قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية يقدم تنويرا للبعثات الدبلوماسية والقنصلية وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية حول تطورات الأوضاع    تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    الخارجية القطرية: نجدد دعمنا الكامل لوحدة وسيادة استقرار السودان    الاعيسر:استخدمت في الهجوم سبع طائرات مسيرة انتحارية، شكّلت غطاءً لهجوم نفذته طائرة استراتيجية أخرى    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    حزب الأمة القومي: نطالب قوات الدعم السريع بوقف هذه الممارسات فورًا والعمل على محاسبة منسوبيها..!    المضادات فشلت في اعتراضه… عدد من المصابين جراء سقوط صاروخ يمني في مطار بن جوريون الاسرائيلي    مصطفى تمبور: المرحلة الحالية تتطلب في المقام الأول مجهود عسكري كبير لدحر المليشيا وتحرير دارفور    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    انتر نواكشوط يخطط لتكرار الفوز على المريخ    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة لحزب اشتراكي ديمقراطي
نشر في سودانيزاونلاين يوم 22 - 05 - 2013


ورقة جديدة
الفاضل عباس محمد علي
فتك الإخوان المسلمون بالأحزاب السودانية المعارضة منذ أول أيامهم فى السلطة عام 1989، قتلاً وحبساً وتعذيباً لقادتها، وتشتيتاً لصفوفها، وضرباً للرئات التى تتنفس عبرها: الحركة النقابية والديمقراطية والمجتمعية، خاصة تلك التى فى جوفها المهنيون والعمال والشباب والطلاب والنساء. ودانت البلاد للإخوان طوال ربع القرن المنصرم. وفى هذه الأثناء، بذلوا جهودًا خارقة وباهظة الكلفة "لإعادة صياغة الإنسان السوداني" عن طريق هندسة اجتماعية قام بها جهاز الدولة بإعلامه الموجه ومؤسساته التعليمية المؤدلجة ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الأوقاف والمساجد وشؤون التأصيل والمهرجانات الخطابية المتواصلة المصحوبة بالطبول و"العرضة" وهلم جراً...مع الملاحقة الدائمة لكوادر تلك الأحزاب أينما ثقفوهم، تنكيلاً وتشريداً ومحاربة فى الرزق...ودفعاً للهجرة إلي خارج البلاد...وتهميشاً وتدميراً إقتصادياً ومعنوياً ونفسياً.
بيد أن الأحزاب المعارضة لم تستسلم مائة بالمائة للطاعون الإخواني الذى حل بالبلاد، إذ أقامت حلفاً بينها أسمته "التجمع الوطني الد يمقراطي"، وقننته وأطّرته وموثقته فى "مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية" - يونيو 1995 - ، وجعلت من تلك المدينة (بالإضافة للقاهرة المترددة) منطلقاً لنشاطها العسكري والدعائي الهادف لزعزعة نظام الخرطوم ولاستعادة الديمقراطية. وحقق التجمع نجاحات هائلة في سنواته الأولي، كان من نتائجها الآتي:
· تبنّت الحكومة أحد أهم قرارات مؤتمر أسمرا، وهو الإعتراف بحق تقرير المصير للجنوب، وأخذت تزايد المعارضة عليه، فكثفت اتصالاتها بالجناح المنشق عن الحركة الشعبية بقيادة كل من د. لام أكول والدكتور رياك مشار، إلي أن توصلت معهما لإتفاقية "الخرطوم للسلام من الداخل" عام 1997 التى تبوّءا بموجبها المناصب الدستورية ثمناً لخيانتهما للقضية وهدمهما لصف المعارضة، خاصة الجانب المسلح منها.
· سعت الحكومة بالظلف والناب لكسر شوكة التجمع والفتّ في عضده، حتى توصلت لاتفاق جيبوتي فى نفس ذلك العام 1997 مع حزب الأمة، أحد أهم الفصائل المؤسسة للتجمع، وصاحب أكبر مليشيا مناهضة لنظام الإخوان؛ فانسحب هذا المكون المفصلي من التجمع، ورضي من الغنيمة ببعض المناصب الوزارية فى حكومة الإخوان....ولكنها جلبت له النحس...فتمزق أيدي سبأ، وخرجت منه العديد من الأحزاب المنشقة والتيارات المتكالبة التى اتخذت لنفسها مدارات حول المؤتمر الوطني الحاكم وأجهزة مخابرات النظام؛ وحتي بيت المهدي نفسه انفلق إلي نصفين، أحدهما بقيادة السيد الصادق، يشرّق ويغرّب كيفما اتفق...مع الإبقاء علي شعرة معاوية الانتهازية مع النظام.......، والآخر يتمثل الحركة الوطنية الأصلية ويتمسك بجذوتها، بقيادة مبارك الفاضل ونصر الدين الهادي وبنات الصادق.
