"أبيي" لا تكاد تختفي حتى تعود أكثر قوة لتتصدر الأحداث. ففي الوقت الذي أجرى فيه الوسيط الإفريقي ثامبو أمبيكي تحركات جديدة لفرض وثيقة نهائية بشأن المنطقة بعد أن استنفد السودان وجنوبه الحوار فيها، قال رئيس لجنة الإشرافية المشتركة لوكا بيونق إن وفد الحكومة السودانية تقدم في المفاوضات الماضية بمقترح ل(قسمة) أبيي بين البلدين. وعلق بيونق في تصريح ل(الشرق الأوسط) على المقترح بالقول "إن الحكومة السودانية فعلت ذلك لأنها لاتريد إجراء الاستفتاء". خيار آخر في سياق ماقاله بيونق عن المقترح الحكومي يبدو أن اتجاهاً جديداً قد طرأ على موقف الحكومة حيال المنطقة بخاصة وأنه ينبش من ذاكرة المراقبين تصريحات سابقة كان قد أدلى بها رئيس اللجنة السياسية المشتركة من قبل الحكومة والمستشار الأمني السابق الفريق أول صلاح عبدالله قوش في تصريح صحفي أوردته (الشرق الأوسط) أتى في سياق تعليقه على قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بالقول: "إن قرار محكمة التحكيم لم يحل المسألة ويجب البحث عن صيغة أخرى لحلها". بعدها شهدت المنطقة تصعيداً عسكرياً قاد لدخول القوات المسلحة للمنطقة والتي أعادت انتشارها فيما بعد عقب اتفاق مؤقت في أديس أبابا وضع المنطقة تحت الإدارة الدولية بقوة إثيوبية "يونسيفا" ورغم أن كثيراً من المراقبين استبعدوا أن يكون مقترح القسمة أمريكياً إلا أن الحكومة بخطوتها تلك ربما أرادت استباق حلول دولية يمكن أن تفرض في أبيي بعد أن أضحت واحدة من القضايا المضمنة في قرار مجلس الأمن الدولي (2046)، بجانب ذلك يبدو أن التحركات الجنوبية الأخيرة صوب أبيي والتي فسرت باعتبار أن الجنوبيين ربما وجدوا ضوءاً أخضر بأيلولة المنطقة لهم مما أدى لقلق الحكومة من عودة العنف مجدداً، وليس بعيداً من ذلك ربما أرادت الحكومة بتلك الخطوة استباق مقترحات الوسيط الإفريقي ثامبو أمبيكي الذي قيل أنه يتكتم على رؤية نهائية بشأن أبيي سيطرحها فقط على قمة البشير - سلفا - برغم مانفاه المتحدث باسم الخارجية العبيد مروح في تصريحات سابقة من أن المفاوضات ستناقش كافة القضايا بما في ذلك الحدود وأبيي وإشارته على أولوية الملف الأمني إلا أنه عاد ونفى بالأمس ل(السوداني) وجود أي مقترح من قبل الحكومة لتقسيم أبيي وإنما كان حديث عن الخيارات التي يمكن أن تتبع لحل الخلاف في المناطق الخمس مشدداً على أن أبيي لم تكن من المناطق المختلف حولها ومقترح التقسيم طرح دون تحديد منطقة أبيي. وأضاف "إذا لوكا بيونق فهم غير ذلك فهو مخطئ". في اتجاه أبعد يرى المحلل السياسي د. حسن الساعوري أن مشكلة أبيي اجتماعية أكثر من كونها سياسية. وأشار إلى أن القضية بين قبيلتين ومع ذلك لم يستبعد الحل السياسي حيث قال ل(السوداني) هناك فرق كبير بين القرار وتطبيقه. وأشار إلى إمكانية اتخاذ قرار سياسي إلا أنه قال إن تطبيقه على أرض الواقع سيكون صعباً لجهة أن القرار السياسي لا يستطيع حرمان أي من القبيلتين من التحرك لارتباط الحركة بمعاشهم، واستبعد الساعوري تقديم الوفد الحكومي المفاوض لذلك المقترح، وقال ذلك يعني "الاعتراف" بأن أبيي ليست "لك"، وتساءل لماذا لا يأتي خيار القسمة من الجنوب؟! ورأى موضوعية في الحل الذي أتت به اتفاقية السلام الشامل مشيراً لضرورة إجراء الاستفتاء في أبيي طبقاً للاتفاقية، عائداً للقول إن تمت قسمة أبيي "النص" هناك بترول أيضاً كيف سيتم اقتسامه، واستبعد بشدة أن يقبل المسيرية بذلك الخيار مدللاً بأن القضية مرتبطة بقبيلة المسيرية وليس بحكومة السودان التي قال