ولي العهد السعودي يستقبل سمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة    انكشاف أسرار الانزلاق الأرضي في جبل مرة: الطبيعة أم الإنسان؟    تقرير أممي يرصد أسلحة تركية "حديثة" لدى الجيش السوداني    فريق مصري في الخرطوم ورسالة من"السيسي" ل"البرهان"    في مؤتمر صحافي بالعاصمة المصرية القاهرة:..المريخ يتعاقد مع الصربي دراكو نيوفيتش لمدة عامين..!!    بعثة المنتخب الوطني تغادر كمبالا اليوم الى داكار لمواجهة السنغال    صور أقمار صناعية تكشف بناء إسرائيل منشأة نووية جديدة    ليبيا.. تحذيرات من حرب عبثية    ضياء الدين بلال يكتب: اللعب بالأرقام...!    يصف برقو (بالعدو) ويشكو من (العداوة)..!!    دوناروما إلى مان سيتي    مشاري الذايدي يكتب: أميرة السودان… هذا جناه أبي عليّ!    "مناوي" يزف بشرى ويعلن اكتمال مشروع    لاكروا تكشف عن رسوم ضخمة تفرضها الميليشيا في الفاشر    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    شاهد بالصورة.. مشجعة فريق الهلال السوداني الحسناء تخطف الأضواء بإطلالة مثيرة وتسأل متابعيها: (أحلى أنا ولا جورجينا؟)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل بوصلة رقص مع إبنتها على أنغام (هو ضيعنا من إيده يستحمل)    شاهد بالفيديو.. بشة يعترف: (قررت ترك الهلال في أول ستة أشهر وهذا اللاعب هو من أقنعني بالبقاء)    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    شاهد بالصورة والفيديو.. مع اقتراب موعد افتتاح مطار الخرطوم الدولي.. تزيين شارع المطار باللافتات استقبالاً للعائدين    شاهد.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تشعل مواقع التواصل بصورة مثيرة للجدل    شاهد بالصورة والفيديو.. مع اقتراب موعد افتتاح مطار الخرطوم الدولي.. تزيين شارع المطار باللافتات استقبالاً للعائدين    عصر ما بعد الليبرالية: المتغطي بالعالم عريان    معاناة المواطنين مع جمارك العفش الشخصي    روضة الحاج: ستلعنُكم هذه الأرضُ أحجارُها وستلعنُكُم كلُّ أشجارِها وستلعنُكُم كلُّ أثمارِها    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    وزير الطاقة السوداني يطلق وعدا    لماذا أوقفت شرطة برشلونة أعمال البناء في كامب نو؟    نيمار يُكذب أنشيلوتي: لست مصابا    برشلونة يتعثر أمام رايو فايكانو.. و"أزمة الفار" تثير الجدل    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    اتهم أبناء قبيلتين داخل الدعم السريع بالتواطؤ مع "الكيزان".. شاهد الفيديو الذي بسببه تم الاعتداء على القائد الميداني للمليشيا "يأجوج ومأجوج" واعتقاله    عودة المحكمة الدستورية قرار صائب وإن جاء متأخراً    رئيس الوزراء: نهضة مشروع الجزيرة من أولويات حكومة الأمل    ساعات حاسمة ..أرتال عسكرية تتحرك نحو طرابلس    وزير الثروة الحيوانية: انطلاقة الخطة الاستراتيجية من نهر النيل بإنشاء مدينة للإنتاج الحيواني    من صدمات يوم القيامة    حسين خوجلي يكتب: الأمة الشاهدة بين أشواق شوقي وأشواك نتنياهو    الجنيه السوداني ورحلة الهبوط القياسي    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    قال لي هل تحكي قليلا من العربية؟    