منتصرمحمد زكي كلفتني شقيقتي بالذهاب الى مدرسة إبنها حمودي الذي يدرس بالصف الأول أساس .. وعندما سألتها عن السبب .. أخبرتني ان حمودي خرج إلى المدرسة صباحا وهو يرتدي طرطور ( طاقية برد ) وعاد نهارا بدونه .. وعند سؤاله عن الطرطور ذكر أن ابن عوف زميله في الفصل أخذه منه .. سألته مستنكرا : لماذا لم تسترد طرطورك من ابن عوف ؟ أجابني بكل عفوية : ( ها أنت ما عارف حاجة ساي والله بن عوف ده جراي جري .. الفصل كلو لو جرى وراهو ما يحصلو ) حاولت أن أقنع شقيقتي ان ما حدث مجرد حادثة عابرة وشقاوة أطفال .. لكنها أصرت بشدة على ذهابي للمدرسة لتقصي الأمر وردع الهمباتي الصغير حسب قولها .. لأن السكوت سيجعله يتمادى في ممارسة البلطجة على زملائه والاستيلاء على ممتلكاتهم واحدا تلو الآخر .. رافقت حمودي في اليوم التالي الى مدرسته وأنا أحمل صورة ذهنية للشرير الصغير ( ابن عوف ) بملابسه المكرفسة ونظراته الماكرة .. يتأبط حقيبة ضخمة بداخلها كراريس فاضية وأخرى ممزقة من كثرة الجلوس عليها ... أول ما لفت نظري داخل حوش المدرسة .. وجود سوق صغير في شكل نصف دائرة من الأشجار .. مجموعة من النسوة يبعن الساندوتشات والحلوى وغيرها .. أرشدني حمودي الى مكتب أبو الفصل لأكتشف أنها معلمة أي أم الفصل شرحت لأم الفصل ماحدث من المدعو ابن عوف تجاه زميله حمودي .. مؤمنا على الدور المشترك ما بين البيت والمدرسة في تقويم سلوك الصغار .. أبدت المعلمة انزعاجها وأرسلت في طلب ابن عوف .. وهي اللحظة التي كنت أنتظرها .. بعد دقائق قليلة حضر ابن عوف ولدهشتي الكبيرة .. لم تنطبق عليه الصورة التي رسمتها له في ذهني .. كان نحيلا .. ضئيل الجسم .. مهندم الثياب .. يتقدم نحونا بخطى متثاقلة كقطة صغيرة بائسة .. فقط تلك النظرات الماكرة هي ما يميزه عن الآخرين ويمنحه صفة شرير .. وكما توقعت تماما .. أنكر ابن عوف أخذه لطرطور حمودي .. ذاكرا بعض الأسماء .. علمت من المعلمة أنهم من شاغلي الكنبة الأخيرة في الفصل ومن مثيري الشغب .. لعلكم أدركتم من خلال وصفي لحجم ابن عوف أنه من ضمن الكوكبة التي تجلس في مقدمة الفصل في الصفوف الأولى .. وهو ما يخالف الانطباع السائد .. والنمط الذي اعتدنا عليه .. وصار من المسلمات .. وهو ان الذين يجلسون في الصفوف الأولى هم الشطار والمسالمين .. تغير ذلك المفهوم مع طوفان العولمة .. وثورة الاتصالات والفضاء المستباح ... نسيت ان أقول لكم ما ذكرته لي المعلمة .. بأن ابن عوف هو حفيد ناظر المدرسة .. وله شقيق يدرس في الصف السادس .. وابن خالة يدرس في الصف الثالث .. وأن صاحب الدكان الذي يفتح على المدرسة هو عمه .. يعني حلف ناتو عدييل كده .. لا أدري لماذا تذكرت اسرائيل وأنا أنظر الى ابن عوف وهو يقدل كالطاؤوس في حوش المدرسة .. مزهوا بانتصاره علينا .. أنا ومعلمته وحمودي .. وانكاره لواقعة تشهد كل المدرسة على قيامه بها .. كيف لا يفعل .. وكل ماناله على فعلته توبيخ أقرب للرجاء منه للعقاب