بقلم المهندس/ حسب الله النور سليمان بثت قناة النيل الأزرق الاحتفال الضخم الذي أقامته السفارة الاثيوبية بالخرطوم، بالتضامن مع جمعية الصداقة السودانية الاثيوبية، شاركت فيه الحكومة بتمثيل سياسي رفيع المستوى. وقد سبق ذلك اعلانات مكثفة عبر كثير من الصحف السودانية لهذا الاحتفال الذي اقيم لتأبين الرئيس الاثيوبي الراحل ملس زينازي. تحدث السفير الاثيوبي وتحدث رئيس جمعية الصداقة السودانية الاثيوبية وتحدث مستشار رئيس الجمهورية تحدثوا جميعا باسهاب عن صفات الرجل الشخصية؛ من شجاعته وكرمه وحسن علاقته مع السودان، والصداقة الحميمة التي أقامها مع حكومة السودان وشعبه ومدى اخلاصه في ذلك، كما تحدثوا عن انجازاته الكبيرة لبلده اثيوبيا ولافريقيا بصفة عامة، والتي تمثلت في تلك التنمية الضخمة التي قدمها لاثيوبيا وامتدت آثاره التنموية لتشمل دول الجوار الافريقي بل وافريقيا باثرها. ونعتوه بانه رجل سلام، كيف لا وانه قاد افريقيا كلها الى السلام، وان له اسهامات بارزة في هذا المجال يصعب حصرها أو ضبطها. ولا يفوتني وصفهم بانه رجل افريقيا الأول، فقالوا لقد كان يتصدى لقضايا القارة السمراء في كافة المحافل الدولية.. وما إلى ذلك من مآثر حظي به ميليس زيناوي بعد مماته. في الحقيقة، ومن زاوية الانجازات هذه، أجد نفسي لا اتفق مع اولئك الذين تحدثوا في كثير مما قالوه أو نسبوه اليه، فقد قالوا انه رجل سلام، والكل يعلم كيف خاض ميليس زناوي حرب اهلية ضروس ولمدة خمسة عشر عاما ضد منقستو حتى وصل إلى السلطة . وكذلك ومنذ اكثر من عقد ونيف ودولة اثيوبيا وحتى الآن في حالة حرب فعلية مع جارتها اريتريا التي كانت في يوم جزءاً منها فانفصلت عنها، ولا تزال قضية الحدود بينهما لم تحسم بعد. ومن انجازاتة الحربية انه أي ملس زيناوي شن حرباً ضروساً قتل فيها الآلاف من الاثيوبيين والصوماليين وكالة عن امريكا ضد سلطة المحاكم الشرعية في الصومال بدعوى محاربة الارهاب ، لكن الرجل فشل في القضاء على المحاكم الشرعية والآن يقاتل حركة المجاهدين الصوماليين كجزء من القوات الافريقية جنباً إلى جنب مع قوات حكومة الصومال بعد أن حولت الأخيرة وجهتها ورضيت بالوصاية الأمريكية عليها. فكيف يوصف الرجل بأنه رجل سلام؟؟! ان اول الاعمال التي قام بها مليس زناوي لبلده اثيوبيا هو اعترافه بفصل ارتربا عنها هل يحسب هذا في باب الانجازات والبطولات؟ أما الحديث عن التنمية في اثيوبيا فإني أتساءل، عن أي تنمية يتكلمون؟! وقد امتلأت الساحة الخضراء يوم التأبين بالآلاف من أبناء الشعب الاثيوبي المتواجد في السودان وآلاف آخرين منهم لم يحضروا هذا الاحتفال جاءوا من بلادهم يلتمسون الغنى في بلد أكثر من 50% من أهلها يعيشون تحت خط الفقر. إن الغلاء الطاحن الذي يعم السودان صار هو الشغل الشاغل لعامة الناس فكيف حال من جاءو من وراء الحدود . غير اني أريد أن انظر إلى الأعمال التي قام بها الراحل زيناوي من زاوية أخرى مختلفة تماماً، وهي موقفه من المسلمين، سواء مسلمي اثيوبيا أو المسلمين في الصومال، فإن المسلمين في اثيوبيا يقدر عددهم بثلاث وثلاثين مليوناً؛ وهو احصاء تقريبي مثلها مثل سائر الدول الافريقية يصعب الدقة في الاحصاءات، وقد قدر نسبة المسلمين في اثيوبيا ب 30% وقيل 50% وقال البعض بل هم 65%. اي كانت هذه النسب صحيحة يبقى السؤال ما هو وزن المسلمين في الحياة العامة في اثيوبيا، سواء أكانت الحياة السياسية أو الاقتصادية أو المكانة الاجتماعية، أو وجودهم في الخدمة العامة والمناصب العليا، فهل وجود المسلمين بهذه النسبة الكبيرة يتناسب مع وجودهم في هذه المجالات!! إن المسلمين في اثيوبيا يعيشون على هامش الحياة، ولا تكاد تجد لهم أدنى أثر في الحياة العامة، فأكثر المناطق الاثيوبية فقراً وجوعاً مناطق المسلمين، وأقلها في الرعاية الصحية التعليم ، ولا توجد فيها مقومات الحياة الكريمة، وهذا الوضع المأساوي واللا انساني كان في ظل كل الحكومات الاثيوبية المتعاقبة، ولم تكن حكومة زيناوي بدعاً منها. إن المسلمين في اثيوبيا ومنذ تسعة أشهر يخرجون عقب كل صلاة جمعة بالآلاف منددين بسياسة الحكومة تجاههم، وقد احتشدوا بعد صلاة عيد الفطر بأعداد فاقت المليون في العاصمة أديس أبابا، وعدة مدن اخرى مظاهرات منددين بمواقف الحكومة تجاه المسلمين، فقد درجت حكومة زيناوي بأن تنعت المسلمين بالمتطرفين، وذلك