السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن البدائل في الخطاب السياسي للأستاذ مكي علي بلايل


وقائع ندوة بعنوان
"النفرة الكبري من أجل السلام بجنوب كردفان"
من مصادر التشريع (1):
((يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير)). (الحجرات 13 )
من مصادر التشريع (2):
جاء في صحيح البخاري: أن رجلين من المهاجرين والأنصار تشاجرا فقال الانصاري يا للأنصار. وقال المهاجري يا للمهاجرين. فسمع ذاك رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ما لدعوي جاهلية قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال دعوها فإنها منتنة.
من الفكر (1):
"خطر الوقوع في شبكة (الاجابات الجاهزة) والانسياق في دوامة (التشويش الأيديولوجي) حيث يبدو الباحث في اطار هذا المنهج وكأنه يكتشف جديدا وهو في الواقع يمارس دور الحواة والمشعوذين فيخرج من ثيابه ما سبق أن خبأه وذلك ليدهش الناس وينال اعجابهم ."
نصر حامد ابو زيد
من الفكر (2):
"عليّ أن أعمل علي ابقاء الأبواب مشرّعة أمام العقل, لتعرية المهام والممارسات والألاعيب التي تطمس مهمة التفكير أو تعيق الطاقة علي الخلق والإبتكار".
علي حرب
توطئة
شهدت قاعة النقابة العامة لعمال التعليم بولاية سنار الكائن بمدينة سنجة في يوم الأربعاء والذي وافق الثالث عشر من يونيو من العام 2012 ندوة سياسية مهمة بعنوان (النفرة الكبري من أجل السلام بجنوب كردفان) تصدي لها متحدثا الاستاذ مكي علي بلايل رئيس حزب العدالة. ولعلي كنت من أكثر الحضور سعادة اذ ظللت أتتبع مسيرة وخطاب (الاستاذ بلايل) السياسي عبر الصحف السيارة لعقد ونصف من الزمان دون أن ألتقيه. كما ترسبت في ذاكرتي حادثة الاستقالة الشهيرة في زمان ومكان لم يجد فيهما هذا الأدب طريقا له بين من تولوا ادارة دفة حياة العباد أو استولوا عليها في هذه البلاد بطريقة أو أخري. ترسخت فيّ قناعة تقر بأن خطاب الاستاذ مكي يرتكز ما أمكن له ذلك علي ثوابت الشريعة السمحة وينطلق من موروث هذا الشعب (الطيب) الأبي كما وجدته خطابا يتحري الصدق وينشد عدالة السماء. وقرأت وكذلك سمعت عنه كثيرا فما قالوا عنه الا خيرا وكل خير من تواضع النفس وسماحة الخلق وكريم الخصال وطيب الكلم.
مضابط الندوة
الافتتاح
ابتدرت الندوة بآي من الذكر الحكيم تلاه علي مسامع الحضور الشيخ شريف سومي. تقدم بعدها الأستاذ أحمد سلطان رئيس رابطة أبناء جبال النوبة بولاية سنار وأعتلي منبر الندوة فرحب بالضيوف الكرام وعلي رأسهم رئيس وأعضاء حزب العدالة, كما رحب بالحضور الذين مثلوا أحزاب وكيانات عديدة في الولاية. ثم أزجي الاستاذ سلطان شكره للقياديين من أبناء النوبة عامة وفي المؤتمر الوطني خاصة ورابطة المرأة العاملة بولاية سنار وشبه الولاية بالحديقة لاحتوائها وإيوائها أبناء النوبة والولايات الأخرى ولضمها كل ألوان الطيف القبلي والجهوي والسياسي. حث الأستاذ سلطان في معرض حديثه الأستاذ بلايل للمضي قدما في هذا المسعي رغم وعورة الطريق من أجل بلورة فكرة حكيمة تخرج بأبناء النوبة والبلاد عامة من نفق الحرب والذي وصفها بأنه غير مبررة وتقضي علي الحرث والنسل. كما ناشد سلطان الجميع بأن يقفوا وقفة قوية وواضحة من أجل نصرة النساء والأطفال والمستضعفين من الرجال.
