تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالات: الصراع الإسلامي - المسيحي في إفريقيا

رغم الحديث الكثير عن الحوار بين الحضارات والأديان وسعي أعداد متزايدة من المفكرين ذوي النوايا الحسنة الحادبين على مستقبل الإنسانية لإبراز القيم الإنسانية الجامعة بين البشر التي تدعو لها مختلف الديانات وترتكز عليها كل الحضارات فإن واقع الحال يشير إلى غلبة التنافس الزى يصل في بعض جوانبه إلى الصدام بين الحضارات والأديان وبلغ ذلك غايته في العلاقة بين حضارة الإسلام والحضارة الغربية المعاصرة وليس من مكان تشتد فيه المواجهة بينهما أعظم من قارة إفريقيا.
الصورة: خريطة الأديان في إفريقيا (جامعة متشجان): الإسلام=I ، المسيحيحية: c
وقد دخلت المسيحية إلى إفريقيا منذ القرن الرابع الميلادي تقريباً بدؤا بالمذهب القبطي اليعقوبي وكانت عاصمته الإسكندرية وكان ينافس المذهب الملكاني الكاثوليكي في روما ومن الإسكندرية دخلت المسيحية إلى الحبشة ومنها ومن روما دخلت المسيحية إلى الدويلات النوبية في نوباطيا والمقرة وعلوة(1).
وقد دخل الإسلام في إفريقيا منذ أوائل الدعوة وكانت إرهاصاته قبل الهجرة حين احتمى بعض مسلمي مكة بنجاشي الحبشة كما هو معلوم ودخل الإسلام في مصر منذ حوالي عام 27ه ورأينا أثاره في السودان منذ عام 31ه في مسجد دنقلا الذي ورد ذكره في معاهدة البقط بين عبد الله بن أبي السرح وملك دنقلا النوبي وقد أدى انتشار الإسلام إلى سقوط المقرة بعد حوالي خمسة قرون وبعد حوالي القرنين والنصف من ذلك سقطت علوة وقامت للإسلام دولة في وسط إفريقيا بعد حوالي الثلاثة عشر عاماً من سقوط الأندلس في أيدي الفرنجة وكان الإسلام قد عم شمال إفريقيا منذ منتصف القرن الهجري الأول وبدأ زحفه في العمق الإفريقي وانتهى بقيام الدولة الإسلامية في غانا ( القرن الرابع حتى السابع الهجري) ومالي ( من القرن السابع حتى العاشر) وامتد أثر الإسلام إلى معظم دول غرب ووسط إفريقيا مما يعرف الآن بنيجيريا والنيجر والكمرون وإفريقيا الوسطى وتشاد وما إليها إلى جانب المناطق القديمة في غانا ومالي والسنغال وما إليها (2) وكان للإسلام انتشاره الواسع في القرن الإفريقي(3) في إثيوبيا وارتريا والصومال وموزنبيق وماجا ورها في الجنوب الإفريقي بحيث جرى القول في منتصف القرن العشرين بأننا نكاد نجد من بين كل ثلاثة أفرقة أثنين منهم مسلمين وصح في وجدان المسلمين وحسابهم أن إفريقيا قارة الإسلام , وكان الإسلام في الواقع ينتشر في إفريقيا انتشار النار في الهشيم كما عبر عنه كثير من المراقبين(4).
وقد كان للغزو الإروبي لإفريقيا وإرهاصاته التي بدأت منذ أخر القرن الخامس عشر الميلادي أثره الواضح في شحذ روح المقاومة لهذا التدخل الإروبي الذي أتخذ من نشر المسيحية ومحاربة الإسلام أداته الفاعلة ليتغلغل في إفريقيا ومن ثم كانت حركات الجهاد الإسلامية هي سلاح المسلمين لرد عادية المستعمرين سواء أكانت ذلك في الشمال الإفريقي في الجزائر والمغرب وتونس وليبيا أم في غرب إفريقيا وتمثل في جهاد عمر الفوطي في مالي والشيخ عثمان دان فوديو في أرض الهوسا والفلاني وكان معظم ذلك في شمال نيجيريا وحدث مثل ذلك في الصومال والحبشة والسودان ومصر أيام عرابي(5).
