فور انتقاله من ضفة حزب المؤتمر الشعبي ولم تمضي سوى بضعة أيام حتى أصبح رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وما مرت بضعة أشهر قليلة حتى أصبح نائبا لرئيس الجمهورية. كيف؟ بأي قانون أو عُرْف سياسي يحدث ذلك؟ كيف يصبح خصم سياسي لدود في بضعة أيام رئيسا للقطاع السياسي لدى خصمه ونائبا لرئيس الجمهورية مرة واحدة!؟ هل صعد الحاج آدم يوسف للعنان بطائرة عمودية أي هيلكوبتر والرجل له غرام بطائرات الهيلكوبتر؟ عموما، لا نجد لهذا الصعود العمودي الهيلكوبتري مثيلا ولا حتى في الخيال السياسي للروائي جورج أورويل، ولا حتى في الفانتازيا السياسية الملحمية الإغريقية. فالآلهة الإغريقية لا تغفر للخونة. إذا أخذنا قصة ارتفاع وصعود الحاج آدم يوسف العمودي نحو السماء كما هي، معني ذلك بالمجموع أن المؤتمر الوطني مغفل كبير –حاشا لله- حين يزرع بنفسه ضد نفسه "غواصة" لصالح "خصمه" المزعوم المؤتمر الشعبي وزعيمه الكبير قائد القوات الجوية الشيخ حسن الترابي (بفرضية أن الحاج آدم مظلي له جناحان يطير بهما إلى أعلى). هل حقا الشيخ حسن الترابي وحزبه المؤتمر الشعبي خصمان حقيقيان للمؤتمر الوطني؟ لماذا صمت الأستاذ علي إسماعيل العتباني دهرا بعد بيعه حصته العائلية من الأسهم بصحيفة الرأي العام، بل لماذا أعتزل العمل السياسي والكتابة؟ هل لأنه اكتشف إنه كان مخدوعا؟ هل لأنه اكتشف بعد سنوات عديدة من سبابه المقذع المعلن والمبطن للشيخ حسن الترابي أن هذا الشيخ الخطير هو الذي يدير المؤتمرين الشعبي والوطني؟ هل أصيب الأستاذ علي إسماعيل العتباني بصدمة اكتئابية؟ ربما نعم. لقد بلغ الرجل درجة الصفر في الكتابة – صمت ولم يعد لديه ما يكتبه. كل المؤشرات تنفي الخصومة المزعومة بين المؤتمرين، لا خصومة ولا يحزنون!! في تقديرنا السياسي وطبقا للتحليل الموضوعي اعتمادا على علم الاستراتيجيات والتكتيكات السياسية محليا وإقليميا، الشيخ حسن الترابي هو الذي يقود فعلا المؤتمرين الوطني والشعبي بخفية – بينما أمثال المحبوب وبشير آدم رحمة وكمال عمر ربما لا يدركون هذه النقطة في العمق ويؤدون دورهم المعارض بصدق ساذج دون علمهم بالخدعة. ولكننا نستثني رحلة الحاج آدم يوسف الانتقالية السريعة إلى "قمة العلالي" في بضعة أيام مثل الصاروخ وهي الرحلة التي فضحت المستور. هل هذه الرحلة هي بترتيب ما بين الترابي وعمر البشير؟ أم أن الحاج يوسف رحمة أكتشف متأخرا أن الشيخ حسن الترابي يقود المؤتمرين فأمن مقعده في السلطة مبكرا؟ أي حفر بظلفه طريقا مختصرا للصعود السياسي short-cut. هذه الأسئلة تبقى بدون جواب قطعي، ولعلنا نضعها بالشكل التالي أي بشكل مغاير: ما هو الحاج آدم يوسف؟ ما هو حتى يصبح في "ليلة وضحاها" رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني ونائبا لرئيس الجمهورية؟ وهو الخصم السابق لعقدية من الزمان؟ هل هو عبقري أم وحيد عصره حتى يرفع فجأة المؤتمر الوطني من أضبعي الرجل؟ الاسم: الحاج آدم يوسف عبد الله، مكان الميلاد: قرية دنقسو (قوز محلب) - محلية عد الفرسان - ولاية جنوب دارفور، تاريخ الميلاد: 1955م، المراحل التعليمية: الأولية: كتم الأولية 1962-1966م، الوسطى: برام الوسطى 1966-1971م، الثانوي: كادوقلي الثانوية 1971-1974م. الخبرات العلمية والعملية: جامعة الخرطوم، كلية الهندسة والعمارة - قسم الهندسة الزراعية، 1974-1979م بكلاريوس هندسة (هندسة زراعية) – مرتبة الشرف الأولى. جوائز: المجلس الهندسي وجائزة الجمعية الهندسية السودانية لأحسن طالب بالقسم للعام 1979م. ماجستير جامعة نيوكاسل ابون تاين بانجلترا 1984م (هندسة زراعية). دكتوراه جامعة الخرطوم - كلية الهندسة والعمارة 1987م - (هندسة زراعية). الخبرات العلمية والأكاديمية: مساعد تدريس بجامعة الخرطوم - كلية الهندسة والعمارة 1979-1984م. محاضر بجامعة الخرطوم - كلية الهندسة والعمارة 1984-1987م. أستاذ مساعد بجامعة الخرطوم - كلية الهندسة والعمارة 1987-2006م. أستاذ مشارك بجامعة الخرطوم - كلية الهندسة والعمارة 2006. أستاذ مشارك ورئيس قسم الهندسة الزراعية - كلية الهندسة - جامعة الخرطوم. الخبرات السياسية والتنفيذية: مشرف عام اللجان الشعبية بولاية الخرطوم 1990-1991م. وزير الزراعة والثروة الحيوانية والشئون الاجتماعية بالولاية الشمالية 1991-1994م. نائب الوالي ووزير الزراعة والثروة الحيوانية بالولاية الشمالية 1994-1995م . والي الولاية الشمالية 1995-1997م. والي ولاية جنوب دارفور 1997-1999م. وزير الزراعة والغابات بالحكومة الاتحادية 1999-2000م. رئيس قسم الهندسة الزراعية بكلية الهندسة جامعة الخرطوم 2000-2004م و2006م. عضوية الجمعيات العلمية والمهنية: عضو بدرجة مهندس مستشار بالمجلس الهندسي السوداني. عضو بدرجة زميل بالجمعية الهندسية السودانية. رئيس الجمعية السودانية للمهندسين الزراعيين. أمين أمانة العلاقات السياسية بالمؤتمر الوطني حاليا ونائب رئيس الجمهورية. نقول للقارئ الكريم ألا يغتر كثيرا بألقاب الرجل العلمية والمناصب التي شغلها كما ذكرناها له أعلاه. فبعض "خلق الله" يفهمون بوعي مبكر جدا أن "خلاصهم الشخصي" من الحضيض حتى يكونوا شيئا مرموقا أو كأن يخرجوا في تقديرهم من قاع المجتمع أو كي لا يكونوا صفرا كبيرا في المجتمع المدني الخرطومي...عليهم أن يُكثِّروا من هذه الألقاب الجامعية. فتجدهم مبكرا منذ صغرهم يضعون كل وقتهم وثقلهم في "دروسهم المدرسية" أو في "تفوقهم الأكاديمي الجامعي" – ولكن بعد ذلك لا شيء – لا ثقافة ولا رياضة ولا اجتماعيات. ولأنهم أغلقوا على أنفسهم على الكتب الأكاديمية وأفرطوا في التحصيل عن ظهر قلب يتحولون إلى شخوص ضيقة الأفق وعديمة الثقافة الموسوعية، جامدة جمود الصخر تنمحق فيها سعة الأفق الاجتماعي والسياسي والخيال العلمي، ولا يقبلون قطعا النقد من غيرهم لازدياد حساسية الأنا المفرطة عبر عبادة الذات – ولأنهم لا يعرفون شيئا آخر سوى أن يكونوا "دكاترة" نمطيين يصعب التعامل معهم حيث تتبلد فيهم المشاعر تجاه الآخرين إلى حد الاحتقار – لأن هؤلاء "الآخرين" في تقديرهم لم "ينالوا" ما نالوه من شهادات أكاديمية. ثم يتحول "الدكتور" النمطي