· وللمزيد من التشتيت، كثّفت حكومة الإخوان اتصالاتها بالحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، مصرّة على التفاوض معها انفرادياً....بعيداً عن التجمع الوطني الديمقراطي...مستنجدة بالولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخري، بدعوي البحث عن حل لمشكلة الحرب الأهلية الدائرة بالجنوب....فوجد الغرب فرصته لتنفيذ الأجندة الخاصة بذلك الجزء المسيحي الإفريقي من السودان، وتناسي موضوع استعادة الديمقراطية للوطن كله...إلي أن تكللت تلك الجهود باتفاقية نيفاشا 2005...ثم انفصال الجنوب بعدها بست سنوات.
· وبعد أن أُكلت وهضمت جميع الثيران التى كان الحزب الإتحادي يتآزر ويتقوّي بها فى التجمع، كان لا بد من الاستجابة لوساطة حسني مبارك (بالإنابة عن الولايات المتحدة) والتوقيع على اتفاقية القاهرة...بعد ستة أشهر من نيفاشا، حتى لا يكون هناك أي تشويش علي الأخيرة...وحتى يسير مخطط الانفصال بلا أي "عنكبة أو شنكبة". وبالفعل، وضعت اتفاقية القاهرة نهاية لسجل التجمع الوطني الديمقراطي كجسم معارض، وذهبت مكوناته المتبقية للخرطوم لتشارك فى السلطة التنفيذ ية والتشريعية (وهي الإتحادي الديمقراطي والشيوعي وقوات التحالف...) .
ولكن، سرعان ما اكتشف الجميع أن السيرك الإخواني ما زال فى عنفوانه، وأن جميع اللاعبين الآخرين يسبحون علي الحافة (القيفة)، ممسكين بذيل القرد (ضنب الككو)، وأنهم أجراء ...لا شركاء... بأي حال من الأحوال.....وسارت الأمور منذ إتفاقية نيفاشا حتى الآن تماماً كما أراد لها المؤتمر الوطني، ولم تتحقق أي من الأهداف التي سعي لها التجمع الوطني الديمقراطي:
· لم يتم التحول الديمقراطي المنشود، ولم يتحقق "الإنزال الهادئ" للنظام بعيداً عن دولة الإخوان الثيوقراطية.
· ما زالت القوانين القمعية الاستثنائية فى مكانها، خاصة الحدود الشرعية + الجلد العشوائي المضمن فى "قوانين سبتمبر 1983 الشرعية" التى كان قد سنها الجنرال النميري، بالرغم من وثيقة حقوق الإنسان التى ألحقت بالدستور كشرط من شروط نيفاشا.
· ما زالت الاعتقالات بزنازين الأمن تتم للمعارضين، خاصة الصحفيين وناشطي ما تبقي من المعارضة، وما زالت الرقابة القبلية تكمم الصحف، والنشاط النقابي تحت سيطرة الأجهزة الأمنية.
· لا يزال المؤتمر الوطني هو صاحب القدح المعلي فى أي انتخابات تعقد، نيابية أو رئاسية أو نقابية، مع الغياب التام للشفافية أو النزاهة أو مخافة الله أوحرية التعبير أو القضاء المحايد والموضوعي الذى يمكن اللجوء إليه، فكانت جميعها انتخابات مغشوشة ومزوّرة ومضروبة.
· لم يتيسر مخاطبة الجنوبيين بما يجعل خيار الوحدة جاذباً، ولم يلمسوا جديداً فى خطاب الشماليين، فصوتوا لصالح الإنفصال، وستتبعهم مناطق أخري متاخمة لهم مثل دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، ليتحول السودان إلي كانتونات عرقية متحاربة كالصومال.