خطوط عريضة
ثم جاءت كلمة الأمين السياسي لحزب العدالة الأستاذ بشارة جمعة والذي استهل حديثه أيضا مرحبا بالحضور الكريم عامة وخصّ القائمين بأمر الندوة شكرا عميقا. أمّن الأستاذ بشارة علي النقاط التي وردت في كلمة الأستاذ سلطان وأضاف عليها أنهم في حزب العدالة قد ألقوا علي عاتقهم مسئولية تفنيد ودحض أسباب ودعاوي الحرب التي اندلعت أخيرا في منطقة جبال النوبة ووصفها بأنها واهية ويكتنفها مخاطر جسيمة وتداعيات مثيرة ستفضي حتما إلي مآلات كثيرة. عقب ذلك شرح الأستاذ بشارة خطة الجولة التي أوضح أنها تتألف من مراحل ثلاث تمتد من 11 يونيو الي 20 يونيو:
المرحلة الأولي: إنطلقت من (كادقلي) عاصمة ولاية جنوب كردفان ثم عطفت علي العباسية.
المرحلة الثانية: خاطبت المواطنين في ولاية الخرطوم.
المرحلة الثالثة: تغطي بقية ولايات جمهورية السودان وقد بدأت فعلا بولاية الجزيرة ثم سنجة ومنها ستتجه نحو كسلا, بورتسودان لتختتم مطافها بالنيل الأبيض.
ثم بيّن الأستاذ بشارة أن الجولة تهدف إلي تنوير المواطنين بتمليكهم الحقائق والمعلومات وأيضا تطرح خلالها خيارات حزب العدالة من أجل بلورة رؤي وأفكار مشتركة غايتها توحيد الجهود لحل المشكلة في جنوب كردفان. وأنهم إذ يفعلون ذلك إنما يرمون إلي قفل الباب أمام الأفكار التي تطرحها الحركة الشعبية ولاعبين آخرين يسيرون في ذات دربها.
فذلكة تأريخية وتفكيك القضية
أعتلي الاستاذ مكي بلايل منبر الندوة ورحب بالحضور الكريم ثم استعرض في مقدمة الندوة فذلكة تأريخية مقتضبة عن مملكة سنار (سلطنة الفونج) وما يحمله الاسم من معان ورموز ودلالات. سبّح بلايل بالحضور في أرجاء وأجواء السلطنة الزرقاء مقدرا دورها في حمل مشاعل النور ونشر بذور الدعوة وصهر معادن الارث السوداني الأصيل ووصفها بنواة اللحمة الوطنية التي امتزجت فيها الزنوجة بالعروبة. عبّر الأستاذ مكي عن بالغ سعادته لوجوده في ولاية سنار التي احتضنت أبناء النوبة ولما لهم من حضور ملموس ودور فاعل فيها مؤكدا أن ذلك يعد مظهرا واقعي ملموس من مظاهر الوحدة الوطنية وأمن بدوره علي التوأمة بين الولايتين.
مضي الاستاذ مكي بلايل في حديثه مبينا أن حزب العدالة قد تبني برنامجا يحتوي علي ندوات يلتقي فيه بالمواطنين يخاطبهم ويستمع اليهم في كل ما يختص بالحروب التي تدور رحاها في جنوب كردفان. وأكد أن هذه الندوات انما تهدف إلي سد الذرائع أمام المطالب التي رفعت وترفع بين فترة وأخري رغم ايمانه بأنها موجودة فعلا لأسباب مختلفة تأريخية وحاضرة إلا أن بعض الجهات والحديث لبلايل اتخذت منها (كلمة حق اريد بها باطل) واصفا محاولاتهم بأنها مؤامرات تخطط في الخارج وتستهدف ولاية جنوب كردفان وتركز علي أبناء جبال النوبة. وبصراحته التي عرف بها قال بلايل إن السلام ليس مجرد اتفاقيات ووصف حالة الاحتراب التي تسود البلاد بأنها صراعات نخب وليس إلا؛ مبيّنا أن قناعات الجماهير هي الأصل في عملية صنع وتحقيق السلام الشيء الذي يدفعهم للحركة والعمل وأن الجماهير هي التي تصنع التأريخ وليست النخب والقيادات مع الاعتراف بدور القيادات.