إلى عقبة نمطية كؤودة في عرقلة فهم مشاكل السودان الحقيقية وقد يقف هو نفسه سدا منيعا في وجه كل الحلول الخ. في جمهورية ألمانيا الاتحادية تتهرب الشركات الصناعية الألمانية الكبرى أو المتوسطة من تعيين حملة الشهادات الأكاديمية من نوع الدرجة الأولى – مع مرتبة الشرف (, with Honor Grade I)، وتعين الشركات الألمانية من هم أقل منهم درجة علمية. لقد ثبت أن هؤلاء "المتفوقين جدا" أكاديميا كاديميعقد مركبة أو عقد متطرفة، لا يعبدون إلا ذواتهم تنعدم فيهم روح العمل الجماعي، بل قد يعوقون من انسيابية عمل الشركة وقد يدخلونها في مشاكل إدارية لا تحصى ولا تعد. لو كان الحاج يوسف آدم يمتلك العبقرية الهندسية في الزراعة كما تدعي أو توحي سيرته الذاتية لتحول السودان على يديه إلى مزرعة أو سلة غذاء أو اقل قليلا حتى لا نظلمه. ولكنه شخص من ذلك النمط الذي تقصر قدراته العقلية وتصوراته الذاتية فهم وظيفة الشهادات الأكاديمية؛ ويبدو في تقديره الشخصي أن الشهادات الأكاديمية هي لتحسين دخله وتسهيل حياته المعيشية الأسرية والاجتماعية فقط، وفي كل الأحوال يفرح أمثاله بوضع الشهادات الأكاديمية على جدار الصالون مثل تلك البنادق العتيقة الأثرية في متحف الخليفة المهدي. ورغم هذه الألقاب الأكاديمية وغيرها، في تقديرنا أيضا أن الحاج آدم يوسف شخص أقل من الاعتيادي في قدراته العلمية والفكرية والسياسية، بل تشع من وجهه البلادة الوظيفية والخباثة الناعمة مثله ومثل العديد من الجبهجية الذين تسلموا العديد من المهام الكبيرة سابقا ثم جلسوا على الرف لسنوات طويلة بسلبية وأناة مضجرين انتظارا لدورهم الوظيفي في الدولة. ويمكن القول أن الحاج آدم يوسف لا يتعدى فهمه للإسلاميات المطروق في الصحف، ولم يتعدى فهمه الإسلامي قط تلك المراهقة الإسلامية في فترة شبابه المدرسية والجامعية، وبلا شك تطلع أو أنتظر كغيره في ذلك الصف أو الطابور الطويل أن يقبض الثمن، أي أن تفتح له ليلة القدر فرصة التوظيف والصعود الوظيفي والسياسي. في تقديرنا يشغل الحاج آدم يوسف الآن وظيفة المندوب المتفق عليه سرا ما بين الشيخ حسن الترابي وعمر البشير ليقوم بتقييم دولاب دولة المؤتمر الوطني من الداخل استعدادا لدمج المؤتمرين في توقيت معين يختاره الشيخ حسن الترابي، لأن الشيخ لم يعد يثق في التقارير التي تصل إلى يده من مؤسسات دولة المؤتمر الوطني الحاكمة لاختلاط الحابل بالنابل، وأصبح كل من يستلم وظيفة في دولة المؤتمر الوطني ليس كذابا ودجالا فحسب، بل أيضا لصا من لصوص المال العام بجدارة. فتحنا النيران على شخص الحاج آدم يوسف – لتصريحاته الكثيرة الساذجة ولتبنيه خط الاعتذاريين الذين يروجون صنوف الاعتذارات الساذجة لتبرير سقطات وفشل دولة المؤتمر الوطني. "الاعتذار العلني المصطنع" هو أحد التكتيكات التي طبقتها قيادات المؤتمر الوطني مؤخرا عندما أحسوا بحرارة لهيب الانتفاضة الشعبية القادمة. فجأة أصبح أعضاء المؤتمر الوطني يذكرون عيوبهم وعيوب نظامهم فرادى وجماعات وبشكل صريح أو إيمائي، ويعددون بعض المثالب التي حدثت على يديهم