جاءت اثني عشرية "لربما تيمنا بالشيعة" كل منها ينطق شرراً مقدمة، بدأ الصادق المهدي خطابة ولربما خطبته لجماهير الأنصار وجماهير حزب الأمة بقول عجيب أذ طلب منهم أن يعطلوا حواسهم إلا من نظر وسمع!! وكأنا به يقول لهم ما عليكم إلا ان تنظروا لهذه الطلعة البهية ( طلعة الإمام ) فهي ليست متاحة لكم جل وقتكم ولكم أن تسترقوا السمع لهذه الدرر التي سيجود بها لسان من هو ذو شأن عظيم..! فبأي عباءة كانت يتحدث الصادق المهدي أهي عباءة الوراثة التي البسته ثوب إمام أنصار المهدي..! وهل يؤمن الصادق المهدي بحقيقة مهدية جده محمد أحمد وإن كان هو كذلك فمن أين أتى في التراث الإسلامي بأن للمهدي أئمة يتبوؤون منصبة من بعد مماته وهل وَرَثَ الأنبياء أبنائهم من بعدهم ناهيك عن اولائك الذين يسرحون ويمرحون في مطايا تعاليمهم..!! إما أن كان يتحدث بعباءة رئاسته لحزب الأمة " إن إقتنعنا جدلاً بأن حزب الأمة هيكل ديمقراطي لكل أفراده حق فيه وليس هو بوقف على حفدة المهدي " إن تحدث بصفة هذه فتلك مصيبة أن يخاطب رئيس منتخب قواعده بهذه الطريقة التي تدل على سلبه لهم كل تلك الحقوق التي تنازلوا عنها طوعاً لرئيس يمثلهم..! وكأنا بهم قد انتخبوا ديكتاتوراً يحبس عنهم حواسهم..! وفي الحالين فإن من يتحدث لجماهيرية بهذه الطريقة من هذا الموقع أو ذاك فهو لا يأبه لهم.. بل يحبسهم هوام في داره " حزبا كان أم دائرة " تلك التي يحسب أنهم يفدون إليها تقرباً ..! وما أبعد هذا من لغة ساس ويسوس..!. أهي سياسات حزب الأمة أم توجهات هيئة الأنصار،، أول دعواه الصادق المهدي توحيد قبلةٍ..! ومعلوم أن جل أهل السودان من مسلميه لم تكن لهم قبلتين .. لكن المتمعن يلحظ أن الصادق المهدي عنى جماهير الأنصار في دعوته تلك بحديثٍ عن البقعة الجديدة وأبا الجديدة وما أدراك ما الجديد فيهما..! غير أن أصبحتا قبلة تستوجب التوحيد..! فهل تلتحم قبلتا الأمام - الرئيس في متن مشروع جديد يهيئ له مع المؤتمر الوطني..! الحق يقال بأن دعوته لن تكون كذلك إلا إذا استصحبنا معها ما أتى من حديث له عن أهوالٍ تنتظرنا إن أسقط نظام المؤتمر الوطني عنوة..! فهي دعوة من بيده الصولجان لأتباعه أن لا مناص من السير في ركاب ملزم لنا، أحدى دعائمه سلطة المؤتمر الوطني بأجهزة أمنها وجيوشها التي أفرغتها مِن مَن لا تأمل في ولائهم..! ويوضح الصادق المهدي حديثه ذلك سريعاً حين ينعطف مخاطباً أفراد حزب الأمة داعياً لهم للقبول بنظام سياسي جديد هو حتماً مستولد من رحم المؤتمر الوطني الحاكم اليوم والذي يرى إلا مندوحة من وجودة إن أردتم وجودا لمن تبقى من السودان اليوم..! ويقول بدون مواربة رافعاً دعوة لتقاسم السلطة مع المؤتمر الوطني..! حين يتوجه برسالته لأعضاء المؤتمر الوطني الذين يستبطن أنهم يقفون حجر عثرة فيما توافق عليه مع بعضهم..!. غير أن الصادق المهدي، رغماً عن وضوح رأيه فيما هو مقبل