مصعب المشرّف: عقب إعلان القوات المسلحة تحرير أب كرشولا خرجت جماهير الشعب السوداني العظيم بطريقة عفوية ، متوجهين مباشرة إلى حيث مقر القيادة العامة للقوات المسلحة .. وقد كان في ذلك إستفتاء شعبي بشفافية الكريستال لخيار التعامل الإستئصالي الحاسم مع كافة الحركات المرتزقة المسلحة المتمردة العابثة بثوابت ومقدرات وإستقرار الوطن ووحدة ترابه ، والتي لاتستطيع إخفاء إرتزاقها وعمالتها لدولة جنوب السودان . وأنها في سبيل ذلك لم تتورع في الإستعانة بالشيطان الصهيوني الذي يؤرقه موقف السودان الصلب في نصرة القضية الفلسطينية ؛ وحرصه المبدئي أن لاتضرب مصر الشقيقة في كبدها حتى لو كانت تحتل من أرضنا اليوم حلايب بمعاذير شتى نرفضها جميعها. التوجه العفوي لجماهير الشعب السوداني الحر نحو "بيت" عزته مقر القيادة العامة يدل على مدى حب وثقة الشعب العمياء في وطنية وشفافية قواته المسلحة الباسلة ؛ وتكاتفه وتلاحمه العفوي وحذوه النعل بالنعل معها في مسيرتها البطولية الطاهرة على مدى تاريخها الناصع ؛ وبوصفها الضمانة وصمام الأمان لصيانة وحدة وكرامة السودان من حلايب إلى أبيي. لم تتوجه جماهير الشعب العفوية إلى القصر الجمهوري أو المقر الرئيسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم أو مبنى البرلمان .. ولكن كان خيارها الوطني الصادر من صميم الفؤاد هو التوجه إلى دار عزتها وكرامتها السرمدية لتعلن لكل العالم أن التراب السوداني فوق كل إعتبار ومواقف سياسية معارضة أو رأي حر آخر وخصومات أو حتى عداءات .... وأن الحكومات تأتي وتذهب ويبقى السودان إلى الأبد . فهو ليس ملكاً لحكومة قائمة أو حزب حاكم حتى يدعونا البعض لتخريبه وتدميره والتفريط في ترابه مُكايدة ونِكاية في الإخوان وعمر البشير وعلي عثمان ونافع وغيرهم من أفراد قضى بعضهم نحبه ومنهم من ينتظر ........ ثم ولتعلن هذه الجماهير أن قواتنا المسلحة فوق الطوائف والإثنيات والجهويات . وأنها فوق كل هذا وذاك محل القداسة وفوق الشبهات. وقد أدى تدافع هذه الجماهير السودانية إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة إلى قدوم القيادة السياسية العليا إلى المكان على عجل ؛ وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير الذي إرتجل خطاباً حماسياً نرجو أن يكون فيه ضربة البداية لقناعات سياسية جديدة . وقد جاءت هذه الكلمة المشار إليها وهي تحمل ثلاث نقاط نرجو أن تظل شاهدة على أهلها وهي: 1) عدم الإعتراف بالحركات المتمردة . وأن قواتنا المسلحة النظامية هي الحركة الثورية . وهي العدل والمساواة . وهي الحركة الشعبية لتحرير الشمال ، الآن وفي كافة مناطق العمليات العسكرية . والذي يفهمه عامة الشعب السوداني من هذا التصريح أنه إعادة قوية لدور القوات المسلحة في الساحة السياسية . والتعامل المباشر الحاسم مع كافة حركات التمرد التي ترفض بعضها وضع السلاح وإنهاء إرتباطها السياسي والتنظيمي الغير مبرر بدولة أجنبية هي جنوب السودان . ثم وعلاقتها الإرتزاقية مع إسرائيل. وأن الذي يتوقعه الشعب بعد اليوم هو وقف ظاهرة "غزوات الدفع الرباعي" . التي أصبحت على ما يبدو موضة ومهنة من لامهنة له في فصائل حركات التمرد الجهوية الإرتزاقية منذ محاولة خليل إبراهيم الفاشلة لدخول العاصمة في 10 مايو 2011م بدعم وتمويل من القذافي. لقد كان الواضح قبيل نيفاشا وبعدها أن رعاة