أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    قرارات جديدة ل"سلفاكير"    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الإسلامية في السودان كيف ننظر إليها (3)؟

كتب الأخ علي السجاد معلقا على المقالة الثانية: يا شوقي انت بتقول الثوووووووره علي شنو؟؟؟ يا عمنا الحزب الشيوعي بيقول الثوره علي نمط التراكم الراسمالي والبنيه الاجتماعيه بتاعتو..... ومفهوم الديموقراطيه واللبراليه زاتو في عضمو مفهوم راسمالي بيصب في مصلحة الراسماليه.... انظر امريكا مثلا هل يمكنك ان تترشح من غير ثروة تدعمك؟؟؟؟ من وين الثروة دي؟؟؟؟؟ دكتاتورية البروليتاريه هي النظام المنشود عند الشيوعيين....لذلك هم دائما في حالة ثوره تمام؟؟؟؟؟؟
شكرا على تعليقه، ونرد عليه بالتالي:
أولا نحن نفرق ما بين الماركسية كمنهج علمي تحليلي للتاريخ وللاقتصاد وللمجتمع الخ في محاولتها كشف القوانين والقوى المحركة للتاريخ من جهة، ومن الجهة الأخرى الشيوعية الأممية. "الشيوعية الأممية" هي حركة دولية سياسية منظمة، وهي التحالف السياسي ما بين الأحزاب الشيوعية في كل أنحاء العالم!! فليس كل ما تأتي به جبهة "الشيوعية الأممية" هو صحيح – فهي في أحسن الأحوال جبهة سياسة عريضة – وما لم يفقهه الرفاق في السودان في العمق كان الصراع وقتها ما بين "الرأسمال اليهودي" و"الرأسمال المسيحي" بغطاء إيديولوجي "الشيوعية" و"الرأسمالية" على الترتيب!! أما أن تكتشف خصائص وخصوصيات بلدك وثقافته وتقاليده بمنهج وتفكير علمي (أو ماركسي علمي) فهذا شيء آخر – لا دخل له بالشيوعية الأممية!!
يحتاج كشف الواقع إلى ذكاء وموهبة، لم تتوفر غالبا في الشيوعيين – ولا حتى في الراحل عبد الخالق محجوب.
أخ علي السجاد لنأخذ الموضوع خطوة خطوة. ما هي عناصر قوى الإنتاج؟ الجواب:
عناصر قوى الإنتاج ثلاثة. 1) البشر، 2) الأرض 3) والرأسمال. كيف ترتب هذه الثلاثة من حيث الأهمية؟ قطعا الأرض والبشر الأهم وليس رأس المال. لماذا؟ نضرب مثالا بسيطا لتقريب المطلوب، كدي أجمع كل جنيه سوداني في السودان وأحرقه، أحرق كل الجنيهات التي أصدرها بنك السودان!! هل يكون السودان خسر "ثروته" أو "ثرواته"؟ قطعا لا. يمكن لبنك السودان أن يطبع غيرها بسهولة فالمال (البنكنوت) ليس سوى ورق وأحبار. إذن يجب أن نعرف أن الثروة ليست هي النقود المطبوعة (البنكنوت) التي تسمى اصطلاحا رأس المال. إذن 1) "الثروة" هي ما تملكه من أرض وما فيها من نشاط سطحي مثل الزراعة والثروة الحيوانية، أو في باطنها من بترول، معادن الخ، 2) والبشر، القوة العاملة الماهرة المنتجة، والخلاقة الخ حتى الرقم المطلق لعدد السكان يعتبر ثروة.
إذن لماذا تم وضع عنصر "رأس المال" في المقدمة على عنصري الأرض والبشر في الأدبيات الاقتصادية؟ هل هنالك خدعة مبطنة؟ أم لأن تلك الوريقة (البنكنوت) الملموسة التي تضعها في جيبك هي نقطة الصراع اليومي؟ من يحصلها بأي أسلوب ولو عبر اللصوصية يُسَهِّل حياته؟ ثم ينسى الناس أنها مجرد وريقة لا قيمة لها إلا عبر التراضي الجمعي. بينما الثروة الحقيقية هي في البشر والأرض!! هذه الأسئلة وأجوبتها لا تغطي الموضوع بكل جوانبه، فمثلا، لماذا يصبح البنكنوت شحيحا رغم أنه يسهل طباعته؟ الجواب على هذا السؤال يقودك للبنوك، فبلعبة البنوك وشروطها ورأس المال "الورقي" يمكن تجريدك بخدعة الاقتراض والفوائد من ثروتك الحقيقية - مثل أرض، عقار، سمسم، ضان، بترول..الخ. ومن يدير لعبة وصناعة البنوك هم اليهود الدوليين – هم صانعو الحروب العالمية، وصانعو الأدبيات الاقتصادية المنحولة والأيديولوجيات السياسية في الشقين المعسكر الغربي والاشتراكي في القرن الماضي على السواء!!
يقول شخصكم المحترم التراكم الرأسمالي (البنكنوتي)!! يعني أنت تتحدث عن علاقات الإنتاج، موش؟ طيب ... هنالك علاج لهذه المشكلة، الضرائب التصاعدية، كأن تأخذ من الأغنياء ضرائب أعلى من متوسطي الدخل والفقراء بقوة القانون!!
