الاستاذ /عادل الباز من المتفق عليه أن للحقيقة عدة وجوه، وفقاً للزاوية التي ينظرمنها الناظر. ما جاء في عمودكم المقروء "فيما أري" تحت عنوان "حول روحاني والرايحين" قد أصاب كبد الحقيقة في أحد وجوهها، ولكنه أغفل وجوه أخرى تبديها زوايا أخري للنظر لذلك الموضوع الحيوي، وسنحاول فيما يلي أن نُكمِل طرحكم بالنظر لتلك الوجوه. لمس بوبر أساس الديمقراطية حين عرفها في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه" بأنها " النظام الذي يسمح بإزاحة الحكام دون اللجوء الي القوة ". وهذا في رأيي أساس الخلاف بين الأنظمة الديمقراطية بمختلف أشكالها، والأنظمة السلطوية بمختلف أشكالها أيضاً. وهو أمر يُلزِم القائمين على الأمر، اكثر مما يلزم المحكومين، لانه ما لم يقبل القائمون على الأمر ان ينزلوا على ما يقضي به صندوق الانتخابات، فإن احد الوسائل التي تكتسب شرعية سياسية نتيجة لذلك، هو لجوء المعارضين لصندوق الذخيرة . لكي يصبح صندوق الانتخابات، هو الآلية الديمقراطية للتدوال السلمي للسلطة، يجب أولا ان يكون دورياً، وأن يكون فيه وحده العلاج لأي أزمة دستورية، ولكن هذا لايعني شيئا مالم يكن معلوماً يشكل قاطع، ماهو المطروح في صندوق الانتخابات. حتى يكون لصندوق الانتخابات اية فاعلية فإنه يجب ان تكون السلطة السياسية مطروحة فيه بشكل منصف لكل القوى المتنافسة عليها، ولذلك متطلبات لايمكن تجاهلها. فيجب ان تكون حرية التنظيم والتجمع مطروحة بشكل يسمح، على وجه الخصوص، للقوى السياسية المعارضة للحكومة القائمة، بأن تجمع صفوفها، وتناقش أجندتها علنا ودون خشية. كما يجب ان تكون حرية التعبير وعلى رأسها حرية الصحافة متاحة بشكل لايعرف الخطوط الحمراء وذلك دون مساس بحق الدولة في حماية امنها الوطني (والذي لا يشمل الدفاع عن الحكومة القائمة ولا سياسات الحزب الحاكم)، كما ويجب ان تكون اجهزة الدولة الثابتة، كالشرطة، والأمن، اجهزة محايدة، لا صلة لها بالنزاع السياسي الحزبي، و تكون مهامها مبرءة من اي غرض سياسي حزبي. من الجهة الثانية فان قبول صندوق الانتخابات كآلية تُطرح فيها السلطة السياسية، يعني أن الهوية الثقافية، والدينية، غير مطروحة في الصندوق، والا كان ذلك استدعاءً مبطنا لصندوق الذخيرة، لأن الهوية لا تقررها نتيجة الانتخابات. وهذا مبدأ ينبع في الاساس من دورية الانتخاب والتي تفترض ان تكون المشاريع المطروحة في الصندوق محددة فعلا بأجل التفويض الممنوح، فاذا كان الصندوق الانتخابي يمنح تفويضا لمدة خمس سنوات، فإن المشاريع المتجاوزة لذلك الأجل لا تكون قابلة للطرح فيه، ولا يجوز فرضها بسبب نتيجة أي إنتحابات. أضف لذلك أنه إذا كانت الديمقراطية تعني ان يكون القرار للاغلبية، إلا أن ذلك يجب ان لا يشمل وبشكل صارم ما يؤدي لاهدار حقوق الاقلبية. وعليه فإن محاولة فرض المشاريع المتعلقة بالهوية مخالفة لأسس الديمقراطية، ولا صلة لها بالتفويض المطروح في الصندوق، ولذلك فقد أخذ على الحركات الإسلامية أنها تؤمن بصوت واحد للشخص الواحد حتى يتم لهم الفوز بالانتخابات، وبعد ذلك يتحول الشعار ليصبح صوت واحد، للشخص الواحد، مرة واحدة . وتبقي اخيرا حاله مهمة وهي ان قبول نتيجة الانتخابات لاتمنع معارضة السلطة التي تاتي عن طريقها، طالما التزمت المعارضة بالقانون، ولكن قبل ذلك وفوقه، يتوجب على السلطة أولاً أن تلتزم بالقانون، والأمر الأكثر أهمية لكل الأطراف هو أن يكون ذلك القانون الملزم للجميع متفقا مع المبادئ الديمقراطية الدستورية، والا كنا ندور في حلقة مفرغه . وهذه بعض من وجوه للحقيقة يبدو لي أنها لم تظهر أو لم أتبينها أنا في مقالكم موضوع التعليق . نبيل أديب عبدالله