات والزحف والحصار من محاور متنوعة- طبقاً لإفادات رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الفريق عصمت عبد الرحمن في المؤتمر الصحفي الذي أمه ووزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين بمقر القيادة العامة ظهيرة الجمعة نفسها. عقب الصلاة وقد انتقلت الإذاعات والتلفزيون الحكومي إلى تغطية مباشرة للحدث من أم درمان ومسرح العمليات في هجليج، كانت السيارات المهرعة بفرح، مطلقة العنان لأبواقها، كعازفي الفرق الموسيقية وهي تلبس طبقات سماء الخرطوم تلك الظهيرة بألحانها كيفما كان، فكان التحول الأكبر في العلاقات بين الدولتين بإشعال الحرب (رسمياً) بينهما بطعم الخسارة مرة، ومذاق الانتصار في المرة التي تليها، احتلال من طرف وتحرير للأرض من الطرف الآخر. من كان المنتصر ومن كان الخاسر في تلك المعركة؟، معزوفات سيارات المواطنين وتدافعهم العفوي في الطرقات ربما يجيب على تساؤلنا بداية، لكن للقصة أبعاد أخرى تدخل في حساب إستراتيجيات المستقبل مع الدولة العدو. من ذلك تحرير القوات السودانية لأراضي هجليج الذي أنهى فيما يبدو حالة (اللاسلم واللاحرب) الطاغية على أجواء العلاقة بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان. أقصى اليمين المؤتمر الشعبي مع أقصى اليسار الشيوعي السوداني وبينهما مؤتمر المستقلين وأحزاب البعث والناصريين وبطبيعة الحال حزب الأمة القومي وقفوا مع الإجماع الوطني لتحرير الأرض المحتلة بهجليج. إجماع التحالف قرنه- لحاجة موضوعية في نفسه فيما بدت- بتنديد شديد اللهجة للربط الدارج لحزب المؤتمر الوطني الحاكم بين المعارضة الوطنية والخيانة الوطنية. كان اجتماع رؤساء قوى الإجماع الوطني في 16 أبريل الجاري بدار حزب المؤتمر السوداني تحت شعار (لا للحرب نعم للسلام) قرر "بعد نقاش مستفيض صريح وعميق للموقف الراهن في البلاد، وخطورة الأوضاع على كل الأصعدة الأمنية، الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، إدانة الهجوم علي هجليج واحتلالها ومطالبة حكومة جنوب السودان بسحب قواتها منها فوراً.. (بيان الرؤساء وقد نشرت مقتطفات منه الصحف المحلية الأربعاء الماضية). القوى السياسية خارج ائتلاف الحكم أجلى موقفه لكن لم يغير ذلك من حقيقة أن تحرير هجليج غسل قلوب الحزانى وزرع الفخار في أنفس تعاني في حياتها اليومية إلا ما ندر- رغماً عن المشكلات الاقتصادية الكبرى والضغوط المعيشية والشكاوى الملاحظة عن ضنك الحياة إلا أن كثيرا ما تجد الجميع يجمع على شكر الله على كل حال من ثقافة القناعة والرضا بما سبق وكتب في اللوح المحفوظ من تدبير الخالق الرازق- ذلك حدث لجيراننا المصريين في تجربة مشابهة دونها رئيس مجلس الشعب ونائب رئيس الوزراء المصري الأسبق المهندس سيد مرعي في الجزء الثاني من مذكراته (أوراق سياسية).. القاهرة 1980م.. كان مرعي يدون مشاهداته الشخصية في طريقه من منزل الرئيس السادات في الجيزة إلى مطار القاهرة للمغادرة إلى السعودية ودول الخليج لإيصال رسائل من الرئيس المصري إلى الملوك العرب عن مجريات المعركة في يوميها الأولين فكتب يقول "كانت شوارع القاهرة التي غسلت أمطار سماءها بنياتها العتيقة في اليوم التالي ليوم العبور المجيد في السادس من أكتوبر 1973م قد امتلأت بجموع من المواطنين الذين غسل النصر قلوبهم وأزال عنها الحزن والانكسار منذ نكسة يونيو 1967م". المصادر المستقلة والنزيهة رجحت فقدان دولة الجنوب لأي تعاطف محلي وإقليمي ودولي محتمل. قد يقول قائل إن دافع الحرب كان استرجاع منطقة جنوبية من إدارة شمالية وفقاً للرواية الجنوبية، لكنه من الصعب تصديق ذلك من حجية الاتفاقات السابقة كافة ومن الحدود المعترف بها في 1/ 1/ 1956م. وجه الخسارة الأنصع تأييد المواطن، أو الكل، بشكل وأشكال من التعاطي الموجب- ولما يغادر المواطنون بعد الأزمات النفسية الناتجة من تصرفات دولة الجباية لا الرعاية في العقود الأخيرة التي تخلع ضرس المواطن بما يعادل خمسة أيام لعامل اليومية (الطلبة)- للقيادة السياسية. لعله كان لافتاً أيضاً اتفاق الصحف اليومية على إبراز تأييد الفنان الشاب محمود عبد العزيز لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة بعدما حول فنان الشباب انتباهه إلى واجب آخر في العمل الوطني وكان هو من أكثر من تغنوا بأيقونة (جوبا).. نونسوا سوا.. سوا ونلعبوا سوا.. سوا (بعض نغم تغني عبد العزيز في ألبومه -برتاح ليك- إنتاج 2001م). لأهداف كبرى جاء احتلال هجليج من القوات الجنوبية، خنق اقتصاد الشمال وتشتيت انتباه الجيش السوداني واستنزاف موارد الخزينة المركزية في شارع النيل وإفساح المجال لحلفاء الجنوب من المسلحين السودانيين الشماليين للعمل في مسارح عملياتية أخرى في الأطراف الجنوبية الشرقية والغربية جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق- مضى بعض المحللين- قال رئيس دولة جنوب السودان في وقت مبكر بعد الهجوم إن "الهدف من احتلال هجليج هو استرجاع لأراضٍ جنوبية". مثل هذا القول تردد كثيراً في الماضي، من هؤلاء، الكوماندور