تقرير: عادل حسون كثيرا ما هددت "الحكومة" بإتخاذ إجراءات قانونية ضد حملة السلاح بأطراف البلاد. حاملو السلاح يستغربون ذلك لأن في زعمهم أن "الحكومة" نفسها جاءت بوسيلة غير قانونية هي الإنقلاب العسكري عام 1989م. تلك حجة تبدو "بائسة" بالفعل، لأن من يحكم اليوم يحوز الشرعية القانونية والدستورية معاً بإيقافه سابقا حرب الجنوب وبدء المرحلة الانتقالية في 2005م بالاشتراك، وللمفارقة، مع "الحركة الشعبية" التي تتصدر تحالف ما يمسى "الجبهة الثورية". الورثة الشماليون لتلك الحركة المسماة شعبية تلقوا مفاجئة غير سارة في اليومين الأخيرين هي، بإختصار، عزمٌ جادٌ هذه المرة للتصعيد "القانوني" ضد "المتمردين" وتدشين سلاح "القانون" وإدخاله أرض "المعركة" لأول مرة. التطور اللافت للانتباه دفع "إعلام" المتمردين الخروج من الصمت الذي لفه منذ تفجر الأحداث بالهجوم "المفاجئ" على شمال كردفان أواخر أبريل المنصرم، لينكر ما هو متهم به ليظل على إنكاره على طول الخط. بالخصوص، دعا "المؤتمر الوطني" لضرورة عرض "الوثائق والمستندات" وما ثبت من "انتهاكات ارتكبتها" قوات ما يسمى بالجبهة الثورية في هجومها على عدد من المناطق موخراً بولايتي شمال وجنوب كردفان ضد "المدنيين العزل والأبرياء". هؤلاء "الضحايا" كانوا "ذريعة" التدخل الدولي في الشئون الداخلية للدول و"السودان" بوجه أخص. وزارة "العدل" التي هي "حائط الصد الأول" ضد "التدخل الدولي" ومزاعم ضعف "المنظومة العدلية" الوطنية، أوفدت لجنة من إدارة حقوق الإنسان بالوزارة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، برئاسة مقرر المجلس المستشار د. معاذ تنقو، إلى مناطق "الأحداث" مستبقةً ذلك اعتزامها ملاحقة المتمردين محليا عبر الأجهزة العدلية بموجب قوانين الإرهاب والجنايات، من خلال لجنة جنائية تحرك الإجراءات في الجرائم القانونية. ودوليا عبر الانتربول والقضاء الدولي الإنساني، بشأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي أقترفت بحق مواطني أم روابة وأبو كرشولا وما جاورهما من قرى، وذلك بتوثيق الجرائم البشعة التي تمت ومد الجهات المعنية دوليا بتلك الجرائم الجنائية والفظائع الإنسانية. يتخبط بعض "الإعلام" مختلفين حول حقيقة ما جرى في تلك الأحداث. المجموعة الوطنية لحقوق الإنسان، وصفت ما حدث بأبو كرشولا "بالإبادة الجماعية"، وطلبت من المجتمع الدولي التعامل مع الجناة وفق ذلك الاتهام. في الحقيقة على الأرض فثمة "27" ألف نازح جلهم من النساء والأطفال وصلوا مدينة "الرهد" هرباً من جحيم "الحرب" بمناطقهم ينتظرون الدعم والمؤانسة دون القلق كثيرا من جدل "الحقيقة" هذا. في الأنباء أن متمردو الجبهة الثورية نهبوا ألف رأس من الأبقار من حرزية مواطنو "أبوكرشولا". الإنسان الذي سخرت له "الأبقار" واجه مضادات الدروع والقذائف الصاروخية كاتيوشا وهاون بالذي هدد حق في الحياة. هناك حديث عن احتجاز لمدنيين كدروع بشرية ورهائن، ذبح وتمثيل بالجثث، ومنع المواطنين من دفن قتلاهم. لمسئول الإعلام بما يسمى "الجبهة الثورية" المدعو جبريل آدم بلال، رواية مغايرة للأحداث الدامية. يقول في بيان نشر على الانترنت بالاثنين أن قواتهم "اجتاحت مدينة أم روابة في صباح السبت 27 أبريل وانسحبت منها ظهراً، لكن أثناء دخول هذه القوات حصلت بعض المواجهات قتل على إثرها تسعه من منسوبي الشرطة وأربعة مواطنين وجرح سته آخرين نتيجة للضرب العشوائي المتبادل دون أن تتعرض لأي مواطن. فكل ما قيل بعد ذلك من إدعاءات بأن قوات الجبهة إستهدفت المدنيين أو قامت بحالات نهب أو سلب أو سحل أو قتل لا أساس له من الصحة". فإذن لما نزح عشرات الآلاف من المواطنين؟