هذه المفاوضات من الأجنبي الصليبي والصهيوني والمحافظين الجدد يضعون أعينهم على قواتنا النظامية المسلحة . ويضغطون على القيادة السياسية لتحييد الجيش السوداني وتهميشه وإبعاده تماماً حتى عن المشاركة في المسائل والجوانب الأمنية التي تناولتها إتفاقية نيفاشا ؛ والتي من المؤكد أنها جاءت من مطبخ اليانكي الأمريكي مطبوخة جاهزة على نسق وجبات ماكدونالد وهارديز و KFC . ولم يتكبد وفدنا المدني المغلوب على أمره (عديم الدراية بالتعقيدات العسكرية والأمنية) سوى جهد التوقيع عليها أمام الكاميرات. كان رعاة إتفاق نيفاشا من الصليبية العالمية والمحافظين الجدد على قناعة ترسخت لديهم من خلال خبرات المتمرد الجنوبي المتراكمة المكتسبة من تعاملها مع القوات المسلحة ؛ أن مركز القوة وبطش وقلب الأسد إنما يكمن فيها. وعلى هذا الأساس كانت الخطة التي بنيت عليها مفاوضات نيفاشا التي أبعدت الجيش السوداني تماماً عن مائدتها ....... ولعل الذي تفخر به القوات المسلحة ويسجله لها التاريخ في هذا المجال أن التمرد الجنوبي المسلح لم يتمكن طوال إمتداد حربه .. لم يتمكن من مغادرة الغابة ناهيك أن يجرؤ على التقدم خطوة واحدة لمهاجمة قرية أو مدينة في الشمال ... وحتى قبيل إتفاقية نيفاشا لم تكن المدن والبلدات والقرى في كردفان ودارفور مستباحة لكل من هب ودب من عصابات الإرتزاق على النحو الذي صارت إليه بعدها .. وتاريخ الأحداث يقف شاهداً غير قابل للإنكار والتزوير. إن الذي نفهمه إذن من مقولة البشير يوم إستعادة أب كرشولا أن الأمر في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور قد أصبح بيد القوات المسلحة لتحسمه بطريقتها ... وأن لاصوت سيعلو فوق صوتها ... وأن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة .. وأن على نجوم ومطربي مسرح التفاوض في حكومة الإنقاذ الذين يبحثون لأنفسهم عن عمل تحت الأضواء راغبين في الشهرة و"تحليل" رواتبهم وإمتيازاتهم وبدلاتهم ، ورفاهية مقامهم وترحالهم وشهي مأكولاتهم ومزيج مشاريبهم ؛ وفوق هذا وذاك تبرير الضرورة والحاجة إليهم .. على هؤلاء أن يلزموا مكاتبهم أو بيوتهم بدلاً من محاولات إختلاق مهام مزمنة الفشل لا محل لها من الاعراب... وهاهو الواقع اليوم في أب كرشولا قد أثبت أن السيف أصدق انباءاً من الكتب في حدّه الحد بين الجد واللعب. إنه ليسعد الشعب ويطيب له الإطمئنان أخيراً وبعد طول ترقب وإنتظار والأمل ، أن يسمع بقرار الإشارة الدستورية إلى عودة قواتنا المسلحة الباسلة إلى لعب دورها المنوط بها منذ تأسيسها أوائل القرن العشرين بمسمى قوة دفاع السودان . ولما لها من قدرات تنظيمية وخبرات نادرة في هذا المجال وبوصفها الجيش النظامي الوحيد في العالم وعبر التاريخ الذي لم تفلح الحرب العالمية الثانية أو الحروب الأهلية الداخلية في تفكيكه أو إنهياره وهزيمته . ولما يتحلى به هذا الجيش من إحترام وتقدير وقدسية لدى عامة الشعب تجعله فوق الشبهات . وحيث لم تؤخذ عليه حتى تاريخه من الكفرة الليبية شمالاً وحتى نيمولي جنوباً سابقة مساس بحقوق الإنسان ؛ أو إرتكاب جرائم حرب طوال هذه السنوات ؛ على الرغم من إمتداد الحرب الأهلية الضارية ؛ وحراك التمرد الجهوي والإرتزاقي المسلح في السودان منذ عام 1955م وحتى تاريخه. 