ولكي لا نطيل في الموضوع ونخرج من صلب هذه المقالة، نذكر الأخ علي السجاد، أنه لا شيء يمكن أن يحدث من تقدم في صيرورة الشعوب نحو تطلعاتها دون حريات أو ديمقراطية ليبرالية. حتى الاتحاد السوفيتي القديم أنهار بسبب هذه النقطة!! فدولة المواطنة والقانون والحقوق الليبرالية، وتكافؤء الفرص أي لمن أجتهد نصيب من الثروة، هي أساس مقومات التقدم. الآن أنت تناضل ضد المؤتمر الوطني لماذا؟ أليس من أجل الحريات والديمقراطية والمواطنة وتكافوء الفرص ودولة القانون؟ هل يجوز ألا يحصد مجتهد على نصيب من الثروة بينما غير مجتهد فاسد، ولأن قريبه فلان، يكوش على أي شيء بدون أي جهد أو اجتهاد؟ الديمقراطية والليبرالية إذن ليست اختراع غربي أو يهودي، هي شيء أصيل في وجود وصيرورة الإنسان، وأكدت عليها الشرائع السماوية، قطعا ليست شريعة آل سعود والوهابية ومن لف لفهم.
لم يساهم الحزب الشيوعي في أن يزيد من ثروة السودانيين كأن يساهم عبر علاقاته الدولية في تأسيس المدارس الفنية والتقنية. لم يساهم الحزب الشيوعي في تطوير السودانيين (البشر) في تعاملهم مع الطبيعة (الأرض)!! هل تعرف لو حول نجار ماهر جزع شجرة إلى كرسي تزيد الثروة القومية؟ وأخيرا، لم يساهم حتى في التنظير لدولة عصرية حديثة تحضن الدستور، والحقوق والواجبات الخ هذا الفراغ استفاد منه الملك فيصل، برشوة صغيرة للنادي الحاكم، وسقط في نضال ذهني وهمي ضد البرجوازية الصغيرة، تارة ضد عبد الناصر، وتارة ضد جعفر النميري الذي ألتهمه بنك فيصل الإسلامي كما ستفهم في هذا المقالة. وندخل لموضوع مقاتنا الأصلي:
بما تقدم من مادة توثيقية في مقالنا الثاني عن الحركة الإسلامية، تعتبر هذه المادة هي الأرضية التاريخية الحقيقية والخلفية التي أطاحت بالديمقراطية الليبرالية في السودان عام 1965م. والجديد في هذا التحليل هو اكتشاف الدور الابتدائي الخفي للعراب الهادي عبد الرحمن المهادي!!
ففي زيارته للحج في 6 أغسطس 1965م أصطاده الملك فيصل "عدو الشيوعية اللدود"، وهذا يدلل على جهل وهشاشة القيادات السودانية الطائفية التي يسهل تحريكها بالأموال. ويعتبر الصادق المهدي ضلع كبير في المؤامرة السعودية، فحين أعتلى رئاسة الوزراء في 25 يوليو 1966م وحتى مايو 1967م لم يساهم بشيء في أن تُحَل الأزمة الدستورية التي نشأت بفضل طرد أعضاء الحزب الشيوعي من البرلمان وحل الحزب الشيوعي. لقد ظل مخلصا لرغبة فيصل آل سعود لمحق الحزب الشيوعي ولو على حساب تحطيم المعبد الديمقراطي من أجل ريالات، وقطعا ساوم الصادق بنعومة لكي يقبض من الريالات أجزلها!! ثم زايد عليهم "كازانوفا" ب "الصحوة الإسلامية" التي اعترته فجأة..!!
أما الشاب السوربوني فقد كانت حظوظه أكبر من آل المهدي، أصبح صديقا مقربا للملك فيصل ولكنه أخفى عن الجمهور السوداني هذه العلاقة بذكاء شديد يحسد عليه، وترك مهمة التلوث بالأموال السعودية علنا لأمثال علي عبد الله يعقوب، ومحمد يوسف محمد، وعبد الله حسن أحمد الخ فكان هؤلاء الدهماء فرحين كأن يلعبوا هذا الدور، ويمكن القول أن الشيخ حسن الترابي وتنظيمه في الفترة ما بين 1966م وحتى 1969م (انقلاب مايو) تلقى أموالا سعودية ضخمة حتى فاجأهم جعفر النميري بانقلابه في 25 مايو 1969م. ولم يفهم الشعب السوداني لماذا كان "النادي الحاكم" في فورة وصراع ضد بعضهم البعض حتى قلبهم النميري!! الآن يمكنني القول بارتياح كانوا يتقاتلون على ريالات آل سعود، من فيهم يأخذ اللحمة، ومن يأخذ الشخط، ومن يأخذ العظمة.
وبما أن آل المهدي وآل الميرغني والإسلامويين جمعتهم ريالات آل سعود، هرب آل الميرغني للقاهرة كعادتهم، بينما قاتل آل المهدي والإسلامويين نظام مايو من ليبيا والسعودية متحالفين من أجل إعادة الديمقراطية التي حطموها بأنفسهم، هكذا يخدعون الشعب السوداني!! وتماهيا مع حلف الريال، سقط من الإسلامويين في القتال دفاعا عن عرين الهادي المهدي في جزيرة أبا العديد من القيادات الإسلاموية، وانتهت المأساة الشكسبيرية عفوا السعودية باغتيال الهادي المهدي!!
لم يفهم الجميع من يلعب في بيت الأفاعي تلدغه .. والأفاعي ليسوا سوى آل سعود!!
