[email protected] دخل عبد الصبور على زوجته محاسن بعد يوم عمل طويل ومنهك للغاية ، ولكن رغم ذلك جاءها وفاجئها على غير العادة في ذلك اليوم شامخاً ومليئاً بالعزة والعنفوان و" رافع نخرته " في السما وفي نظرات عينيه رسالة ما وفي نفسه شيء من حتى ، ما أن رأته هكذا حتى بادرته مستغربة حيث تعودت أن يأتيها " منتهي " والشحن بتاعه مخلص " وما فيه فايدة تب " بادرته بنبرة حادة وعدم مبالاة !! مالك الليلة خير يا راجل في شنو ؟ ، واصل في تماسكة ورباطة جأشه وقال لها بكل جرأة وقوة وعزيمة وفي " وشيها " وبطريقة حاسمة ومباشرة " الشعب يريد تغيير النظام " ، قالها وهو في داخله يتوجس خيفة من ردة فعلها وقال مخاطبا نفسه " الليلة قيامتك قامت " . نظام شنو يا راجل ، نحن لسنا تونس ولا مصر ، وإياك من التقليد وهذا الكلام الغريب والفاضي الذي تقوله " ما بمشي معاي " ، وكلامك ده تاني ما تقوله وأسكت عليه وامشي استعد عندي مؤتمر مهم للحزب لاستقطاب الشباب وسأتلقى بيعة الشعب الذي كل يوم يزداد حبه لي وتمسكه بي وما فاضيه أساساً للكلام الفارغ ده ، وكما تعلم أنني أعمل وفق الشرعية الدستورية والتفويض الممنوح لي من الأولاد اقصد من الشعب ، " مش كله ماشي بأمر الحكومة " ، أنت عاوز تعمل لي بلبلة وفوضى في البلد ، أنت فاكر الفيس بوك بتاعك الكاسر ضهرك فيه ده بخوفني . يلا يا ولد البقالة جيب حاجات المؤتمر بسرعة ريثما جهزت الشاي. استمر عبد الصبور في رفع شعاره دون خوف من محاسن أو مهادنة ، لم يكن يطلب تحسين مستوى الوجبات ، ولا رفع مستوى الاهتمام بالنظافة والترتيب بالمنزل ، ولم يعد يهمه قضية " فرتكة " المال العام في الأكل الجاهز أو التسوق الكثير فسقف طموحاته أصبح اكبر من ذلك بكثير، قضيته هذه المرة قضية كرامة ورد اعتبار أمام نظام أمني قمعي سيطر على مقاليد الأمور لأكثر من عقدين بوتيرة واحدة وفاشلة لم تحقق أي تنمية أو رفاهية للمواطن ولمستقبل الأجيال . أحست محاسن التي تحكم دولة غير نفطية متوسطة الموارد بخطورة الموضوع وجدية عبد الصبور في مطلبه بالتغيير فقامت ببعض الإصلاحات البسيطة وغير الجوهرية علها تنهي هذه الحالة تمثلت في : المبادرة بعمل قهوة عبد الصبور فور وصوله من العمل وليس بعد أن تفور أعصابه وتمرق من مزاجه . القيام " بكوي " ملابسه بنفسها بدلاً من ربطها في " بقجة " كي يأخذها وهو نازل للمكوجي . بدأت تنتظره صاحية وفايقة وغير متابعة لأي مسلسل تركي ، مبدية بعض اللين في ترك أي شيء سوى كرسي القيادة. تذكرت بعد طول غياب أن هناك وجبات شعبية كثيرة يفضلها عبد الصبور وحرم منها لسنوات طويلة وكانت تفرض عليه وجبات غريبة تتعبه صحيا ومادياً ونفسيا ، عاودت عمل هذه الوجبات بعد طول غياب. قللت معدل عدد مرات شراء رصيد على حسابه من البقالة . وافقت على عمل الحرجل في شاي الحليب . لم تثني هذه الإصلاحات المحدودة عبد الصبور عن مطالبته بالتغيير والحرية ، ولكن الست محاسن ليست سهلة ولديها وسائل قمعها لمثل هذه الظواهر الغريبة التي تصدر من شعبها المغلوب على أمره وياما قمعتها في مهدها ولكن هذه المرة على ما يبدو أنها خرجت عن السيطرة وواصل عبد الصبور ثورته من اجل الحرية والكرامة ، وبدأت محاسن " ترخي " وبدأت أجهزتها الأمنية تعجز عن كبح ثورة عبد الصبور ، هنا لاحت في الأفق مبادرات حل للازمة بعضها من المجتمع الدولي الذي له توازناته ومصالحه المرتبطة بمحاربة القاعدة وإيقاف المد الشيعي لكنه نصح محاسن باحترام حقوق شعبها، وأخرى من بعض الأنظمة الصديقة تحدثت عن الخروج الآمن ومراعاة التضحيات والخدمات التي قدمتها محاسن خلال مدة حكمها الطويلة كإيقاف حرب الجنوب وتوقيع اتفاقية السلام الشامل وصد قوات حركة العدل بعد أن توغلت داخل امدرمان وفصل الجنوب ، وتم فعلاً خروج محاسن بشكل سلس ضمن لها سلامتها وسلامة أرصدتها وثروتها ، والوعد بعدم ملاحقتها قضائيا هي وأبنائها وتم تفويض صلاحياتها للقوات المسلحة التي أثبتت قدرة غير متوقعة على تسيير أمور البلاد لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر ، تلملم فيها الأحزاب نفسها وتظبط علاقاتها كي تنزل الانتخابات بثقة وقوة خلال صيف العام الجاري وصار المشهد السياسي خلال الفترة الانتقالية كالتالي : صار بإمكان عبد الصبور السفر في إجازة لبلده في أي وقت شاء وبمفرده دون أن يتحايل بأنه ماشي " يبني " ودون أن يقضي معظم الإجازة مع نسابته. أصبح بإمكانه أن " يفسبك " على مدار اليوم دون أن يخضع لمراقبة النظام وأجهزته الأمنية " حرية تعبير " . لاحظ معدل انخفاض الدين العام والاستدانة من صندوق النقد الدولي " البقالة " حيث ألغت الحكومة الانتقالية كثير من البنود الغير مهمة . قل ذهاب أبناء وبنات الشعب المبالغ فيه للمكتبة والبقالة بعد تغيير نمط سياسة الشراء المتعمدة الذي كان سائدا بشكل فيه " افتراء " . بدا يشتري ملابس وعطور لنفسه بعد أن كان موهوما بأن الأولاد هم الأهم ومافي داعي يفكر في نفسه . وعاد مرة أخرى للباس بنطالين الجينز والتي شيرت بعد أن كانت محرمة عليه بحجة أنها لا تناسب عمره . ألغى الباسوورد من جواله وصار " يجدعه " في أي مكان دون خوف من مراقبة المكالمات والرسائل الواردة في انصاص الليالي المرة في حضن العذاب. صار ممسكا بزمام ريموت التلفزيون " يتجدع " بين الجزيرة والعربية ، بعد أن كان بيد غيره ومخصص للمسلسلات التركية والأمريكية فقط وممنوع تعاطي السياسة. مع تمنياتنا لكل صابر وصابرة بالحرية والديمقراطية والسلام . عبد المنعم الحسن ابريل 2011-04-19