2) أن لا تفاوض مع الخونة والعملاء والمرتزقة في الجبهة الثورية والحركة الشعبية قطاع الشمال والعدل والمساواة التي تحمل السلاح لنهب وترويع الأهالي المواطنين المدنيين الأبرياء وذبحهم ذبح الشاة بهدف الترهيب والتخويف. إنه لمن الطرافة بمكان أن تذهب حكومة شرعية إلى مفاوضات سلمية مع حركات متمردة (بغض النظر عن عمالتها وإرتزاقها) في الوقت الذي لاتزال فيه هذه الحركات المتمردة ترفع السلاح في وجهها ، وتتعامل به لترويع المواطن المدني البريء ، وتجبره على هجرة أرضه وترك مصالحه والتوقف عن تحصيله سبل كسب عيشه . وترمي به خارج قراه وبلداته عرضه للتشرد والنزوح . وتنهب فوق كل هذا مواشيه ومحاصيله وتغتصب النساء والفتيات وتذبح الأطفال والمسنين بدمٍ زفِر لايستشعر فيهم أنهم شركائهم في الوطن ...... أي حركات وطنية تفعل ذلك ؟ ومنذ متى كان الإنسان يعمل عمداً على تشريد مواطنيه ومواطناته ؛ ناهيك عن سرقة مصاغهن وإغتصابهن والتشفي بالتمثيل بجثثهن ؟ ومتى كان الإنسان ينهب مواشي وممتلكات أهل بلاده ويهدم بيوتهم وييتم أطفالهم ؟؟ .. أين الوطنية والمواطنة التي تدعيها هنا أقلام التمرد المأجورة في الحركة الثورية ؟ إن العدل وظروف السودان الأمنية الحالية يقتضي رفع شعار "يدٌ تبني ويد تقاتل" .. وليس "يدٌ تبني ويدٌ تفاوض" . لماذا لاتقف الخارجية السودانية والإعلام السوداني والأقلام الوطنية في كل المحافل والمنابر السودانية والعالمية أمام من يحاول إجبار الخرطوم على التفاوض مع المرتزقة والعملاء في الحركات المسلحة وهم لايزالون يرفعون السلاح ويطلقون النار بعناد وسبق إصرار وترصد لاينقصه الغباء ؟ .... هل فعلت لندن ذلك مع الجيش الجمهوري الإيرلندي؟ وهل فعلته روسيا مع الشيشان ، والفلبين مع مورو ، ولاغوس مع الجنرال أوجوكو ؟ .. والقائمة تطول ولا تنتهي في العديد من بقاع العالم . ثم وهل جلست الخرطوم مع الأنيانيا أو مع الحركة الشعبية ، قبل أن توقفا إطلاق النار أوممارسة العدائيات حتى؟ فلماذا والحال كما أشير إليه أعلاه يدعونا لوبي التفاوض داخل الإنقاذ للمسير في طريق لاجدوى منها ولاطائل من ورائها ؟ ؛ أم أن موظفي الديوان وعطلاء الدولة ومستشاري السوء يحسبون أنها ستحقق لهم شعبية جماهيرية . وترقيات وقفزات وطفرات إلى مكانة خاصة ومناصب مرموقة في قمة هرم النظام الحاكم؟.... وليتهم نجحوا في التوصل لإتفاقات مقنعة أو قابلة للإستمرار....... لقد سئم الشعب ثرثرة هؤلاء وسيول أحبارهم وأكوام أوراقهم . وبات يزعجه في صباحه وقيلولته سماع صرير أقلامهم وهم يوقعون بالجملة والقطاعي على إتفاقيات فانتازية مع حركات وهمية بمسميات متعددة هشة كسيحة لامصداقية لها ؛ وغير مؤهلة لفرض ما تم التوقيع عليه في أرض الواقع. 3) إنذار نهائي لحكومة دولة جنوب السودان بالتوقف عن دعم ومساندة وإيواء وتحريض الحركات المتمردة في الشمال. وأن على هذه الحكومة إما أن تقبل بتنفيذ جميع بنود الإتفاقيات التي أبرمها السودان معها أو أن تلغى جميعها من طرف الخرطوم. كان المأمول والمنتظر والمتوقع من إنفصال الجنوب هو الفراغ والتخلص فوراً ونهائياً من إرتباط "بالقوة الجبرية" بين شعبين متجاورين وجد فيه أنهما عالقان به برغبة من الخديوية المصرية حرصاً على تدفق ماء النيل ... ولكن يبدو أن الواقع سيؤخر جني النتائج إلى مدى طويل ؛ وذلك للأسباب التالية: 1- لايزال هناك إرتباط نفسي وأشياء في نفس الجنوبي وعقله الباطني ؛ تجعل من الصعب التوقف عن التفكير السلبي والتعامل بعصبية جراء عقدة الدونية . والرغبة في إثبات الذات "وما فيش حد أحسن من حد" لدى الأجيال الجنوبية التي عايشت الدولة الموحدة بين الشعبين ؛ وتظل على قناعة بأنهم كانوا ذات يوم مواطنين من الدرجة الرابعة. 