ظاهرتان
وقد أتسمت فترة الاستعمار في إفريقيا التي امتدت لما يقرب من القرن من الزمان بظاهرتين :-
أولها:-
فتح المجال للحركات التبشيرية للتغلغل في المناطق التي لم ينتشر فيها الإسلام وتشجيع أبناء المسلمين في المناطق الإسلامية على الانخراط في المدارس الحديثة التي تقوم أساساً على مناهج غربية ولا تهتم بالمعارف الإسلامية إلا في مستواها الأدنى مع سعي دائب لتهميش المؤسسات القرآنية والإسلامية عامة وكان التركيز في التعليم المدني الحديث على السعي لفصل أبناء المسلمين عن تراثهم في المدارس أولاًَ وفي تحويل لغات المسلمين التي كانت تكتب بالحرف العربي إلى الحرف اللاتيني
ثانياً(6) وكانت نتيجة ذلك نشوء طبقة مثقفة في كثير من أقطار إفريقيا تدين بالمسيحية وهي على قلتها فاعلة لامتلاكها للوسائل العصرية في الهيمنة على أجهزة الحكم وهياكل المجتمع الثقافية والإقتصادية وكانت النتيجة في أوساط المسلمين كثرة جاهلة رفضت دخول أبنائها في مدراس المستمرين ومن دخل منهم فيها خرج منها وهو غريب من وجوه كثيرة عن موروثة الإسلامي.
ولكن روح المقاومة للمستعمر حفظت على المسلمين دينه في معظم الأحوال إذ كان سلاح الدين هو أقوي الأسلحة لمجابهة مخططات المستعمرين في مجال التربية وحياة الناس الإجتماعية والثقافية فلم يفلح المستعمرين رغم جهودهم المتصلة لصرف الناس عن منابع حضارتهم وإحلال حضارته محلها ولكن المستعمرين نجحوا في أمرين : شق معظم المجتمعات الإفريقية في معظم الأحوال بين جنوب مسيحي أو ما يشبهه وشمال مسلم مع تفاوت النسبة العددية بين هؤلاء وأولئك والأمر الثاني خلق طبقة من المسيحيين والمسلمين تشربت أفكار الغرب واغتربت عن أصول مجتمعها التقليدي مسلماً كان ذلك المجتمع أم غير مسلم, وعندما تم الاستقلال لمعظم هذه الدول في الفترة 1950-1970 كانت هذه الطبقة هي التي ورثت المستعمر كطبقة حاكمة وكانت بالتالي في مجملها أكثر حرصاً على حراسة ما تركه الاستعمار من نظم ومخططات من الاستعمار ذاته ومن البديهي المقاومة التي كانت مستعمرة في مواجهة الدخيل ومخططاته وتحفظ على الناس بعض معالم مجتمعهم الموروث, من البديهي والطبيعي أن تفتر بعد جلاء المستعمرين, ولعله من المفارقات أن كثيراً مما حاوله المستعمرين وفشلوا في تنفيذه من مخططات لخوفهم من الاصطدام بالشعور الوطني, قد تم تنفيذه على أيدي خلفائهم من الحكام الوطنيين الذين وقف معظمهم بحكم تكوينه الثقافي دون انتقال مرحلة الاستقلال من مجرد تحرير سياسي إلى تحرر ثقافي وحضاري فغلا بعضهم في توجيهه العلماني فكان أنكي علي الإسلام والمسلمين من عدوهم المستعمر الأصيل وغير خاف أن عدداً كبيراً من الأقطار الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة قد وجدت نفسها وهي محكومة برئيس مسيحي في عهد الاستقلال وكانت نتيجة ذلك أن الصراع قد احتدم داخل معظم هذه المجتمعات بين توجهات الحاكمين العلمانية وتوجهات الجماهير المتطلعة إلى التعبير عن شخصيتها الإسلامية مما أفرز ما هو معلوم من حركات التطرف التي عجزت عن اختراق السياج الرسمي المضروب على التحرك السياسي فتحولت إلى حركات سرية أو علنية مناهضة للأنظمة القائمة(7).