بالجيش الشعبي جورج كوج باراج، وكان رئيساً لمكتب الحركة في جمهورية مصر العربية وشمال إفريقيا، الذي من قناعته الكاملة أن الخرطوم ملتقى النيلين هي أرض جنوبية تحور مسماها عبر الزمان من اللغات النيلية الدينكا في معنى ملتقى النهرين إلى المسمى الحالي بذات المعنى. ترى أي هدف يرجى من إسقاط النظام في الخرطوم كهدف غائي أخير- كشف عن ذلك وزير الدفاع الوطني في رده على المسألة المستعجلة بالبرلمان غداة الهجوم أواخر الأسبوع قبل الماضي- وقد تحول الشعب عفوياً إلى نظام بأسره؟. قد يزعم آخر أن رهان الحركة الشعبية في السابق على نفوذ ومكانة السيدين الجليلين (المهدي والميرغني) واستخدام تلك الحظيات في معاركها السياسية والحربية مع نظام الاتجاه الإسلامي الحاكم. ربما كان المجال متسعاً للمناورة واللعب على الحبال في حساب الربح والخسارة في تلك الأيام. لكن من شاهد نجلي السيدين مساعدي الرئيس السيدين جعفر الميرغني وعبد الرحمن الصادق عن يمين ويسار رئيس الجمهورية في نشرة أخبار العاشرة مساء الرئيسة بشاشة تلفزيون أم درمان يوم الخميس الماضي وهي تنقل الخطاب الجماهيري للرئيس بحاضرة ولاية شمال كردفان الأبيض، لضحك فغر فاه وقال: أنظروا، حتى الرهان على (السيدين) بات خارج حسابات عض الأصابع أو الضرب تحت الأحزمة. الحرب في السابق كانت، أهلية، وذلك من واقعات الحال، لكن الحرب اليوم، دولية، بين دولتين جارتين، فالأهداف الإستراتيجية للحرب تصاغ قبل، أثناء، وبعد كل حرب كبرى في الحروب الدولية. في تعريف للجنرال والمؤرخ الحربي البروسي، كارل فون كلاوزفيتس، المتوفى سنة 1831م أنه "لكل عصر نوعه الخاص من الحروب، والظروف الخاصة، والتحيزات المميزة". وفي كتابه (لماذا تذهب الأمم إلى الحرب) أشار المؤلف يوحنا ج. استو سينجر، إلى أن "كلا طرفي الحرب سوف يدعون أن الأخلاق هي مبرر قتالهم، بيد أن الأساس المنطقي لبداية الحرب يعتمد على تقييم مفرط في التفاؤل لنتائج القتال (الإصابات والتكاليف)، وعلى التصورات الخاطئة لنوايا العدو". أما حرب أكتوبر 1973م وفقاً للمؤرخ العسكري المصري جمال حماد في كتابه- (المعارك الحربية في حرب أكتوبر 1973م).. القاهرة 1989م- فقد "تم تخطيطه حرب أكتوبر على أنها حرب محدودة لا تستخدم فيها سوى الأسلحة التقليدية ويكون لها أهداف إستراتيجية حاسمة تقوض نظرية الحدود الآمنة الإسرائيلية وتهدم أسس إستراتيجية إسرائيل القائمة على أساس التفوق العسكري والسبق في توجيه الضربة الأولى للحصول على المبادأة كوسيلة لإحراز المفاجأة الإستراتيجية، وهي الإستراتيجية التي تدعو إلى توجيه ضربة إجهاض ضد أي تحضيرات هجومية عربية وأن تكون الحرب قصيرة وحاسمة مع نقل المعركة إلى الأراضي العربية فور بدء أي اشتباكات". من رأي حماد أن الأهداف الكبرى التي تحققت من معركة العبور وكان ينشدها الرئيس أنور السادات أنها "أنهت حالة اللاسلم واللاحرب التي كان لا يعني استمرارها سوى انهيار مصر وتعرضها لدمار محقق". ف"مع وفاة الزعيم جمال عبد الناصر وتولى السادات مقاليد الحكم في مصر، بدت الأمور هادئة تماماً واعتقد الجميع أن حالة اللا حرب واللا سلم، ستدوم للأبد وخاصة مع هدوء السادات الظاهري وإيحاءه للجميع بأنه لا يستطيع أن يدخل في حرب جديدة مع الكيان الصهيوني، وخلف كل هذا كانت الأمور مختلفة تماماً لقد كانت كل أجهزة الدولة في حالة استنفار عام استعدادا لمعركة المصير، كما كان التضامن العربي المنشود، تضامنا كفاحياً، ألغى الخلافات العقائدية، وحالة التمزق العربي، من اجل توحيد كل الجهود والإمكانات العربية، نحو هدف تحرير الأرض المحتلة، وكانت ابرز ثماره، ذلك التضامن الكفاحي في حرب أكتوبر التي أرادتها سوريا تحريرية، وأرادها السادات تحريكية، لإنهاء حالة اللا حرب واللا سلم، التي عاشتها المنطقة العربية، عقب مبادرة روجرز، ووفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأحداث أيلول الأسود في الأردن، والتي اظهر السادات في خطاباته تململه منها، عندما وعد بسنة حسم مرتين، مرة بالتوقيت الميلادي، ومرة بالتوقيت الهجري، دون أن يكون هناك حسم، إلى أن جاءت حرب أكتوبر، التي أعقبها ولأول مرة، استخدام البترول كسلاح في المعركة، فقطعت إمدادات النفط عن الدول المؤيدة لإسرائيل".. (إمدادات النفط؟، ألا يذكرنا هذا بأن الدافع الحقيقي لاعتداء دولة الجنوب واحتلال حقول هجليج النفطية، تعطيل إمدادات البترول السودانية كما سبق وعطلت التدفقات النفطية من الجنوب بقرار منه سلبي؟). من مصطلحات العلوم العسكرية رددت الوسائط الإعلامية كثيرا مصطلح (الوثبة التعبوية) أو (الوقفة التعبوية) فكانت معركة هجليج (وقفة تعبوية) للجيش السوداني الذي تسجل الموسوعة الحرة على الشبكة الدولية للمعلومات (انترنت) لصالحه، ذاكرة "الجيش القوي الذي لا يعود في قوته إلى تفوقِ تكنولوجي، بل إلى عقيدته القتالية الفريدة وخبرته النادرة، فقد ظل الجيش في وضعيه قتالية منذ الحرب العالمية الثانية وإلى أمس قريب، وهذا ما لم يتوفر لجيوش أخرى هي أعتى تسليحاً من السودان" ، "بالرغم من أن الحرب أمر كريه إلا أن استدامتها تنشئ خبرة تراكمية عالية جداً" تضيف موسوعة (ويكبيديا) في تعريفها المثير للإعجاب. بدا أن دولة جنوب السودان غاب عنها أن هذا الجيش حارب في حرب القرم في روسيا في القرن التاسع عشر (1854- 1856م) وانتشر جنوده في مسارح عملياتية أخرى في الحجاز وفي اليونان وفي المكسيك، وحديثاً في الصحراء الإفريقية الكبرى وشرقا في كرن الإرترية وأحدث من ذلك في السويس وخط القنال. كان وزير الدفاع الوطني أستغرق بضعة ساعات ذات أمسية في نوفمبر من العام الماضي في جلسة خاصة مع بعض قيادات الصحافة السودانية للحديث عن عمله في الجيش السوداني وذلك بسيره، بالتوازي، على تطوير الفرد المقاتل والمعدة العسكرية وبيئة العمل،