وحين غلب حمار الإسلامويين وآل المهدي في إسقاط نظام جعفر النميري صالحوا النميري أخيرا في عام 1979م، ولكن بخطة جديدة، أن يوهموا النميري إنه أصبح أميرا للمؤمنين!! أي التركيز على ال cabinet كما يقول االدكتور علي محمد علوان ويعمل بجامعة الطائف السعودية الآن!! ونجحوا في ذلك. وبينما كان الشاب السوربوني مسجونا في سجون النميري، وبعضهم في ليبيا والسعودية في معسكرات التدريب، كان معظم رجل التنظيم الإسلاموي البالوني طلقاء في الخرطوم، وهنا لعب علي عبد الله يعقوب حجر الأساس عام 1976م لدفع جعفر النميري خطوة تجاه أن يصبح أميرا للمؤمنين.
لم ينس الملك فيصل في زيارته للخرطوم في مارس من عام 1965م وبمعية الرئيس الأزهري ذلك الشاب الذي قام خطيبا على المسرح السوداني وقال له في ذلك الجمع: (يا صاحب الجلالة نحن الشباب نحييك ونحتفل بك ونعتبرك الخليفة السادس بعد عمر بن عبد عزيز!!). أرسل الفيصل أبنه محمد بعد شهور قليلة إلى السودان بعد زيارته تلك لكي يتكشف له حال السودان ويقطف ثمار الزيارة الملوكية لصالح محاربة الشيوعية. لم ينس فيصل ذلك الشاب الذي أتى من قرية الفشاشوية وأعتبره الخليفة السادس!! وفعلا زار محمد بن الفيصل السودان عقب زيارة والده في عام 1965م ولم يختار سوى علي عبد الله يعقوب طبقا لوصية أبيه الملك لكي يكون مدخله للتحسس في الساحة السودانية.
وفي عام 1976م فكر علي عبد الله يعقوب أن يستفيد بأثر رجعي من علاقته السابقة بمحمد بن الفيصل لتقريب جعفر النميري خطوة على مدرج إمارة المسلمين – وكانت فكرة بنك فيصل الإسلامي!!
يحكي علي عبد يعقوب القصة بنفسه: التقيت بالأمير محمد الفيصل في السعودية وكان حينها يؤسس في بنك فيصل الإسلامي في مصر، وقلت له نحن نريد بنكاً إسلاميا في السودان فقال كيف ذلك؟ ولكني ألححت عليه. وقال لي ما دام كذلك اذهب وتحدث مع الحكومة السودانية بهذا الأمر وقتها كان الرئيس هو المرحوم جعفر نميري. ذهبت بعدها إلى الرئيس نميري وقلت له إن الأمير يحملني إليك رسالة شفهية. يريد أن ينشئ بنك إسلامي في السودان وقال لي على التو موافق، ووجه بهاء الدين أحمد إدريس بالرد عليه بخطاب جاء فيه (صاحب السمو الملكي الأمير محمد الفيصل آل سعود/حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته - حمل إلينا الأخ علي عبد الله يعقوب رسالتكم الشفوية لقيام بنك إسلامي بالسودان ولقد وافقنا من حيث المبدأ لحين إحضار دراسة الجدوى (جعفر نميري). حملت الرسالة وذهبت بها إلى الأمير محمد الفيصل تعجب الأمير محمد الفيصل عندما جاءه الرد بالموافقة بهذه السرعة بعد فترة أوفد معي الأمير محمد الفيصل خبير اقتصادي وهو الدكتور أحمد النجار وذهبت معه إلى الرئيس نميري وكان المستشار الصحفي للرئيس وقتها أجرى معه تحقيقاً نشر في الصحف بخصوص إنشاء مصرف إسلامي وقمت بدعوة مؤسسين سودانيين، ودعا سمو الأمير مؤسسين سعوديين ووافق على ألا يزيد عددهم عن 25 وكان من بين السعوديين سمو الأمير سعود بن فهد والشيخ صالح كامل والسيد عادل عزام ومن السودانيين الشيخ عبد الباسط والشيخ الصاوي عثمان وبعدها ذهبنا إلى بورتسودان مع الأمير محمد الفيصل، والتقينا بالمرحوم موسى حسين ضرار الذي دعا 25 شخصاً من بورتسودان من بينهم (عبد السلام الخبير) وفي النهاية وصل عدد المؤسسين إلى خمسين مساهماً من السودان وكان ذلك في عام 1976 بعدها عملنا أول لقاء في قاعة الصداقة وكان رئيس مجلس الشعب حينها المرحوم الرشيد الطاهر بكر. ثم دعينا نخبة من الصالحين مثل الشيخ الفاتح قريب الله والشيخ يوسف دعوناهم لمباركة قيام البنك واخترنا عدداً من التجار بعدها جاءت عملية اختيار المدير العام. واختار الرئيس المرحوم نميري الشريف الخاتم ليكون أول مدير عام للبنك. وقد أرسل الرئيس نميري وفداً يُخبر الأمير محمد الفيصل بترشيحه للشريف الخاتم ليقوم بأعباء المدير العام للبنك.
نقول، علي عبد الله يعقوب حكى قصته مع بنك فيصل الإسلامي حتى لمعيز السودان!! يرغب أن يوهمنا أن قضية بنك فيصل مبادرة فردية منه خالصة وليست مطبوخة من الشيخ حسن الترابي لتليين جعفر النميري في اتجاه الأسلمة – وبدأها الإسلامويين بالبنوك حين كان الاقتصاد السوداني يترنح، وجُرْح النميري عام 1976م بعد معركة هاشم العطاء لم يبرأ بعد، مع ازدياد هجرة السودانيين للخليج لهثا خلف الطفرة النفطية. ولكن ابن "الفشاشوية" علي عبد الله يعقوب تعمد ألا يقول كل شيء لمعيز السودان فيما يخص قصة إنشاء بنك فيصل الإسلامي – ولم يذكر تلك الرشاوى التي بذلها محمد بن فيصل لرجال السلطة المايوية والمعارضة المكلومة والقصد منها إفساد السلطة والمعارضة .. حين تم تأسيس بنك فيصل الإسلامي..
