تقرير: عادل حسون بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل في العام 1979م، أعلن الرئيس المصري أنور السادات، أن أي حرب مقبلة ستخوضها بلاده سيكون مسرحها "جنوباً" وهدفها الدفاع عن "مياه النيل". المؤسسة المصرية أبقت على الهدف "الإستراتيجي" المعلن فيما يبدو والأنباء، تطايرت مؤخرا عن تهديد مبطن من "الجيش المصري" لدولة إثيوبيا الفيدرالية بشأن مياه النيل، في وقت رفض فيه مسئول مصري كبير، أي حديث عن استعداد القاهرة لضرب أديس أبابا على خلفية التوتر المتسارع بسبب اتفاقية "عنتيبي" التي تقف وراءها إثيوبيا وترفضها مصر، وبسبب مضي أديس أبابا بإسراع في انجاز بناء "سد الألفية" أكبر المشروعات المائية على ظهر "وادي النيل" على الإطلاق. "السودان" منشغل بقضاياه الداخلية وتبعات التطورات السياسية والعسكرية فيما الأنظار تنتظر منه تحرك ما، يكبح جماح الحرب المتوقعة، بخاصة والخرطوم، في موقف حرج مرتين، فمن ناحية، هي والقاهرة توأمان سياميان في النظر لمستقبل مياه النيل، ومن ناحية أخرى تحظى بعلاقة وثيقة مع العاصمتين المتوترتين، فترى أي قدر حملته الأيام للبلد التي عرفت بأرض النيلين؟، السهل الذي يجري فيه النهر العملاق وحتى "الرحم" الذي يتكون بداخله ابتداء. "اتفاق عنتيبي" معاهدة بين الدول الإفريقية أبرمت في مثل هذا الشهر "مايو" من العام 2010م، وتجمعت بداخلها "خمسة دول" تحت لافتة "دول المنبع" فتركت "مصر والسودان" في الضفة الأخرى للنهر بوصفهما "دولتا المصب" دون أن تنسى "المجموعة" المنشئة للاتفاق، وقد سرى بالفعل بتوقيع الدولة السادسة "بورندي"، التذكير عن فتح الباب لمن يود الإنضمام للاتفاقية الإطارية، في إشارة غير بريئة لدولة "جنوب السودان" الوافد الجديد على منظومة دول حوض النيل. لإسرائيل التي وقعت معها مصر معاهدة للسلام الدائم وأعتبرت مصر حرب النصر في أكتوبر 1973م آخر حروبها معها، صلة أكيدة. رجال المخابرات والإستراتيجية والبحوث في جامعات ومعاهد الدول ذات الصلة يدركون هذه الحقيقة الجهيرة كالشمس في رابعة النهار. لكن من غير اللائق دبلوماسياً بين دولة يفترض فيها التعاون بشأن موارد الحوض النيلي، إطلاق مثل ذلك الاتهام المتذرع بنظرية "المؤامرة". حرب الظلام والضرب تحت الحزام، ولكن بالإمكان مواصلة التظاهر بأن الخلافات يمكن أن تحل بالطرق الودية. عصبية "القاهرة" وصمت "الخرطوم" يمكن ملاحظتهما عندما أوردت صحيفتا "إثيوبيان هيرالد" و"أديس زيمين" الإثيوبيتان، منتصف أبريل الماضي، أن مجلس النواب الشعبي الإثيوبي "البرلمان" أحال مشروع قانون بشأن "اتفاقية عنتيبي" إلى "اللجنة الدائمة للموارد الطبيعية وحماية البيئة" بالمجلس، لمناقشة الاتفاقية والموافقة عليها. تبرعت الصحيفتان الرسميتان بتبرير تصريح وزير الدولة ومساعد وزير شؤون البرلمان مليس تيلاهون، اضطرار بلاده تشريع الاتفاقية داخليا بعدما صبرت طويلا على الثورة المصرية. فنتيجة للثورة في مصر، أجلت إثيوبيا المصادقة على الاتفاقية الإطارية حتى تشكيل حكومة جديدة. وبما أنه الآن هناك حكومة في مصر، فقد حان الوقت للمصادقة على الاتفاقية. "الاتفاقية تنص على سريانها بمصادقة برلمانات 6 دول عليها فلذا يتعين التصديق عليها من جانب البرلمان لكي تكون إثيوبيا نموذجا للدول الأخرى". يضيف. الدول الموقعة تعتزم طرح الاتفاقية على برلماناتها توطئة لدخولها حيز التنفيذ. باتت أمراً واقعاً بالفعل بعدما وقعت "جنوب السودان" عليها وشغرت مقعد الدولة السابعة. رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، د.هاني رسلان، يحذر من خطورة إقامة أية مشروعات في الحوض الشرقي لمياه النيل فذلك مورد 90٪ من حصة مصر المقررة في المياه. "فسد النهضة" الإثيوبي له مخاطر مباشرة في هذا النصيب، في حين إقامة أية مشروعات في دول الحوض الجنوبي الموقعة على الاتفاقية يكون تأثيرها 10٪ فقط على مصر. "عنتيبي" تلغي الحصص التاريخية لدول المصب مصر والسودان. الباب الرابع من الاتفاقية يدعو إلى الانتفاع المنصف والمعقول للموارد المائية لنهر النيل. تنص على "الإخطار المسبق" والتشاور بين دول المنبع والمصب قبل إقامة أي مشروعات تؤثر على نصيب كل دولة في مياه النيل. الخلاف الكبير حول طريقة اتخاذ القرارات داخل دول حوض النيل، فدولتا المصب تطالبان بالتصويت الإجماعي أو منحها