الزحف المسيحي:-
تذكر المصادر المسيحية أن( الخط الإسلامي ظل يتقدم جنوباً بشكل مطرد منذ القرن السادس حتي حوالي عام 1950 حين وقف هذا التقدم تماماً عندماً واجهة تأثير العمل النصراني في كافة أرجاء المنطقة الوسطي والجنوبية في إفريقيا - والنصرانية تحقق الآن نجاحاً في التنصير في وسط أصحاب الديانات التقليدية بصورة أسرع (8) ويقول نفس المصدر في مكان أخر ( لقد أوقفنا انتشار الإسلام في جنوب ووسط إفريقيا وما نحتاج إليه الآن هو العمل الجاد لإيجاد منافذ ألي داخل الإسلام (9) والسؤال المطروح هو كيف تهيأ للمسيحية أن تحقق من المكاسب في عهود الاستقلال مالم تحققه في عهود الاستعمار ولعل السر في ذلك يكمن في القواعد الراسخة التي أرسي دعائمها المستعمرين في الحياة الإجتماعية والمتمثلة في الجمعيات التبشيرية وما ترتكز عليه من بنيات اقتصادية وتربوية وإعلامية ضخمة وتضافر الجهد في كافة أرجاء الغرب المسيحي علي صب أكبر قدر من التمويل لدعم جهود التبشير في إفريقيا مع العمل أحياناً لهدم دعائم التحرك الإسلامي مثلما حدث في شمال نيجريا أيام ثورة الإيبو التي انتهت بالقضاء على أعظم القيادات المسلمة في نيجيريا بقتل الساردونا أحمد بلو ورئيس الوزراء طفاوة بليوة وغيرهما من أكابر القادة المسلمين مما لا تزال نيجيريا والإسلام عامة يشعرون بفداحة فقدهم وقريب من ذلك حدث في زنزبار حيث تم القضاء على الوجود العربي المسلم وإدماج زنجبار في الإتحاد التنزاني.
ومن الواضح انه في مواجهة هذه الهجمة الغربية المضادة على إفريقيا في أعقاب خروج جيوش الاحتلال , وهي هجمة فكرية مدعومة بالأموال والمعدات الإعلامية والتربوية الضخمة , لم يكن لدى معظم الدول الإفريقية من الإمكانات ما يقف في وجهها , بل إن معظم الجماهير المسلمة في هذه الأقطار كانت بين شقي الرحى فحكامها لا يهتمون بإسلامهم ولا بإسلام قولا يقدمون الدعم للمؤسسات التي تعمل في مجال التعليم الإسلامي والدعوة الإسلامية , إن لم يكونوا منائين لها, في حين أن قواعد التبشير الراسخة تجد دعماً متصلاً من الدول الغربية ويمكن ان نستعرض بعض الإحصاءات في مقام, فقد أصدرت الهيئة الدولية لبحوث الإرساليات المسيحية نشرة عن التنصير وأنشطته في العالم لعام1991م ذكرت فيها التنصير 320بليون دولار وإنها انفقت لخدمة المشاريع المسيحية 163بليون حققت منه الإرساليات الأجنبية دخلا قدره 8.9 بليون دولار ويعمل في مجال التنصير 82 بليون جهاز كمبيوتر لحفظ ونشر المعلومات وصدر 88.610 كتاب 24.900 مجلة أسبوعية للتبشير ووزع من الأناجيل بالمجان 53مليون نسخة وبلغت محطات الإذاعة والتلفزة الخاصة بالتبشير 2240 محطة وإذا جمعت الأرقام الخاصة بالتبشير لعام 1991 بلغت 181 بليون دولار(10).