كتبت صحيفة الوطن بعنوان كبير: والصادق والترابي والميرغني استلموا..
.بعد قضية «روضة جوان» والتي تنظر فيها المحاكم بإدعاء زواجها من الرئيس الأسبق جعفر نميري.. طفت إلى السطح قضية جديدة تتعلق بمبلغ مليون دولاراً «مستحقة» تخص الراحل نميري..ما القصة بالضبط..؟! «الوطن» حاورت السيد عبد المطلب بابكر خوجلي هلاوي، السكرتير الخاص للرئيس نميري.
ما قصة المليون دولار..؟!.
إبان تولي الرئيس نميري، عليه رحمة الله، مقاليد السلطة .. جاء سمو الأمير محمد الفيصل، في زيارة للسودان.. وبمناسبة افتتاح بنك فيصل الإسلامي .. أعلن الأمير عن أسهم «شرفية» لبعض الزعماء الحاكمين وعلى رأسهم نميري وعمر محمد الطيب.. ومعارضين مثل الصادق المهدي والترابي والميرغني.
كم كانت أسهم نميري..؟!
بما يوازي المليون دولار.
الآخرون هل «قبضوا»..؟!
نعم.. حسب علمي فإنهم جميعاً استلموا أنصبتهم، وهي لا تقل عن «500» ألف دولاراً.
بارباحها..؟!
لا .. الأرباح دي موضوع آخر.
ونميري.. هل استلم..؟!
الرئيس نميري، إبان زيارة للأمير محمد الفيصل للسودان، كلفني بأن أطلب منه زيارة الرئيس بمكتبه.. وقد كان ذلك بعد عودة الرئيس من القاهرة، واستقراره بالسودان.. وبالفعل زاره الأمير بمعية السيد علي عبد الله يعقوب.
ماذا قال الأمير للرئيس؟!
قال له إن نصيبك وأسهمك في «دار المال الإسلامي» موجودة.. ومن حقك أن تأخذها.
ماذا حدث..؟!
دار المال الإسلامي لم يسلم نميري، ولا ورثته مليما واحداً.
ماذا أنتم فاعلون؟!
بدأنا تحريك إجراءات قضائية في مواجهة دار المال الإسلامي. سنطالب بالمليون وأرباحها..
«الوطن» الله يجمع..
عبد المطلب .. آمين ..آمين.
لو لم يتنازع ورثاء جعفر النميري حقوقهم من الورثة لما عرف الشعب السوداني أن النميري، والصادق، والميرغني والترابي ..أستلموا..! وبفضل هذه المعركة أنكشف حالهم كما يقول عادل إمام: يا جدع دي متعودة، متعودة، متعوووودة..!! لماذا يكذب هؤلاء على الشعب السوداني؟ أليس هذا محزنا؟ أليس الكذب يجرح مشاعر الآخرين؟ هذه الرشوة من قبل محمد ابن الفيصل لجعفر النميري هي التي فتحت عينه لفوائد التأسلم السياسي الانتهازي، ثم تدرج فتوجوه خليفة للمؤمنين فحطم زجاجات الخمر – بينما نسى الأشقياء تفهيمه أنه بالإمكان كسر حدتها بالماء، وما مضت بضعة سنوات قليلة حتى أعلن النميري دستور الشريعة!!
إذن ليس فقط حزب الأمة وآل المهدي وحدهم من غرق في مستنقع الريال السعودي في منتصف ونهاية الستينيات، بل أيضا بالتأكيد الشيخ حسن الترابي، ولكن الترابي يجيد لعبة الكتمان حتى يبدو ظاهرا كمفكر مستقل عن دعم دول الخليج. وهذه الخدعة انطلت على كافة المراقبين السودانيين في الساحة السياسية، حتى على شخصي الضعيف. كذلك، في ذلك الوقت أي في منتصف الستينيات لم يكن لأنصار السنة أي أثر يذكر، حتى هجم الشيخ الهدية على الملك فيصل في زيارته للخرطوم عام 1965م مثل هجمة علي عبد الله يعقوب – ومن تاريخ زيارة فيصل هذه أستمر الضخ السعودي لهؤلاء السلفيين المتسعودين فتصارعوا على ريالات بن سعود المليونية بالمكشوف وانقسموا إلى كتلتين، كتلة الهدية ومحمد أبو زيد – وكما ترون الآن حصد آل سعود ما زرعوه في السودان في منتصف الستينيات – وعلى سبيل المثال لا الحصر عصام أحمد البشير بعثته جمعية أنصار السنة ليدرس في جامعة محمد بن سعود لتعلم أركان الوهابية ثم يصبح مبشرا بها في السودان، وتصعد حتى وصل إلى درجة وزير ثم عراب لآل سعود!!
ولكن السؤال الجوهري ما هو مصير تنظيم الحركة الإسلامية السودانية والفشل الذريع لإدارة الدولة السودانية وظهور منافسين للحركة الإسلامية ممثلين في جبهات قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية السودانية والحركات المسلحة لسد الفراغ الذي افرزه سياساتهم في تدمير السودان؟ كما سأل الأخ صلاح الدين ود الغرب!! وسؤاله سؤال جميل.