حق النقض "الفيتو" لمنع تمرير قرارات تضر بمصالحها، في حين تطالب دول المنبع بالأغلبية فقط في إتخاذ القرارات. التطور الذي لم تتعامل معه "الخرطوم" بعدُ، حول نفي وزير الموارد المائية والري المصري، د. محمد بهاء الدين، لأي استعداد من جيش بلاده لضرب إثيوبيا. بهاء الدين، بالخصوص، تداخل عبر الهاتف مع قناة "الجزيرة مباشر- مصر" مساء السبت الماضي، مفسراً نفيه لما كشف عنه مركز الدراسات الأمنية البريطاني "ميدل إيست نيوز لاين" مناقشة حكومته أي خطط لمهاجمة إثيوبيا عسكرياً. أضاف "هذا ليس عن ضعف ولكن بسبب البحث الدائم عن التفاوض ولغة الحوار التي من المؤكد أن تؤتي بنتائج أفضل بكثير". مبيناً انتظار بلاده "لتقرير فني عن الآثار السلبية لسد النهضة الإثيوبي المقترح". أما حول توقيع "دولة جنوب السودان" على اتفاقية "عنتيبي" قال "توقيعها لن يضيف شيئاً حيث إن هناك 6 دول موقعة بالفعل عليها"، مثنياً على دور جنوب السودان في "تقريب وجهات النظر بين دول المصب لنهر النيل وبين دول المنبع". لكن صحيفة قاهرية صدّرت أواخر الأسبوع نقلاً عن مصدر عسكرى بارز رافق رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق صدقي صبحي، في زيارته للسودان الأسبوع الماضي، أن الفريق صبحي، "ناقش مع كبار القادة العسكريين في الخرطوم ملف المياه وضرورة مسارعة مصر والسودان في إيجاد حلول للحفاظ على حصتهما التاريخية في مياة النيل". المصدر أضاف لصحيفة "الوطن" أن رئيس الأركان أكد أن مصر "لن تسمح لأحد بتهديد أمنها المائي مطلقاً، ولا تقبل أن يتم الإضرار به بسبب بناء سد النهضة الإثيوبي دون التنسيق مع باقي دول حوض النيل". داعياً إلى "تعاون وتنسيق مشترك بين دول المنبع والمصب للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، دون الإضرار بطرف على حساب الآخر، وهو ما اتفق عليه جميع المسئولين في السودان". البحاثة المصريون يلمحون إلى تصعيد، يعني بعبارة أخرى عدم القدرة على الجهر بدور ما لإسرائيل شريكة السلام منذ العقود الثلاثة الأخيرة، بالتحرك نحو الدول التي تقوم ببناء مشروعات في دول المنبع خاصة بناء السدود واستصلاح الأراضي مثل إيطاليا والصين والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية. أو باللجوء إلى "التحكيم" لحل الخلاف مع دول المنبع بوصفه آلية يشارك فيها كل طرف مع طرف ثالث ويكون حكم ثلاثتهم نهائياً. بالجراب خيار آخر، فمن سعة الإستعانة بمحكمة "العدل الدولية" بعلة أن ما تقوم به دول المنبع يهدد الأمن القومي لدول المصب. أما في النهاية فيمكن الاحتكام إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي على أساس أن هناك تهديداً للأمن والسلم الدوليين بحدوث صراعات دولية، فحجب شريان الحياة لدولة ما قد يؤدي هذا المنع إلى هلاكها وتصحرها. صرخة حكمة يخرج بها الإمام الصادق المهدي، من مقعده المعارض وبعمامة المفكر المحايد وبلده السودان لم يقف على السياج بعيداً عن صراع مصر مع الأفارقة أعلى النيل. يدعو المهدي، في كلمته بالمؤتمر الدولي الأول "للتكامل الاقتصادي بين دول حوض النيل" بالقاهرة الثلاثاء الماضية إلى "علاقة تكاملية بين دولتي السودان كضرورة للتكامل بين دول حوض النيل". يرفض المهدي "الحرب الباردة في حوض النيل لأنها ستتدهور إلى حروب دموية أو تبادل أطراف الحرب الباردة الحقيقية الأذى بكل الأشكال". "إنعدام التوافق بين هذه الدول مجتمعة نهاية لغياب الحوار، فثمة مصالح كثيرة سوف تتحقق لدول حوض النيل إذا اتفقت، أهمها، جذب الاستثمارات إلى حوض النيل وإمكانية زيادة دفق مياه النيل". "الكونغو الديمقراطية" إحدى دول المنطقة أبدت استعدادها لعب دور مشرف في الوساطة بين دول المصب والمنبع. المدهش أن دولة جنوب السودان أبدت استعدادها لعب دور الوساطة للتوفيق بين دول المنبع والمصب. في ذلك نفي للتواطوء مع إسرائيل لمضايقة مصر والسودان. في ذلك تعبير عن فهم جيد للموقع الإستراتيجي قارياً للدولة الجديدة بالذي يمكنها لعب دور إقليمي ينزع خطر أحد أكبر الحروب المتوقع نشوبها. هل يمكن تخيل نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا؟. هناك من سيحترق في المنتصف بلا شك. ليس من العسير تعيين ذلك المتضرر، لكن الغريب أنه- السودان- لا يود التحرك عاجلاً لتعديل موقفه من خانة الانحياز إلى سياج الحياد.