توقفنا منذ زمن عن الكتابة والخربشة الصحفية ، فصحافة الخرطوم البائسة ضنت علينا بمساحة نطل من خلالها علي القارئ الكريم ، بعد أن حجبت السلطة صحيفة رأي الشعب ، فالسلطان القائم في البلاد لا يتحمل الرأي الآخر فليجأ دائماً إلي وأد الصحف التي لا تدور في فلكها ،فأصبحت الصحافة مستأنسة رهبة ورغبة ، فكان ذلك مدعاة للتوقف عن الكتابة في الصحف ومع ذلك ظللنا نطل علي القراء عبر الشبكة العنكبوتية من حين لآخر حسب الأحداث ومجريات الأمور في هذه البلاد ، وفي هذه الأيام والتي توالت فيها الأحداث عاصفة لابد من قول في خضم هذه الجعجعة التي ربما تعصف بالبلاد والعباد............... انعقد مؤتمر للحركة الإسلامية المنتمية للسلطة الحاكمة بعدد قليل من السابقين وكثير من الملتحقين عبر السلطة , وهي تبشر بعهد جديد للحركة الإسلامية فظن كثير من الناس من داخل الحركة وخارجها أن الأمر هذه المرة جد وأن الحركة الإسلامية التي تتربع علي سدة الحكم منذ أكثر من عقدين من الزمان سوف تخرج من مؤتمرها أكثر فاعلية وأكثر أنعتاقا من السلطة التي قيدتها وكادت أن تبتلعها ولكن مخرجات هذا المؤتمر كانت خيبة أمل كبيرة لأعضاء الحركة الإسلامية ولغيرهم . كان المؤتمر عبارة عن تظاهرة أنفقت فيها مليارات لا ندري من أين أتت!! ولم تخرج بجديد بل كرس سيطرة الحكومة والمؤتمر الوطني علي الحركة فلا هي حاكمة ولا حتي مؤثرة في مسيرة الحكم مجرد تميمة جرتق لا تملك من أمرها شيئاً. وعطفاً علي ما ذكر فأن كثيرين ما يزالون يحملون صوراً غامضة عن الدوافع الحقيقية التي أدت إلي قيام هذا المؤتمر وخلفياته خاصة أولئك الذين لم يعايشوا التطورات من الداخل............ ومهما اختلف الناس فقد كانت الحركة الإسلامية وهي تثب علي السلطة في السودان بمثابة الانفجار الذي هز أركان القوى الأجنبية (الاستكبار) الذي بدوره لم يخطر بباله لحظة واحدة أن السودان المهيض الجناح يمكن أن يحطم القيود التي كبلها بها منذ الاستقلال .ولكن لم تمضي الأمور بسهولة فقد عانت الحركة حصاراً وحرباً وأعلاماً في وقت لم تجد نصيراً قريباً أو بعيداً ولكنها صمدت بفضل الله وقوته و بوقوف قاعدتها والشعب السوداني كالبنيات المرصوص وراء قيادتها الشرعية التي أو صلتهم إلي تحقيق قيام الدولة الإسلامية المتحررة وثباتها ، وكان الدور الكبير للايمان والعقيدة والقيادة التي تعتمد المعايير الإسلامية الاصيلة في تحقيق المعجزات وزفت إلي جميع مستضعفي العالم بشرى الحرية والمساواة والأخوة بمعناها الحقيقي ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، دب الوهن في قلوب بعض القادة ضعاف النفوس والذين فتنتهم السلطة ببريقها فأبوا إلاّ أن يجهضوا التجربة بدعاوي باطلة بينة خطأها فمنذ اثنتي عشرة عاماً من عمر الإنقاذ تنكب القوم الطريق فكانت النتيجة أن ضاعت كل انجازات الإنقاذ وأصبحت البلاد والعباد في خطر داهم وعندما أدلهمت الخطوب وبلغت القلوب الحناجر تلفت القوم يمينا وشمالا بحثاً عن الإصلاح والإنقاذ فتحرك الشباب والمجاهدين يقرعون طبول الخطر وينذرون أهل السلطان بأنهم قد خرجوا من خط الإسلام فلا المثال طبقوا ولا القديم حافظوا عليه تمزقت البلاد مزقاً وفقدت ثلث المساحة وأنداحت الاقتتال والتمرد في دارفور وكردفان والنيل الأزرق عندها تذكروا الحركة التي أوصلتهم الي السلطة فتنادى القوم إلي مؤتمر سمي مؤتمر الحركة الإسلامية لعله ينقذ ما يمكن إنقاذه ولكن وكعادة الحكومات الديكتاتورية ، حكومات الفرد الواحد سعت بكل أدوات السلطة لتجيير المؤتمر لصالحها بل لإلغاء