، ليس للتنزه قطعاً ولكن هرباً من أمر جلل. من الذي عرض المواطنين للخطر الشديد؟، الحكومة أم المغامرة العسكرية لحلف المعارضة المسلحة بقصد ممارسة الضغوط على طاولة التفاوض الذي انطلق في "أديس أبابا" مع الحكومة ذاتها؟. عديد المراقبين لاحظوا أن مترتبات تلك المعارك العسكرية، كان "القتل على الهوية"، وتحويل الصراع السياسي إلى "صراع مسلح" مدعوم خارجيا من دول في الإقليم وربما البعض الآخر في أرجاء العالم، وإيقاع "الجرائم ضد الإنسانية" بتوصيفها المحدد في المعاهدات الدولية كالتعدي بالقتل على مجموعة عرقية "محددة" أو ذات لون سياسي "معين". التحرك السريع للحكومة لتركيب سلاح "القانون" والدفع به إلى ساحة المعركة جاء بتأكيد غير قليل. وجهت هيئة قيادة الشرطة برئاسة المدير العام لقوات الشرطة، الشرطة، أمس الأول، بإكمال الإجراءات القانونية ضد المتمردين وأفعالهم الجنائية التي اقترفوها. بما يعني الاضطلاع بإجراءات ما قبل المحاكمة تحت إشراف النيابة العامة. مقرر المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، المستشار د. معز تنقو، كشف "للتلفزيون القومي" عن إعداد كشف بالجرائم التي كانت موجهة ضد المدنيين، سواء موظفين عموميين أو مواطنين عاديين، في الأحداث الأخيرة، بالأخذ في الاعتبار، خلو القرى التي هوجمت من قبل المتمردين من أي حاميات عسكرية، فضلاً عن الهجوم على رموز الدولة "كبرج العدالة" ومقر "الإدارية المحلية". استهجن بث المحاكم التي أنشأها المتمردون، دون مسوغ أو سند من القانون، وبثت أحكامها بالإعدام شنقاً وذبحاً على الانترنت. هي محاكم غير قانونية وهي محاكمات تعد جرائم ضد الإنسانية عملاً ببروتكول جنيف 1977م وقواعد القانون الدولي الإنساني. أما المجلس الوطني "البرلمان" فكشف عن مصادقة "النواب" على قانون بإنضمام "السودان" لاتفاقية "الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات" وأصله تحجيم تغيير السلطة بعدا طريق الانتخابات وفق الديمقراطية وليس بالعنف المسلح غير القانوني. الحرب طالت كل الأطراف بالبلاد جنوبا أولاً ثم جبال النوبة في 1986م ثم شرق السودان والنيل الأزرق في التسعينات فدارفور أول عقد الألفية الجديدة والآن "شمال كردفان" على مقربة من الخرطوم. الخرطوم عرفت مرارة "الحرب" في يوم غزوة خليل لأم درمان في مايو 2008م. لذلك التراث من الحرب الإقليمية وبداخل المركز، وحده، أعتبار هام عند التهديد بتوثيق الجرائم المقترفة والتعامل معها بسلاح "القانون". "المؤتمر الوطني" أعلن دعمه لجهود وزارة العدل والمنظمات في توثيق الجرائم التي أرتكبت للتعامل من خلالها في الملاحقات القانونية محليا ودوليا. "العدل" أكدت على التجاءها لاحقا إلى المجتمع الدولي عبر المجلس الدولي لحقوق الإنسان واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان. دخلت الحرب لأول مرة إلى كردفان الشمالية. دخلت الملاحقة القانونية، التي تبدو جادة، لأول مرة إلى ساحة الحرب. المواطن عانى كثيراً، فلا يحفل بتطورات مسرح الحرب والأسلحة المستخدمة. لا يبدو مهتماً بتأكيدات "الحكومة" وإنكار "التمرد". لكنه بالأكيد لن يمسي سعيدا بنزوحه وفي الخلفية التهديد الجدي على حياته فأمنه واستقراره.