صرنا نقرأ ونسمع ونشاهد مصائب تقشعر لها الابدان في مجتمعنا السوداني، ولا نملك غير ان نقول (حسبي الله ونعم الوكيل). ونتيجة لكثرة هذه المصائب اصبحنا لا نندهش، لأن تكرارها المضطرد ابطل مفعول الدهشة والتعجب في قلوبنا وعقولنا. وهذا في حد ذاته أمر عجاب، أي عدم الدهشة والتعجب. قبل ايام وقع نظري على خبر مفاده أن شيخاً قد حكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً لتحرشه بحيرانه في الخلوة. وقبلها بمدة قصيرة كان هناك خبر استاذ اغتصب تلميذته في سنار، وقبل ذلك حدث أن تحرش ناظر مدرسة في نهر النيل بتلميذاته، وقبلها بعدة اعوام قرأت عن تلك الحادثة البشعة التي هزت الخرطوم وروعت السودان، عندما اغتصب اربعة شبان بوحشية، طفلة عمرها اربع سنوات. هذا ما تكرم بنشره الاعلام حتى الآن وما خفي اعظم، علماً بأن تقارير موثوقة تقول ان ثمانين بالمئة من الاعتداءات التي يتعرض لها الاطفال يتم التكتم عليها، وعشرون بالمئة فقط يتم البلاغ عنها. وحتى هذه العشرون بالمئة يتم التدخل فيها بعد فتح البلاغ بغرض التستر عليها، وذلك لاعتبارها من الظواهر المسكوت عنها والمحرم تناولها اجتماعياً. تكرار الاعتداءات الوحشية على اطفالنا يدل على خلل ما في القانون أو أنه غير رادع. والا فكيف نفسر استشراء هذه الظاهرة بهذه الصورة الفظيعة؟ هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن استمرارية دفننا لرؤوسنا في الرمال وعدم مواجهتنا لهذه الظاهرة بشجاعة، لن يزيد الطين الا بِلّة، لا سيما وأن الضحايا هم فلذات اكبادنا، الذين هم في امس الحاجة لنا لكي نحمي طفولتهم المنتهكة . فإذا لم نحمهم الآن وفي هذه المرحلة العمرية - حيث لا حول لهم ولا قوة - فمتى نحميهم بحق السماء؟؟ قد تستغرق اعادة النظر في القانون الحالي حيناً من الدهر. فهل يا تُرى سنظل مكتفي الايدي حتى يتم ذلك؟ بالطبع علينا أن نكثف من حماية اطفالنا وأن نأخذ الأمر مأخذ الجد. وحسب التجارب والحوادث فإن الوحش الذي يهدد براءة اطفالنا قد يكون اقرب الينا مما نتصور، إذ قد يكون وللأسف الشديد احد الجيران، او يكون ممن تجمعنا به صلة دم، او قد يكون سائق حافلة الترحيل او كوتش الكرة او مدرب السباحة او الجمباز. نعم قد يكون واحداً من هؤلاء، فكل شئ وارد في هذا الزمن الاغبش، الذي غابت فيه المروءة وتوارت في ركن قصي، حيث لم تعد الثقة العمياء وحسن النية المفرطة مجدية. ليست هذه دعوة مني لخلع رداء الاريحية وحسن الظن الذي يتمتع به المجتمع السوداني، لكن واقع الحال المرير وتبدل الاحوال هو ما يحتم علينا أن نستعمل هذا الدواء الناجع رغم مرارته. وكل ذلك من اجل حيران الخلاوى و فلذات اكبادنا، حماهم الله.