في خلال الثلاثة والعشرين عاما الماضية، ويعتذرون ضمنيا وتلميحا للشعب السوداني عما ارتكبوه من قتل وسفك دماء ونهب للمال العام. سيان سمح لهم عمر البشير بهذه الخطة الذكية أو سمح لهم كما يسميه الدكتور نافع علي نافع "المكتب القيادي" – فقد خرج منشور داخلي رئاسي لأصحاب المناصب السيادية ورؤساء الأمانات الحزبية فقط كأن يعتذروا للشعب السوداني بمقدار – ولكن هذا المنشور في تقديرنا لا ينطبق مثلا على السيدة قمر هباني ومنصبها الصغير غير السيادي والتي سحقها عمر البشير بل طحنها طحنا لأنها ذكرت حقائق إحصائية مخيفة عن تدهور حال المجتمع السوداني في ظل دولة المؤتمر الوطني في العلن. واقعة سحق السيدة قمر هباني تثبت أن عمر البشير لا يحب أن يعمل معه سوى كذابين أو من يجيدون لعبة الصمت وغض البصر عن كوارث المؤتمر الوطني. ما هو الدافع من إطلاق هذه الاعتذارات العلنية الفردية؟ قطعا الدافع من الاعتذارات المصطنعة لقيادات المؤتمر الوطني ليس لأنهم فجأة اكتشفوا علم الفضيلة والأخلاق الإسلامي أو حتى "العلماني" متأخرا، بل الاعتذار العلني هو خدعة تنظيمية مرسومة نوقشت داخل الحزب كي يستعيدوا ثقة الشعب السوداني فيهم مرة أخرى أي مجددا. وهذا ليس سوى تكتيك خبيث وحيلة نفسية ذكية تستخدمها عادة حكومات الدول الغربية حين يتم اعتقالها متلبسة بفعل مجرم في حق شعوب دول العالم الثالث النامية - رغم كل الحيطة والحذر السابق للفعل المجرم. في سياق هذه الاعتذارات التكتيكية المصطنعة صرح الحاج آدم يوسف تصريحا إعتذاريا سخيفا بل عبيطا، فبعد ثلاثة وعشرين عاما من الحكم أو في ظل الحكم يكتشف الرجل الصورة القاتمة لوضع التعليم بالبلاد، هكذا فجأة متأخرا جدا. وماذا كان يفعل المؤتمر الوطني في كل هذه السنوات؟ أليس هذا مثيرا للشفقة والسخرية؟ قال "أن هناك بعض المدارس ليس بها معلم واحد مؤهل، ومعلمون فاقد تربوي، مرتباتهم لا تقل عن مرتب الخريج". وربما تضحك على اعتذار الحاج آدم يوسف المتأخر لانهيار التعليم، والضحك ليس لأنه أستخدم الأسلوب الاعتذاري المبرمج المسموح به من "المكتب القيادي" كما قلنا سابقا، بل لأنه أيضا قصد أو لم يقصد أن يوهمنا أن هنالك "تعليم" وأن هنالك "مؤسسة تعليمية" في السودان. ورغب أن يوهمنا أن استبدال هذا الفاقد التربوي "الخبيث" من المعلمين بآخرين "خريجين" سيعدل كفة التعليم المائلة والمنهارة. يا له من اكتشاف؟! ألا يدفعه وغيره من أقرانه الإسلاميين كل هذا الفشل المذري الذي يعم كل منشط في السودان النزول من خشبة المسرح؟ ولكنه النفاق السياسي الذي يدفعهم للتوسل الإعتذاري كي ينالوا ثقة الجمهور مجددا تشبثا بالسلطة. فالمعلم الخريج، ونقول الخريج، لا يتعدى راتبه الشهري ثلاثمائة جنيه على الإطلاق، مع عقد ملزم إذلالي تشترطه الوزارة على المعلم أو المعلمة أن يربط نفسه أو نفسها بداخلية مرفقة بالمدرسة في الخلاء ك "الحمار" ولا يغادرونها قط – ولا حتى في عطلة نهاية الأسبوع. وإذا كان مرتب الخريج الشهري ثلاثمائة جنيه فكم يعتقد الحاج آدم يوسف يجب أن يقبض المعلم "الفاقد التربوي" بزعمه؟ مائة، مائتان؟ نكتة أليس كذلك؟ وهل فعلا معظم هؤلاء المعلمين "فاقد تربوي" حسب زعمه؟ وماذا يكون المستوى التعليمي لأفراد جهاز الأمن الذين يذبحون الطلبة بالسواطير؟ معروف سلفا أن ميزانية تشريفات رئاسة الجمهورية ومهرجاناتها ومؤتمراتها الجوفاء تفوق ما يصرف على التعليم العام عشرات الأضعاف، وما يصرف على أجهزة الأمن والدفاع الشعبي الذين هم حقيقة فاقد تربوي لا مجازا يفوق كل ما يصرف على الصحة والتعليم والمياه الخ. إذن ما صرح به الحاج آدم يوسف ظنا منه أنه حل لمشكلة التعليم العام ليس سوى دجل سياسي حتى يستعيد المؤتمر الوطني ثقة الشعب فيه مجددا، ثم هذه التصريحات المتفرقة الساذجة هي لزوم المنصب الذي يتبوأه الرجل، فهو يود أن يزاحم علي عثمان محمد طه في كمية ونوعية التصريحات الاعتذارية – وكلا من الرجلين ليس على شيء. الشيء المذهل الذي يصمت عليه رجال المؤتمر الوطني وصحافته المطبوعة المدجنة لصالح الحزب الحاكم أن 90% من خريجي الجامعات السودانية حملة البكلاريوس حقا لا يفقهون شيء البتة وقد ينطبق عليهم القول بعد تخرجهم إنهم فاقد تربوي – أما الطالبات الجامعيات لا تشغلهن الكتب ولا المحاضرات بل هن في شغل شاغل لتوفير أسباب المعيشة وسد الرمق باصطياد ونشل الأموال بالموبايل بتهويم المهووسين جنسيا على سياق معنى الآية الكريمة (وهموا بما لم ينالوا)، وإن لم يصطدن المال من "الهوام" يمتن من الجوع أو يطردن من الداخليات بسبب عدم دفع الإيجار – هذه الظاهرة الاجتماعية هي حقيقية يمارسها 70% من مجموع الطالبات. أما من الناحية الأكاديمية، يمكن لخريج جامعات دولة المؤتمر الوطني أن "يدغمس" جهله الفاقع بسهولة، بدءا بخريج العلوم الإنسانية مثل خريج الاقتصاد والعلوم السياسية والاجتماعية وحتى العلوم التجريبية مثل خريج الطب، والهندسة، والمعامل والبصريات الخ – ولكن تظهر حقيقة جهل الخريج فاقعة ومؤسفة وجلية مثلا في طلبة كليات اللغات والترجمة. فخريج كلية اللغات طالبا أو طالبة إما يعرف أو لا يعرف – بشكل حدي. ومع جهلهم الذي يقارب 95% باللغة التي رغبوا أن يتخصصوا فيها يحصل هؤلاء على شهادة جامعية البكلاريوس – شيء غريب حقا. والطريف فور تخرجهم يهرع الخريجون إلى معاهد لغات خاصة أو لدروس خصوصية لتغطية جهلهم – فهم موقنون بجهلهم اللغوي. ماذا يدور حقا في معظم الكليات السودانية؟ أساتذة الجامعات يكشفون صراحة للطلبة والطالبات الأسئلة والأجوبة التي ستأتي في الامتحانات بشكل رسمي – عادة في آخر محاضرة. ويبدو إنه فعل منتظم ومقصود من قبل مجلس أساتذة الكلية – وإلا رسب جميع الطلبة والطالبات ويصبح الرسوب الجماعي ليس فضيحة كبرى فحسب، بل يتطلب الرسوب الجماعي المكثف زيادة في التكاليف ليست في مقدور الكلية ولا في مقدور الطالب تغطيتها. لا وقت للطلبة – هذا شعار الأساتذة الجامعيين!! تجد أساتذة الجامعات يحاضرون في أكثر من كلية بجامعات أخرى لمضاعفة دخلهم – لو لم يفعلوا ذلك يموتون جوعا. وعليه، الطرفان الأساتذة والطلبة فرحين بهذا الترتيب الداخلي المخادع المتفق