الشرطة تصطف لقمع مظاهرة مخطط لها فى شارع عميروش بالعاصمة الجزائر. Credit: Giuliana Sgrena/IPS. الجزائر , نوفمبر (آي بي إس) - في وقت مازال فيه الربيع العربي ينتشر في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غضت وسائل الإعلام العالمية نظرها تماماً تقريبا عن الجزائر التي كانت تعرف بأهاليها الثائرين وحماسها الثوري ونضالها الطويل والدموي لإنهاء الإستعمار. لقد إحتفظت الجزائر بهدوئها على غير العادة خلال موجة الإنتفاضات والثورات الشعبية في المنطقة التي بدأت بالثورة التونسية في ديسمبر 2010، وإن كان كثير من المراقبين يتسألون إذا أو متى سوف تنفجر البلاد إحتجاجا ضد القوى الحاكمة. لكن فرص نزول الجزائريين الى الشوارع تكاد تكون معدومة، وذلك بسبب ذكريات "العقد الأسود" التي لا تزال حية في أذهان الناجين، حيث فقد 200,000 من الجزائريين حياتهم وسط تبادل إطلاق النار بين المتحاربين من الجماعات الإسلامية. وبحسب ما قاله أمير الموسوي، الطالب في معهد التجارة الدولية والبالغ من العمر 22 سنة، لوكالة إنتر بريس سيرفس، "لم نعد نريد أن ينظر لنا كإرهابيين كما كان الحال في الماضي". جاء أمير من مدينة البليدة، على بعد 40 كيلومتراً فقط من العاصمة الجزائر، ولديه سبب وجيه للتخوف من الاضطرابات السياسية. فخلال فترة التسعينيات، كان البليدة معقلا للجماعة الإسلامية المسلحة المسؤولة عن قتل عشرات الآلاف من الجزائريين بين الأعوام 1992 و 1999. وفي عام 2005، أفرج قانون العفو الذي أصدرته حكومة عبد العزيز بوتفليقة المنتخبة حديثاً، عن معظم المتشددين الإسلاميين السابقين، وذلك في محاولة للحد من العنف بين الجانبين المتحاربين. وبرأ القانون الجيش أيضا -وهو الذي اتهم بقتل وتعذيب و'اختفاء' آلاف لا تعد ولا تحصى- من المسؤولية. ونتيجة لذلك، ما زال الآف المسؤولين عن المجزرة طلقاء ولم يعلنوا قط التوبة عن جرائمهم. وتقول سميرة عبابسة، المدرسة بمدرسة ابتدائية في الجزائر العاصمة، لوكالة إنتر بريس سيرفس، "لم تعد الغالبية العظمى من الإسلاميين الراديكاليين تعمل في السياسة". وتشرح، " لقد خرجوا من" تحت الأرض" أو من السجن مع "خزينة الحرب" وهي الأموال المسروقة خلال عشر سنوات من الإرهاب الذي تضمن (إلى جانب الاغتصاب والقتل على نطاق واسع) نهب منازل الضحايا. وأسسوا أعمالا تجارية خاصة بهم، وبنوا الفيلات ومراكز التسوق. لكن هذا لا يعني أن العقلية السياسية قد تغيرت". في أعقاب الإستفتاء والموافقة على العفو عام 2005، واصلت الجماعات السلفية القتال وانضم معظمها إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وكان علي بلحاج أحد أقوى الشخصيات في الجبهة الإسلامية للإنقاذ في التسعينيات، والآن يعتبر قيادي في الجماعات السلفية الناشطة في الجزائر. كانت سميرة وأمير من الصغار خلال عهد الإرهاب، لكن لديهما ذكريات حية لتلك الفترة. فتقول سميرة، "أتذكر كيف كانت أسرتي مذعورة. وكنا لا نستطيع (أحيانا) أن نترك المنزل". كذلك فقد أخبرنا ابن مسؤول عسكري، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن النساء كن يخشين إشعال غضب الإسلاميين، والشباب كانوا في خطر إما بتجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة أو تعرضهم للقتل إذا كان يشتبه في ولائهم للجيش. وأجمعت سميرة وأمير على أنهما لم يعيشا حياة طبيعية خلال ذلك العقد. فلم يكن أي جزء من البلاد آمنا في أي وقت، فقد كانت الهجمات تبدأ بعد حلول الظلام في القرى، وتقع في وضح النهار بالمدن. وتقول شريفة خضر، رئيسة رابطة أقارب ضحايا الإرهاب