اجتماع مهم بين بنك السودان المركزي والشركة السودانية للموارد المعدنية حول عائدات الذهب ودعم الاقتصاد الوطني    ما حكم شراء حلوى مولد النبى فى ذكرى المولد الشريف؟    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    انتشال جثث 3 شقيقات سودانيات في البحر المتوسط خلال هجرة غير شرعية    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    طفلة تكشف شبكة ابتزاز جنسي يقودها متهم بعد إيهام الضحايا بفرص عمل    اتهام طبيب بتسجيل 4500 فيديو سري لزميلاته في الحمامات    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    تطول المسافات لأهل الباطل عينا .. وتتلاشي لأهل ألحق يقينا    بوتين اقترح على ترامب لقاء زيلينسكي في موسكو    الموظف الأممي: قناعٌ على وجه الوطن    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سد النهضة الإثيوبي على أرض سودانية (1)

هذا المقال يتناول سد النهضة على ارض سودانية في مقالين، وهذا الجزء الاول منه ، كما اود الإشارة هنا الي ان المقالين ملخص يسير من كتاب سيصدرقريبا عن بني شنقول للناشط خالد يوسف حامد من بني شنقول ، وما زال الكتاب تحت التنقيح ويتوقع صدوره بين شهرى اكتوبر وديسمبر وسيتناول الكتاب بشكل تفصيلي قضية بني شنقول، وسيؤكد الكتاب بطلان إدعاءات الاحباش بتبعية بني شنقول لهم . والمقال الثاني سيكون عن بني شنقول بشكل مختصر وسيتناول مشروع سد النهضة واضراره وفوائده، والسدود التي تم انشاءها على نهر اومو وما نجم عنها من أضرار على بحيرة وسكان تركانا لنترك لكم المجال لتنظرو الي مشروع السد وأضراره حتى لا نكون عاطفيين في حكمنا على قضايا مرتبطة بحياة كل السودان ومصر.
تعتبر مشكلة الحدود في العالم من القضايا الهامة، إذ نجد أن كثير من الدول التي تعرضت للإستعمار قد ورثت حدودا تم رسمها من قبل المستعمر الذي لم يأخذ في الاعتبار امور كثيرة، فمثلا هناك تداخل بين القبائل الحدودية، كما ان هناك اراضي تاريخية لدولة ما ادخلت ضمن حدود دولة اخرى، وكل ذلك كان من اجل ضمان مصلحة المستعمر الذي كان يستغل هذه الاراضي لإستخراج المعادن وإستغلال ثرواتها لبناء امبراطوريتها الاستعمارية. فمشكلة الحدود ليست من القضايا السهلة بل مشلكة تتوارثها الاجيال، فالصومال مثلا لم تعترف بحق إثيوبيا على أوغادين ولم تبدي موافقتها على قرارات منظمة الوحدة الافريقية الداعية الي احترام الحدود المتوارثة من المستعمر، وقد دخلت الصومال في حروبات مع اثيوبيا بسبب مشكلة الحدود، كما لها خلافات حدودية مع كينيا، والمغرب ايضا لها خلافات حدودية مع جيرانها، وكذلك الخلافات السودانية المصرية ، والعالم ملئ بمثل هذه الخلافات الحدودية، كما لم تعترف الارجنتين بإدعاءات بريطانا على جزر الفوركلاند فدخلت بسسبها حروبات مع بريطانيا حتى كادت ان تتسبب في صراع إقليمي، وهناك حروبات كثيرة في القرن الماضي والحالي منها حرب جورجيا وارمينيا، وجورجيا وروسيا، حرب الخليخ الثانية، المواجهة بين ارتريا واثيوبيا، وارتريا واليمن، اليمن والسعودية، الصين وبعض الدول الاسوية، والصين واليابان، الهند وباكستان، وخلافات السودان ودولة جنوب السودان في رسم الحدود. وما زالت هناك حدود كثيرة في العالم محفوفة بالمخاطر وستكون عقبة التكامل الاقتصادي والاستقرار والامن بين الدول.
