التقيت الراحل الكريم صديق مدثر في مطلع الستينات من القرن الماضي، كنت حينئذ طالباً في كلية الآداب بجامعة الخرطوم. ذهبت مع الأخ الفاضل الأستاذ الكبير عبدالكريم الكابلي، أطال الله عمره، الذي تفضل مشكوراً بدعوتي إلى الانضمام إلى مجموعة "أخوان الصفا" وهي جمعية أدبية ضمت عدداً من كبار الأدباء والشعراء كان من بينهم صديق مدثر والحسين الحسن وعبدالمجيد حاج الأمين (رحمهم الله رحمة واسعة). وكان عبدالكريم الكابلي واسطة العقد بينهم. وقد ظلت صلة الود متينة بيني وبين صديق كل هذه السنوات الطويلة. عرفته صديقاً حميماً وأخاً كريماً وشاعراً فذاً. كثير التواضع، حلو الحديث، مَرِحٌ ، كريم السجايا، حاضر البديهة. كنت على اتصال به قبل مرضه بأيام. وفي آخر حديث هاتفي بيننا في شهر أكتوبر الماضي (هو في الرياض وأنا في البحرين) اتفقنا-بناءاً على طلبه-أن نقضي عطلة عيد الأضحى في الخرطوم. وأضاف صديق يقول "لغاية العيد أن شاء الله يكون الكابلي رجع من أمريكا". لكِنَّ إرادة الله سبقت ورحل صديق "في يوم 10 أكتوبر 2012. رحمه الله "المدَّثِر الصِدَّيق"، وبارك في ذريته فقد كان أُمَّة. ***** مالُ القصيدِ تّصَدَّعتْ أَرْكانُه وتوشَّحَتْ ثوبَ الحِدادِ حِسانُه العَيْنُ تدْمَعُ والنُّفُوسُ كئيبة ٌ والقلبُ فاضَتْ بالأسى أَحزانُه رحلَ الصديقُ الصادقُ الفِطَنُ الذي صاغَ الحياة َقصيدةً وجْدَانُه يَشْدو فيجتازُ الثُّريا صَادِحاً "يَسْتَنْطِقُ الصَّخْرَ العَصيَّ " بيانُه وَهَجٌ مِن الفنَّ الرفيع ِتعانَقتْ فيه الرؤَى وتناغمَتْ ألحانُه صِدََّيق عُنوانُ "الصفا (1)" وعريفُه قِيثارةٌ أوتارُها أشجانُه نظَمَ الأناشيدَ الرخيمةَ" أَنْجُماً (1)الإشارة هنا إلى جماعة "إخوان الصفا". تَنْسابُ نَشْوَى إنْ أشارَ بَنَانُهُ في صَفْوةٍ أَهْدَى الإِلهُ رُواتَها شِعْراً نَدياً أُحْكِمَتْ أَوْزَانُه مِنْ وادي عَبْقَر يَسْتَمِدُّ خيالَه ومِن الجِنان تَدَفَّقتْ أَلوانُه ذِكراكَ يّا صِدَّيقُ باقيةُ هُنا عَبَقاً يجدَّدُ رَوْحَهُ رَيْحَانُهُ فالموتُ حقٌ والحياةُ ودائعٌ والقلبُ فَاضَتْ بالأَسى أحزَانُهُ د.عبدالواحد عبدالله يوسف البحرين نوفمبر 2012 e-mail: [email protected]