وعلى تخفيض القوات وإعادة تشكيلها وفقاً لاتفاقية السلام الشامل والتعامل مع العمليات الأمنية الداخلية في دارفور، في آن واحد. مصطلح الوثبة التعبوية الذي جرت به الألسن مؤخراً كوصف عسكري شارح لرسالة معينة هو أنسب تأطير لما جرى في هجليج. فالعملية العسكرية اتخذت أبعاد متنوعة في الإيغال التكتيكي والخداعي، لكن ذلك يسوق مباشرة إلى التدقيق في دراسة الفعل العسكري ومجالات تردداته داخلياً، اجتماعياً، اقتصادياً، ثم وخارجياً وذلك بحسابات أخرى كعمل آخر لعاملين آخرين. كيف كان مستوى استدعاء الاحتياط البشري؟، وكيف كان تفاعل الماكينات؟- مما بات مرجح وفق المتواتر من معلومات في الانترنت والفضائيات والإعلام الحكومي- استخدام قوات التحرير السودانية قوة المشاة الميكانيكي بمنظومته المتكاملة في الرماية والاقتحام والمسح والتنظيف، التقدم والتمرس الدفاعيين.. الخ. كم تكلفنا في ذلك بشراً ومعدات؟، وهل أدخلت قوات (نخبة) من الجيش أو أجهزة الأمن القومي للتعامل الأولي؟، أم كانت معركة مستقلة لذوي القبعات الخضراء؟. كيف كانت تدار العمليات؟، بإنفراد القيادة العامة، أم بغرفة تنسيق عليا تضم الأجهزة المختصة؟؟- كان التلفزيون الرسمي بث في وقت متأخر من مساء الجمعة زيارة النائب الأول ومدير جهاز الأمن لجرحى العمليات بمستشفى (الأمل الوطني) ببحري بما يشي بإشراك قوات من الجهاز الرفيع في العمليات التحريرية. ما هو مستوى تجاوب وإيجاب القوات المساندة، نظامية وطوعية، في المعركة بالقياس على المعارك الأخرى المتوقعة في مثيلها؟، وكيف هي الرؤية للسنوات القادمة حرباً وسلماً؟. الوثبة التعبوية وبعض ما طرح في هذه الأسئلة لا يسع الاستطراد فيه لأن القوانين التي تحكم الصحافة والنشر تحظر الحديث عن القوات المسلحة كما في أمر النص (28/ ب) من قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009م المعنون ب(واجبات الصحفي) والذي ينص ب"ألا ينشر أي معلومات سرية تتعلق بأمن البلاد أو بالقوات النظامية من حيث الخطط والتحرك، ويجب أخذ المعلومات من الناطق الرسمي باسم القوة المختصة". معيار سرية المعلومات بموجب النص الحاكم فضفاض وغير محكم مما يجعل المتهم في قضية النشر عرضة لنجاح النيابة العامة إثبات الاتهام بحقه بسهولة- لكن الأسئلة المطروحة ترجعنا إلى المؤرخ جمال حماد الذي ناقش في كتابه المشار إلي الخلاف الشهير الذي وقع في قيادة العمليات في الغرفة رقم (10) تحت سطح الأرض بين القائد العام للجيش الفريق أول أحمد إسماعيل وبين رئيس أركان الجيش الفريق سعد الدين الشاذلي مساء ثاني أيام العبور المجيد في 1973م بما استدعى استدعاء الرئيس السادات إلى غرفة العمليات بطلب من المشير أحمد إسماعيل ليفصل في الخلاف بين قائد الجيش ورئيس الأركان حول التوقف لوقفة تعبوية لتنظيم صفوف الجيوش التي عبرت القنال من الجيش الثاني والجيش الثالث الميداني تستمر حتى مغيب ضوء شمس 8 أكتوبر ثم الهجوم كما كان رأي الفريق الشاذلي ومواصلة التقدم الهجومي (تطوير الهجوم) في محاور اقتحام صحراء سيناء لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي وذلك لتخفيف الضغط على الجبهة الشمالية للمعركة (سوريا) حيث كانت دمشق على مرمى حجر من طيران العدو الإسرائيلي. أعتبر ذلك الخلاف الجوهري المتسبب الأساس في ثغرة (الدفرسوار) التي كادت أن تقلب موازين ضربة المفاجأة وعنصر المبادأة من الجيشين المصري والسوري والجيوش العربية المساندة في الحرب مع إسرائيل التي لم يبد جيش دفاعها كثير اهتمام بصيانة ما يعرف بأخلاقيات الحرب كما في حوادث (بحر البقر) وقصف (منشآت الدلتا وقناطر الري) وتلك قصة أخرى. رب قائل أن الحركة الشعبية لا تعرف أخلاقيات السياسة- كما أخلاقيات الحرب أيضاً فالغبار المنجل حتى اللحظة من معارك هجليج يشئ بتدمير قوات الاحتلال لعديد المنشآت المدنية الحيوية. فمع الفصل الكامل بين الحركة الشعبية التي التحق بها عدد لا بأس به من المواطنين الشماليين في حياة قائدها قرنق وخليفته سلفا كير، وبين الحركة التي هي الحاكمة بأمره في الجنوب، لم تك في مكان أخلاقي متسام بل في آخر (متواضع) بعد التضليل المتعمد لحلفائها في التجمع الوطني المعارض عند التنسيق بين المبادرات (الإيقاد والمصرية الليبية المشتركة) قبل عشر سنوات، وعند الدخول إلى تفاوض