سرحت خيالات ابكر بعيدا و هو يحفر بقدميه تراب الحلة حفرا كعادته عندما تقول له البتول زوجته المصون ( ياراجل ما في شي يتاكل في البيت اتحرك حبة جيب لينا خضار و لحمة ) و هكذا يبوح الغبار المتطاير عن مشيته العجيبة عن اهات لكم تمنى ان يصدرها فعجز , فاهاته كل اهاته مما يسميه الناس بالطيبات .... اللحوم و الفاكهة و غيره و غيره و لكم احتار ابكر في هذه التسمية التي لا تطابق الواقع فمن هذا المغفل الذي اسمى هذه الاصناف ذات الاسعار الشيطانية بالطيبات انها الشريرات نعم و الشريرات جدا ولا سيما كيلو الضان و العجالي اللذان تحالفا مع ابليس ليسلبانه راحته و سعادته و رضا البتول عنه و رضاه هو عن نفسه و حاله كل ذلك حدث في حياته بسبب اسعارهما الابليسية اللعينة التي لا تلاحق و هنا يأخذ ابكر زفرة عميقة و يتوقف وقفة مفاجئة يثور على اثرها كوم كبير من التراب و الغبار حوله في احتفالية رائعة تدشنها شمس حارقة و جو حار يكتم الانفاس و بابكر وسط هذا يحس بانه حل مشكلا عضالا بعبقريته الفذة فقد اكتشف بابكر في هذه اللحظة بان الطعمية احق بان تدعى بالطيبات من اللحوم و الفواكه و الخضروات و سائر الطعام فبحسب فلسفته التأريخية الفريدة فقد انحدر اسم الطعمية اختصارا لما في هذه الاكلة من خصال مميزة شديدة التميز فهي طيبة و عادية و مشبعة و يسيرة و تكفي و هكذا فلا بد ان تنال اللقب هي و لا سواها و لابد تكريما لها ان يتم تناولها في وجبة الغداء ايضا و لايكفي بان نتناولها في الفطور او عندما تسمح الميزانيات بوجبة العشاء فاسمها كما قلنا اختصارا للكلمات التي تدل على مميزاتها .... طيبة ... عادية ... مشبعة .... يسيرة .... تكفي نعم نعم انها تكفي و لا بد ان تقدر البتول هذا الاكتشاف العظيم و هذه الفلسفة العميقة و تجددت نفسيات ابكر تماما و تجددت مشيته و اشتدت خطوته او كاد يمشي زهوا فرحا بين الناس و لكنه امسك عليه ببعض من التواضع فلا بد للعلماء امثاله من التواضع مع عامة الشعب و وصل اخيرا الى الدكان فوجد هنالك القوم يلتفون حول طشت به لقمات ضخمة من العيش المبلل بماء الفول ... المدلل بماء الجبنة ... المحلى باقراص الطعمية و قطع البصل انها وجبة ضخمة فعلا و عزم عليه القوم بان يشاركهم كعادة كل من هو سوداني و تعالت الأصوات ابكر اتفضل اتفضل ...فضل ... فضل ... و تذكر حينها ابكر بان البتول حرمت عليه الافطار اذا لم يأتها الساعة بما يمكنها من تحضير حلة الغداء و انها حرمت على نفسها ايضا و على اولادها الطعام الى ان يجيئ ابكر بالغداء المبين فازدرد ابكر لعابه اخيرا و قال لقومه بكل تواضع شكرا لكم سبقتكم بتناول الفطور و لكني اريد ان اشتري شيئا لوجبة الغداء فقال له بشارة صاحب الدكان قل ماذا تريد قال ابكر شيئا مميزا بالطبع فاولادي لا يستطيعون ان يأكلوا الا الطيبات من الطعام قال له بشارة ابشر كل الطيبات لدينا باذن الله الدجاج و السجوك و وووووو ...... و فيما يعد بشاره طيباته استوقفه ابكر بنهرة و زمجره قائلا هذه الاصناف ليست من الطيبات في شيء انا اريد ان اشتري طعمية فصعق القوم و بهتوا ثم تكاتموا الضحكات بعد ان اطلقوا بعضها و اخيرا قال بشارة لا احد يعد الطعمية للغداء و لم يتبقى مما اعددناه للافطار الا مافي هذا الصحن الذي نأكل منه فتفضله و رجع ابكر بالطعمية متمتما و مر أثناء ذلك بنظره على زيتها الاسود في القدر الذي اعدت به و ياله من سواد عجيب يدل على استخدامه ثلاثة ايام بلياليها او قل ثلاثة اعوام فاكثر لا حول ولا قوة الا بالله اليس هذا ما سمع عنه ابكر من الراديو بانه يسبب السرطانات و سوء الهضم و مصائب اخرى مما فهمه ابكر و ما لم يفهمه و لكن اصراره على نظرية الطعمية الطيبة ابى عليه ان يتراجع فمضى في طريقه الى البتول باكتشافه العظيم و عند وصوله ... لم تصدق البتول عيناها عندما راته قد عاد اليها بسرعة ثم لم تصدق عندما فتحت الكيس الهزيل فوجدت فيه الطعمية و صرخت باعلى صوتها مولولة ( جبت لينا طعمية للغدا يا ابكر ) اما اولادها المساكين فقد سأمو من كثر عراك ابويهم ليل نهار و انقضوا على الطعمية فهي تعنيهم اكثر و هم جوعى منذ عشية البارحة و بين هذا و ذاك لم يتسنى لابكر ان يشرح نظريته الفذة للبتول التي اخذت تلملم حاجياتها تاركة له البيت و العيال . و بعد ساعات ...... و الجوع يحفر بطن ابكر الذي يعاني من حموضة في المعدة و الحياة و الحزن و الهم يحفران قلبه و يده تحفر وجهه المستند عليها يأسا و قلة حيلة , بدأ اطفاله يشتكون طفلا فآخر من آلام شديدة في البطن و ثم ساءت حالتهم فهرع بهم ابكر الى المشفى و قرر الطبيب بانها حالة تسمم و تسائل ماذا اطعمتهم ??? رد ابكر لا شيء فقط طعمية قال الطبيب للاسف الطعمية هذه الايام تقلى بزيت استهلك مرارا و تكرارا ثم انها تحضر باستخدام اطباق البيض الفارغة و هذه الاطباق فيها مافيها من القاذورات و البكتيريا و الفطريات و خصوصا ما يدعى بالسالمونيلا اعتقد انها السبب في هذا التسمم , و هنا صعق ابكر تماما ... الطعمية ... الطعمية الطيبة و نظريته الفذة و رحيل البتول من المنزل و مرض اولاده و قلة حيلته ماذا يفعل?!! اين يذهب?!! و لا شي طيب بهذا الزمان كل شيء شرير ابليسي ملعون حتى الطعمية .... حتى الطعمية شريرة . لم يقو ابكر على الاحتمال اكثر فسقط مغشيا عليه و مازال يعاني الى يومنا هذا من صدمة الطعمية د . أمنة نوري