وافريقيا ليست بمعزل عن هذه الموروثات الاستعمارية، حيث بها اكثر الدول التي لها مشاكل حدودية مع جيرانها، لانها كانت اكثر عرضة واستنزافا من قبل المستعمر، ولقد حاولت الدول الافريقية عبر منظمة الوحدة الافاريقية في لقاءتها التأسيسية في القرن الماضي بأن تهجم الصراعات المستقبلة لانها كانت تدرك تماما ان مشكلة الحدود بين الدول الافريقية معقدة وستكون عائقا منيعا للإستقرار وعامل من عوامل الانشقاق، وإدامة الصراعات في المنطقة، ولذلك عملت المنظمة في بداية مؤتمراتها التأسيسية على اصدار قرارت لتكون سدا منعيا تهجم وتصد الاسباب التي تؤدي الي الحروبات بين الدول، وقد اعتقدت الدول الافريقية أنها بذلك قد نجحت في إيقاف صراعات كانت ستقبل عليها كثير من الدول الأفريقية ، ولم تضع في الاعتبار ان هناك حدودا لم يعترف بها المستعمر، ولكن ظرف الحاجة للمستعمر دعته لكي يصل الي نوع من التراضي من اجل استغلال الثروات لفترة امتدت حتى خروجه دون ان يصل الي حل لمشكلة الحدود، فتوارثت الدول بعد استقلالها هذه المشاكل، وبالتالي تظل مشكلة الحدود قائمة في كثير من هذه الدول، كما أن قرارات منظمة الوحدة الافريقية لم تساهم في حل المشكلة ولكنها اجلت الصراع فقط. فهناك بند في دستور منظمة الوحدة الافريقية (الإتحاد الافريقي) تم سَنهُ بناء على القرارات التي صدرت في اللقاء الذي جمع القادة الافارقة سنة 1964م في مؤتمرها بالقاهرة تحت رقم AHG/Res. 16(I) .
شهدت منطقة القرن الافريقي صراعات وحروبات كثيرة منها بسبب الحدود ومنها بسبب التحرر من دول ورثت حدودها من المستعمر، ضمت إليها شعوبا لم تكن جزءا منها. وتعتبر إثيوبيا اكثر الدول التي ستتعرض الي هزة حيث انها صنيعة غربية، والمطلع للتاريخ الاثيوبي يجد انها الدولة الوحيدة الافريقية التي شاركت في مؤتمر برلين عام 1884م إبان التدافع الاوربي نحو افريقيا ما بين 1880-1900م (Scramble for Africa) ، والذي تعرضت فيها كل أفريقيا للغزو الإستعماري. وهي ذات الفترة التاريخية التي بدأ فيها الامهرا التوسع نحو أقاليم كانت ذات سيادة كغيرها من الاقاليم الافريقية التي كانت تتمتع بحكم نفسها، وقد شهدت ابيسينيا تحولات كثيرة بعد الحاكم يوحنا التقراوي الاصل والذي امتد حكمه من (1872-1889م)، إستولى منيليك على العرش عام 1889 وامتد حكمه ما بين (1889 - 1913م) ، وبذلك عادت المملكة الي احضان الامهرا، علما ان منليك كان ينافس يوحنا على حكم ابيسينيا، وقد كان حاكما على منطقة شوا حينه ، وبمقتل يوحنا على ايدي المقاتلين السودانيين استطاع منليك تنصيب نفسه ملكا على عرش ابسينيا عام 1889م.
تبنى منليك سياسة التوسع وكان عليه في نفس الوقت مواجهة الايطاليين في إرتريا، وقد كانت أخر معاركه مع الإيطاليين في 1 مارس 1896م، ومن هنا بدأت الكوارث على القرن الافريقي تتوالى الواحدة تلو الاخرى، اذ استغل منليك قوة جيشه المنتصر في حربه مع إيطاليا، والذي غنم فيه من الاسلحة ما تكفيه لمواجهة اي قوة في القرن الافريقي، نال منليك بإنتصاره مكانة لدى الغرب فأصبحت الدول الغربية المستعمرة تضع له حسابا، واصبح قوة لها وزنها الاقليمي، فتحولت اثيوبيا من دولة معزولة الي دوله يتوجه لها قادة وساسه اوربيون ، إذ بداءت الاتصالات مع حكومات الدول الاوربية تأخذ إعتبارات سياسية لإثيوبيا كقوة اقليمية، وبدأت الادعات والإشاعات الابسينية عن حدود دولتها . كما لا يخفي لاحد أن البريطانيين كانوا يزحفون للإستيلاء على السودان، وقد كان ليوحنا والخليفة عبدالله التعايشي تفاهمات الا انها لم توقف العدائيات والحروبات بينهم، اذ حاول يوحناإيقاف العدائيات وحربه مع المهدية من اجل التفرغ لمواجهة الغزو الاجنبي لبلادهم، إلا أن المهدية كانت لا تثق بالاحباش لانها تعلم جيدا ان يوحنا كان يريدون فرصة لتنظيم قواته لشن هجمة للمهدية حتى يقضي عليها، وقد أتضح أن ليوحنا تفاهمات مع البريطانيين وبسببهم هاجم يوحنا القلابات والذي انتصرت فيها المهدية، وقد استمرت الحروب بينهم حتى مقتله في عام 1889م.