لتبرر موقفها وسلوكها العدواني تجاههم فأمعنت في اذلالهم بعد أن تدخلت في تعيين المجلس الأعلى لشئون المسلمين، فعينت أغلب أعضائها من طائفة الأحابيش اللبنانية؛ وهي طائفة باطنية حديثة التكوين في اثيوبيا، حيث أسسها عبد الله بن محمد الهرري، المولود في مدينة هرري الاثيوبية. هذه الطائفة منحرفة في فهمها وسلوكها ان الاسلام ، فهي تعتبر أن سب الصحابة -رضوان الله عليهم- مما تقرب به إلى الله زلفى، هذه الطائفة مقربة من الحكومة وتزعم انها تحارب المتطرفين والتكفيريين. هذا الحدث وما تبعه من أحداث، منها استيلاء الحكومة على مقر هيئة الاغاثة الإسلامية والمعروفة بمدرسة الأولياء، واعتقالها لأحد شيوخ الهيئة، وقتلها أربعة من أنصاره بعد أن قاموا بمظاهرات احتجاج، واعتقال العديد منهم. هذه الأعمال ألهبت مشاعر المسلمين في اثيوبيا وولدت الحمية والغيرت لدينهم فهبوا هبة رجل واحد في مظاهرات عارمة لم يقلل من قدرها الا التعتيم الاعلامي الذي فرض عليها، وتصدة لها حكومة زناوي ضربا بالهروات والغاز المسيل للدموع لا بل توجت الحكومة أعمالها ضد المتظاهرين باعتقال سبعة عشر من قادة المسلمين في يوم 17/07/2012م؛ وهم الذين كانوا يمثلون المسلمين في رفع مظالمهم . و صدر تقرير من منظمة هيومان رايتس ووتش في يوم 15/08/2012م طالب بالافراج الفوري عن القادة السبعة عشر الذين اعتقلوا كجزء من القمع الوحشي لاحتجاجات المسلمين في العاصمة أديس أبابا، قال بين راونس؛ الباحث في شئون افريقيا بهذه المنظمة: (إن على السلطات الاثيوبية التعامل مع مطالب المسلمين الاثيوبيين عبر الحوار وليس العنف، وعلى قوات الأمن الالتزام بالقانون وليس خرقه). أما ما يجري في اقليم أوغادين، ومنذ أن اقتتطع من الصومال وضمه لاثيوبيا، فإن القتل والاضطهاد والتعذيب بحجة أن سكان هذا الاقليم؛ والذين هم من المسلمين- انفصاليون ويأوون الارهابيين. ولم تتوقف هذه المجازر الوحشية أو تخف حددتها في ظل حكومة ملس زيناوي هذا. إن المسلمين في اثيوبيا كانوا يتوقعون أن يقف المسلمون في العالم لجانبهم في محنتهم هذه، ولهم الحق في أن يتوقعوا ذلك لأنه مما أوجبه الشرع على المسلمين عامة نصرتهم وعلى الجيران على وجه الخصوص. فبدلاً من أن نقف إلى جانبهم ونستغل- كما يقال- علاقة الصداقة مع مليس زيناوي ليحل لهم مشاكلهم، وهو ادنى الواجب الذي يجب القيام به وهو حق كفله لهم الشرع، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ..)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى..)، بدلاً من ذلك نجد المسلمين قد خذلوا اخوانهم في اثيوبيا،وحتى الاعلام لم يتناول هذه القضية العادلة إلا لماماً. ونحن في السودان ذهبنا أبعد من ذلك حيث أقمنا حفل تأبين كريماً لعدوهم الذي استهدف عقيدتهم، وسجن علماءهم، وفرض عليهم الجوع والفقر والمرض والجهل؛ بتهميش مناطقهم. فيا ترى كيف ينظر المسلمون في اثيوبيا لموقفنا هذا ، هل يعتبروننا اخوانهم كما قال عليه الصلاة والسلام، أهم يا ترى يصدقون بحديث المسلم أخو المسلم ام يصدقون الحدث ويشكوا فيسلوكنا . مثل هذه المواقف تذكرني بمقولة الناشطة سياسية اليقورية المسلمة في الصين بينية كارولين والتي سجنت لسبع سنوات، حيث كانت تطالب بحقوق الايقور في الصين؛ الذين يعيشون ظروفاً مماثلة لظروف المسلمين في اثيوبيا، حيث ذكرت الناشطة لقناة الفرنسية 24 بأنها سجنت في زنزانة لا يصلها الضوء لمدة سنتين ولم تخرج منها إلا بجهود منظمة هيومان رايتس ووتش وبعض المنظمات الحقوقية، وبجهد الاتحاد الأوروبي، قالت: (يقولون لنا إنكم مع العرب أمة واحدة. لا..لا..لا نحن لسنا بعرب فهؤلاء لهم مصالح مع الحكومة الصينية لذلك لا يهتمون بنا). انظر لهذه الرسالة التي أوصلنها لكل المسلمين المستضعفين في أصقاع العالم بخذلاننا لهم، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ). كل هذا المواقف المخزية، وما مآسي مسلمي بورما عنا ببعيد، هي نتيجة لسبب واحد لا غير، إننا جعلنا نظرتنا للأمور من زاوية واحدة هي المصلحة كما عبرت عنها الناشطة الحقوقية، وليست زاوية العقيدة الإسلامية، فنتج عنها تلك المواقف المذلة لاخواننا هنا وهناك. نسأل الله سبحانه أن يغفر ويتوب علينا جميعاً نحن المسلمين. ويبقى السؤال أما آن أوان التخلص من تلك النظرة المدمرة، وان ننظر بنور الله لكافة الامور.