نيفاشا بغطاء (الخرطوم لا تقبل باشتراك التجمع الشمالي في المفاوضات) رغم العلاقة الراسخة بين زعيم التجمع وقائد الحركة المرجعة إلى اتفاقية السلام (الميرغني- قرنق) المتفردة في نوعها. الحركة الشعبية في موضع أكثر تواضعاً مع اجترار ما جرى بين الحركة وحلفاءها من القوى السياسية الشمالية عند إجازة قوانين (الأمن الوطني والصحافة والمطبوعات) مقابل (الاستفتاء والمشورة الشعبية)، سحب المرشح الرئاسي (عرمان) في آخر لحظة لشئ في نفس (كير). كان ذلك قبل بضعة أعوام وليس عشرة. الحركة في درك أسفل إذا سئل حدبيها أي منطق يقنع بالتمرد وتشجيع المسلحين بجبال النوبة وجبال الأنقسنا على العصيان على الشرعية الانتخابية في جمهورية السودان وقد وافقت وبصمت عليها وعملت لها في 2010م؟. تجاذبت الحديث مع جاري (الخمسيني) في المركبة العامة التي استقللناها سوياً من المحطة الوسطى ببحري عقب صلاة الجمعة الماضية، وهو يحدثني بما سرح فيه بخياله عن هجليج وقصة حرب دولة لدولة تعتبر الأم لها. شردت أخيلتنا وأبواق السيارات الفرحة لا تزال تضج بمزاميرها إلى ناهيات المستقبل كسؤال تحظر التشريعات السارية مجرد تناوله عرضاً أو بتبحر. بحوزتي قول قاطع وجدته عند الفنان محمد خضر بشير الذي يقول في إفادة خاصة أمس "أنا لم أحب أن أظهر في الإعلام لأتحدث عن ما جرى في هجليج لكن في رأيي أن الحرب ليست بين دولتين شمال السودان والجنوب، فهي حرب دينية فهؤلاء لهم أجندة ضد دين الحق الإسلام (لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى) وهو قول حق لأنه قول القرآن الكريم، وهو مكتوب في التوراة عندهم أن مملكة كوش لا تُغلب، لذلك يعملون على خلق فتن بين بعضنا. و(عسى أن تكرهوا شيئاً) وكان هذا يقيني أن ربنا سينصرنا لأننا أمة مسلمة تقدر على استرجاع هجليج والوصول إلى جوبا وأخذها منهم إلا أن يقولوا لا إله إلا الله أو يدفعوا الجزية أو الحرب كما أمر الله. (فما بنا من نعمة فمن الله) ونشكر الله ونحمد فضله والله أكبر". قول بشير كقول من لا يطمئن على قوت عياله في يومه مع اقتصادياتنا المقلوبة رأساً على عقب منذ أشهر ومع ذلك تجده يتمتم متبسماً (الحمد لله) شئ عجيب. ربما لا يظن بصواب العمل على استرجاع (جوبا) إلى حظيرة الوطن الموروث في 1956م، فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية مغلفة بمناخ ضاغط لسياسات قد تكون فاشلة في أساسها، لكن غاية الواقع أن الظهير الاقتصادي في جمهورية السودان لا يلبي بدوره طلب خوض عملية طويلة لإرجاع أقاليم بحر الغزال وأعالي النيل والاستوائية السابقة التي تشكل قوام الدولة العدو اليوم. ربما نحتاج إلى تأمل مقترح الإمام الصادق (المهدي)- وأيضاً نجله مساعد رئيس الدولة وقد طرحه بمنتدى صحفي نظمته رئاسة الجهورية أواخر الشهر الماضي- لعقد مائدة مستديرة مع دول جوارنا التسع (زمان) حول الأمن في حواف الصحراء وبدء الغابة، يضع حكومة جنوب السودان (الحركة الشعبية) أمام مسئولياتها القانونية والأدبية، فإما جوار بأدب أو الاستعداد لدفع الكلفة الخاسرة باعتبارات الاقتصاد والاجتماع والسياسات الداخلية في الجنوب- وكلٌ في تراجع فيما يبدو بما لا يشجع لخوض معارك إستراتيجية كمثل (هجليج). كان لافتاً أن يصدر صوت المؤتمر الوطني الحاكم عبر أمين الإعلام بدر الدين إبراهيم يتحدث عن تفكير في "بديل نهائي لصداع الجنوب هو ببناء حائط برلين جديد بين السودانين الشمالي والجنوبي"- كحائط الفصل بين الألمانيتين الشرقية والغربية سابقاً أو جدار العزل العنصري بين إسرائيل والضفة الغربية وغزة حالياً- وهذا يوسع لنا في مجرى السؤال الكبير الذي يظل مطروحاً، ماذا بعد الوقفة التعبوية أو الوثبة المعنوية؟، استثمار عاجل وسريع لنصر هجليج بالتوغل جنوباً وإسقاط جوبا، أم الدخول في حالة أخرى من اللاحرب واللاسلم في انتظار لفعل آخر ورد فعل من أي من ال
معركة (هجليج) وثبة تعبوية عاجلة ووقفة معنوية آجلة
بقلم: عادل حسون *
فرحة شعبية عارمة عمت شوارع الخرطوم في اليومين الماضيين بتحرير هجليج من الاحتلال الجنوبي، علام الناس مبتهجون والأسعار نار والكهرباء نار والغلاء فاحش؟. قبل أيام خضعت لعملية خلع (ضرس عقل) بمستشفى الأسنان التعليمي بالخرطوم، وعلى ما هو مشفى حكومي، وعلى القول الحقوقي الدارج بمجانية العلاج كما التعليم الأساس، إلا أنني اضطررت لدفع 124 جنيه الواحد ينطح الآخر كتكاليف ولوازم العملية التي هي بسيطة على ما يقول الناس ببساطة لا تعرف لألم الأسنان الموجع سبيلاً ولا لدفع مبلغ كالذي دفعته والعطالة والبطالة ديدن أيامنا التي نحيا طريقاً. تحتاج تلك الفرحة العارمة إلى تحليل عن المسببات السابقة أو المكونة لها، فمن أقصى غربي الخرطوم بحري حيث أقمنا صلاة الجمعة بمسجد السيد علي الميرغني- للمصادفة كان موضوع خطبة الجمعة للخطيب الخليفة عبد العزيز محمد الحسن عن نصر (بدر) وفي معنى (إن تنصروا الله ينصركم)- إلى مدينة الحاج يوسف أقصى شرقي المدينة، فاضت الطرقات- على انسيابها نسبة لعطلة الجمعة أول من أمس- بالسيارات المسرعة في ضجيج ابتهاجا