إنها لا تستطيع تقديم مقترح كهذا من غير مشاورتهم. المسيرية.. شكوك ومخاوف محمد عبدالله ودأبوك أحد زعماء المسيرية نفى بشدة علم القبيلة بأي مقترح من قبل وفد الحكومة لخيار قسمة أبيي، وقال إن معرفتهم كقبيلة أن المطروح من قبل وفد الحكومة فقط يتعلق بملفات ليس من بينها أبيي. وعاد معلقاً على حديث لوكا بيونق بالقول إن خيار القسمة ليس جديداً ولفت في حديثه ل(السوداني) إلى أن المقترح سبق وتقدم به المبعوث الأمريكي السابق غرايشون مؤكداً عدم رفضهم للقسمة حال أتى متوافقاً مع المعايير الموضوعية التي ظل المسيرية يؤكدون عليها بخاصة (مراعاة نمط معيشة القبيلتين). ومضى ودأبوك للقول إن القسمة طرحت عندما كان مقرراً لوفد القبيلة المفاوض واتهم جهات بضرب ذلك الوفد وتشتيته رغماً عما قيل أنه - الوفد - مفوض من قبل القبيلة، وشدد على جملة تعقيدات على الأرض قال إنها تحتاج لفهم عميق مضيفاً "إذا كانت هناك مفاوضات تخص أبيي على الحكومة ووفدها القائم الرجوع للمسيرية". ورغماً عن قبولهم لمبدأ التقسيم إلا أن ود أبوك كشف عن جملة مخاوف تعتري ذلك الخيار وزاد بالقول إن المسيرية يتخوفون من بعض النقاط وطريقة التقسيم، مجيباً على سؤال (السوداني) في حال مخاطبة تلك المخاوف بالقول: إن التقسيم يمكن أن يطرح للنقاش مؤكداً إبداؤهم للمرونة وقال إنها ستكون من غير إفراط أو تفريط لتحقيق السلام ووقف سفك الدماء. متاريس معقدة منذ مراحل تنفيذ اتفاقية السلام ووجه بروتوكول أبيي بمتاريس معقدة بخاصة عقب تقرير لجنة الخبراء المكونة بموجب الاتفاق الخاص بالمنطقة. وكان وفد الخبراء قد تكون مناصفة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني خمسة لكل فريق بجانب خمسة آخرين من الخبراء الدوليين يمثلون الجهات الراعية للاتفاق.. وقد رفضت الحكومة السودانية في وقت سابق نتائج تقرير الخبراء بعد منحهم مجموعة دينكا نوق التابعة لدولة الجنوب مايزيد عن 100 كيلومتر رغماً عن اعتراف اللجنة بفشلها في الوصول لمعرفة حدود أبيي في 1905، وفيما بعد مثل الطرفان أمام التحكيم الدولي في لاهاي في يوليو 2009 الذي كانت أهم علاماته قرار المحكمة المتمثل في إقرارها بتجاوز لجنة الخبراء للمهمة الموكلة إليها (التفويض) وألغت قرار اللجنة بشأن الحدود الشمالية، والشرقيةوالغربية، واعتمدت ترسيمها للحدود الجنوبية بجانب ذلك قلصت لاهاي الحدود إدارية أبيي من (18500) كلم مربع إلى (10) آلاف كلم مربع، تقسيم أضحت بموجبه الحدود الشمالية للمنطقة عند خط العرض (10.10) واعتبرت المحكمة أن لجنة الخبراء المكلفة بترسيم حدود المنطقة قد تجاوزت صلاحياتها، وانتهى القرار بإخراج حقول النفط في منطقة هجليج خارج أبيي، ليبسط السودان - فيما بعد - سيطرته على هذه الحقول، كما أقرت المحكمة بحقوق الرعي للقبائل في منطقة أبيي بغض النظر عن نتيجة قرار التحكيم، وقامت بتحديد الحدود الغربية ابتداءً من خط طول 27.50 درجة والحدود الشرقية عند خط طول 29 درجة، وأبقت المحكمة الحدود الجنوبية عند دائرة عرض 10.10.10. وفتح تأجيل الاستفتاء الباب أمام خيار ثالث حيث اتفق الطرفان على بحث مقترح المبعوث الأمريكي السابق للسودان اسكوت غرايشون الخاص (بقسمة أبيي) بين البلدين وهو مقترح كانت الحكومة قد أبدت خلاله مرونة فيما رفضته الحركة الشعبية بشدة، وكانت (السوداني) قد أوردت في وقت سابق عن اتجاه لقسمة أبيي كانت قد جرت مشاوراته في أديس أبابا قبل استفتاء الجنوب، وأوردت أن اقتراح قسمة أبيي قد انتهى للفشل عقب رفض قيادات جنوبية له.