وللإجابة على هذا السؤال المركب نقول ابتداءً أن الشيخ حسن الترابي أنتزع كرسي الزعامة بشكل يتسق مع طبيعة شخصه، وليس استحقاقا لمساهماته الفكرية التي لا تذكر. وبلا شك أن علاقة الشيخ حسن الترابي بالنظام السعودي كانت متينة، منذ 1965م وحتى عام 1990م أي وحتى إلى حين إبداء رفضه دخول القوات الأجنبية الحجاز لتحرير الكويت. ولم يطلق الشيخ الترابي حمم نيرانه على دول الخليج (الرائد يونس) إلا بعد أن كفره شيوخ الخليج ووضعوا شخصه ونظام دولته من دول الضد عام 1991م.
وفي نفس هذا العام 1991م انفجرت السلفية الوهابية السعودية إلى نصفين بالتمام إلى سلفية بيضاء (السلطة الدينية آل الشيخ، وبن باز الخ) وسلفية سرورية (أسس التنظيم السروري محمد سرور زين العابدين – سوري إخواني سابقا وأصبح خصما لدودا لهم، أخذ التابعية السعودية منتصف الثمانينيات، وجمع ما بين فكر بن تيمية والقطبين سيد ومحمد في بوتقة واحدة، ويقال لبس عباءة بن تيمية وبنطال سيد قطب). لم يك السروريون حالة مفاجئة، وهم ثمرة عمل تنظيمي وتجنيدي دءوب في الثانويات السعودية منذ الثمانينيات، ونشب صراع عنيف لكسب الطلبة المجندين ما بين تنظيم الأخوان المسلمين (فرع السعودية) وما بين تنظيم السرورين الذين أطلقوا على أنفسهم تكتيكيا الصحويين. وبجانب السروريين يوجد خط سلفي آخر يسمون السلفيين الجاميين ومن أشهرهم مقبل بن هادي الوادعي – تأسس تنظيمهم عام 19991م على الخلاف حول تحرير الكويت، عددهم غير كبير، وهم كلاب السلطة السعودية وبوقها الكبير، وهنالك شك كبير إنهم صنيعة المخابرات السعودية!! اليوم اكتسح تنظيم السروريين السعودية مثل إندلاع النار في الهشيم خاصة وسط الشباب!! أهم قيادات السرورية سفر الحوالي، وسلمان العودة، وناصر العمر وعايض القرني. للمزيد عن السرورية أدخل هنا:
http://www.alarabiya.net/articles/2008/01/15/44239.html
هذا الانفجار السعودي الكبير (بنج بانج Bing Bang) في عام 1991م ألقى بظلاله على السودان. لقد فتح الشيخ الترابي أرض السودان لتنظيم السرورين الفارين من دول الخليج، هذا الظهور القوي للسروريين في السعودية وقتها لم يدركه الشعب السوداني في حينه. بينما غطت شهرة أسامة بن لادن على بروز التنظيم السروري!! التنظيم السروري يغطي كامل المملكة السعودية ويعتبر مطاردا من قبل السلطة السعودية، لذا زاد الحنق على دولة الترابي في التسعينيات فتم تكفيره ودولته من قبل السلفية البيضاء، ووضعت واشنطون السودان في قائمة الإرهاب لحضنه للسروريين – لأن ما يميز هؤلاء عن السلفية البيضاء إنهم "يجوزون الخروج على الحاكم"..وإسقاطه. لقد كسروا الجرة، أو التقليد الحنبلي!! أخذوا هذه النقطة من محمد وسيد قطب.
وإجمالا، يمكننا القول بارتياح أن الشيخ الترابي في خمس وعشرين سنة لم يصنع سوى بالونا إسلامويا أو جبهة إسلاموية مدعومة بالمال السعودي لا تمتلك بوصلة أو خارطة طريق فكرية. إذ ترك الترابي التثقيف الإسلامي حرا لأعضاء جبهته العريضة كيفما أتفق لذات العضو. ولم نصل العقدية الثالثة حتى تسرب الفكر السلفي الوهابي جبهته، لذا وعي "البدريين" من القيادات العليا التي احتكرت قيادة الحركة الإسلامية السودانية هجين مشوش ويتأرجح ما بين التقليدية الأشعرية والسلفية الوهابية. ونجد إنه من الطبيعي ألا يساهم الشيخ الترابي فكريا في رسم الخط الفاصل ما بين الأشعرية والسلفية الوهابية!! وهذا شيء غريب يضع قائد الحركة الإسلامية السودانية في موضع التهمة بسلفيته الخليجية رغم الادعاء بالتجديد!!
أما الصف الثاني من الحركة الإسلامية طبقة "التابعين" فهم جهلة وقد تأسلموا لأغراض دنيوية لا يدركون الفرق ما بين المعتزلة والخوارج، ومثالهم الفاقع المايويين كعبد العزيز عثمان. وهنالك المتسعودون من أجل الريال مثل الطيب مصطفى، وعصام أحمد البشير. وهنالك المتخلجنون كالعبيد فضل المولى (متسعود سابقا)، وعلي كرتي، ومصطفي ويكيليكس، بينما بقية الإسلامويين محض سماعيين غوغاء ينعقون مع كل ناعق مثل أئمة المساجد الخ.
ولماذا دائما صنع الترابي في كل مرحلة بالونا أو جبهة إسلامية بدلا من حزب إسلامي برؤية محددة قاطعة؟ لقد رأى الترابي أن يكبر كومه الإسلاموي السياسي ليضع رأسه برأس الأحزاب التقليدية الطائفية. أضف إلى ذلك أن الأدب السني الأشعري أدب متعارك مع نفسه، يصعب على فرد واحد كائنا من كان أن يجمع الجمهور على رؤية دينية واحدة، فترك الترابي لكل عضو الحرية كأن يرتاح على "الجنبة" التي تريحه، وأعتمد على العصبية الدينية وتهييج الغرائز والعاطفة الإسلامية في تماسك جبهته، بينما تحاشى التقولب الفكري الحاد ما خلا تلك الفرقعات الصغيرة التي يطلقها من وقت لآخر لتأكيد شخصه القيادي.