عليه بصمت. وحين تسأل خريجا ما من الخريجين ماذا أكملت، يقول "كذا" منتفخ الأوداج، وحين تدخل معه في صلب موضوع دراسته يبين لك جهله المتين فيصفر وجهه أو وجهها خجلا – هؤلاء الخريجون المخدوعين من قبل كلياتهم لا يعرفون شيء البتة، لا يفهمون إنهم يخادعون أنفسهم قبل خديعة العباد والبلاد. ومن أولئك المخادعين أيضا الحاج آدم يوسف – فهو أستاذ جامعي ويفهم ما كتبناه أعلاه جيدا جيدا. فعلام يتحدث إذن عن "الفاقد التربوي" بينما الطلبة الخريجين هم أنفسهم فاقد تربوي؟ تقلب الحاج آدم يوسف في كافة المناصب السيادية والإدارية التي تمكنه أن يوظف علمه المزعوم في الهندسة الزراعية في كل من ولاية الشمالية وولاية جنوب دارفور ولكنه لم يفعل شيئا مطلقا في مجال تخصصه. وفشله لا يعزى لجهله بعلوم التربة، والتقاوي، وأنواع السماد والزراعة الآلية فقط، بل أيضا لكونه "دودة كتب أكاديمية" ما زالت تعيش عقلية طالب العلم ولا تعرف كيف تتعامل مع الجماهير والمزارعين وكيف يمكن تنظيمهم وتفجير طاقاتهم – راجع تحليلنا للشخصية الأكاديمية النمطية من سيرته الذاتية. كل ما فعله كما يقول أهل دارفور إنه فرض حين كان واليا لدارفور رسوم شراء طائرة هليكوبتر لمطاردة "الهمباتة الاقتصادية" وقتلهم جوا. تعبير "الهمباتة الاقتصادية" هو من عندي، فالهمبتة والهمباتة تكثر عادة ويقوى عودها مع الفقر الاقتصادي المزمن وضعف التنمية. وإذا حدثت تنمية اقتصادية حقيقية في دارفور تنتهي الهمبتة. وبدلا من أن ينهض المهندس الزراعي المزعوم بإقليم جنوب دارفور اقتصاديا وجد الحل الأكثر سهولة وإثارة في طائرة الهيلكوبتر – ومع الطائرة المروحية سن المهندس الزراعي سنة أصبحت خصما على كاهل الدارفوريين الفقراء فلاحقوه بلعناتهم، إذ أصبحت "رسوم" شراء الهليكوبتر في جنوب دارفور ضريبة إضافية وسُنَّة سارية المفعول مع رسوم النفايات للولاة الجدد وإلى اليوم – وجدت هليكوبتر أو لم توجد. من الأسباب الأساسية التي حدت بالمعارضة السياسية كي تطالب بتغيير هذا النظام القائم وإزالته هي أن القابضين على الحكم فاسدون وينحرون المال العام نحر الشاة. لكن المعارضة السياسية لم تنتبه أن هؤلاء أيضا فاشلون وتنعدم فيهم الكفاءة الذاتية والخبرة والشروط العلمية بالمعنى الحرفي والحقيقي، واترك الشروط الأخلاقية جانبا. من يقبض على مقادير الحكم في السودان ليسوا هم أفضل السودانيين علما وكفاءة – هذه النقطة يجب أن توضع في الاعتبار من قبل المعارضة السياسية. فمعيار الأهلية في شخص ما لإدارة البلاد لا يحسب فقط بعدد الشهادات الأكاديمية التي يحملها أحدهم، بل تتمحور الأهلية حول القدرة على الانجاز من عدمه أولا، ثم تأتي الشهادات في الدرجة الثانية. وطبقا لهذا التعريف أعلاه للأهلية يعتبر رجال الإنقاذ بمجموعهم فاشلين – ولا يرغبون مطلقا الاعتراف بفشلهم. فمثلا ما الذي يربط الدكتور نافع الأستاذ الزراعي بوظائفه الماضية والحالية كأن ينشئ جهاز أمن أو العمل السياسي؟ أو ما علاقة الطبيب غازي والطبيب مصطفى ويكيليكس بالسياسة والطبيب غندور الغندور بالعمال؟ رغم اعتقادنا قد تكون هنالك استثناءات مقدرة مثل الدكتور عبد الحليم المتعافي. لهذا الفشل الإسلامي المريع في إدارة الدولة السودانية مقدمات ومبررات تاريخية شاهدها أو عاصرها الجميع. فقد أنتقل فجأة معظم الطلبة الإسلاميين من ساحة الصراع على الاتحادات الطلابية إلى ساحة قيادة دولة – عبر انقلاب عسكري. وعليك أن تتخيل حجم جهل هؤلاء الطلاب المحظوظين إسلاميا –كانوا يوما معك في الكلية وتعرف مقدار جهلهم- لا يعرفون من الإسلام سوى أسمه. نحن لا نقول قولنا جزافا، كانوا وما زالوا جهلة بالإسلام الذي يرفعون أسمه اليوم. فحتى القادة الإسلاميين التاريخيين كانوا جهلة وما زالوا جهلة بالإسلام ناهيك أولئك الطلبة المحظوظين دنيويا. والجهل الإسلامي لم يعفي الجميع بدءا بالشيخ حسن الترابي، ومرورا بالسنوسي وانتهاءً بياسين عمر الأمام وهؤلاء أشهرهم. وبعد عدة سنوات قليلة من استيلاءهم على السلطة تم اختراقهم من قبل دول الخليج وكافة الدول العربية والغربية قطعا. فسيطر الطابور الثاني مثل علي عبد الله يعقوب، والصادق عبد الله الماجد، ونور الدائم الحبر الذي إلى اليوم لا يعرف كيف يفسر سورة الأنفال. ثم الثالث الذي يعمل بأسلوب الوكالة لآل سعود مثل أحمد علي الإمام وعصام أحمد البشير..وأنصار السنة والسروريين الخ. تمر بضعة سنوات وتكتشف القيادة التاريخية - الترابي كومباني - بأثر رجعي أن كل جهدهم النضالي الإسلامي على مدار خمس عقود كان يصب في "القبعة الوهابية البريطانية" لصالح عروش دول الخليج بقيادة تل أبيب ولندن ووااشنطون - خدعة ما بعدها خدعة. أليس هذا بجهل من الشيخ الترابي؟ اليوم دول الخليج تتحالف علنا وبالمكشوف مع الصهيونية الدولية والامبريالية الأمريكية. والآن عليك أن تسأل ما سر علاقة الشيخ الترابي و"الحوار" عمر البشير بدولة قطر - علما أن أمير قطر أزاح أبيه من السلطة في 27 يونيو 1995م؟ يقال، ونكرر يقال، أن الشيخ الترابي أفتى لأمير قطر بجواز الانقلاب على أبيه ل "صالح الإسلام" – وقطعا أفتى أيضا شيخ البلاط القرضاوي نفس الفتوى، لذا غيرته الشديدة من شيخ السودان. وربما اعتقد الترابي إنه يضع بردعه الإسلام على ظهر البغل القطري لكي يضغط على الرياض - ولكنه الشيخ شرب المقلب. فبعد سبع عشرة سنة انتهت الفتوى الترابية للابن ل "صالح تل أبيب" وليس لصالح الإسلام. مرت كثير من المياه الهائجة تحت الجسر السوداني خلال عقدين وأصبح "للحوار" عمر البشير "عتقريب" دائم بالدوحة، لا شك أن هذه السلفنة والوهبنة التي يمر بها السودان يمتد وصالها إلى تلك الجلسات الأميرية المطولة وإلى الخزينة القطرية، لأننا اكتشفنا فجأة أن البغل القطري يصنع الثورات في ليبيا، ومصر، وتونس، ويهدد الجزائر، ويطرده رئيس موريتانيا لقلة أدبه، ويحتضن ثوار دارفور، ويرغب في إسقاط النظام السوري.. لقد أتضح فجأة أن البغل القطري أذكى من صاحب البردعة الترابي. هل كان مرور الخدع الخليجية الإقليمية حتمية تاريخية؟ ربما نعم، اليوم ومنذ 1979م - وقت انفجار الثورة الإيرانية - أصبح الجميع عيال على الإشعاع الثقافي الإسلامي الشيعي، والشيخ الترابي قطعا ليس استثناءً بل أحدهم – ولا شك أن للترابي قراءات مكثفة للأدب الإسلامي الشيعي انهارت معه القطعيات والدوقمات الإسلامية السنية التي تبناها في شبابه وقبل الثورة الإيرانية. وبفضل تلك القراءات الشيعية أنطفأ في الشيخ الترابي ذلك الزهو والعنفوان وذلك الأمل في دولة إسلامية، لقد انقشعت عن عينه تلك الغشاوة التي صنعها الجهل والتجهيل بسلاسل من حديد على مدار أربعة عشرة قرنا.. هل يذكر الشيخ الترابي على لسانه بن تيمية؟ هل يذكر اسم عمر أو أبي بكر؟ صنع الشيخ الترابي دولة عام 1989م سموها دولة الإنقاذ بانقلاب عسكري ثم سلمها لأولئك الطلبة الإسلاميين "الجهلة"، وفي ثلاثة وعشرين عاما دمر أولئك "الطلبة الجهلة" كل منظومة في السودان يمكن أن تنتج منتوجا، دمروا أولا الإنسان ودمروا الخدمة المدنية والأحزاب والنقابات ومعها دمروا الصناعات مثل المحالج والنسيج، والزراعة مثل مشروع الجزيرة، والخدمات مثل البريد والسكة حديد، والصحة والتعليم الخ، ونهبوا المال العام حين صير لهم صابر محمد حسن سياسة "تجنيب" المال العام سياسة هيكلية كي يصبح المال دولا لهم وقتما وكيفما يشاءون. لا شيء يتفاخر به المؤتمرجية سوى الطرق والكباري وسد مروي، وحتى هذه من المغالطات، فهي من عمل شركات أجنبية بقروض أجنبية في عنق دافع الضرائب والإتاوات. ما هو الشيء الذي يمكن أن تتفاخر به الإنقاذ اقتصاديا؟ لا شيء. أين ذهبت مدخولات البترول؟ لا جواب لديهم. فاللوبي الاقتصادي للمؤتمر الوطني الذي تمرس ونضج وسمن على أكتاف الشعب السوداني بشعار الإنقاذ لم يكتفي بسرقة أموال الشعب السوداني من المدخولات البترولية والسطو على مؤسسات القطاع العام وخصخصتها لصالحه، فحسب ولكنه أيضا راكم من أرباحه لسنوات عديدة عبر استيراد السلع الاستهلاكية السفيهة مثل استيراد حلاوة (شوكالاتة)، وعصائر (معلبة)، ومشروعات غازية، وأخرى للطاقة مثل (الرد بول)، ولبن من السعودية، و(مرقة) من مصر، وكولا من أمريكا، و(منقة) من البرازيل، و(كاتشب) و(سلطة مايونيز) من (الإمارات) الخ، ولقد صدق علي عثمان محمد طه القول معتذرا للشعب السوداني إنهم كانوا سفهاء بالمال العام. ومن السفاهات الصرف الرئاسي البذخي والصرف على الأجهزة الأمنية بشكل مفتوح، والمؤتمرات الدولية والإقليمية الجوفاء، وشراء الصحف والصحفيين والرياضيين الأفارقة وقنوات تلفزيونية (جمال الوالي)، وتمويل صحف بعينها تكتب بلغة خشبية أو هندية (تدعي الاستقلالية) بينما هي صحف حكومية بأموال دافع الضرائب المسكين الخ. ومع ذلك نجد علي عثمان محمد طه ما زال يدافع بحرارة عن سياسة "التجنيب" المالي التي أخترعها لهم المجرم صابر محمد حسن. وبعد أن فرغت خزينة الدولة المالية بفضل "التجنيب" المالي – أي التهليب المالي، يجر عمر البشير رجليه المتثاقلة إلى قطر جرا في زيارة لم توافق عليها قطر إلا أن تكون غير رسمية..ذل فيها البشير نفسه وذل معه الشعب السوداني. لماذا يهرول غير الموهوبين إلى قطر؟ ونواصل. شوقي إبراهيم عثمان [email protected]