عليه من إستناد على هياكل المؤتمر الوطني، له مخاوفه من ذاك الذي يحدث في ربوع ولاءه التقليدي..! وبروز الجبهة الثورية في تلك المواقع هو خصماً عليه قبل ان يكون خصماً على من يود التحالف معهم، ولا مندوحة أن يفرق بين قيادات الجبهة الثورية وقواعدها..! فعناصرها القيادية قد حادت عن سبيله ولا وسيلة لإرجاعهم ولن يكونوا كمن سمع ورأى وغض الطرف عن بقية حواسه..! لكن لا بد له من مداعبة من يرجو أن لا يكونوا قد طوروا وعياً بكل ما لهم من عقل وحواس..! دعوته لهم أن انضموا إلى السامعين والناظرين ليوم ينعم عليهم من يديرون البلاد من خلف الكواليس بنظام يخلف الإنقاذ ولا ينحرها..! هي دعوة أن القوا سلاحكم فالبلد آمن والولد العاق "المؤتمر الوطني" سينصلح حاله..!. أقحم الصادق المهدي العلاقة مع دولة الجنوب قبيل التفاتته لرفاق الأمس "قوى الإجماع الوطني" ورغما عن أنها في إطار السياسة العامة التي حتى نافع علي نافع يمكن أن يقول بها ولا يرتجف له جفن إلا إن الصادق المهدي قد عنى بها إذلالاً لهؤلاء " للزملاء في قوى الإجماع " فهم وإن كانوا خارج حساباته بعد أن فضل عليهم نداءاته لأنصاره وأفراد حزبه ومن ثم أنعطف لعلاقة يرجوها مع المؤتمر الوطني وأكمل ذلك برجاء لقواعد الجبهة الثورية وكأنا به يقول لهم يا قوى الإجماع الوطني هذا الوطن الذي يعنينا سنسير به من دونكم أن لم تلتحفوا بتحت جناحنا..! ولربما يكون موقفه هذا من باب التودد للرافضة من المؤتمر الوطني..! وفي قوله لهم دعونا نجتمع وننفض لنرغي لأن هذا مبتغانا من وجودنا في معسكر واحد معكم وكأنا به يهمس حالماً بأنه حالما ينصلح حالنا بمعية من بيده السلطة فكل منا له طريق وقد فعلها في سابق عهده..!. ومن ثم يدلف الصادق المهدي ليخاطب شعب السودان "العظيم"!! عظمة لم يرد أن يصف بها جماهير أنصاره ولا رواد حزبه..! لكنه لم يبشر شعب السودان بشارة سوى أن يختار بين انتفاضة مدنية قومية لا ندري من سيحميها من مليشيات النظام وجهاز أمنه..! ومائدة مستديرة نصب نفسه والمؤتمر الوطني عليها مسبقاً..! الانتفاضة الشعبية يعلم الصادق المهدي بأنها لن تكون تحت إمرة سلطته لذا دعاها مدنية قومية وكأنه يريد لها مساراً آخر غير ذاك الذي سلكت دروبه انتقاضات شعب السودان قبل عقود خلت..! وحتماً هو يدري إن الحراك الشعبي يتجاوز انتماءات العقل المدجن بلاهوت الغيب وتغيب العقل.. وما أكتوبر وأبريل ببعيدة عنا بل إن وعينا قد تجاوز حتى ذاك الزمان المضيء من تأريخنا..!. وإكمالاً لشمولية طرحه تتطرق نداءات الصادق المهدي لمن تركوا البلاد قهراً من نظام يود أن يبايعه.. وهو هنا ينطلق من رعب أصاب الإنقاذ حين تمكن هؤلاء النفر من فتح نافذة أبلغت في تعرية سلطة المؤتمر الوطني.. وكأنما بالصادق المهدي يقدم عربون صداقة لحليفه المرجو من خلال تواصل بالمنافي يرجو أن يكون هو أداته فيها..!. ومن ثم يقتحم