[email protected] ذكر والي شمال دارفورعثمان كبر في حوار لجريدة السوداني ، أن أعمال السحر والدجل لا تخيفه ، فكثيراً مايجد ثعباناً في جيب سترته وتعود على ذلك فاعداؤه هم من يدبر ضده هذه المكائد السحرية بحسب زعمه. السحر والكجور كانت هي الديانات السائدة في دارفور قبل دخول الإسلام إليها وحتى بعد دخوله ظلت هذه الممارسات مستمرة فقد ذكر التونسي في كتابه(تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد الغرب والسودان) ، ذكر أن قبيلة الفور كانت تتخذ من قمة جبل مرة أماكنا لتسخير الجن وممارسة الكجور ، وقد كانوا يسحرون بهذه الممارسات الناس الذين يريدون اخضاعهم وفق رغباتهم وقد ذكر أمر (الغوغاية) ذلكم الطلسم الذي يوضع في إناء ويسقى باللبن كل يوم بعد أن يعلق في وسط غرفة داخل منزل من يريدون سحره ..الإسلام إنتشر في دارفور بواسطة التجار العرب الذين كانوا ياتون بتجارتهم عبر القوافل الآتية من مصر وشمال أفريقيا ، عمل التجار على إقامة المساجد والتكايا التي كان يصنع فيها الطعام وتوزع فيها الكسوة للمؤلفة قلوبهم فكانت القبائل الدارفورية ينزل أفرادها من الجبل أو ينسربون من السهول والوديان فيجدوا المأكل والمشرب والمأوى ، لذلك إنتشر الإسلام هناك والى يومنا هذا لا توجد كنيسة او معبد في دارفور وكل أهلها مسلمين..وهنا يبرز سؤال ، لم إذاً الحروب دائماً مستعرة في دارفور والإسلام دين سلام ويحرم قتل النفس؟ الإجابة على هذا التساؤل هو أن أهل دارفور كما معروف عنهم مجتمع قبلي وللقبيلة قداسة لا تدانيها اي قداسة أخرى لا لوطن كبير ولا لمجتمعات تربطهم بهم رابطة الدين ، فانسان دارفور داخل قبيلته يكون منضبطا إنضباطا تاما لتراث القبيلة وقيمها وخارجها يكون متحللاً من كل ضابط ، فهو حين يقتل أو ينهب أموال من هم خارج نطاق قبيلته فكأنما هذا حلال اكتسبه بيمينه وبحد سيفه تماماً مثلما كانت القبائل في الجاهلية تغزو بعضها البعض ويحكم القوي منهم قبضته على الضعيف ويفعل ما يفعل من نهب وسلب واسترقاق لأهل القبيلة المهزومة . بعد دارفور عن مراكز الإشعاع الحضاري المتمثلة في الحضارات النيلية وحتى بعد تكون الدولة السودانية الحديثة في العهد التركي جعلها تعيش في حالة بداوة عدا بعض الحواضر فيها مثل فاشر السلطان والفاشر هو مقر حكم سلطان الفور يكون في أي مكان ينتقل إليه السلطان أي أن الفاشر ليس المقصود بها مدينة الفاشر الحالية ولو أنها آخر فاشر إستقر فيه سلاطين الفور والذي كان آخرهم السلطان علي دينار ، فالفاشر كما ذكرنا هو مقر الحكم ، لذا يكون مكتظا بالأتباع وجند السلطان والكثير من السكان (الرعية) ، هذا الوضع جعله مقصد القوافل التجارية والدعاة والعلماء الذين كان سلاطين دارفور يحتفون بهم ويضعون لهم مكانة خاصة رغبة في نشر العلوم ورفعة شأن البلاد علمياً ، اما بقية ممالك السلطنة التابعة إليها وبقية أعمالها فكانت تعيش على سجيتها من بداوة وماتحويه البداوة من قيم تختلف عن الحضر يظهر ذلك في سلوك الناس وعاداتهم وتقاليدهم. مجتمع دارفور كما معلوم يتكون من قبائل عربية وأخرى زنجية ولكن ولأنها سلطنة عريقة تجانست هوية هذا المجتمع لدرجة أنك لا تستطيع التفرقة بين العربي وبين الزنجي فالعادات مشتركة وحتى لكنتهم في الحديث مع اختلافات هنا وهناك حسب القبائل . في سلسلة مقالاتنا هذه لم نكن نقصد إثنية ولا قبيلة محددة ، وقد ظن الكثيرون أنني أتعنصر لعرب دارفور ضد زنوج دارفور بل ذهب بعضهم الى أبعد من ذلك حيث قالوا بان الصراع الدائر الآن في دارفور وراؤه زنوجها ،ففصل دارفور يعني لهم ظلم العرب ، ولكني لا أنظر للامر من هذه الزاوية الضيقة أنا أنظر له من زاوية مجتمع دارفور كله بعربه وزنجه ،هم عندي كتلة واحدة أرى انها كتلة قائمة بذاتها تتناقض وتتصادم مع الكتلة الباقية من السودان..الآن هناك صراع قبلي دموي يدور بين قبيلتي الرزيقات وبني حسين وكلتاهما عربيتان ، صحيح أن أغلب الحركات المتمردة تتزعمها قبائل زنجية في دارفور ولكن العرب أيضا مشتركون في التمرد إضافة للنزاعات القبلية ..هذا هو مجتمع دارفور ، مجتمع له إرثه إن كان يعجبنا أولا يعجبنا وإن كانوا على حق في تمردهم أو لم يكونوا ، يبقى الواقع أنه لا يمكن وبواسطة تعايش مصنوع في حقبة زمنية قصيرة مع مجتمع آخر لا يمكن أن تخلق هوية مشتركة خاصة وأن ضم دارفور لم يكن بإرادة أهل السودان ولا حتمته مصلحته ، إنها إرادة الإستعمار الأجنبي ومصالحه ، ذات المصالح التي تدير أزمة دارفور اليوم ، فإلى متى نظل ندفن رؤسنا في الرمال؟ وإلى متى ندفع فاتورة مصالح الغير؟ وإلى متى نهدر ثرواتنا ومجهوداتنا ونفتك بأهلنا في نزاع لن ينتهي؟. واهم من يظن أن مشكلة دارفور بدأت مع بداية هذه الألفية ، مشكلة دارفور بدأت منذ هروب السلطان علي دينار من أم درمان وجيش كتشنر يزحف تجاهها ، سار علي دينار هو وأتباعه نحو الفاشر ليحي سلطنة أجداده وهو يرى بعينه نهاية دولة المهدية ، لم ينتظر علي دينار دخول الجيش الإنجليزي الغازي لأم درمان وإنما هرب وأنصار المهدي يستعدون لملاقاة العدو ، لم يضع وقته فالفرصة لا تأتي مرتين ، لقد كانت فرصته ليعيد أمجاد أجداده سلاطين الفور فسقوط أم درمان لا يعنيه في شئ فجسده كان فيها ولكن قلبه معلق بفاشر السلطان مكان عزوته فلو كان منتمياً بكل إيمانه للدولة القومية لما هرب وترك خليفة المهدي يلاقي مصيره وحده ... عدم الإنتماء هذا ما سار عليه متمردو دارفور اليوم ، فهاهم يوالون حتى الصهاينة في سبيل بسط سيطرتهم وتحقيق أهدافهم ، فبمثلما باع آخر سلاطينهم دولة المهدية واشترى ملكه ، هاهم يبيعون السودان كله ليشتروا دولتهم ، فلكم دولتكم يا أهل دارفور ولنا دولتنا