وهذا السرد التاريخي للحظة تاريخية تقرب للقارئي كيف نشأت اثيوبيا الحالية، وكيف يمارس الاحباش السياسة، فالبرغم من المراسلات التي كانت تجري بين يوحنا والخليفة عبدالله التعايشي الا ان يوحنا كان يسعى الي ممارسة سياسة النفس الطويل مع المهدية من طرف ومع البريطانيين من جانب آخر، الا أنه لم يفلح حتى قتل في حروباته مع المهدية. ومجي منليك على عرش الامبراطوريه هي بمثابة صورة متطابقة لنهج وإستراتيجية أسلافه، اذ ان الامهرا والتقراي يجيدون سياسة المرواغة والخداع ، التقراي أكثر حنكة وإجادة لممارسة الخداع، ويقول الامهرا في امثالهم الشعبية ان ما يتم مضغه اليوم لا يمكن ابتلاعه إلا بعد عام، وهذه إشارة لسياسة النفس الطويل،والتقراي والامهرا هم اسرة واحدة وكيان واحد ولا يختلفان في شيئ.
أدعي منليك ان حدود دولته الخرطوم والبحيرات دون ان يكون له وجود عسكري او مدني، والسبب في إدعاءاته انه كان يرى انه الاولى والاحق بضم كل الدول الافريقية الي دولته من الدول الاوربية الغازية من قارة اخرى ، وأبيسينيا هي تلك المقاطعة التي تضم قبائل التقراي والامهرا دون غيرها من القوميات التي اصبحت جزء من ما يعرف حاليا بإثيوبيا. وقد أطلق إسم اثيوبيا لأبسينيا في بداية القرن العشرين حتى لا تشعر القوميات الاخرى بالاستعمار من قبل ابيسيينيا، إذ حاولت ابيسيينا والدول الاوربية تسويق اسم اثيوبيا ليكون مسمى الدولة الجديدة التي توسعت نتيجة لمؤتمر برلين عام 1884م . والخريطة المرفقة توضح للقارئي تواريخ استيلاء الاحباش على سلطنات كانت مستقلة وكانت تدير نفسها بنفسها، مثل سلطنة هرر، وبني شنقول وأوغادين وقوميات الاقاليم الجنوبية في اثيوبيا واروميا، ولقد قال الاورموا أنه لم تكن هناك دولة تحت مسمى اثيوبيا قبل إستيلاء منليك على الدويلات والسلطنات التي كانت سائدة آنذاك، ويؤكد ذلك ما ذهبت إليه حركة OLF بأنه لم تكن هناك دولة تحت مسمى إثيوبيا قبل إحتلال منيليك لدول وسلطنات كانت مستقله:
فدولة اثيوبيا الحالية هي امتداد للاستعمار الاوربي لأفريقيا، والحدود الإثيوبية الحالية ستنحسر عاجلا ام آجلا لان أغلب القوميات التي تم اخضاعها لتكون ما يعرف بإثيوبيا الحالية لا تعترف كونها جزء منها، فالاورمو يناضلون من اجل الاستقلال، وكذلك اوغادين، وما يستغرب له المرء ان جبهة تحرير تقراى TPLF كانت تسعى لللإستقلال إلا ان سقوط منقستو المفاجئ كانت بمثابة فرصة لها لحكم إثيوبيا، فإستطاعت بذلك ان تستغل ثروات أقاليم اثيوبيا المختلفة في بناء تقراى إقتصاديا وإجتماعيا وتعليميا مما دفع قوميات كثيرة ساهمت بفعالية في سقوط نظام منقستو للخروج على نظام الحكم القبلي التقراوي.