أما فيما يختص بتعامل الحركة الشعبية حيال مسألة جنوب كردفان فقد حدد الاستاذ مكي أنها تتحرك في عدة محاور تبدأ بعقد اللقاءات الجماهيرية التي تهدف إلي التغرير بالناس واصفا اياها (بدس السم في العسل) لأن الحركة اتجهت وتعمدت استثمار محدودية وعي الناس. وطالب مكي الجميع بتناول المشكلة من كل زواياها وأن يكون الخطاب عاما لأنها قضية وطنية مع الاقرار بأن أبناء النوبة هم الذين يطئون الجمر. وأوضح بلايل أنهم في الحزب ينشدون السلام بمعناه العميق الذي يحمل بين طياته التراضي والتقارب لكي تشعر كل مكونات المجتمع بما لها وما عليها من حقوق وواجبات. خاصة وأن الحركة الشعبية في العام 2005 وعبر اتفاقية السلام الشامل بنيفاشا استطاعت (وهذا رأي الاستاذ مكي) أن تستقطب عددا مقدرا من أبناء النوبة لأسباب عديدة. وأمن بلايل علي بطلان دعاوي الحرب مدعّما موقفه بنبش التأريخ ونفض الغبار عن بعض صفحاته من أجل أخذ العظة والعبرة قائلا:
"اندلعت الحرب في جبال النوبة عام 1985 لأسباب عديدة منها التهميش Marginalization الذي عاني منه الإقليم. وانصبت المطالب في نيل الحقوق السياسية ولكن من المفارقات أنها بدأت بالهجوم الذي شنته قوات الحركة علي قرية القردود الآمنة في ضواحي تلودي مستهدفة بذلك النسيج الاجتماعي مدخلا إلي الحرب وهو مدخل قبلي. فيما ارتكبت الحكومات التي تعاقبت علي حكم البلاد أخطاء ومساوئ جمّة أثرت تأثيرا مباشرا علي شتي مناحي الحياة في جنوب كردفان من تدهور في التعليم والصحة ... الخ... وترتب علي ذلك ضياع جيلين بأكملهما ليجدوا مقاعدهم شاغرة في قوائم الفاقد التربوي Drop out. أصبح هؤلاء لقمة صائغة في فم الحركة التي استغلتهم وجندتهم وعرفوا بالجيش الأحمر واشتهروا بقيادة أشرس المعارك. ترتب علي تلكم الأوضاع (فرملة) عجلة التنمية وتدمير البنية التحتية (الهشة) التي كانت تنعم بها المنطقة وتحول ثلث السكان إلي لاجئين أو نازحين يقطنون أطراف المدن ويزاولون المهن الهامشية.
ثم حلل الاستاذ مكي بلايل اتفاقية السلام الشامل CPA مبينا موقفه المعارض قائلا انها فعلا أوقفت الحرب في حينها ولكنها جاءت ببنود وبروتوكولات حملت بين طياتها قنابل موقوتة مثل بروتوكولات المناطق الثلاث وانتقد المشورة الشعبية ووصفها بالهلامية Nebulous لأنها والرأي لبلايل أسست لمشكلات معقدة فالترتيبات الأمنية قضت باعتماد جيوش ثلاث في دولة واحدة هي:
القوات المسلحة السودانية: تنتشر شمال خط حدود 1956
قوات الحركة الشعبية: تنتشر جنوب خط حدود 1956
القوات المشتركة: تنتشر في ولاية جنوب كردفان علي النحو التالي: كادقلي, الدلنج' هيبان, أم سردبة, جلد, لقاوة .