الصادق المهدي المجال الخارجي لكنه كعهده دوماً لا يستطيع ان يتخطي الإطار العروبي الإسلامي فجاءت مناشداته في ذات خط المؤتمر الوطني حفاظاً على علاقة نفعية مع المصريين أسلامويين أم علمانيين، وتقرباً من الماموس الإيراني الذي أنشب مخالبه في أرض السودان، ولعباً على الحبال السورية المتأرجحة وأخيراً محاولة للتداخل في اللعبة القطرية التي يديرها البيت الأبيض بإمتياز..!. ومن بعد كل هذا يتحف الصادق المهدي أنصاره بمقولة تقدح فيهم ولا ترجو منهم خيراً، إذ يقول " إن الأنصارية ليست راكدة، وليست باقية على ما هي عليه باستمرار، إنما تخضع لسنة وتوجيه (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال) " ويتبعه بقوله " اسمعوا يا أبنائي فقد جئتم لتستمعوا لا لتسمعوا ". فأي إلغاء لعقول ووجود أنصاره يمكن أن يتأتى من شخص آخر وإن عنى أن يوصم الأنصار بما ليس فيهم، فقد جرد الصادق المهدي أنصاره من كل شيء حتى من القدره لقول كلمة في إطار مشورة يتبجح بها المؤتمر الوطني وسط عضويته المسومة..!. ويرى الصادق المهدي إن ما يؤهله لإفتتاح باب الحلول اربعة شرعياتٍ، تأريخية، شعبية، فكرية ودولية ..! أما عن تأريخيته فهي لن تجد لها منفذاً إلا إن طغمها بإرث بوأه موقعه الحالي وحتى في هذه أما كان أولى بها حفدة من قاد العراك حقاً في ذاك الزمان.. الزمان الذي لم ولن يكتب لغير أهل السودان جميعاً، فشرعيته التأريخية هي شرعية الوجود السوداني الذي لا يمكن ان يكون سويٌ إلا بكل أفراد مجتمعه ولن يستطع لا الصادق المهدي ولا غيره ان يدعيه كحق في أرث مشكوك فيه..!. أما شرعيته الشعبية فإن صدقت فيما مضى فهي اليوم تستوجب أن يُقدم الصادق المهدي للمحاكمة عما فرط فيه من إمانة إتمنها عليه شعب السودان وكان في يومه ذاك قد أبدى إحتفاءه بأبناءه على الحفاظ على شرعية وهبها له شعب السودان..! ويدلف الصادق المهدي نحو شرعية جديدة تضاف إلى حذلقته اللغوية وإن عنى ما عنى لنا بقوله فهو يصادر حق الآخرين في منطلقاتهم الفكرية إن كان هناك شرعية ما لفكره الذي يطرح..! أما شرعيته الدولية فتلك عجب العجاب وقمة الإستهزاء بعقول البشرإلا إن كان قد تبوأ مقعداً في ذاك المحفل الذي يحدد مصائر البشر والبشرية من خلف ستار..!. ويفتتح الصادق المهدي باب الحلول التي يراها بدعوة للمؤتمر الوطني أن أرحل بعد ربع قرن من العبث بالسودان ولكن أي رحيل يرجوه الصادق المهدي للمؤتمر الوطني..! وهو الذي يقول بدمج لكل مخرجات الخمسة وعشرين عاماً في نسيجنا المجتمعي وإن إستوعبنا بعضاً منها على مضض.. فكيف لتلك الفصائل المسلحة " الدفاع الشعبي " أن تكون جزء من جيش قومي سوداني وهو يلهج بدعوته للمؤتمر الوطني أن أرحل..!. ولم يستذكر الصادق المهدي بأن للجبهة الثورية أيضاً قوات مسلحة.. وقد تكون سقطت من حساباته كما سقطت من قبل قوات أنصارية..! وفي خضم دعوته هذه لا ينسى