بنصر (هجليج). كان النصر في هجليج في وقت أعلنت فيه دولة جنوب السودان سحب قواتها الغازية، من الأراضي السودانية، كشفت عنه ذلك الصباح يومية (السوداني) الصادرة في الخرطوم التي عنونت.. (تحرير هجليج بالكامل)، بينما كان إعلان النصر رسمياً في هذه المعركة بعد (10) أيام من الاشتباكات والزحف والحصار من محاور متنوعة- طبقاً لإفادات رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الفريق عصمت عبد الرحمن في المؤتمر الصحفي الذي أمه ووزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين بمقر القيادة العامة ظهيرة الجمعة نفسها. عقب الصلاة وقد انتقلت الإذاعات والتلفزيون الحكومي إلى تغطية مباشرة للحدث من أم درمان ومسرح العمليات في هجليج، كانت السيارات المهرعة بفرح، مطلقة العنان لأبواقها، كعازفي الفرق الموسيقية وهي تلبس طبقات سماء الخرطوم تلك الظهيرة بألحانها كيفما كان، فكان التحول الأكبر في العلاقات بين الدولتين بإشعال الحرب (رسمياً) بينهما بطعم الخسارة مرة، ومذاق الانتصار في المرة التي تليها، احتلال من طرف وتحرير للأرض من الطرف الآخر. من كان المنتصر ومن كان الخاسر في تلك المعركة؟، معزوفات سيارات المواطنين وتدافعهم العفوي في الطرقات ربما يجيب على تساؤلنا بداية، لكن للقصة أبعاد أخرى تدخل في حساب إستراتيجيات المستقبل مع الدولة العدو. من ذلك تحرير القوات السودانية لأراضي هجليج الذي أنهى فيما يبدو حالة (اللاسلم واللاحرب) الطاغية على أجواء العلاقة بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان. أقصى اليمين المؤتمر الشعبي مع أقصى اليسار الشيوعي السوداني وبينهما مؤتمر المستقلين وأحزاب البعث والناصريين وبطبيعة الحال حزب الأمة القومي وقفوا مع الإجماع الوطني لتحرير الأرض المحتلة بهجليج. إجماع التحالف قرنه- لحاجة موضوعية في نفسه فيما بدت- بتنديد شديد اللهجة للربط الدارج لحزب المؤتمر الوطني الحاكم بين المعارضة الوطنية والخيانة الوطنية. كان اجتماع رؤساء قوى الإجماع الوطني في 16 أبريل الجاري بدار حزب المؤتمر السوداني تحت شعار (لا للحرب نعم للسلام) قرر "بعد نقاش مستفيض صريح وعميق للموقف الراهن في البلاد، وخطورة الأوضاع على كل الأصعدة الأمنية، الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، إدانة الهجوم علي هجليج واحتلالها ومطالبة حكومة جنوب السودان بسحب قواتها منها فوراً.. (بيان الرؤساء وقد نشرت مقتطفات منه الصحف المحلية الأربعاء الماضية). القوى السياسية خارج ائتلاف الحكم أجلى موقفه لكن لم يغير ذلك من حقيقة أن تحرير هجليج غسل قلوب الحزانى وزرع الفخار في أنفس تعاني في حياتها اليومية إلا ما ندر- رغماً عن المشكلات الاقتصادية الكبرى والضغوط المعيشية والشكاوى الملاحظة عن ضنك الحياة إلا أن كثيرا ما تجد الجميع يجمع على شكر الله على كل حال من ثقافة القناعة والرضا بما سبق وكتب في اللوح المحفوظ من تدبير الخالق الرازق- ذلك حدث لجيراننا المصريين في تجربة مشابهة دونها رئيس مجلس الشعب ونائب رئيس الوزراء المصري الأسبق المهندس سيد مرعي في الجزء الثاني من مذكراته (أوراق سياسية).. القاهرة 1980م.. كان مرعي يدون مشاهداته الشخصية في طريقه من منزل الرئيس السادات في الجيزة إلى مطار القاهرة للمغادرة إلى السعودية ودول الخليج لإيصال رسائل من الرئيس المصري إلى الملوك العرب عن مجريات المعركة في يوميها الأولين فكتب يقول "كانت شوارع القاهرة التي غسلت أمطار سماءها بنياتها العتيقة في اليوم التالي ليوم العبور المجيد في السادس من أكتوبر 1973م قد امتلأت بجموع من المواطنين الذين غسل النصر قلوبهم وأزال عنها الحزن والانكسار منذ نكسة يونيو 1967م". المصادر المستقلة والنزيهة رجحت فقدان دولة الجنوب لأي تعاطف محلي وإقليمي ودولي محتمل. قد يقول قائل إن دافع الحرب كان استرجاع منطقة جنوبية من إدارة شمالية وفقاً للرواية الجنوبية، لكنه من الصعب تصديق ذلك من حجية الاتفاقات السابقة كافة ومن الحدود المعترف بها في 1/ 1/ 1956م. وجه الخسارة الأنصع تأييد المواطن، أو الكل، بشكل وأشكال من التعاطي الموجب- ولما يغادر المواطنون بعد الأزمات النفسية الناتجة من تصرفات دولة الجباية لا الرعاية في العقود الأخيرة التي تخلع ضرس المواطن بما يعادل خمسة أيام لعامل اليومية (الطلبة)- للقيادة السياسية. لعله كان لافتاً أيضاً اتفاق الصحف اليومية على إبراز تأييد الفنان الشاب محمود عبد العزيز لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة بعدما حول فنان الشباب انتباهه إلى واجب آخر في العمل الوطني وكان هو من أكثر من تغنوا بأيقونة (جوبا).. نونسوا سوا.. سوا ونلعبوا سوا.. سوا (بعض نغم تغني عبد العزيز في ألبومه -برتاح ليك- إنتاج 2001م). لأهداف كبرى جاء احتلال هجليج من القوات الجنوبية، خنق اقتصاد الشمال وتشتيت انتباه الجيش السوداني واستنزاف موارد الخزينة المركزية في شارع النيل وإفساح المجال لحلفاء الجنوب من المسلحين السودانيين الشماليين للعمل في مسارح عملياتية أخرى