حسين الزبير اول ما يلفت نظرك في شوارع الخرطوم، لافتات المدارس الخاصة و اعلاناتها، و التي باستخدام تكنولوجيا العصر اصبحت لافتات انيقة بالوان جذابة. و لكن المدهش ان المدارس الخاصة اصبحت في اعدادها و في انتشارها في جميع الاحياء الفقيرة تماثل البقالات التي تبحث عن الربح بتوفير احتياجات الاسر!! و لا بد ان اقرر انني لا الوم زملائي المعلمين, المهضومة حقوقهم طوال القرنين الماضيين، لا في السودان وحده بل في كل الوطن العربي، لا الومهم ان سعوا للتكسب و التربح من مهنتهم و التطلع لحياة افضل لانفسهم او اسرهم، فلا غبار عليهم. لكن الغبار علي الذين هجروا مهنة السمسرة او اي تجارة اخري ليربحوا من تجارة التعليم!! والغبار و الرماد علي الاجهزة المسؤولة عن تطبيق القانون، و التاكد من ان المدارس الخاصة تلتزم بالمواصفات التي اسس لها جيل من التربويون الذين وضعوا حجر الاساس للتعليم في السودان، امثال مستر قريفث و السيد عبد الرحمن علي طه، و السيد نصر الحاج علي، و السيد مكي عباس، و السيد عوض ساتي، و السيد جمال محمد احمد ، و السيد سرالختم الخليفة. هذه المجموعة من اخلص رجال السودان هم الذين اسسوا معهد التربية ببخت الرضا وفق الفلسفة التي صاغها مستر قريفث في الكتاب الذي اعده بالتعاون مع السيد عبد الرحمن علي طه، كتاب "اهداف الاخلاق". (بخت الرضا المعهد التربوي الرائد - صديق احمد ابوزيد 2012). لخص المؤلفان في الكتاب النظريات العلمية المتصلة بالتربية و التعليم، ثم توصلا لاهداف التعليم المراد تأسيسه في السودان، و خلصوا الي اهمية 15 صفة خلقية يجب ان تعمل لتحقيقها المناهج و المناشط التربوية التي تقدمها المدارس في المرحلتين الاولية و الوسطي، و هي: 1. النشاط الجسماني 2. النشاط العقلي 3. المثابرة 4. الثقة 5. الاعتماد علي النفس 6. معرفة النفس 7. الابتكار 8. ضبط النفس 9. القيادة 10. الطاعة 11. الموضوعية 12. الاخلاص 13. الولاء 14. المروءة 15. المجاملة ثم اعد المؤلفان مرشدا يفصل كل صفة من هذه الصفات، و سانقل لكم الجزء الخاص بصفة واحدة من كتاب " اهداف الاخلاق " كما اورده الاستاذ صديق احمد ابوزيد: و بجانب شرح المناهج و تحديد اهدافها، فصل القائمون علي امر التعليم في بخت الرضا اهمية الانشطة المصاحبة للمناهج، و التي حددت بالنشاط الثقافي و الاجتماعي و الرياضي كما انهم حددوا اهداف هذه المناشط في الآ تي: 1. تنظيم الطلاب في هيئة تيسر ممارسة المناشط التربوية المختلفة في تعاون تام. 2. تفجير الطاقات الكامنة و تنمية قدرات الخلق و الابتكار و المبادرة و التخطيط و صقل المواهب. 3. تعليم القيادة و تحمل المسئولية و كل ما يتصل بالكفاءة الذاتية و التفاعل الاجتماعي. 4. خلق مناخ الثقة و المحبة و الترابط بين القوي الثلاثة داخل المعهد: ادارة المعهد، المعلمون و الطلاب. 5. استخدام الاسلوب العلمي في التفكير و النقاش. 6. ادارة شئونهم و الاعتماد علي النفس و احترام العمل و الشعور بالمسؤولية و تنمية الشخصية. 7. دعم القيم مثل حب الغير و نكران الذات و احترام الآخرين و قبول آرائهم ، و يتم ذلك من خلال الجمعيات . (صديق احمد ابوزيد 2012). وفق هذه الرؤية العلمية و الاهداف المحددة لتلبية احتياجات الانسان السوداني و مجتمعاته الريفية و الحضرية، اسس علماء اجلاءالتعليم الاساسي في السودان في عام 1934. و تلك المدارس التي انتشرت في بقاع السودان كله، و باشراف معهد التربية في بخت الرضا، هي التي اعدت للسودان و للعالم كله الانسان السوداني العالم و الخبير و المهني، و الذين تميزوا في سوق الموارد البشرية بسمعة خاصة ، و لتميزهم اداروا كل المنظمات العالمية المتخصصة. تعالوا لننظر في امر بقالات التعليم الخاص: في رحلة بالمواصلات العامة من الكلاكلة القلعة الي اللفة، استطعت ان احصر عدد المدارس الخاصة في الشارع الذي لايبلغ طوله العشر كيلومترات، ووجدتها تفوق العشرين، و هذه هي المدارس التي وجدت لها مبني علي الشارع الرئيسي، و ربما يكون هنالك عدد مماثل داخل الاحياء. في بناية صغيرة لا تتعدي مساحتها ال 150 متر ، شقتين في الطابق الاول تحتلها مدرستان: اساس و ثانوي. و مثل هذه الشقة التي غالبا ما تحتوي علي فصل واحد و مكتب للمعلمين و حمام واحد، لا اعرف كيف يتحرك الناس داخل هذا المبني، ناهيك عن ممارسة الا نشطة التربوية!! و المؤلم ان ما يسمي اليوم بالمدارس الخاصة ، تماثل التعليم الاهلي في الزمن الجميل الذي كان الناس يفاخرون به و يفضلونه علي مدرسة المستعمر و يتغنون له (في الفؤاد ترعاه العناية). سادتي هذا العبث بمستقبل ابنائنا في هذه المدارس ، عبث باغلي ثروة تمتلكها البلاد، و هي الانسان السوداني، جيل المستقبل الذي سيقود البلاد و يحدث التغيير الذي يضع بلادنا في المكان اللائق به وسط الامم. انه لامر عاجل ان ينتبه العلماء و الخبراء من ابناء بلادنا، و المسؤولون في وزارة التربية لهذا الخطر الماحق، و البدء في دراسة السبل الكفيلة بتقديم العلم و التربية لابنائنا وفق فلسفة واضحة المعالم و خطة مدروسة تطبق بعناية في ارض الواقع. رب ارنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه و ارنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه. و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.