وهكذا، شاركت جميع الأحزاب فى الأوضاع المأساوية الحالية التى يمر بها السودان، إما بالتدبير والتنفيذ المباشر كالمؤتمر الوطني الحاكم، أو بالتواطؤ والطأطأة والصمت والخذلان كما فعلت جميع الأحزاب المعارضة التى قبلت أن تضع يدها في يد النظام وأن تدخل قبة البرلمان وتشارك فى السلطة منذ 1997 حتى الآن. ولقد خلت الساحة من أي حزب يستطيع أن يدعي أنه يتكلم بإسم الجماهير السودانية، عبر طبقاتها وإثنياتها ومناطقها وسحنها المتباينة،...حزب يجسد آمال السودانيين فى الانعتاق من الجهل والتخلف والطائفية والعرقية والشوفينية، ويخطط بوضوح وخطاب سلس وتواصل بين القمة والقاعدة وديمقراطية داخلية ومنهجية علمية ...لكافة مراحل الاستنقاذ وترميم الخراب الحالي واستشراف مستقبل التحول الاقتصادي الذى يمكن أن يجعل من السودان دولة كالإقتصاد يات الصاعدة – البرازيل وتركيا والهند والصين وبتسوانا وجنوب إفريقيا – تلك الدول التى حررت نفسها من ربقة الماضي وحققت المعجزات الاقتصادية فى ظرف عشر أو عشرين سنة فقط.
ورغم كل شيء، وحسب المعطيات المحلية والإقليمية والدولية، ونظراً للصحوة التى انتابت العالم كله فى مجال حقوق الإنسان، فى ظروف القرية الكونية والشبكة العنكبوتية، وبما أن السودان صاحب تجارب فى الانتفاضات الشعبية العارمة التى تطيح بالأنظمة الاستبدادية، فإن ثمة تغيير ديمقراطي لا بد منه فى مستقبل السودان القريب. فكيف تعود الديمقراطية مرة أخري لتجد الساحة خالية من الأحزاب؟ لقد بذلت الحكومة الراهنة جهداً مستمراً لتذويب وإبادة الأحزاب التى حكمت السودان فى الفترات الديمقراطية السابقة، وشيدت جسوراً مع القواعد التقليدية لتلك الأحزاب، ليس عن طريق الخدمات أو المصالح التى استفادت منها تلك القواعد، إنما بالدعاية الإخوانية (النازية) المكثفة وغسيل الأدمغة طوال الأربع وعشرين سنة الماضية، والرشاوي للزعماء والرؤوس، بالإضافة للربط العضوي بأجهزة الحزب الحاكم التى يتم عن طريقها التجنيد والاستمالة لآيدلوجية النظام وتوزيع التموين وفرص الحج والعمرة والعلاج بالخارج وغيره من السوالف. والأحزاب الموجودة بالساحة عبارة عن "مدافع دلاقين"....أفرغت من محتواها، وزيفت إرادتها، لتصبح مجرد "ترلات" للمؤتمر الوطني،....... وقادتها إما ثرثارون كمن طاح من ظهر بعير...أو صامتون كصمت القبور.
علي كل حال، ما زالت هناك بعض التيارات الوطنية بهذه الأحزاب، خاصة بين كوادرها المبثوثة فى بلاد الشتات، وما زال هناك العديد من المثقفين الثوريين الذين يبحثون عن مظلة يلوذون بها عندما تحل بنا الديمقراطية مجدداً،... علها تصبح مظلة ذات شوكة تستطيع أن تتصدي للإخوان وأترابهم السلفيين وجماعات الإسلام السياسي، (وهذه قوى لا نستطيع أن نستهين بها، فهي ستكون موجودة كذلك بعد الإنتفاضة، كما حدث فى تونس ومصر واليمن وليبيا، بل ستجدهم قادرين علي تبديل جلودهم بسرعة البرق، وستلفاهم فى مقدمة الصفوف المطالبة بالتغيير): أنظر يارعاك الله لنائب الرئيس الذى صرح مؤخراً بأن هناك قوى دولية تتآمر لتقسيم السودان، بعد أن أشرف بصورة مباشرة علي تنفيذ نفس ذلك المخطط...(كمن رمتني بدائها وانسلّت)!
