(1) أبدء الكتابة عن هذا الموضوع الحساس الذي لطالما فكرت فيه كثيراً، ولكن بدايةً لا بد لي من أن اوضح موقفي من القضية الفلسطينية، والتي أعتبر أنها قضية حقيقية عادلة، لابد من الاعتراف بدولة فلسطين، والمحافظة على ما فيها من مقدسات اسلامية، ولا بد من دعم الشعب الفلسطيني بما أمكن حتى يتثنى له بناء دولته، وإعطاءه حقه في العيش في دولة آمنة ومستقرة ولا بد من إنشاء بنى تحتية، حيث أن الحرب تدمر يوما تلو الاخر البنيات التحتية لفلسطين، وأعلم وتعلمون أن إسرائيل لديها القدرة على الاستمرار في الحرب لوقت غير محدود خاصة انها تمتلك قوة عسكرية لا تضاهى إضافة الى الدعم والتعاطف الامريكي والغربي الذي نشهده كل يوم. (2) بالنسبة لي كمواطن سوداني سألت نفسي كثيراً هذا السؤال "لماذا نعادي إسرائيل" ومنذ أن قصفت إسرائيل مصنع اليرموك بالعاصمة الخرطوم، بدأت أفكر بجدية حول العلاقة الاستعداء السوداني، أو قل اسعتداء الحكومة السودانية لإسرائيل تفادياً للتعميم، لربما هناك من لهم وجهات نظر مغايرة لما تقوم به، وكانت إجابتي دوماً على هذا السؤال هي عدم وجود منطق يجعل الحكومة السودانية تعادي إسرائيل لعدم وجود تكافؤ في الامكانيات العسكرية والاقتصادية ووحتى على مستوى العلاقات الدولية، ونجد أن معاداتنا لإسرائيل ليس لها أساس من المنطق إذا قارنا المفارقات بين السودان وإسرائيل. (3) حادثة قصف مصنع اليرموك كانت درس قاسي للخرطوم، وصغير من إسرائيل باعتباره وخذ بالابرة قبل المواجهة الحقيقية، التي ستتم اذا ما استمر السودان في دعم حماس، واذا حدثت المواجهة الحقيقية التي نخشاها وحتما ستحدث اذا شكل الدعم السوداني لفلسطين خطراَ على "تل أبيب"، وحينها يكون الخاسر الأكبر هو المواطن السوداني البسيط الذي لا ناقة ولا جمل له في صراع اخوان السودان وصهاينة "تل أبيب"، ولنعد لكصنع اليرموك الذي قصفته اسرائيل، يا ترى كم ستكون تكلفة إعادة تشغيله؟؟ وكم مستشفى ومدرسة يمكن ان تؤسس بهذه التكلفة، وكم الذين يحتاجون الى هذه الخدمات؟؟ (4) يمكننا كشعب مسلم إعانة اخوتنا في فلسطين بتقديم مساعدات من باب مؤاذرة المسلم لأخيه المسلم بما استطعنا، سواء كان بتسيير قوافل صحية وقوافل تموينية، لا تجلب لنا الاضرار كما حدث في الفترة الاخيرة الماضية، حيث إستباحت اسرائيل سماء السودان وأراضيه أكثر من ثلاثة مرات في بورتسودانوالخرطوم، ولم تتمكن دولتنا من معرفة من قصفها ولا تمتلك أدلة لإدانة المعتدين، بل جعلت اسرائيل السودان مسخرة للعالم، خاصة في حادثة اليرموك التي قيل أنها "ماكينة لحام" من قبل أحد المسؤلين" ثم خرج بعدها وزير الاعلام بعد اكثر من ثمانية عشر ساعة ليتهم اسرائيل بتنفيذ العملية دون ان يملك دليل يحتج به مندوب السودان لدى الاممالمتحدة في شكواه، ومرت الحادثة مرور الكرام، وتناست حكومتنا وعدها بإحتفاظها ب" حق الرد" . (5) من الناحية الدينية، لست فقيها في الدين ولكن أعرف ان الاسلام الذي هو دين الغالبية العظمة من مواطني السودان بعد انفصال الجنوب، اعرف انه دين السماحة "ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها" أي ما تستطيع، حتى أنه لم يفرض على غير الستطيعين أحد أهم أركان الاسلام "الحج"، وبذلك يبقى أمر "الجهاد" والدعم العسكري لفلسطين الذي جلب لنا ما لم يكن في الحسبان، أمر خارج حدود الاستطاعة حتى اذا كان واجباً من الناحية الدينية، وأهلنا في في العديد من مناطق السودان الذي تبقى بحاجة الى أبسط مقومات الحياة، كالصحة والتعليم وبقية الخدمات الاساسية.
(6) سياسياً فان ما تقوم به الحكومة السودانية من تقديم نتازلات للجارة مصر التي سمحت لأسرائيل بفتح سفارة لها بالقاهرة،غير مبرر.. أجدى لنا ان نطبع مع اسرائيل بدلا من اقامة علاقات تقوم على أساس تقديم تنازلات من طرف واحد، وصلت الى التخلي عن جزء من أراضينا، وتمتع المريين باتفاقية الحريات الاربعة التي نقعت بين السودان ومصر وأرجأت القاهرة تنفيذها الى وقت غير محدد، وقد شهدت العلاقات السودانية المصرية 33على مر الحكومات عدد من الاتفاقيات لم يستفيد منها السودان، بل كان الربح كله لمصر التي لم يأتينا منها إلا الضرر، وها نحن اليوم نشهد زيارة أريد أن اسهب في العلاقات مع مصر لكن لمجرد الحديث عن اسرائيل لابد من الاستشهاد بالقاسم المشترك.
(7) بعيداً عن الدين، بما أن الانسان استخلفه الخالق جل وعلا، لإعمار الارض فمن حق الاسرائيليين اقامة دولتهم، ولكن الجدل الذي لم يحسم على مر العصور هو أحقية الفلسطينيين والاسرائيليين في المساحة المتنازع عليها، وفي نظري ان اسرائيل موجودة على تلك الاراضي بغض النظر عن حق اليهود فيها، والشعبين المتحاربين يعيشان في هذه المنطقة في حالة حرب لسنين عددا، فالاجدى التوصل لاتفاق يفضي الى تعايش الشعبين والالتفات الى التنمية الاعمار والسلام بدلاً من التعصب الديني والعنصري الذي لا نهاية له على الاطلاق، لطالما المزايدات السياسية باسم الدين في حركتي حماس وفتح والتآمر الغربي الاسرائيلي،من وجهة نظري الاجدى التوصل الى اتفاق تعايش بين الشعبين، ولو أن التنظيمات الاسلامية في فلسطين تحارب من أجل الدين أجدى لها ان تتعايش مع اسرائيل وتدعو للاسلام بدلا عن القتال الذي لا نهاية له.
(8) أخيراً، أرى انه ليس من المنطق ان نعادي دولة إسرائيل، فلا يمكن لمن يمتلك عصا ان يحارب بها دبابة، وعلى الحكومة السودانية أن تراعي ما يمر به السودان من أزمات طاحنة وحاجة ماسة لتوظيف الموارد في الخدمات التي لا يتوفر الحد الادنى منها للمواطن السوداني البسيط في كل انحاء البلاد، وإن كان لابد لها أن تدعم الشعب الفلسطيني فليكن الدعم، بطرق اخرى كما أسلفت حتى نتفادى ما تعرضنا له من فضائح وخسائر أضحكت علينا العالم.