ويقول مكي إنه وبينما كانت كل الارهاصات والتوقعات تشير إلي الانفصال بيد أن الحكومة مضت في اهدار طاقاتها من أجل وحدة كاذبة Phantom Unity. كما أنها أي الحكومة غضت طرفها عقب الاتفاقية عن تسوية أوضاع الشماليين في الجيش الشعبي وأغلبهم من أبناء جبال النوبة وفتحت بذلك ثغرة أصبحت من أقوي الذرائع (كعب آخيل) التي أدت إلي اندلاع وأشتعال الحرب في المنطقة. مضي بلايل قائلا إن الحكومة لم تقف مكتوفة الأيدي بل بعثت لجنة برئاسة الفريق محمد جرهام واللواء أحمد خميس وعهدت اليها مسئولية الالتقاء بالحركة الشعبية لاستيعاب أبناء جبال النوبة المنضون تحت لواء الحركة في القوات النظامية وفقا للشروط علي أن يسرح من لم يستوفوها. ترأس العميد ,آنذاك, جقود مكوار والعميد عزّت كوكو وفد الحركة بيد أن الحلو تدخل شخصيا معترضا بدعوي إرجاءها إلي ما بعد الانتخابات فوئدت المفاوضات في مهدها Nipped in the bud. وعند اقتراب موعد الانتخابات ازداد الوضع تأزما وتجلي ذلك في ثنائية متعارضة( Binary Opposition) شعار الحكومة الذي نادي قائلا: "هارون أو الحكومة تقوم" في مقابل شعار الحركة الذي هتف قائلا "اما النجمة أو الهجمة". "وكلمة الحق التي يجب أن تقال" والحديث لمكي بلايل "أنني وآخرين تحفظنا علي الاتفاقية لأنه ما كان لنا أن نقبل بوجود ثلاث جيوش في دولة واحدة حسبما أشرنا إلي ذلك آنفا. وإزداد الأمر سوءا عندما رفضت الحركة الشعبية توفيق الأوضاع وعمدت إلي اعتقال تلفون كوكو والاحتفاظ به كاحدي الكروت Have a card up its sleeve واتخذت من القضايا العالقة Unresolved Issues كرت ضغط آخر تشهرهما في وجه الحكومة بغية تحقيق مصالحها ومطامعها فقط." وفيما يختص بالانتخابات وزعم الحركة الشعبية أنها قد شهدت أعمال تزوير ومخالفات قال مكي:
"إنني أتحدث الآن من موقعي في المعارضة ولي منهجي الخاص وهذه شهادة مني لله بالحق. فقيم العدالة والصدق كلية لا تتجزأ. وإنني إذ أذكر هذه الحقائق لعلها تبدد كثيرا من الأوهام. في الفترة التي عين فيها خميس جلاب واليا لجنوب كردفان سادت أجزاء عديدة من المنطقة نسخة مستحدثة من قوانين المناطق المقفولة. إذ لا يسمح للسلطة الحاكمة بزيارتها وهي الشريك. وقبلت الحكومة بهذا الوضع علي سبيل الارضاء السياسي. في ذات الأثناء اجتهدت الحركة في إثارة النعرات العنصرية والعرقية ولم تتدخر جهدا يصب في خانة إفساد الأخلاق وتدمير قيم الدين الحنيف بينما إشتملت سياساتها تلك علي جملة من التناقضات منها مثالا وليس حصرا محاربتها للغة العربية ومطالبتها بالغائها في حين أنها كانت لغة هذه المؤتمرات. وفي الجانب الآخر نجد أن تهاون الحكومة في التصدي لتفلتات الحركة الشعبية قد أضر بالمنطقة كثيرا مما لا يعفيها من تحمل مسئولياتها حتي إذا كانت تري في تهاونها صوابا يجنبها الاحتكاك ويعمل علي تأليف قلوب الأعداء.