عندما استلم الشيخ الترابي وجبهته السلطة في البلاد بانقلاب عسكري عام 1989م، لم يتردد الشيخ قط في هدم الدولة القديمة وبناء دولته الإسلامية – سبع أعوام في سجون جعفر النميري تكفي!! وبفقه الحسبة "الملتوي" أطلق الشيخ لجبهته العنان كأن تفعل أي شيء وكأن تنكل بالشعب السوداني، هذا الشعب الذي كان ضحيتهم في عام 1965م. يقبضون من آل سعود وينكلون بالشعب السوداني. ولكي يعطي الشيخ الترابي انقلابه زخما جماهيريا أعلنوا الجهاد في جنوب السودان!!
ولكن هذه المرة خابت الجرة!!
باحتضان الإنقاذيين للسروريين الإقليميين والتحالف معهم (هل ياسر عرمان أو كمال عمر يقرأ هذه المقالة؟) كسب السودان عداء أمريكا وحلفائها من دول الخليج وعلى رأسها السعودية!! فطيلة سنوات التسعينيات لم يكن لواشنطون وآل سعود مشغلة سوى إسقاط دولة الشيخ حسن الترابي وتكفيره. كنت بشكل ساذج أفسر هذا العداء للإنقاذ لخطورة أفكار رجل السوربون، ولكني كنت مخطئا، إذ الخطورة تكمن في نظر السعوديين في احتضان الإنقاذ للسروريين إقليميا ويعني ذلك تهديد أو إعلان حرب – أضف على ذلك السودان هو الدولة الأولى والوحيدة التي تحضنهم رسميا. لقد فعل الأعداء كل شيء لإسقاط دولة الإنقاذ ولكن من البعد وليس تدخلا مباشرا كما فعلوا في ليبيا وكما يحاولون الآن في سورية، كل المحاولات باءت بالفشل. وما اقتربنا من نهاية 1999م وحلقة المقاطعة الدولية تضيق حول عنق دولة الإنقاذ، حتى شطر الإسلامويون أنفسهم. هذا الانقسام في تقدير كاتب هذه المقالة هو مسرحية سياسية مخادعة.
فعندما يصبح من المستحيل أن تزيل عداءً مستحكما ضدك، يمكنك أن تعطي عدوك كرتين كأن يختار أحدهما، بينما كلاً من الكرتين هما كرتاك. وبما أنه ظهر جليا أن جميع الأعداء يستهدفون رأس الأفعى رجل السوربون في نظرهم – حدث الانقسام المسرحي، وهكذا سمحوا للخصوم الخليجيين وحلفائهم الغربيين كأن يختاروا الكرت الأقل شرا – وهكذا نجت دولة الإنقاذ. وفي تقديري الشيخ الترابي يدير المؤتمر الوطني أيضا بخفية، بينما المؤتمر الشعبي ليس حزبا، بل مجرد لافتة. فحين يقول الترابي إنه معارض وله حزب يسمى المؤتمر الشعبي – سيصدقه الجميع. وتخيل لو أن عدد عضوية هذا الحزب الذي يسمى المؤتمر الشعبي لا تتعدى شخصا واحدا وهو شخص الترابي، كل الشعب السوداني سيتوهم أن عضوية هذا الحزب بضعة آلاف!! هل أحدكم في حياته رأى حزبا من الأحزاب بكامل عدده؟
مع بداية العقدية الأولى توارى الشيخ حسن الترابي إلى الخلف بعد فاصل من الردح المسرحي وولادة الشعبي – الذي ليس له شعبية تذكر، بينما تَصَّعد المؤتمر الوطني.. وهدأت ثورة دول الخليج ووضعت شروطها لإعادة علاقتها مع السودان. ومن فينة لأخرى حين يرغب الشيخ أن يرتاح من ضيوفه أو حواريه الذين لا يفقهون في الإسلام شيئا، يطلب الشيخ من "المؤتمر الوطني" أن يسجنوه لكي يتفرغ للتأليف!! وتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!! مع ظهور البترول سقط كافة "البدريون" في فتنة المال – ألم يقل النبي (ص): فتنة أمتي المال؟! إذن لنسقط.
وما انتهت العقدية حتى حلب البدريون مال البترول بالكامل مثل حلب بدو الخليج الصحراويين للإبل!! وأحتار الشيخ في هذه الفضيحة!! وسأل الشيخ نفسه مثل فلاديمير إليتش لينين: ما العمل؟ المسائل الملحة لحركتنا!! فكان جواب الشيخ: أحد المسائل الملحة هي كيف نواري هذه الفضيحة!! ليس هنالك حلا سوى الاستمرار في مسرحية المفاصلة حتى ولو رضيت واشنطون عن الإسلامويين وسلمتهم مفاتيح الربيع العربي وبرسيمه وصعدتهم في مصر وتونس الخ. ولكن كيف يعود الشيخ مرة أخرى للمسرح؟ فكيف بالله يجلس الشيخ في المحافل الإقليمية والدولية وحول عنقه نظام فاسد؟! الحل هو في استمرارية مسرحية المفاصلة لحفظ ماء الوجه، لم يكن هنالك حل سوى أن يدين المؤتمر الشعبي المؤتمر الوطني ويتبرأ منه، رغم إنهم شيء واحد، وأن يحتسب عمر البشير هذه الإدانة في الله، بينما كسب صغار البدريين الدنيا لصالحهم!! ومع التمنع والتمثيل الزائف على الوساطة الإقليمية الدولية، أصر الشيخ عليهم بأسلوب مسرحي ألا يصالح مؤتمره الوطني إلا بشروط. واستمرأ الشيخ اللعبة المسرحية المزدوجة – فكيف يمتصون غضب الجماهير الحانقة على الفساد؟ وكيف يمسكون بقرون المعارضة أو أذنيها؟ أصبح خداع المعارضة السياسية أحد المسائل الملحة العاجلة للحركة، فحضنها الشيخ وكل أسبوعين يطمئن المعارضة بإطلاق فرقعة لفظية لإسقاط النظام الفاسد، بينما هو حقيقةً يضع العصي في دواليب عربة المعارضة.