إن ما يقال في التاريخ الإثيوبي عن انحدار الاسر الحاكمة في اثيوبيا من سلالة سيدنا سليمان يعتريه كثير من الكذب والافتراء واللامصداقية ، وإثيوبيا كلها دولة أساطير وروايات غير صحيحة ، ولقد اجرى كتاب اوربيين بحوث كثيرة في ما كتبه الاثيوبيين عن تاريخهم إلا ان هؤولاء الكتاب جميعهم فشلوا في ايجاد حقائق تاريخية يمكن ان تسند ما يدعية الاحباش عن ممالكم، لا يخفى للقارئي ان الاحباش اكثر الشعوب اجادة للخداع والكذب والقدر، ولذلك يكثر الكذب بينهم والخداع وعدم المصداقية والشك والتخوين والسرية في كل ما يفعلون ويقولون، وقد كتب العديد من الكتاب الاوربيين في ذلك. ورغم ان الاوربيين هم الذين ساهموا بشكل او آخر في تأسيس هذه الدولة العنصرية المتعصبة الا انهم لم يكونوا راضين عن تصرفات الاحباش وسلوكهم الهمجي.
القشة التي قصمت ظهر بني شقول:
لقد كان لسقوط امدرمان وهزيمة الخليفة عبدالله التعايشي اثره على بني شنقول حيث تعتبر بأنها القشة التي قصمت ظهر بني شنقول. بعد هزيمة المهدية من قبل الانجليز أصبحت الساحة فارغة لمنليك للإدعاء بأن اجزاء كبيرة من ارض السودان تتبع لحدود دولته التي يسعى الي توسعة رقعتها حتى الخرطوم، فإنتهز منليك انشغال الخليفة عبدالله التعايشي بالدفاع عن امدرمان فإستولى على بني شنقول، ومنذ تلك اللحظة عمل على مراوغة البريطانيين، كما قام بإحتلال القلابات مدعيا انه يريد صداقة مع البريطانيين وانه استولي على القلابات من اجل تأمين الطرق التجارية ولإنشاء علاقات للتبادل التجاري بين الحبشة والسودان، والبريطانيون يعلمون مكر الاحباش ونوياهم، فبدءت المفاوضات بين البريطانيين ومنليك، علما أن منيليك بعث برسائل للدول الاوربية عام 1891 حدد فيها حدود دولته، والتي شملت اجزاء كبيرة من السودان حيث ادعى ان حدوده تشمل القضارف وتمتد الي كركوج على النيل الأزرق، ومن كركوج إلي ملتقي النيل الابيض بنهر السوباط ومن ثم تمتد لتشمل بلاد القالا (الارومو) الي رودلف ، ويردف منليك قائلا "انه اذا امد الله في عمره ومنحه القوة والمنعة أن يستعيد حدود إمبراطورية إثيوبيا القديمة التي تشمل الخرطوم وبحيرة نيانزا" ، انظروا الي هذه الإدعاءات الحبشية الواهية الخيالية، اي دولة يدعيها منليك وهو المنحدر من أبيسينا تلك المنطقة المعروفة بالمرتفعات الاثيوبية اي بسكان المرتفعات والتي تشمل اقليم التقراي والامهرا فقط.
توصلت بريطانيا واثيوبيا الي إتفاقية عام 1902م بعد مفاوضات مارثونية مضنية لبريطانيا، لان الاحباش استخدموا كل اساليب الخداع والكذب من اجل ان تؤول بني شنقول لهم، وقد رفضت السلطات البريطانية، إلا ان المصالح الاقتصادية لها واهمية ضمان جريان مياه النيل جعلها ان تبدي الموافقة على تسوية مرتبطة بمصالحها الاقتصادية، وليست لحل المشكلة الحدودية لانها كانت تعلم جيدا ان بني شنقول ارض سودانية، وكانت جزء من دولة الباب العالي اي الدولة الثعمانية. فوافقت بريطانيا على السماح لإثيوبيا لحكم بني شنقول شريطة ان تسمح السلطات الاثيوبية للشركات البريطانية فقط للتنجيم عن الذهب في بني شنقول، وهذا يعني انه في حال تعذر ذلك ان يقوم منليك بإستخراج الذهب ودفع جزء الي السلطات البريطانية متمثلة في ممثل الاسرة المالكة، وبالتالي تصبح بني شنقول منطقة تحت الايجار تدفع الحبشة فيها مقابل بقائها بها ذهبا، ونستخلص من ذلك ان بني شنقول ارض سودانية.
