بدا د. نافع علي نافع كمن يقرأ من كتاب د. منصور خالد عندما وصف (وثيقة الفجر الجديد) المثيرة للجدل، بأنها محض (فجر كاذب) لن يرى النور مثله مثل أي (حِمل كاذب). أمّا المعارضة التي ابتعد عنها منصور الذي يقضي شيخوخة هادئة بمنزله شرق الخرطوم، فقد درجت على سرقة النظر إلى ما يكتبه مؤلف كتاب (الفجر الكاذب)، واستخدام بعض ما جاء بكتبه الضخمة من غير أن تغسل مفرداتها من اثاره. د. منصور، يعيش منذ انفصال الجنوب وفشل مشروع السودان الجديد في عزلته المجيدة بعيداً عن واجهة الأحداث ودوائر الفعل السياسي. وحدها كُتبه التي تتحرك بين الناس ولم تفقد صلاحية الإطلاع عليها رغم أن جلها كُتِب على أيام مايو. منصور، الذي يقرأ من مكتبته العامرة في الخرطوم هذه الأيام عبر عدسة خاصة، يستطيع أن يرى الواقع بعينين ثاقبتين، ويُقدِّم قراءة متأنية في مختلف القضايا السياسية والأمنية والفكرية والاقتصادية والثقافية تساعده في ذلك ثقافته الموسوعية، وتجربة ينظر إليها البعض بعين الرضاء، وآخرون بعين السخط حد إتهامه بالعمالة للمخابرات الأمريكية. المفارقة، إن كل ما كتبه منصور قبل عشرات السنين يمكن أن يعيد كتابته مرةً أخرى، فمازال السودان في (النفق المظلم)، ولا تزال (النخب السودانية تدمن الفشل)، ولم نبتعد كثيراً عن (أهوال الحرب وطموحات السلام). ومع تكاثر (الزعازع وقلة الأوتاد)، فمن المناسب ربما مراجعة صور (جنوب السودان في المخيلة العربية)، بينما إدارة (حوار مع الصفوة) يظل أمراً مهماً في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد، لكن الصوفية أنفسهم بحاجة لإدارة حوار مع السلفيين بعد تشابك الأيدى والعصي في مولد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام. ولمنصور في (ثلاثيته الماجدية) صور من أدب التصوف في الإسلام قلّما يلتقطها غيره، فهل يلتقط منصور قلمه (الجاف) ليكتب عن هذا الوضع (السائل) في البلاد، لنعرف ما إذا كان الفجر جديداً بالفعل، أم كاذباً كفجره القديم.