في الأطراف الجنوبية الشرقية والغربية جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق- مضى بعض المحللين- قال رئيس دولة جنوب السودان في وقت مبكر بعد الهجوم إن "الهدف من احتلال هجليج هو استرجاع لأراضٍ جنوبية". مثل هذا القول تردد كثيراً في الماضي، من هؤلاء، الكوماندور بالجيش الشعبي جورج كوج باراج، وكان رئيساً لمكتب الحركة في جمهورية مصر العربية وشمال إفريقيا، الذي من قناعته الكاملة أن الخرطوم ملتقى النيلين هي أرض جنوبية تحور مسماها عبر الزمان من اللغات النيلية الدينكا في معنى ملتقى النهرين إلى المسمى الحالي بذات المعنى. ترى أي هدف يرجى من إسقاط النظام في الخرطوم كهدف غائي أخير- كشف عن ذلك وزير الدفاع الوطني في رده على المسألة المستعجلة بالبرلمان غداة الهجوم أواخر الأسبوع قبل الماضي- وقد تحول الشعب عفوياً إلى نظام بأسره؟. قد يزعم آخر أن رهان الحركة الشعبية في السابق على نفوذ ومكانة السيدين الجليلين (المهدي والميرغني) واستخدام تلك الحظيات في معاركها السياسية والحربية مع نظام الاتجاه الإسلامي الحاكم. ربما كان المجال متسعاً للمناورة واللعب على الحبال في حساب الربح والخسارة في تلك الأيام. لكن من شاهد نجلي السيدين مساعدي الرئيس السيدين جعفر الميرغني وعبد الرحمن الصادق عن يمين ويسار رئيس الجمهورية في نشرة أخبار العاشرة مساء الرئيسة بشاشة تلفزيون أم درمان يوم الخميس الماضي وهي تنقل الخطاب الجماهيري للرئيس بحاضرة ولاية شمال كردفان الأبيض، لضحك فغر فاه وقال: أنظروا، حتى الرهان على (السيدين) بات خارج حسابات عض الأصابع أو الضرب تحت الأحزمة. الحرب في السابق كانت، أهلية، وذلك من واقعات الحال، لكن الحرب اليوم، دولية، بين دولتين جارتين، فالأهداف الإستراتيجية للحرب تصاغ قبل، أثناء، وبعد كل حرب كبرى في الحروب الدولية. في تعريف للجنرال والمؤرخ الحربي البروسي، كارل فون كلاوزفيتس، المتوفى سنة 1831م أنه "لكل عصر نوعه الخاص من الحروب، والظروف الخاصة، والتحيزات المميزة". وفي كتابه (لماذا تذهب الأمم إلى الحرب) أشار المؤلف يوحنا ج. استو سينجر، إلى أن "كلا طرفي الحرب سوف يدعون أن الأخلاق هي مبرر قتالهم، بيد أن الأساس المنطقي لبداية الحرب يعتمد على تقييم مفرط في التفاؤل لنتائج القتال (الإصابات والتكاليف)، وعلى التصورات الخاطئة لنوايا العدو". أما حرب أكتوبر 1973م وفقاً للمؤرخ العسكري المصري جمال حماد في كتابه- (المعارك الحربية في حرب أكتوبر 1973م).. القاهرة 1989م- فقد "تم تخطيطه حرب أكتوبر على أنها حرب محدودة لا تستخدم فيها سوى الأسلحة التقليدية ويكون لها أهداف إستراتيجية حاسمة تقوض نظرية الحدود الآمنة الإسرائيلية وتهدم أسس إستراتيجية إسرائيل القائمة على أساس التفوق العسكري والسبق في توجيه الضربة الأولى للحصول على المبادأة كوسيلة لإحراز المفاجأة الإستراتيجية، وهي الإستراتيجية التي تدعو إلى توجيه ضربة إجهاض ضد أي تحضيرات هجومية عربية وأن تكون الحرب قصيرة وحاسمة مع نقل المعركة إلى الأراضي العربية فور بدء أي اشتباكات". من رأي حماد أن الأهداف الكبرى التي تحققت من معركة العبور وكان ينشدها الرئيس أنور السادات أنها "أنهت حالة اللاسلم واللاحرب التي كان لا يعني استمرارها سوى انهيار مصر وتعرضها لدمار محقق". ف"مع وفاة الزعيم جمال عبد الناصر وتولى السادات مقاليد الحكم في مصر، بدت الأمور هادئة تماماً واعتقد الجميع أن حالة اللا حرب واللا سلم، ستدوم للأبد وخاصة مع هدوء السادات الظاهري وإيحاءه للجميع بأنه لا يستطيع أن يدخل في حرب جديدة مع الكيان الصهيوني، وخلف كل هذا كانت الأمور مختلفة تماماً لقد كانت كل أجهزة الدولة في حالة استنفار عام استعدادا لمعركة المصير، كما كان التضامن العربي المنشود، تضامنا كفاحياً، ألغى الخلافات العقائدية، وحالة التمزق العربي، من اجل توحيد كل الجهود والإمكانات العربية، نحو هدف تحرير الأرض المحتلة، وكانت ابرز ثماره، ذلك التضامن الكفاحي في حرب أكتوبر التي أرادتها سوريا تحريرية، وأرادها السادات تحريكية، لإنهاء حالة اللا حرب واللا سلم، التي عاشتها المنطقة العربية، عقب مبادرة روجرز، ووفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأحداث أيلول الأسود في الأردن، والتي اظهر السادات في خطاباته تململه منها، عندما وعد بسنة حسم مرتين، مرة بالتوقيت الميلادي، ومرة بالتوقيت الهجري، دون أن يكون هناك حسم، إلى أن جاءت حرب أكتوبر، التي أعقبها ولأول مرة، استخدام البترول كسلاح في المعركة، فقطعت إمدادات النفط عن الدول المؤيدة لإسرائيل".. (إمدادات النفط؟