دارفور وجبروت العولمة والتنصير د. ياسر محجوب الحسين العولمة والتنصير والتغريب مترادفات وظلمات بعضها فوق.. الاستعلائيون يستهدفون ترويض همم المستضعفين ليصبحوا على استعداد لقبول أي شيء ثم إعادة تشكيل أفكارهم وأحلامهم بوسائل عديدة تبدأ بالإغاثة والإنجيل وتنتهي بالمدفع والدبابة.. ولا فرق بين الاستعلائيين إن كانوا من جهة الفرانكوفونية أو الأنجلو ساكسونية. ربما يفرض سؤال كبير نفسه.. هل ثمة علاقة تربط العولمة بالتنصير؟ وما هي الحدود الفاصلة بين التنصير والتغريب والعولمة؟. ثارت هذه التساؤلات منذ فترة بعد ضبط ((50 كرتونة تحوي (3400) نسخة من الإنجيل بمقر منظمة أمريكية تدعى (لا مزيد من العطش) بواسطة سلطات ولاية شمال دارفور بالسودان.. وسنتجاوز الحديث عن كون هذا العمل تجاوزا وخرقا لاتفاق عمل المنظمات الأجنبية، حتى لا نخرج عن موضوع العولمة. في أعقاب سقوط الإمبراطورية العُثمانية أصبح التغريب أشدّ خطورة لا على الأمن الثقافي فحسب، وإنما على الأمن القومي الإسلامي برمته، فالتنافس المحموم بين الإرساليات الكاثوليكية والإنجيلية أدى إلى قيام منظومتين ثقافيتين عالميتين، هما الفرانكوفونية والأنجلو ساكسونية، وهما إلى اليوم تخوضان "حرباً" ثقافية باردة بمعنى أن الصراع الدائر بينهما لم يعد يقتصر، كما كان بالأمس على التبشير؛ وإنما تخطاه إلى كل ما يمت بصلة إلى الشؤون الثقافية والفكرية والإعلامية والفنية والأدبية والعلمية والتكنولوجية واللغوية وغيرها، وما يستدعي الانتباه أن منطقتنا لا تزال محور هذا التنافس وموضع تجاذب كبير من جانب المنظومتين، بحيث لم يخل أي قُطر من الأقطار من تأثير كل منهما فيه. اليوم يتأكد أننا أمام معطيات محددة تفرزها العولمة من أبرزها أن هذه العولمة مصدرها ومركزها الغرب؛ وأنها ليست أدوات ووسائل تقنية حديثة أو أنماط إنتاج جديدة بل هي مضامين قيميّة وثقافية.. لذا يجب النظرباهتمام إلى الجوانب الخفية لبريق العولمة، وليس خافياً أنه عندما يطلق الغربيون ومن شايعهم تعبير "الحضارة" غالباّ ما يقصدون به الحضارة الغربية، والسلوك الغربي يؤكد أن الغربيين يحتقرون الحضارات الأخرى بل لا يُقيم لها وزناً، ولذا كان ديدن كل غربي التعالي والتكبر، واتهام كل معتز بحضارته بمعاداة الغرب وحضارته وبالتطرف وربما بالإرهاب. والتنصير جزء من العولمة الثقافية، لكن للعولمة الثقافية بعدا تجاريا عبر محاولة توحيد أنماط عيش الناس وأذواقهم ورغباتهم وسلوكهم وحتى طرق تفكيرهم ونظرتهم إلى أنفسهم، فليس غريبا أن تتعلق قلوب وأفئدة الأطفال الصغار ب"الهامبورغ" و"البيتزا هت" و"كنتاكي" و"البيبسي كولا" و"توم آند جيري" و"باربي" وهلمجرا.. وتقوم فلسفة العولمة على ثقافة الاستهلاك وإشاعة الروح الفردية والتنافس في الكسب المادي حيث لا فرق البتة بين الإنسان والحيوان.