سأل الأخ صلاح ود الغرب ما هو مصير تنظيم الحركة الإسلامية السودانية؟ وما صاحب الحركة فشل ذريع لإدارة الدولة السودانية؟ وظهور منافسين للحركة الإسلامية ممثلين في جبهات قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية السودانية والحركات المسلحة لسد الفراغ الذي افرزه سياساتهم في تدمير السودان؟
بما أن الحركة الإسلامية السودانية وكأي حركة سنية أشعرية معاصرة لم ترث نظاما إسلاميا مجربا سوى ذلك حكم "الخلافة الراشدة" الذي لم يزد عمره عن خمس وعشرين سنة، وأنظمة ملوكية أموية، وخلافة عباسية، وسلجوقية الخ وبما أنها قامت جميعها على أساس العصبة العشائرية المتخلفة وتطابقت أنظمة الخليج معها اليوم، توهم التجديديون الإسلامويين حلا للحاكمية في لفظة "الشورى" القرآنية. وتعتبر هذه اللفظة هي عصا الشيخ حسن الترابي الذي يتوكأ عليها في تنظيره للدولة الإسلامية في السودان.
ولكن حين تدرس كلمة الشوري في سياق الآيات التي نزلت فيها، وهي ثلاث آيات لن تجد إنها تعني الحاكمية أو النظام الحاكم.
(وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) سورة البقرة: الآية 233. وتعني بالرضيع تربية الولد وهو الفصل في الرضاع، فقد أمرنا الله سبحانه رحمة بالطفل أن تتشاور الأم مع الأب قبل أن يقررا فصله عن الرضاعة.
(فَبمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) سورة آل عمران: الآية 159. لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أما إنّ الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ومن تركها لم يعدم غيا). وأساس هذه الآية هزيمتهم في أحد حين تكالبوا على الغنائم وهزموا وتركوا الرسول وحده قائما. فكانت المشورة رحمة للمنهزمين، وإعادة استيعابهم للمجتمع ونفخ الثقة فيهم وتأليف قلوبهم مجددا لأنهم كانوا على خجل شديد، فقد حفظ الله عبر الشورى وحدتهم. ولم يكن لا الله تعالى ولا رسوله في حاجة لمشورتهم، الآية (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ…).
(فما أوتيتم من شيءٍ فمتاعُ الحياة الدنيا وما عند الله خيرٌ وأبقى للذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) سورة الشورى: الآيات 36-38. هذه الآيات تشير إلى حال المؤمنين في تحديد صفاتهم وواجباتهم: التوكل، واجتناب الكبائر، والمغفرة عند الغضب، وإقامة الصلاة، والمشاورة والإنفاق.
هذه هي آيات الشورى التي في القرآن!! واللفظة لا تشير أبدا للحاكمية أو الحكم أو نظامه الخ. وقد تقعر شيوخ مدرسة الخلفاء في العصر العباسي واجتهدوا إلى حد التكلف لاستنباط "نظرية الشورى" لدحض حقيقة ساطعة أن النبي (ص) نص على خلافة الإمام علي بعده، فاعتبروا لجنة الستة العمرية هي أول طوبة في نظرية الشورى، رغم أن عمر نفسه عند احتضاره، قال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، ولو كان سالم مولى بني حذيفة حيا لاستخلفته الخ وكلها تعني أن عمر لم تعنيه الشورى ولم تكن أصلا في ذهنه. ولم تكن لجنة الستة العمرية سوى حيلة ل "تفويت" الخلافة عن الإمام علي بن أبي طالب للمرة الثالثة!!
الشيخ الترابي سجن نفسه عدة مرات بمزاجه وخصيصا لكي يستفرد بأكبر مؤلفين كبار في الحاكمية وخرج علينا بكتابه الأخير من السجن: الأحكام السلطانية!! كأنه يرغب أن ينازع الماوردي والفراء في سلطانهما في مملكة الكتابة والتأليف، أو كأنه ينازع آية الله الخوميني بكتابه: "ولاية الفقيه" الذي قلب الاستراتيجيات الأمريكية رأسا على عقب. والرجلان الكبيران هما أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي (364-450ه) (974-1058م) أكبر قضاة آخر الدولة العباسية، الشافعي المذهب، وله كتاب: الأحكام السلطانية؛ ثم غريمه أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء الحنبلي 380-458ه وأيضا له كتاب: الأحكام السلطانية. ويقول المحققون أن الفراء أقتبس كتاب الماوردي حتى افسم وحشر فيه كل أدبيات الحنابلة ورواياتهم!! ما لا ندريه هل أعتقد الشيخ حسن الترابي أن كتابه الأحكام السلطانية هو روشتة حل مشاكل السودان؟ وطالما اقتبس الشيخ نفس أسم الكتابين الأثريين، فمن يخاطب به الشيخ الترابي؟ الشعب السوداني أم التاريخ؟ أليس من الأليق أن يناقشه السودانيون أم أن القضية قضية نخبة لأمجاد تاريخية أو إقليمية؟
إذن يجب أن يفهم الأخ صلاح ود الغرب..أن قضية الحركة الإسلامية هي قضية تجريب طائش!!