2- إستغل بعض القادة الجنوبيين أمثال ريك مشار وباقان أموم الموتورين شخصياً والمعقدين نفسياً ... إستغلوا هذا الإنفصال لتصفية حسابات شخصية ضيقة تجاه الشمال ، الذين يرون فيه شعبا متحضراً وأكثر تنظيماً وأوضح رؤى منهم .... ويشترك مع ريك مشار وباقان أموم آلاف غيرهم في هذا التوجه السلبي الذي يعاني مركب النقص تجاه الشمالي. والذي لن يزول إلا بتعاقب الأجيال على المدى الطويل جداً. 3- يرى بعض القادة في الحركة الشعبية المنتمين إلى دينكا نوك أنه لاسبيل لهم في سرقة أبيي بشحمها ولحمها إلا في حالة إنشغال السودان بمشاكل داخلية تضعفه وتلهيه عن التفرغ لأبيي .... وفي سبيل ذلك يوفر دينكا نوك المأوى للحركة الثورية . والمعبر لوصول السلاح إليها من إسرائيل. 4- يخطيء من يظن أن سيلفاكير يحكم الجنوب وحده ، أو أنه الذي يستطيع فرض كلمته ؛ وهو الذي حفروا له مكتبه الرسمي وسرقوا منه 50 مليون دولار نقداً ؛ كانت موجودة في خزانته ... ويقال أن ظل بعدها ردحاً من الزمان ينام على الكنبة خارج غرفة نومه ، ويحاول الشرح والتبرير لزوجته لماذا يخبيء عنها هذه الثروة التي تسيل لها لعاب العشيقات عامة والزوجة الشرعية أم الوليدات خاصة. 5- ربما يكون التهديد بإغلاق أنبوب النفط مدعاة لتفكير الجنوبي في جوبا مليا وبعقل قبل محاولة غسيل عقده ومركبات نقصه تجاه السوداني .. ولكن من المستبعد أن تفلح هذه التهديدات في تخويف ولجم دينكا نوك عن خيارها الإستراتيجي في إثارة القلاقل عبر إحتضان عصابات النهب المسلح والحركات المتمردة في الشمال. فأهمية أبيي لها كقبيلة أكثر إلحاحاً من أهمية البترول ومداخيله التي يبدو أنها لاتشكل أهمية قصوى سوى لجوبا . 6- كنا نتمنى أن يجري إدخار التهديد الرئاسي العلني بإغلاق أنبوب النفط في وجه جوبا ليتم طرحه على مائدة المفاوضات داخل الغرف المغلقة ؛ ويكون مقصوراً عليها حتى لايوسم السودان بردود الأفعال والقرارات الإنفعالية .... ولكن لا أحد يدري فلربما لايفهم الجنوبي سوى هذه اللغة .. ورب ضارة نافعة. ............... من جميع ما جاء ، نذكر دائما بأنه لايحق أن يتعامل الإنسان مع قضاياه المحلية ، ووطن أجداده وأبنائه وأحفاده على إمتداد المستقبل بقناعات التدمير والتعطيل والقتل البطيء . وكسر البوصلة والمجاديف وتمزيق الأشرعة "نكايةً" في الحزب الحاكم والرئيس القائم ، وهذا النائب وذلك المساعد ..... إنه خطأ مفصلي في المنهج وتخلف وإنحراف في التفكير وإنعدام منطق ..... أو كأنّ السودان قد نشأ عام 1989م وسيزول بعد أسبوع. من المحزن أن البعض بمن فيهم المثقف وحامل أرفع الدرجات العلمية الأكاديمية ، لايزال يفكر ويحدد مواقفة على أساس أشخاص يحكمون الوطن . وليس من منطلق وطن باق دائم يحكمه أشخاص زائلون بطبيعة الحال .. زائلون رغم أنفهم أو حتف أنفهم لاجدال ؛ زائلون حتى لو إمتد بهم المقام والسنوات على هذه الحياة الدنيا بأطول من عمر سيدنا نوح عليه السلام. من كان يحقد على بعض ضعفاء النفوس في السلطة لسبب سرقتهم للمال العام وأكل مال اليتيم والزكاة وصناديق النذور وحيازة أراضي الدولة. وتقاضي الرشاوي وإستغلال النفوذ والتحايل على أكل الربا وعدم الوفاء بتسديد الديون ؛ ولا تتم محاسبته ولا يجد القانون الوضعي إليه سبيلا ؛ فوالله العظيم لو كان الناس يعلمون ماذا سيحيق بهؤلاء اللصوص وفقهاء السلاطين من إنتقام في الدنيا يطالهم وأولادهم ، وعذاب في الآخرة يطالهم عند الغرغرة ودخول القبر ويوم الحساب وبعد الحساب من كي للوجوه في نار جهنم وإراق في زيتها المغلي ؛ لما حقدوا عليهم ولا حسدوهم ، بقدر ما سيشفقون ويأسفون على حالهم .. الحياة قصيرة ؛ ومن كان يتمنى على الله الأماني ويتبجح من هؤلاء اللصوص بأن الله غفور رحيم ؛ فنحب أن نلفت إنتباههم أن حق العباد خارج عن هذا الإطار؛ ولايملك الله عز وجل في هذا المقام سوى تحقيق العدل بين الناس؟ .. فمن يعدل إن لم يعدل الله عز وجل بين عباده يوم القصاص؟؟ وهل يعقل أن يأمر الله الناس بالعدل في الدنيا ولا يحقق العدل يوم الحساب في ميزانه الذي يتعامل بآلية وحساسية "فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره؟"... سبحان الله العلي العظيم وله المثل الأعلى. ............... الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية تظل حرزاً مكيناً يحول دون تمزق النسيج الإجتماعي .. ولا يذكر التاريخ أن هناك شعباً هُزم داخل عقر داره .. الشعوب لا تهزم أبداً حتى لو كانت بقدرات نمل السُكّر. ثم أنه إذا كانت الجيوش هي السبيل لإحراز النصر على الأعداء وطرد المعتدين وحماية الأرض . فإن السلام لا تحميه سوى القوة .. والقوة لا تتأتى إلا بالفصل بين السلطات وتكريس الشفافية . وبناء إقتصاد قوي راسخ مزدهر يكون قادراً على تمويل وتلبية متطلبات جيش قوي عدداً وعدة وأحدث تسليحاً. وعلى نحو يمكنه من ردع الآخر المتربص في الخارج ، وإجبار المتمرد في الداخل على إلقاء السلاح والرضا بالإحتكام إلى الشرعية . وأن تسمح الدولة بحق المواطن بممارسة الضغوط المدنية والسياسية السلمية للحصول على الحق في كعكة السلطة والثروة والممارسة الديمقراطية. أكثر ما يحبط البعض أن الرئيس البشير كان قد أعلن في مدينة الأبيض عقب الإعتداء الجنوبي الغادر على هجليج ؛ أعلن عدم إعتراف الدولة بالحشرة الشعبية ؛ وعدم التفاوض معها مستقبلاً .. ولكن ما هي إلا أسابيع قليلة حتى عادت الوفود تترى إلى أثيوبيا وجوبا . ورفعنا عراريقنا وكدنا نخلع سراويلنا ونمنح الجنوبي الحقوق الأربعة لولا أن ستر الله بعد أن صمد في وجه هؤلاء وتصدى لهم أصحاب الأقلام الحُرة . وراجعت الدولة تقارير عن خطورة هكذا إتفاقية من الجهة الأمنية الإستراتيجية في ظل الحراك المسلح في جنوب كردفان والنيل الأزرق وحالة عدم وضوح الرؤيا في أبيي . وضعف قدرات حكومة جوبا في السيطرة على دينكا نوك وطموحاتهم القبلية... والآن يقفز إلى الذهن التساؤل :- ..... هل ستطفو ورقة المحكمة الجنائية الدولية إلى السطح للضغط على القصر الجمهوري من جديد بعد أن أفلح السودان في كسب التعاطف الرسمي الأفريقي مؤخراً . فتجبر عمر البشير على التوجيه مجبراً بعودة موظفي الديوان وعطلاء الدولة إلى ممارسة هوايتهم المفضلة في مفاوضات " حَكّ الضهر" مع المهمشين من متمردي الهامش؟ أم هل وعسى يثبت البشير ويقف وقفة الصنديد ويصدق حاله مقاله . ويستحق بذلك درجة الفلاح التي أشار إليها أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم عند قوله في حق ذلك الإعرابي "أفلح هذا إن صدق"؟