وتستطيع هذه التيارات الوطنية المتناثرة والشخصيات المناضلة المعروفة أن تنضوي تحت حزب واحد ، ياحبذا لو أصبح إسمه الحزب الديمقراطي الإشتراكي، مؤسساً علي المبادئ التالية:
· يعمل الحزب لإعادة خلق سودان ديمقراطي مدني موحد علي أساس فدرالي، دون استعلاء أو استكبار ديني أو عرقي أو مناطقي، علي أرضية من دستور يفصل بين الدين والدولة، ويرعى استحقاقات الجميع بالعدل، خاصة الفئات والأقاليم المهمشة، ويضمن الحقوق الأساسية للإنسان كالنشر والتعبير والتنظيم والحياة والعمل والصحة والبيئة المعافاة ...وحرية السفر والتنقل..والحق فى التعليم والعلاج المجاني.
· يستهدف الحزب الطبقة الوسطي السودانية كقلعته الأساسية، (علماً بأن الطبقة العاملة أصبحت عملياً جزءاً منها)، فالطبقة الوسطي عماد الاقتصاد وماكينته، وبقدرما ينالها من خير... من وظائف أو سبل كسب عيش أو رفاهية وتقدم اقتصادي... فهو ينسحب علي الأمة كلها...آخذاً بيدها نحو التقدم والتحول الاجتماعي والمزيد من التمتع بالحرية.
· الضمانة الأساسية لذلك التقدم هو حكم القانون والقضاء المحايد والموضوعي والنزيه، والصحافة الحرة والنقابات وجمعيات النفع العام ذات الاستقلالية والمقدرة على المبادرة، وغير الخاضعة للحزب الحاكم أو لأي جهة أخري محلية أو أجنبية. وذلك يعني أن الفرد أوالمجموعة تستطيع أن تقاضى الدولة نفسها، أو أياً من مؤسساتها.
حري بحزب كهذا أن يستقطب السواد الأعظم من المثقفين السودانيين الحائرين، وأن يوحدهم فى وجه الجماعات الثيوقراطية التى أفسدت ماضى الحياة السياسية السودانية بما شهده ربع القرن المنصرم، والكفيلة بالبروز مجدداً عند المنعطف القادم. غير أن أهل السودان لن ينجرّوا خلف كل من يدعي الأهلية لقيادة مثل هذا الحزب. فلقد أثبت لي مؤتمر الجبهة الوطنية العريضة بلندن عام 2010 أن هناك فعلاً فراغ ضخم فى هذا المجال، وأن المئات بل الآلاف من الوطنيين السودانيين يقفون علي حافة الرصيف، بحثاً عن كيان جامع من هذا القبيل، يجسد آمال وأشواق وطموحات المثقفين الوطنيين فى قيادة وإدارة وتنظيم المراحل القادمة...حتى إرساء قواعد النظام الديمقراطي الراسخ والمستدام. غير أن الجبهة العريضة جاءت مخيبة للآمال علي إثر ذلك المؤتمر، رغم أني استنكف الدخول فى مخاشنة مع من تبقي من سدنتها لكي لا يشمت أهل النظام الإخواني، ولكنها بكل صراحة تحولت من مؤتمر ضم حوالي مائة ناشط ومناضل ومثقف إلي شخص واحد يصدر الفرمانات والبيانات من مخدعه الآمن ببريطانيا.
اللبنة الأولي لمثل هذا الحزب المقترح يمكن أن يتمخض عنها المؤتمر السادس المزمع للحزب الشيوعي الذي أتمني أن يواجه حقائق العصر ويتحمل مسؤوليته تجاه الجماهير السودانية التى ظل فى وسطها منذ منتصف الأربعينات، متحملاً عنت النضال الثابت...فى نكران ذات ووطنية معروفة ومشهودة؛ وبناءاً علي ذلك، يعلن تخليه عن النظرية الماركسية كالهادي الأوحد لمساره، وأن يتبني الإشتراكية الديمقراطية المؤسسة علي الفكر الليبرالي المنطلق من ضرورة صيانة حقوق الإنسان (تلك التى يراها ماركس كلاماً برجوازياً فارغاً)، والقائمة علي نصرة الكادحين السودانيين... والتضامن مع الشعوب والحركات التقدمية فى كل العالم،... مع الأخذ بالمدارس الإقتصاد ية الأكثر حداثة من الإقتصاد الماركسي الموجه، ذلك الذى تفتق عن كارثة الخطة البلشفية الأولي وعن مأساة المزارع الجماعية........وبكل ما يتواءم مع المصالح الاقتصادية والوطنية السودانية.
