عندما كثرت الحوادث في شارع مدني الخرطوم وبات يروح ضحيتها اعداد كبيرة من الناس سمعنا اقتراحات غريبة وعجيبة لحل المشكلة التي باتت تؤرق الجميع إلا المسئولين عن حماية ارواح العباد في حكومة الولاية . من اغرب تلك الاقتراحات اقتراحا يقول باعتماد الخط الغربي الذي يمر بالمسيد و الكاملين والحصاحيصا كخط من اتجاه واحد على ان يكون للذهاب فقط وجعل خط الشرق الجديد الخط الذي يمر برفاعة والمحس وودراوة خط اتجاه واحد ايضا على ان يجعل للإياب الى الخرطوم ، اذكر اني قلت وقتها لأحد اعضاء اللجان ان هذا الحل هو حل مضحك ليس اكثر لانه غير قابل للتطبيق فسالني مستنكرا قائلا لماذا ؟؟ قلت له : تخيل معي ان شخصا خرج من المسيد او التكلة او امغد او النوبة ويريد ان يقضي حاجة في الكاملين او الحليلة او الكسمبر او الترابي او ابوعشر فكيف سيعود بعد قضاء حاجته ؟؟ فسكت ..
فقلت له ان ذلك الشخص لن يستطيع العودة الى قريته إلا اذا سافر الى الحصاحيصا ليعبر النيل عن طريق كبري رفاعة ، ثم يسافر الى الخرطوم ، ثم في الخرطوم عليه ان ينتقل من شرق النيل الى الميناء البرى حتى يستطيع ان يركب الى المكان الذي خرج منه ، والله اعلم كم وسيلة مواصلات سيستغل حتى يتمكن من الرجوع الى بلده ، والله اعلم كم يوماً سيحتاج للانتهاء من تلك الرحلة السندبادية ، وكم سيحتاج للصرف عليها .
وقلت له ايضاً تخيل معي ان شخصاً خرج من الخرطوم وذهب للعمل في الباقير ، او جياد ، او لينهي معاملة في شرطة المسيد ، فيكف سيعود ذلك الشخص بعد الانتهاء مما خرج اليه ؟؟
ان ذلك الشخص ايضا لن يتسطع العودة إلا اذا سافر الى الحصاحيصا ليعود الىى الخرطوم عن طريق الشرق فتخيل معي كم سيحتاج من الوقت ليصل الى الحصاحيصا ثم منها الى الخرطوم ، وتخيل معي ان هذا الشخص يسكن الشجرة ، او الكلاكة ، او امدرمان فمتى سيصل الى بيته وكم وسيلة مواصلات عليه ان يركبها داخل الخرطوم حتى يتمكن من بلوغ مقصده ؟ وقلت له ان عليه ان يطبق ذلك ايضاً على القرى التي تقع على الخط الشرقي مثل رفاعة والمحس وودرواة والعيدج .. الخ ..
وعندما لجات الجهات المسئولة لفكرة تحويل البصات السفرية ( السياحية ) الى خط الشرق في رحلة عودتها قلنا ان ذلك تصدير لجزء من المشكلة الى الخط الشرقي وان ذلك ليس بحل لمشكلة الطريق الغربي لان الحوادث لا تقع مع البصات السياحية فحسب فنسبة البصات السياحية الى باقي العربات والشاحنات والحافلات التي تستخدم الطريق هي نسبة ضئيلة لذا فان ذلك الحل حتى وان قلل من المشكلة لن يقلل منها بنسبة تكون ذات اثر فعال وإنما قد يؤدي الى تخفيفها تخفيفاً جزئياً بسيطاً فحل المشكلة الجذري يكمن في خط مواز للخط القديم ولكن الدولة لا تريد ان تفعل ذلك بالرغم من ان ايرادات المحلية التي يشقها الطريق القاتل كفيلة بانشاء عشرات الطرق ، وبالرغم من ان ايرادات الطريق نفسه لا تحصى ولا تعد ، ولكن ( يضيع كل حق ليس وراءه مطالب ) فتلك الايرادات تستخدم في انشاء الطرق في ولايات اخرى . اما حل المشكلة المؤقت فيكمن في تحديد السرعة القصوى بسرعة تجعل مستوى الخطر في ادنى درجاته على ان تطبق على المخالفين جزاءات فعلية رادعة قاصمة لظهر المخالف المستهتر حتى تتم المحافظة على ارواح الابرياء.
هذه الايام وإنا اشاهد التلفاز اسمع كلاماً يشبه تلك الاقتراحات واسمع استهجانا والقاء غريبا للوم على سكان شرق النيل الذين كأن محنة السيل لم تكفهم فقرر بعض نضري الوجوه ، لابسي البدل ، ورابطي ربطات العنق ان يزيدوا معاناتهم معاناة فلقد القى بعضهم باللائمة على اولئك المساكين لأنهم سكنوا في تلك المناطق القوا باللوم عليهم وكأن لسان حالهم يقول انهم يستحقون ذلك لأنهم سكنوا هناك . والاعجب من ذلك ان البعض اقترح بان لا يتم السماح في المستقبل بالبناء إلا ضمن مواصفات محددة ومعروفة ومع هؤلاء كل الحق في لومهم وفي اقتراحاتهم التي تكرموا بها لمساعدة المساكين فهم لا يعرفون ان الذين جاؤوا نزوحاً الى العاصمة في السنوات الفائتة ، وسكنوا في اطرافها انهم جاؤوا اليها مضطرين مجبرين غير مختارين ، ليبحثوا عن ما يسدوا به رمق بطونهم وبطون اطفالهم بعد ان انعدمت مصادر الدخل في البلد كله تقريبا بسبب اهمال الزراعة ولان تكاليف الحياة اصبحت فوق الاحتمال . وان هؤلاء المساكين عندما جاؤوا لم يكن في استطاعتهم ان يسكنوا في المجاهدين او الرياض او السليمانية او كافوري او المهندسين حيث يقوم الصندوق الاستثماري للضمان الاجتماعي بتخطيط المخططات في المناطق الاستراتجية وبيعها بمبالغ تفوق المليار جنيه لقطعة الارض الواحدة لذا لم يجد هؤلاء امامهم مكانا غير الاودية والمناطق النائية ليسكنوا فيها . ج ومعهم كل الحق في اقتراح تبنى مواصفات محددة لا يسمح بالبناء من دون التقيد بها فهم لا يعرفون ان هؤلاء المساكين الذين سكنوا في الاودية يناضلون ويقاتلون من اجل قوت يومهم لا اكثر وأن الغالبية العظمى منهم غير قادرة على البناء إلا بالطين والقش والحصير ولو لم يكن الطين بالمجان لما استطاعوا ان يبنوا بيوتهم به . وهم لا يعرفون ان الدولة نفسها قد قامت بإسكان الناس في الاودية نسبة للضغط الكبير على العاصمة بسبب هجرة الناس اليها فهم غالبا لم ( يسمعوا بالوادي الاخضر ) لأنهم في واد والناس في واد اخضر اخر .
ان هؤلاء المساكين ساكني الاودية لا يريديون ايها السادة ولا يطالبون بغير مصارف ( خيران ) للسيول .. اترونها كثيرة عليهم تلك ( الخيران ) ياااااااا .............. ( سادة يا كرام ) ؟؟