، ألا يذكرنا هذا بأن الدافع الحقيقي لاعتداء دولة الجنوب واحتلال حقول هجليج النفطية، تعطيل إمدادات البترول السودانية كما سبق وعطلت التدفقات النفطية من الجنوب بقرار منه سلبي؟). من مصطلحات العلوم العسكرية رددت الوسائط الإعلامية كثيرا مصطلح (الوثبة التعبوية) أو (الوقفة التعبوية) فكانت معركة هجليج (وقفة تعبوية) للجيش السوداني الذي تسجل الموسوعة الحرة على الشبكة الدولية للمعلومات (انترنت) لصالحه، ذاكرة "الجيش القوي الذي لا يعود في قوته إلى تفوقِ تكنولوجي، بل إلى عقيدته القتالية الفريدة وخبرته النادرة، فقد ظل الجيش في وضعيه قتالية منذ الحرب العالمية الثانية وإلى أمس قريب، وهذا ما لم يتوفر لجيوش أخرى هي أعتى تسليحاً من السودان" ، "بالرغم من أن الحرب أمر كريه إلا أن استدامتها تنشئ خبرة تراكمية عالية جداً" تضيف موسوعة (ويكبيديا) في تعريفها المثير للإعجاب. بدا أن دولة جنوب السودان غاب عنها أن هذا الجيش حارب في حرب القرم في روسيا في القرن التاسع عشر (1854- 1856م) وانتشر جنوده في مسارح عملياتية أخرى في الحجاز وفي اليونان وفي المكسيك، وحديثاً في الصحراء الإفريقية الكبرى وشرقا في كرن الإرترية وأحدث من ذلك في السويس وخط القنال. كان وزير الدفاع الوطني أستغرق بضعة ساعات ذات أمسية في نوفمبر من العام الماضي في جلسة خاصة مع بعض قيادات الصحافة السودانية للحديث عن عمله في الجيش السوداني وذلك بسيره، بالتوازي، على تطوير الفرد المقاتل والمعدة العسكرية وبيئة العمل،
وعلى تخفيض القوات وإعادة تشكيلها وفقاً لاتفاقية السلام الشامل والتعامل مع العمليات الأمنية الداخلية في دارفور، في آن واحد. مصطلح الوثبة التعبوية الذي جرت به الألسن مؤخراً كوصف عسكري شارح لرسالة معينة هو أنسب تأطير لما جرى في هجليج. فالعملية العسكرية اتخذت أبعاد متنوعة في الإيغال التكتيكي والخداعي، لكن ذلك يسوق مباشرة إلى التدقيق في دراسة الفعل العسكري ومجالات تردداته داخلياً، اجتماعياً، اقتصادياً، ثم وخارجياً وذلك بحسابات أخرى كعمل آخر لعاملين آخرين. كيف كان مستوى استدعاء الاحتياط البشري؟، وكيف كان تفاعل الماكينات؟- مما بات مرجح وفق المتواتر من معلومات في الانترنت والفضائيات والإعلام الحكومي- استخدام قوات التحرير السودانية قوة المشاة الميكانيكي بمنظومته المتكاملة في الرماية والاقتحام والمسح والتنظيف، التقدم والتمرس الدفاعيين.. الخ. كم تكلفنا في ذلك بشراً ومعدات؟، وهل أدخلت قوات (نخبة) من الجيش أو أجهزة الأمن القومي للتعامل الأولي؟، أم كانت معركة مستقلة لذوي القبعات الخضراء؟. كيف كانت تدار العمليات؟، بإنفراد القيادة العامة، أم بغرفة تنسيق عليا تضم الأجهزة المختصة؟؟- كان التلفزيون الرسمي بث في وقت متأخر من مساء الجمعة زيارة النائب الأول ومدير جهاز الأمن لجرحى العمليات بمستشفى (الأمل الوطني) ببحري بما يشي بإشراك قوات من الجهاز الرفيع في العمليات التحريرية. ما هو مستوى تجاوب وإيجاب القوات المساندة، نظامية وطوعية، في المعركة بالقياس على المعارك الأخرى المتوقعة في مثيلها؟، وكيف هي الرؤية للسنوات القادمة حرباً وسلماً؟. الوثبة التعبوية وبعض ما طرح في هذه الأسئلة لا يسع الاستطراد فيه لأن القوانين التي تحكم الصحافة والنشر تحظر الحديث عن القوات المسلحة كما في أمر النص (28/ ب) من قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009م المعنون ب(واجبات الصحفي) والذي ينص ب"ألا ينشر أي معلومات سرية تتعلق بأمن البلاد أو بالقوات النظامية من حيث الخطط والتحرك، ويجب أخذ المعلومات من الناطق الرسمي باسم القوة المختصة". معيار سرية المعلومات بموجب النص الحاكم فضفاض وغير محكم مما يجعل المتهم في قضية النشر عرضة لنجاح النيابة العامة إثبات الاتهام بحقه بسهولة- لكن الأسئلة المطروحة ترجعنا إلى المؤرخ جمال حماد الذي ناقش في كتابه المشار إلي الخلاف الشهير الذي وقع في قيادة العمليات في الغرفة رقم (10) تحت سطح الأرض بين القائد العام للجيش الفريق أول أحمد إسماعيل وبين رئيس أركان الجيش الفريق سعد الدين الشاذلي مساء ثاني أيام العبور المجيد في 1973م بما استدعى استدعاء الرئيس السادات إلى غرفة العمليات بطلب من المشير أحمد إسماعيل ليفصل في الخلاف بين قائد الجيش ورئيس الأركان حول التوقف لوقفة تعبوية لتنظيم صفوف الجيوش التي عبرت القنال من الجيش الثاني والجيش الثالث الميداني تستمر حتى مغيب ضوء شمس 8 أكتوبر ثم الهجوم كما كان رأي الفريق الشاذلي ومواصلة التقدم الهجومي (تطوير الهجوم) في محاور اقتحام صحراء سيناء لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي وذلك لتخفيف الضغط على الجبهة الشمالية للمعركة (سوريا) حيث كانت دمشق على مرمى حجر من طيران العدو الإسرائيلي. أعتبر ذلك الخلاف الجوهري المتسبب الأساس في ثغرة (الدفرسوار) التي كادت أن تقلب موازين ضربة المفاجأة وعنصر المبادأة من الجيشين المصري والسوري والجيوش العربية المساندة في الحرب مع إسرائيل التي لم يبد جيش دفاعها كثير اهتمام بصيانة ما يعرف بأخلاقيات الحرب كما في حوادث (بحر البقر) وقصف (منشآت الدلتا وقناطر الري) وتلك قصة أخرى. رب قائل أن الحركة الشعبية لا تعرف أخلاقيات السياسة- كما أخلاقيات الحرب أيضاً فالغبار المنجل حتى اللحظة من معارك هجليج يشئ بتدمير قوات الاحتلال لعديد المنشآت المدنية الحيوية. فمع الفصل الكامل بين الحركة الشعبية التي التحق بها عدد لا بأس به من المواطنين الشماليين في حياة قائدها