المعروفة باسم "جزائرنا" لوكالة إنتر بريس سيرفس، "هذا الكابوس الطويل، الذي انتهى بالعفو عن جرائم مرتكبيه وتركهم يتحركون بين أفراد أسر ضحاياهم، يمكن أن يفشر لماذا يبدو أن الكثير من الناس في هذا البلد، البالغ 29 مليون نسمة، مطعمين ضد الاحتجاج والمظاهرات". والسبب الآخر للهدوء النسبي على الجبهة الجزائرية قد يكون هو استقرار الوضع الاقتصادي مقارنة بدول أخرى في المنطقة. وبالرغم من عدم المساواة الإجتماعية القائمة، تمكنت الجزائر أن تظل مزدهرة خلال فترة الركود العالمي. وما زال النفط والغاز (الهيدروكربونات) يشكلان العمود الفقري للاقتصاد، بحيث يبلغ 70 في المئة من الناتج القومي المحلي الإجمالي (حوالي 71.4 مليار دولارا) و98 في المئة من إجمالي حجم الصادرات في عام 2011، وفقا لأرقام الموقع الإلكتروني التالي: www.africaneconomicoutlook.org . وجعلت الإيرادات من بيع النفط والغاز احتياطي العملة الأجنبية يصل إلى 182.2 بليون دولارا في عام 2012. وعلى الرغم من كون الإنتاج في قطاعي النفط والغاز مستمر في التناقص، حيث انخفض من 43.2 مليون طن إلى 32 مليون طن بين الأعوام 2007 و 2011، إلا أن الأسعار ارتفعت بإطراد. هذا ولقد نمى الاقتصاد الجزائري بنسبة 2.6 في المئة في عام 2011. وكانت تلك الفترة بالذات هي التي قامت فيها الجماهير مطالبة بوضع حد للركود الاقتصادي وتدفقت إلى الشوارع في البلدان المجاورة مثل مصر وتونس، في الوقت الذي قامت فيه الحكومة الجزائرية برفع الرواتب وتقديم إعانات الإسكان للفقراء. كما أن الجزائر لديها أيضا مجتمع "منفتح" نسبياً، وذلك مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة. ووفقاً لأمير هناك مساحة كبيرة للحوار السياسي بين المدونين والطلاب ومستخدمي الفيسبوك على شبكة الإنترنت لتبادل المعلومات حول المناخ السياسي الراهن دون تدخل كبير من قبل السلطات. ومع ذلك، فلدي الجزائر حصتها من المشاكل. فقد بلغ معدل البطالة 10 في المئة في العام 2011، في حين أن بلغت نسبة بين الفئة العمرية 15-24 عاماً 21.5 في المئة خلال نفس الفترة الزمنية. وفي عام 2006، حيث جمعت أخر بيانات إحصائية، كان معدل الفقر قد بلغ 23 في المئة. ومازالت السوق غير الرسمية المترامية الأطراف في إزدهار، مع معاملات يصل مجموعها إلى 35 مليار دولار العام الماضي، وفقا للخبير الاقتصادي البارز رشيد صيداق (صحيفة الوطن، 16 أكتوبر،2012). أما الفساد فهو منتشر في طبقات الحكم، من الولايات إلى الإدارات المحلية، وفي شركات القطاعين العام والخاص. فوفقاً لمؤشر الفساد لعام 2011 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، جاءت الجزائر في المرتبة 112 ضمن قائمة من 183 دولة. الجزائريون لا يأخذون هذه المظالم بعدم مبالاة. فقد قمعت الأجهزة الأمنية عدة مجموعات ومنظمات حاولت تنظيم احتجاجات ضد الحكومة. وتتألف القوات الأمنية من 500,000 فردا، بين الجيش ووحدات الشرطة والدرك. ومن ثم، ومع كون أشباح الماضي ما زالت تطارد معظم السكان، فمن غير المرجح أنهم سوف يغامرون بالدخول في مواجهات مفتوحة مع القوات المسلحة أو يخاطرون بفتح فصل دموي أخر في تاريخ البلاد. وقالت شريفة الصالحي، أستاذة علم النفس في جامعة الجزائر والمتخصصة في علاج ضحايا العنف من النساء، لوكالة إنتر بريس سيرفس،"نحن لا نريد العودة إلى التسعينيات حتى لو كنا نريد مكافحة الفساد، أو نكافح من أجل العدالة والحرية والديمقراطية، فالجزائريون لا يزالون تحت الصدمة .. نحن بحاجة لمزيد من الوقت للتغلب على تأثير عشر سنوات من العنف".(آي بي إس / 2012)