فتح الرحمن شبارقة غم كثرة تغنيه بالمؤسسية والانضباط التنظيمي والحديث بلسانٍ واحدٍ. إلاّ أنّ حزب المؤتمر الوطني الحاكم يعاني من فوضى ضاربة في التصريحات أكثر من أي حزب آخر في الساحة السياسية، حيث يتحدث الجميع باسمه، إلاّ الناطق الرسمي باسم الحزب فيما يبدو. والذي يطالع صحف الخرطوم صبيحة كل يوم سيعثر - مهما كانت درجة استعجاله - على تصريح ساخن منسوبٍ لقطبي المهدي الذي ابتعد في الفترة الفائتة عن كابينة قيادة القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني لمصلحة الحاج آدم، فيما لا يزال مُمسكاً بمايك التصريحات باسم الحزب رغم ابتعاده، وكأن ذلك الابتعاد عن القطاع كان ليتفرغ للكلام بصورة تؤكد صحة ما يقال عن إن الإنقاذ أذكى من إعلامها. د. قطبي المهدي، الذي كان مقلاً في الحديث في السابق، بات يشعر بمسغبة في الحديث والتصريح الذي ينسب غالباً إلى المؤتمر الوطني بعد أن انفتحت شهيته لهذا الأمر أخيراً بصورة جعلت من العسير التفريق بين موقف الحزب وموقف الرجل الشخصي، حيث يجلس قطبي في أقصى يمين الحزب مجاوراً لمنبر السلام العادل.بالأمس فقط، حملت صحف الخرطوم تصريحاً له يهاجم فيه أمريكا التي تسعى الدولة التي يديرها حزبه بالوسائل كافة لتطبيع العلاقات معها، وقد بنى هجومه على حديث السفير جوزيف إستافورد القائم بالأعمال الأمريكي ولم يتريّث قليلاً ليتأكّد من صحة ذلك الحديث الذي أُسيئ فهمه كما قال إستافورد، قبل أن يُساء الرد عليه بالطبع. ليس هذا مجال حصر تصريحات د. قطبي خارج سرب المؤتمر الوطني نفسه دون أن ينبهه أحد لفضيلة الصمت ربما. فهو لديه مواقف متباعدة من الموقف الرسمي للحزب فيما يتصل بقضايا دولة الجنوب وما يُبرم معها من اتفاقات، ومع قطاع الشمال وما يمكن أن يتوصل إليه من تفاهمات، حيث يعبر عن مواقفه تلك بصوت عالٍ كثيراً ما أربك حسابات المراقبين لمواقف الحزب التي تبدو متناقضة بين ما يقوله قطبي للصحف، وبين ما يفعله إدريس عبد القادر في الواقع. د. قطبي الذي يَتَمَتّع بعلاقات طيبة مع الصحفيين ويفتح لهم هاتفه وزجاج سيارته المظلل متى رغبوا في الحديث معه، يفقد صوت المؤتمر الوطني التناغم، ويجعله يتحدث بأكثر من لسان دون أن ندري مَن سرق لسان الحزب الذي فشل في الحديث بلسان واحد في الواقع.