قرنق وخليفته سلفا كير، وبين الحركة التي هي الحاكمة بأمره في الجنوب، لم تك في مكان أخلاقي متسام بل في آخر (متواضع) بعد التضليل المتعمد لحلفائها في التجمع الوطني المعارض عند التنسيق بين المبادرات (الإيقاد والمصرية الليبية المشتركة) قبل عشر سنوات، وعند الدخول إلى تفاوض نيفاشا بغطاء (الخرطوم لا تقبل باشتراك التجمع الشمالي في المفاوضات) رغم العلاقة الراسخة بين زعيم التجمع وقائد الحركة المرجعة إلى اتفاقية السلام (الميرغني- قرنق) المتفردة في نوعها. الحركة الشعبية في موضع أكثر تواضعاً مع اجترار ما جرى بين الحركة وحلفاءها من القوى السياسية الشمالية عند إجازة قوانين (الأمن الوطني والصحافة والمطبوعات) مقابل (الاستفتاء والمشورة الشعبية)، سحب المرشح الرئاسي (عرمان) في آخر لحظة لشئ في نفس (كير). كان ذلك قبل بضعة أعوام وليس عشرة. الحركة في درك أسفل إذا سئل حدبيها أي منطق يقنع بالتمرد وتشجيع المسلحين بجبال النوبة وجبال الأنقسنا على العصيان على الشرعية الانتخابية في جمهورية السودان وقد وافقت وبصمت عليها وعملت لها في 2010م؟. تجاذبت الحديث مع جاري (الخمسيني) في المركبة العامة التي استقللناها سوياً من المحطة الوسطى ببحري عقب صلاة الجمعة الماضية، وهو يحدثني بما سرح فيه بخياله عن هجليج وقصة حرب دولة لدولة تعتبر الأم لها. شردت أخيلتنا وأبواق السيارات الفرحة لا تزال تضج بمزاميرها إلى ناهيات المستقبل كسؤال تحظر التشريعات السارية مجرد تناوله عرضاً أو بتبحر. بحوزتي قول قاطع وجدته عند الفنان محمد خضر بشير الذي يقول في إفادة خاصة أمس "أنا لم أحب أن أظهر في الإعلام لأتحدث عن ما جرى في هجليج لكن في رأيي أن الحرب ليست بين دولتين شمال السودان والجنوب، فهي حرب دينية فهؤلاء لهم أجندة ضد دين الحق الإسلام (لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى) وهو قول حق لأنه قول القرآن الكريم، وهو مكتوب في التوراة عندهم أن مملكة كوش لا تُغلب، لذلك يعملون على خلق فتن بين بعضنا. و(عسى أن تكرهوا شيئاً) وكان هذا يقيني أن ربنا سينصرنا لأننا أمة مسلمة تقدر على استرجاع هجليج والوصول إلى جوبا وأخذها منهم إلا أن يقولوا لا إله إلا الله أو يدفعوا الجزية أو الحرب كما أمر الله. (فما بنا من نعمة فمن الله) ونشكر الله ونحمد فضله والله أكبر". قول بشير كقول من لا يطمئن على قوت عياله في يومه مع اقتصادياتنا المقلوبة رأساً على عقب منذ أشهر ومع ذلك تجده يتمتم متبسماً (الحمد لله) شئ عجيب. ربما لا يظن بصواب العمل على استرجاع (جوبا) إلى حظيرة الوطن الموروث في 1956م، فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية مغلفة بمناخ ضاغط لسياسات قد تكون فاشلة في أساسها، لكن غاية الواقع أن الظهير الاقتصادي في جمهورية السودان لا يلبي بدوره طلب خوض عملية طويلة لإرجاع أقاليم بحر الغزال وأعالي النيل والاستوائية السابقة التي تشكل قوام الدولة العدو اليوم. ربما نحتاج إلى تأمل مقترح الإمام الصادق (المهدي)- وأيضاً نجله مساعد رئيس الدولة وقد طرحه بمنتدى صحفي نظمته رئاسة الجهورية أواخر الشهر الماضي- لعقد مائدة مستديرة مع دول جوارنا التسع (زمان) حول الأمن في حواف الصحراء وبدء الغابة، يضع حكومة جنوب السودان (الحركة الشعبية) أمام مسئولياتها القانونية والأدبية، فإما جوار بأدب أو الاستعداد لدفع الكلفة الخاسرة باعتبارات الاقتصاد والاجتماع والسياسات الداخلية في الجنوب- وكلٌ في تراجع فيما يبدو بما لا يشجع لخوض معارك إستراتيجية كمثل (هجليج). كان لافتاً أن يصدر صوت المؤتمر الوطني الحاكم عبر أمين الإعلام بدر الدين إبراهيم يتحدث عن تفكير في "بديل نهائي لصداع الجنوب هو ببناء حائط برلين جديد بين السودانين الشمالي والجنوبي"- كحائط الفصل بين الألمانيتين الشرقية والغربية سابقاً أو جدار العزل العنصري بين إسرائيل والضفة الغربية وغزة حالياً- وهذا يوسع لنا في مجرى السؤال الكبير الذي يظل مطروحاً، ماذا بعد الوقفة التعبوية أو الوثبة المعنوية؟، استثمار عاجل وسريع لنصر هجليج بالتوغل جنوباً وإسقاط جوبا، أم الدخول في حالة أخرى من اللاحرب واللاسلم في انتظار لفعل آخر ورد فعل من أي من الطرفين، وإن كان ذلك بشروط جديدة؟؟. لا ضير من عقد مؤتمر وطني إستراتيجي ليبحث أمر هذا المستقبل يجلس إليه جميع المشتغلين بالحياة السياسية بالتساوي وبدون تمايز فرسالة معركة هجليج أن الجميع في خندق الوطن الواحد دون سبق لأحد على أحد ودون وصم بالعمالة والارتزاق من طرف للطرف الآخر.
صحفي وباحث
عضو اتحاد الصحفيين
بريد الكتروني: [email protected]
طرفين، وإن كان ذلك بشروط جديدة؟؟. لا ضير من عقد مؤتمر وطني إستراتيجي ليبحث أمر هذا المستقبل يجلس إليه جميع المشتغلين بالحياة السياسية بالتساوي وبدون تمايز فرسالة معركة هجليج أن الجميع في خندق الوطن الواحد دون سبق لأحد على أحد ودون وصم بالعمالة والارتزاق من طرف للطرف الآخر.
صحفي وباحث
عضو اتحاد الصحفيين
بريد الكتروني: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.