وفي منحي آخر عرج الاستاذ مكي بلايل يحدثنا عن أخطاء المؤتمر الوطني قائلا: "إن بدعة تسييس الخدمة المدنية تعد من احدي الأخطاء الفادحة التي أرتكبها حزب المؤتمر الوطني. فعندما ضاقت علي أبناء النوبة أرض وظائف المؤتمر الوطني اتجهوا صوب الحركة بديلا وهي بدورها رحبت بهم ولم تتواني في منحهم فرص العمل من حصتها لتضمن بذلك استيعابهم/انخراطهم في الحركة. في العام 2006 عقدت مفاوضات كادوقلي وشهدتها مظاهرات صحبتها أعمال عنف احرقت فيها بعض دواوين الحكومة مما حدي بالسلطة إلي ارسال وفدا ترأسه السيد علي عثمان محمد طه وبرفقته (تيما) من وزارة المالية وصندوق دعم الولايات في حملة قصد بها جرد الحساب. وأسفرت عمليات المراجعة في ازاحة الغبار عن جملة التحويلات الماليّة من المركز إلي الولاية وبلغ قدرها 157 مليار جنيه (بالقديم) وكانت حينها كفيلة بتغطية مرتبات الولاية لأربع شهور كاملات.
قبيل أحداث أبيي شهدت المنطقة هجومين وصفتا بأنهما مجرد تفلتات أمنية ولكنهما في حقيقة الأمر شكلتا نذر وإرهاصات الحرب. انتقلت بعدها الحركة صوب المربع التالي والذي رمي إلي تصفية القيادات من أبناء النوبة الذين تصدوا لمسألة ادراج البند الذي يطالب بحق تقرير المصير. ارتكبت الحركة مخالفات وتجاوزات مرعبة لتكتم أنفاس معارضيها وتخرس أصواتهم. أما سوء نوايا الحركة الشعبية فقد تبدّت في الآتي:
§ تقسيم الحرب إلي مراحل ثلاث تبدأ بالجنوب ثم تنتقل إلي جبال النوبة وتمتد لتشمل النيل الأزرق والدليل علي ذلك خريطة كانت برفقة جون قرنق عام 1997 يمر فيها خط حدود دولة الجنوب شمالي مدينة كوستي.
§ استهداف التنمية في جبال النوبة لتبقي المنطقة علي ما هي عليها لضمان بقاء المنظمات ودخول المزيد منها.
§ التركيز علي تشييد الكنائس دون سائر المنشئات الأخرى (مدارس, مستشفيات الخ...) وندلل علي ذلك بإنشاء الحركة لعدد 400 كنيسة في منطقة دلامي وحدها.
§ استغلال الفوارق الاجتماعية طعما يستقطب به أبناء المنطقة.
ملامح التسوية
فيما يختص بحل مشكلة جنوب كردفان يقول الاستاذ بلايل: "إن ملامح تسوية القضية تكمن في عناصر أساسية اجملها في الآتي:
· مبادرة شاملة جادة تجمع كل الأطراف المعنية والحادبة علي مصلحة المواطن والوطن.
· وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار من الجانبين.
· توفيق أوضاع أبناء الولايتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق).
· اجراء حوار شامل حول مسألة المشورة الشعبية؛ إذ أن التسوية الثنائية باتت غير مقبولة لأنها عقدت في ظل الحركة الشعبية (الشريك) وارتبطت بمصالح وأيديولوجيات لجهات خارجية. أما الآن فلا بد من اشراك قوي المعارضة حتي تلك التي تختلف سياسيا مع المؤتمر الوطني وألا تترك أي من هذه الكيانات خارج القاعات كما حدث في نيفاشا عام 2005 عندما اغتنمت الحركة السانحة وركزت علي مطالبها وأسقطت الآخرين.