إن الحزب الإشتراكي هو أساساً من بنات أفكار الحزب الشيوعي السوداني، فقد خرج منه (الحزب الإشتراكي) بعملية قيصرية عام 1966، وأسندت قيادته لأمين الشبلي صديق الحزب... وفاروق أبوعيسي عضو اللجنة المركزية، ورحبت به جميع الفروع بكافة أركان السودان، خاصة فى أجواء الإحباط الذى صاحبت حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان فى تلك الأيام، وليس ذلك من باب التقية أو التستر بلافتة إشتراكية فضفاضة والاستمرار فى العمل من أجل دكتاتورية البلوريتاريا علي نسق البلاشفة الروس. ولكن، فى حقيقة اللأمر، تدفقت مياه كثيرة تحت الجسر منذ التطبيق البلشفي للإشتراكية، وتلاقحت التجارب السياسية مع بعضها لبعض، وأثبتت التجربة الإنسانية أنك يمكن أن تبني مجتمعاً إشتراكياً فى دولة رأسمالية، طالما أن الغرض الأساسي هو العدالة الإجتماعية ومنع استغلال الانسان لأخيه الإنسان ببشاعة النظم الرأسمالية الممعنة فى رجعيتها....ولقد ظهرت جزر إشتراكية فى الدول الرأسمالية بعد الحرب الكونية، بسبب التأثير غير المباشر للفكر الاشتراكي....مثل نظام العلاج المجاني فى انجلترا عام 1946 بعد الحرب بواسطة حكومة حزب العمال بزعامة كلمنت أتلي...National Health ومعها دولة الرفاهية التى تضمن للعاملين مرتبات واستحقاقات ما بعد الخدمة وفى حالة الفصل من العمل...State ٍ Welfare ، بالإضافة لضمان التعليم المجاني فيما قبل الجامعة والسكن المجاني لمحدودي الدخل في عمارات المجالس البلدية Council houses.... كما قامت العديد من الدول الراقية فى غرب أوروبا بتحقيق رفاهية جماهيرية مماثلة لشعوبها، دون أن تستحيل الدولة إلي جهاز يدلل العمال ويدفعهم للكسل والقنوط وعدم الإبداع والتبلد والتكلس كما حدث فى نهاية الأمر بكل الدول الشيوعية....ودفعها للتآكل والتحلل ثم الانهيار مع نهاية القرن العشرين كأنها أعجاز نخل خاوية...والدول الراقية التى مازجت بين الاشتراكية والرأسمالية بطريقة خلاقة ودون صخب دعائي هي السويد والنرويج والد نمارك وفنلندأ...وجميعها أنجح وأسعد دول فى العالم منذ الحرب العالمية حتي الآن.
ويستطيع هذا الحزب أن يدخل فى إتفاق موثق أوعقد إجتماعي مع الطبقة العاملة، كما فعل حزب العمال البريطاني، بحيث تصبح اللجان القائدة لنقابات العمال المنتخبة ديمقراطياً وبشفافية...تصبح أتوماتيكياً جزءاً من المؤتمر العام للحزب، وتساهم فى مداولاته وفى انتخاب اللجان القائدة التى تنبثق عنه...ترشيحاً وتصويتاً....إلخ. وذلك يعني أن مفكري هذا الحزب يستطيعون أن يستلفوا من كافة التجارب التى مرت بها البشرية فى مشارق الأرض ومغاربها...وأن يتداولوا ويتحاوروا حول النموذج الأفضل والأحدث والأكثر نجاعة للأخذ بيد السودان.
عموماً، أري أنه من الأفضل الشروع فى بناء حزب من هذا القبيل منذ الآن....وذلك حتى لا نجد أنفسنا بعد زوال النظام الراهن فى حيرة من أمرنا...هل نلوذ بالأحزاب الكبري التى تكلست وشاخت وتمرغت فى رشاوي النظام؟...أم بالأحزاب العقائد ية بعد إنهيار نموذ جها الأصلي؟...أم نستسلم لهذه أو تلك من المنظمات الإسلامية بسمتها الجديد الخادع؟...فنكون مثل أبي زيد...الذى لم يغزو ولم يشاهد الذين غزوا.
ألا هل بلغت...اللهم فاشهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.