هل يتصور احد ان يصل "ميكانيكى سيارات وماسح " للاحذية لكرسى الرئاسة انه " لولا دا سيلفا " الرئيس البرازيلى الذى حكم ثمانى سنوات كان سلفيا يعمل فى بداية حياته ميكانيكيا فى مصنع للسيارات فى " ساوباولو" بكى الرئيس خلال لقاء متلفز ليس لانه سيترك كرسى الرئاسة حسب مقتضيات القانون ولكن لان الشارع البرازيلى خرج كله مطالبا بتعديل الدستور لابقاء رئيسهم المحبوب فى الحكم لفترة جديدة رغم انه رفض تلك الخطوة حيث اعتبرها غير دستورية .. هذا الميكانيكى القادم من طبقة العمال حول البرازيل من دولة ديكتاتورية وحكم عسكرى قمعى واعتقالات وازمات وحروب اهليه داخلية الى ديمقراطية نموذجية حيث اصبحت مع نهاية العام 2011 رابع اكبر اقتصاد على مستوى العالم متقدمة بذلك على بريطانيا. محققة نموا بنسبة 2.7% بينما كان النمو فى بريطانيا لا يتجاوز 0.8% . .. هذا الانجاز الذي تحقق لم يكن إلا ثمرة نجاح برنامج اقتصادي إصلاحي طموح شهدته البرازيل طوال ثماني سنوات هي فترة حكم الرئيس "لويس ايناسيو لولا دا سيلفا" الشهير ب "لولا". تلك الدولةالقابعة فى امريكا الجنوبية ذات القدرات الطبيعية الهائلة من الأراضي الزراعية الشاسعة والأنهار الكثيرة والثروات الطبيعية خاصة النفط والمعادن الوفيرة، بالإضافة إلى القوة السكانية التي تقترب من 200 مليون نسمة عانى سكانها لفترة طويلة من كوارث اجتماعية متمثلة في الفقر والجوع والبطالة .. جاء هذا " الميكانيكى " يحمل امالا وطموحات عريضة فكان لهم طوق النجاة من ذلك الظلم الاجتماعي الذي توارثته أجيال وراء أجيال حيث استطاع المزج والربط بين التحول الاقتصادى والاصلاح السياسى هذا الميكانيكى المغمورذو التوجهات الاشتراكية نقل البرازيل من هوة الإفلاس إلى قمة التقدم الاقتصادي خلال ثماني سنوات فقط. و استطاعت سياساته الاقتصادية التأثير في حياة ملايين البرازيليين ونقلهم من مصاف الطبقات الفقيرة إلى الطبقة الوسطى. حيث تسلم " لولا "مقاليد حكم دولة تشرف على الإفلاس لعدم قدرتها على سداد دين خارجي كبير، وتعانى من أزمة ثقة حقيقية حالت دون حصولها على قروض جديدة من " صندوق النقد الدولى "بدعوى عدم قدرة الاقتصاد الوطني على السداد ... البرازيل هي بحق ارض المتناقضات، حيث تختلط فيها ناطحات السحاب مع عشش الصفيح، ومناخيا توصف بأنها اكبر مستودع للتنوع الحيوي في العالم، حيث تتواجد جميع الأنظمة البيئية. وديموغرافيا يعيش على هذه الأرض شعب تشكل من أعراق وأصول متباينة 54% بيض 39% ملونين ومهاجرين عرب لكنه مجتمع متجانس عرقيا، هذه الأصول لا يمكن وصفها بأنها طوائف أو أعراق مختلفة يقول المحللين في البرازيل أن "لولا" مكث في الرئاسة ثماني سنوات لم يحصل او يكسب ريالا واحدا على الإطلاق. امتلك "لولا" عزيمة قوية للنجاح وكاريزما جعلت من اوباما يقول عنه: (لولا هو السياسي الأكثر شعبية على وجه الارض " والسؤال : كيف حققت البرازيل تلك المعجزة الاقتصادية ؟ برنامج التقشف الصارم الذى قاده واقنع شعبه به ساهم فى خفض عجز الموازنة وارتفاع التصنيف الائتماني وتعزيز الثقة فى الاقتصاد الوطنى، وبناء عليه تلقت البرازيل نحو 200 مليار دولار استثمارات مباشرة ، بالإضافة إلى ذلك دخل ما يقرب من 1.5 مليون اجتبى للإقامة في البرازيل في 2011 وعاد نحو 2 مليون مهاجر برازيلي إلى البلاد. وقد أدت هذه الاستثمارات إلى رفع الطاقة الإنتاجية للدولة وهو ما يعنى توفير فرص عمل جديدة لملايين الناس تملك هذه الدوله اقدرات طبيعية ضخمة من أراضى زراعية شاسعة وانهار وأمطار بوفرة كبيرة ومناخ جعل منها منتجة لمحاصيل زراعية متميزة عليها طلب عالمي مثل البن والفواكه، واعتمدت ايضا على الصناعىات الخفيفة والثقيلة نتيجة للتوسع الزراعى والاكشافات البتروليه اضافة الى تطوير القطاع التصديرى للحصول على العملات الصعية مثل صناعة الطائرات والسيارات الى جانب سياحة المهرجانات ورقصات السامبا معروفة للجميع حيث تستقبل 4 ملايين سائح سنويا وخلال سنوات قليلة اضحت البرازيل مع روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا تشكل ما يعرف بمجموعة (البريكس BRICS )والتى اضحت صاحبة اكبر اقتصايات على مستوى الدول النامية يقول الخبراء انها ستنافس بحلول عام 2050 اغنى دول العالم وستكون اكبر الاسواق واسرع الاقتصايات نموا فى العالم لقد نجحت البرازيل فى ترجمة النجاح الاقتصادي إلى مكاسب سياسية . وقد استخدم "لولا" ببراعة شديدة النجاحات الداخلية وسياسته الخارجية النشطة والمتوازنة لتحقيق مكاسب اقتصادية وبناء علاقات سياسية متوازنة مع كل دول العلم وضعت مصلحة البرازيل فى المرتبة الاولى دون التورط فى اية صراعات اقليمية وعالمية وتميزت فنرة حكمة بالارتباط الحكيم بين القوة الاقتصادية وبين اتخاذ مواقف فعالة في السياسة الخارجية احكى هذه القصة وعينى على بلدى الذى تحاصره الصراعات السياسية والازمات الاقتصادية من كل صوب .. اقول ان السودان " برازيل مصغر" من حيث توافر الموارد الطبيعية والتركيبة السكانية والتنوع السياسى يحتاج اليوم الى " لولا" برازيلى لمعالجة المشكلات الاقتصادية والسياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية التى تراعى حقوق كافة الطبقات الغنية والفقيرة عبر برامج عمل محددة وانتقال ديمقراطى حقيقى وتوافق سياسيى مرن فى بلد يمكن ان يسع الجميع ...هذه التجربة ما كان لها أن تحدث لو لم تتوفر إرادة شعبية حقيقية ووعى جماهيري لأهمية النهوض، فالشعب البرازيلي بطبقاته الفقيرة هو من تحمل أعباء سياسات التقشف حتى تعافى الاقتصاد البرازيلي . اقول بالصوت الجهير يحتاج السودان حقيقة اليوم إلى مثل هذه الروح والعزيمة الشعبية للخروج من عثرته الاقتصادية.والسياسية لاسيما وان الارضية والمناخ السياسى مهيان الان لتاسيس وفاق وطنى حقيقى يخرج السودان من مشاكله الاقتصادية والسياسية لاسيما وان التركيبة الاقتصادية والسياسية بين البلدين لها قواسم مشتركة وتشابه كبير لاانكر ان هناك جهودا خيره تبذل لبناء اقتصاد وطنى يعبا مواردنا الكثيرة وبناء وفاق وطنى لكن المسالة تحتاج لحشد جهود كافة ابناء الوطن وخلق نوع من التراضى السياسى المجمع عليه وخلق " بوتقة انصهار" بين كياناتنا السياسية ومحاصرة الانفراد بالراى بعيدا عن سياسة " ركوب الراس " يااهل السودان كفى خلافات اقعدت قدراتنا .. اجلسوا معا وتفاكروا وتناقشوا بالحسنى .... استفيدوا من دروس الميكانيكى" لولا " لبناء "برازيل سودانى " عواطف عبد اللطيف – اعلامية مقيمة بقطر [email protected]