المخطط الخارجي
ثم تحدث الأستاذ مكي حديث العالم العارف عن المخطط الذي رسم لهذه البلاد فقال:
"هنالك مخطط ممرحل رسم لهذه البلاد نفذ منه حتي الآن البند الأول ألا وهو فصل الجنوب. والآن يجري تنفيذ البند الثاني بتأجيج الصراعات وشن الحروب في جبال النوبة ومن ملامح البند الثاني:
o تغيير وجهة المنطقة: وتعلمون جيدا أن أصول وجذور أبناء منطقة جبال النوبة ضاربة في القدم تمتد إلي الأصول الكوشية وتعرفون جيدا أنهم لعبوا أدوارا مقدرة في كل الحركات الوطنية السودانية.
o تغيير خصائص أبناء المنطقة: فقد فشل قانون المناطق المقفولة في عزل منطقة الجبال وأسهم في ذلك دخول القبائل العربية وغيرها والتي جاءت للتعايش وليست للدعوة.
o تحجيم الاسلام وان ادي ذلك إلي ارجاع الناس إلي عهد الوثنية.
ثم لخص مكي بلايل الوسائل والأدوات التي استخدمت لتحقيق الأهداف السابقة علي النحو الآتي:
v اشاعة مبدأ الحرية وإلباسه ثوبا جديدا براقا وخادعا يتناقض وقيم الأديان السماوية.
v تسهيل التبشير وتحجيم الاسلام بتكثيف مظاهر المسيحية.
v تأثر الشباب بالقيادات في الاقتداء بالسلوكيات الفوضوية.
v اشاعة مبدأ الرجوع إلي الأصالة بإقصاء اللغة العربية والعودة إلي اللغات المحلية (مع ملاحظة أنه لا توجد لغة محلية مشتركة).
v اساءة و/ أو استغلال لغة الخطاب السياسي لحكومة السودان مثل تأويلهم لخطاب البشير بأن المعني بعبارة (جبل جبل) هم أبناء جبال النوبة وليس جيش الحركة. ويري مكي أن الحركة نجحت في استثمار لغة هذا الخطاب.
ومضي بلايل قائلا إن انفصال الجنوب يعد من أهم اخفاقات حكومة المؤتمر الوطني. وأوضح أن جل هذه الأزمات التي تمر بها البلاد مصدرها الطمع والغرور الذين يغطيان أعين قادته غشاوة تحرمهم نعمة البصر والبصيرة فتحجب عنهم الحقائق.
شعار الحزب
في ايجاز غير مخل وبأسلوب بليغ أفصح الأستاذ بلايل عن شعار الحزب فقال إنه سئل ذات مرة عن معني ودلالة شعار الحزب (الميزان) فأجاب أنه يرمز إلي مخاطبة الحكومة بكفة ومخاطبة المعارضة بالكفة الأخرى من أجل المواطن والوطن.
موجز محتوي الندوة
ثم أوجز بلايل محتوي الندوة في النقاط التالية:
1. الاعتراف بالمشكلة
2. البحث عن اللاعبين الذين أسهموا في صناعتها
3. الشروع في ايجاد الحلول الناجعة
4. عدم اضاعة الوقت
ثم ختم بلايل الندوة قائلا إن أبناء النوبة يستخدمون وقودا في هذه الحرب التي تتأذي منها الجميع وناشد وحث القيادات في الداخل والخارج ألا يألوا جهدا حيال ايجاد حل عاجل يعود علي المنطقة أمنا وسلاما.
في المقال الثاني سأتناول الأسئلة ونقاط النقاش التي اثيرت في الندوة واتبعها بالردود والتعقيبات ثم أذيله برؤيتي الشخصية لأهم مرتكزات الخطاب السياسي للأستاذ مكي علي بلايل.
الحاج خليفة جودة
[email protected]
· استاذ بشارة: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.