كما استخدم منليك لغة دنيئة لاقناع السلطان البريطانية حتى تتبع له المتمة، فقد تظاهر كرجل دبلوماسي وهو في حقيقة الامر اسلوب حبشي دنئ، لا يواجهون ولكنهم يجيدون الخداع، ولعل منليك يعلم يقينا انه لن يستطيع مواجهة البريطانيين عسكريا ولذلك آثر ان يستعطفهم لتبعية مدينة المتمة، فقال انه لا يريد الادعاء بان المتمة جزء من حدوده، ولكنه يلتمس من الحكومة البريطانية من اجل الصداقة التي تجمعهم بان تسمح بتبعية المتمة لدولته لان الملك يوحنا قتل على ايدي المهدية في هذه المنقطة المقدسة ولان كثير من دماء الاحباش سفكت فيها ، اليس هذا بإسلوب حبشي رخيص. كيف تطالب بأن تصبح ارض دولة ما جزء من حدودك لان هناك دماء اريقت في حرب، وإذا اخذنا بذلك المبدأ لما نالت الدول الافريقية والاسيوية وامريكا إستغلالها لان دماء البريطانيين اريق في هذا الدول وبالتالي لبريطانيا الحق في استعمار كل العالم.
هناك عوامل كثيرة دفعت بريطانيا للسماح للاحباش في منطقة بني شنقول والمتمة منها سياسية ومنها اقتصادية، كما اراد البريطانيين بهذه الاتفاقية ضمان ولاء منليك لهم في ظل الاطماع الفرنسية والايطالية في المنطقة، ولذلك لم تأخذ الاتفافية في الاعتبار اتشارة سكان الاقليم عن رأيهم، وانما تم بناء على حسابات بريطانية حبشية، انها اتفاقيات غابت فيها الحكمة والانسانية، لان المصالح الاقتصادية والسياسية كانتا معيار المفاوضات والاتفاقية. ورغم تبعية بني شنقول للاحباش إلا انهم ظلوا طيلة هذه الفترة في ريب من امرهم ، ارادو بني شنقول من اجل استغلال ثرواتها ولكنهم اصبحوا امام تهدى كبير وهو ماذا سيفعلون بالسكان السودانيين الذين يقطنون هذه المنطقة ، ولذلك عمدوا الي ممارسة سياسة الترهيب والوعيد، فمارسوا سياسة التهجير والقصرى لسكان الاقليم، فإجبروا لهجر البلاد ودفعهم نحو السودان، كما اتو بمستوطنيين حبش الي بني شنقول في كل من محافظة اسوسا في تلك الفترة، ومناطق كماشي وباوي ، كل ذلك من اجل اجبار المواطن البني شنقولي مغادرة موطنه نحو السودان، وقد نجحوا في ذلك في بادئ الامر، إذ هاجرت قبائل كثيرة الي السودان وتكونن مدن وقرى في النيل الازرق.
مما سبق عرضه يمكننا ان نصل الي خلاصة مفادها ان بني شنقول سودانية ارضا وشعبا، ولا يوجد للاحباش سبب واحد في تواجدهم وسيطرتهم لهذه المنطقة ، كما تعلم الحكومات السودانية والحكومة البريطانية ذلك ايضا، الا ان انعدام الوطنية لدى كثير من الساسة السودانيين حال دون رجوع بني شنقول الي احضان الوطن الام. قبل اعلان إستقلال وصلت وفود من بني شنقول تطالب القيادة الوطنية آنذاك بعدم إعلان إستقلال السودان دون بني شنقول لان قادة بني شنقول كان يعلمون يقينا ان قضية بني شنقول قضية سودانية وهي مسؤولية كل سوداني حر، ولا يخفي لاحد ان محمد علي باشا عندما غزا السودان كان من اجل ذهب بني شنقول، وما يزال شعب بني شنقول يدين بالولاء المطلق للسودان، والاحباش يعلمون جيدا ان هذه المنطقة سودانية ومناطق نفوذ الدولة المصرية.
Benishangul Human Rights Activist
KHALID NASSER


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.