وكما فهمنا أن كلمة "الشورى" قد حملوها ما لا تحتمل، روجوا كذلك بخبث سياسي لفظة "العلمانية" مع تحميلها كل بذئ وسلبي وإلحادي بينما مصطلح "العلمانية" secularism لا يعني في الغرب جوهريا سوى "البيعة الإسلامية" – كمقابل موضوعي لوضع البابا التاج على رأس الملك حتى يصبح سلطانه شرعيا!! secularism تعني وضع ورقة في صناديق الانتخاب – أي الشرعية تُستَمَد من الشعب وليس من وكيل الرب البابا. أقرأ مقالاتنا في العلمانية وتأله الدولة الإسلامية!!
أين سيصل بهم التجريب وقد ألغوا فصل السلطات الثلاثة بخفية وبمكر، لا أدري!! لن يروا أبدا الضوء في نهاية النفق. إلغاء فصل السلطات يعني الفساد والإفساد إلى ما لا نهاية، باختصار شديد. ولكن القوم يعتبرون فصل السلطات والديمقراطية الليبرالية شيئين غربيين لا يرغبونهما، ويرغبون في أسلمة كل شيء، ولو بالقوة والعنف أو التلفيق والتدليس – كله بسم الله!! لم يلاحظوا أن (دولتهم الإسلامية) اعتقلت الدين بينما الكنيسة الغربية في العصور الوسطى اعتقلت (الدولة الغربية) – أي إنها صيرورة تاريخية معكوسة حذو النعل، وكذلك لم يلاحظوا أن دولتهم الإسلامية قد تألهت – أي تنافس الله تعالى وتزاحمه بل تزايد عليه. كل هذا الطبل الإسلامي والزفة الإسلامية فقط لمجرد وضع كلمة إسلام أو إسلامي على أو في سياق شيء ما. وإلا كيف تصف الكارثة والمأزق الذي يعيشه السودانيون حكاما ومحكومين؟ هل يمكن أن نركن لمزاج شخص حاكم في يده حكم مطلق؟
ليس صحيحا أن هنالك فراغا، فالإسلاميون -إفراز حسن البنا ومشتقاته- حين يقبضون على مقاليد حكم ما لن يتركونه أبدا بكل الوسائل، حتى التزوير كما فعل الدكتور نافع، وكل ذلك اعتمادا على فقه الحسبة، يعتقدون إنهم مثابون عليه!! وإذا حدث تعارض كما يحدث اليوم ما بينهم وبين الشعب السوداني يلعبون على وتر الزمن وتبدل الأجيال.
فالجبهات، مثل جبهات قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية السودانية والحركات المسلحة الخ، لن تصل إلى شيء إذا فشلت في إفهام الشعب السوداني أن الحركة الإسلامية السودانية ليست سوى طبل أجوف. فهنالك خدعة، طالما تطن في أذن الشعب السوداني كلمة إسلام وإسلامي يضعف الشعب في إرادته في طلب التغيير. لذا لا يكفي العمل المسلح، أو العمل السياسي التقليدي فقط .. بل على جميع المعارضين أن يشمروا بجد وأن يثقفوا أنفسهم بشكل حقيقي في القضايا الدينية أي 1) تاريخ الإسلام و 2) تاريخ المسلمين، وليس بالضرورة حين تصبح مثقفا دينيا أن تكون مشعوذا في لبسك، أو أن تطيل ذقنك مثل التيس وتنكسر وتظهر محيا الذلة كعنوان زائف للتقوى والصلاح كما يفعل الأبالسة، كل هذه الحركات شعوذة قشرية. يمكن أن تفهم الدين ويمكنك أن تتدين وأنت شخص طبيعي بشكل طبيعي بلا طقوس وبلا قشريات خارجية!!
ولكن لأنهم يعرفون خطورة الكتب والمصادر الإسلامية المعتبرة، ولأنهم لا يرغبون إن تفهم دينك بشكل صحيح حتى لا تخرج ثائرا على سلطانهم السياسي بوعيك الديني المكتسب، خاصة أن لك قدرة كبيرة للفهم بفضل الموهبة النقدية الحداثية، فهم لا يطبعونها طبعات شعبية رخيصة. المفضل لديهم ألا تفتح كتب التراث بدون إذنهم، والمفضل لديهم أن يعزلونك أو يحشرونك تحت عنوان "علماني" لتكفيرك، وإن وجدوا فيك فرصة يقتلونك – طالما أنك لا تتبع لافتتهم.
شوقي إبراهيم عثمان
من يرغب أن يدخل مكتبة وزارة الخارجية الأمريكية ويقرأ الوثائق السعودية والمراسلات ما بين فيصل وكيندي ولندون جونسون بالكامل، فليدخل للوصلة الأولى وفيها جميع المجلدات ومنها أختار Saudi Arabia، أو تختار المجلدات فرادى. وستفهم أشياء كثيرة مثل حرب فيصل على الشيوعية، وحرب 1967م الخ
المجموع
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/index.html
أو فرادى
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/v.html
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/w.html
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/x.html
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/y.html
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/z.html
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/za.html
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/zb.html
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/zc.html
http://www.state.gov/www/about_state/history/vol_xxi/zd.html


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.