الصادق المهدي أن يجد ملاذاً آمناً لأجهزة الأمن فهل يطمع في أن تؤول أجهزة الأمن والقوات المسلحة لفلذات كبده..!. أما عن مستقبل أيامنا.. فهاهو الصادق المهدي يذكرنا بالدستور الإسلامي الذي كان هو أحد أعمدته يوم نحرت الديمقراطية في مجلس النواب السوداني خلال تلك الستينات التي عنى..! فهل نقول بإن الصادق المهدي بعد أن توج إماماً إنتكس من دعوة تبناها وهو يتحسس طريقة في البيت المهدي..! لكنها محمدة أن تطورت رؤاه في ذا الزمن الوجيز وحسبنا أن لا ياتي من يقول بإن الإمام قد تجاوز الزمن الإفتراضي له..! وتشابهت في رؤياه صحوة إسلامية كانت أم قومية..!. وحتى في مخاطبته قواعد الجبهة الثورية لم يوعدهم بشيء، بل هو لا يرجو سوى أن ينخرطوا في عباب السامعين الناظرين، وكأنما التضحية بالحياة تتساوى عنده بنزهة على شاطيء الريفيرا..أو إمساكٌ بمضارب البولو على صهوة جواد أشم..! أما مستقبل زملاءه من أهل الإجماع الوطني فهو أن يستمعوا إلى ما يقول وينفذوا ما يشترط.. ولهم أسوة حسنة بهؤلاء الذين أتوا ليستمعوا لا ليسمعوا..!. وحين يدلف لمستقبل المؤتمر الوطني فهو يطلق الوعيد تارة ويرسل باقات الزهور تارة أخرى.. علّ الريس يستمع له قبل فوات الأوان وقبل أن تتحطم مركب الإنقاذ بمن فيها..! وهاهو يدعوه لأن يدخل التأريخ وكأنما ربع قرن من الزمان لم يدخل الإنقاذ في تأريخ السودان.. وتذكرة للإمام بأن الخليفة التعايشي قد أدخل البلاد قبل قرن خلى في إتون حروب ومجاعات لم يسلم منها فرد من أهل ذاك الزمان.. وهاهو التأريخ ما زال يذكرنا بأن كان لنا حاكماً أسس أول دولة سودانية في العهد الحديث!!!. فكيف يطلب الإمام رحيل النظام ويدعو رأسه للبقاء حفاظاً على البلاد..!. أما من أجل تحرير البلاد.. فقد قال الصادق المهدي " نحن نعمل لإقامة نظام جديد يحرر البلاد من الاستبداد والفساد ويحقق التحول الديمقراطي الكامل، والسلام العادل الشامل، وسيلتنا لتحقيق ذلك التعبئة والاعتصامات وكافة الأساليب المتاحة إلا العنف، وإلا الاستنصار بالأجنبي " لكنه لم يسترسل ليقل في ظل وجود أعمدة الإنقاذ التي شيدتها على مدار ربع قرن من الزمان..! وإن إعترف بأن تلك هي أولى خطوات التطبيع مع إنقاذ المؤتمر الوطني..! ويختتم الصادق المهدي خطبته بقول يجافي ما إبتدر به.. إذ يقول بدستورية مؤسسات حزبه الذي يطلب رئيسه من أفراده أن يعطلوا حواسهم إلا من سمع وبصر وأن عليهم أن يستمعوا لا أن يسمعوا فقيادتهم قد إكتنزت أذانها وقراً أو كما يقال..! فهل يصدق الصادق المهدي مقولته " بأن لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال ".. فيترجل عن صهوة الفرس الذي ورثه ويترك لخيل أنصاره وأفراد حزبه عنان أن يبنو مجداً فشل في تحقيق جزء يسير منه..!. أبعد هذا لم نعرف ما هدف له الصادق المهدي.. إنها وعمري أحجوة من يتقلب في فراش لا يسعه..!!!! د. العوض محمد أحمد