دور الحركة الإسلامية ، فمورست ذات الأساليب الفاسدة التي استخدمت في المفاصلة لا شئ يعصم هؤلاء من اقتراف السيئات لا الدين ولا الاخلاق ولا المسئولية ، فخرج المؤتمر بخيبة أمل كبيرة بالنسبة للصادقين من الشباب النتيجة الحتمية لهذا المؤتمر أن لا إصلاح ولا تغيير ولا يحزنون !! وفي خضم هذا المنعطف أطل علينا غازي صلاح الدين ( عديم النظير ) في مظهر المصلح الذي يقود تيار الإصلاح في الحكومة فظن كثيرون أن الرجل قد عاد إلي رشده فالعودة إلي الحق فضيلة ، ولكن علمتنا التجربة أن أمثال غازي لا يستطيعون قيادة تيار الإصلاح الحقيقي ، فمسيرة الرجل تقول أنه من قادة مذكرة العشرة البذرة التي أنتجت المفاصلة فالرجل لعب أدواراً لصالح تيار السلطة بالباطل فهو شريك أصيل في كل التدليس الذي جرى في المؤتمر الوطني ، تزوير ، شراء الذمم كل الأساليب الفاسدة المخالفة للشريعة والقانون والعرف , أنسي الرجل أننا كنا نستنسخ النفرات الكبرى منها والصغرى . فالرجل لم يكن ساكتا عن الحق فحسب ولكنه فاعل أصيل في كل ما جري منذ المفاصلة وهو في مواقع شتى وزيراً و مستشاراً للسلام ومستشاراً للرئيس وبرلمانياً لم يرفع عقيرته بالحق طيلة هذه الفترة بل كان بوقا للسلطة يبصبص حولها أملا في أن يرتقي به سلم الوظيفة ، والرجل يدرك انه كان يركب حصان الباطل حتى المجلس الوطني المنتخب في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء (هكذا دأب علي تكرارها استاذنا أحمد أبراهيم) ، لم يصدع الرجل بكلمة الحق وهو يعلم كيف تمرر القرارات عبر هذا المجلس وهو ساكت رأض والساكت عن الحق شيطان أخرس ، هذا الرجل خرج علينا ببيان هزيل وضعيف منتقداً مخرجات المؤتمر وهو الذي يعلم كل الاساليب والاحابيل التي مورست خلال عقد من الزمان !! هل فات علي الرجل أن المعايير الموضوعية التي كانت الحركة الإسلامية تتمسك بها في تقديم الرجال قد أنهارت تماماً ؟ بل حلت محلها معايير في غاية البؤس ، الجهوية القبلية / الشللية والمصالح ليس في إطار الحركة الإسلامية بل في السودان كله ، فكيف يطمع الرجل أن يكون في قيادة الحركة الإسلامية السلطوية في ظل هذه المعايير.......... أن ما يتحدث به غازي اليوم ويعتبره خروجاً علي جادة الطريق وتغيببا للارادة الحرة ، هي ذات الاساليب الذي سعي غازي لتكريسها في المذكرة المعروفة بمذكرة العشرة سعى غازي في تلك المذكرة لتكون السلطة في الدولة والحزب للرئيس تحت دعاوى الوحدة والشورى الواسعة الفاعلة ولكن المتابع العادى يعلم ان الفترة التي اعقبت المفاصلة هي أكثر فترة غابت فيها الشورى في الدولة والحزب. مثال واحد يكفي للتدليل علي ذلك ، عشرات المستشارين يحيطون بالرئيس ومع ذلك كانت امور البلاد بين الهرج والمرج بل أدت تلك السياسات العرجاء إلي أن فقد البلاد ثلث أرضها وتعاني ويلات الحرب أبعد هذا يسعي غازى لتولي القيادة ماذا في جعبة الرجل تصلح للتغيير .................... ربما يسعي الرجل بفرفرته إلي أن يجد له موطء قدم في السلطة وإلاّ لأعلن علي الملاء خطأ إختياراته بل يستغفر ويعلن التوبة ، أما ما يفعله الآن لا يفوت علي فطنة المتابعين فضلا عن الصادقين من الحركة السلامية ، الأمل معقود في الشباب المجاهدين الذين تبينوا الدرب بعد أن يئسوا من الإصلاح فنصيحتنا لهؤلاء أن يبحثوا عن قيادة جديدة لا تشبه غازي صلاح الدين ويعودوا إلي حضن الحركة الإسلامية التي مازالت علي العهد لتعيد للإسلام بهاءه أنقاذا للبلاد والعباد (أفمن يمشي مكباً علي وجه أهدى أمنّ يمشي سويا علي صراط مستقيم). ولنا عودة