ومن المفيد أن نستعرض في هذا المقام ما نشرته مجلة تايم الأمريكية قبل ما يزيد على عشر سنوات من تاريخ هذه الإحصائية إذ ذكرت في عام 1980 أن سكان إفريقيا البالغ عددهم 460 مليون 53 مليونا من الروم الكاثوليك وان المسيحية عامة تذداد بعدل 6مليون نسمة أو يزيدون قليلاً كل عام أي نسبة 5% في العام وهي نسبة زيادة لم تشهدها المسيحية في كل تاريخها ومن المتوقع ان يبلغ عدد المسيحين 400 مليون من جملة سكان إفريقيا ال 800 بنهاية القرن ولذلك قال البابا جون بول الثاني أن ( إفريقيا قارة ناضجة للحصاد) وقال التايم ( إن من المدهش عن نمو المسيحية لا يتجاوز ال30% عام 1960 أصبح عام 1980 حوالي ال50%(11).
ومن الواضح أن المخططات التبشيرية الموضوعة منذ بداية هذا القرن والتي حددت نهاية هذه القرن لوضع حد لانتشار الإسلام جنوب خط الاستواء تسير بخطى حثيثة على طريق التنفيذ , وكان من ضمن ذلك كما يعلم دارسو هذه المخططات تقسيم السودان إلى مناطق تبذل بمقتضاها الجمعيات التبشيرية في جبال النوبة والأنقسنا والجنوب أقصى جهودها لتحضيرها لهذه المرحلة وتنتهي بإقامة دولة مسيحية في الجنوب تحول دون أي مد إسلامي جنوباً , بينما يكون سعي المبشرين في مناطق المسلمين إلى زعزعة إيمان المسلمين بدينهم وصرفهم عن طريق المدارس والإعلام عن أي توجه إسلامي وتحييدهم.
وقد كان هذا التوسع النصراني على حساب الإسلام يتم في صمت ودون ضجة بل وكان يصحبه دعاية ضخمة بأن الإسلام ينتشر بسرعة في إفريقيا بغرض تطمين المسلمين ودفعهم إلى الاستكانة والدعة والحكم بأن الإسلام يتقدم بقوته الذاتية أمام المسيحية.
الدور الإسلامي العربي:
وأمام هذه النتائج المذهلة لمعركة الإسلام والنصرانية في إفريقيا لا نكتفي بجهود النصارى وحدهم في تحقيق هذه الانتصارات بل لابد ان نضيف إليها جهود الصهيونية التي هي أعظم ظهير لهذا التوسيع النصراني وتقف وراءه بالدعم المادي والمعنوي(12).
ولكن السؤال الملح ما هو دور الشعوب الإسلامية والأمة العربية في هذه المعركة المحتدمة؟ وكلنا يعلم ما قامت به كثير من الدول العربية من تقديم العون المادي والمعنوي للأمم الإفريقية في أعقاب حركة الاستقلال فقام بنك التنمية في إفريقيا الذي مقره الخرطوم وقدم الملايين لكثير من المشاريع الإفريقية كما قام البنك الإسلامي بجدة بجهد كبير وأنشأت منظمة المؤتمر الإسلامي بعض الجامعات وأقامت بعض الدول مراكز ثقافية ومؤسسات تربوية ودعوية مثل السعودية والسودان ومصر وليبيا والعراق, ولكن هذا التعاون العربي الإسلامي سرعان ما أنحسر وتوقفت معظم المشاريع المشتركة, وكانت النتيجة لكل ذلك سالبة إذ دخل في روع كثير من الأفارقة عدم مصداقية من بدءوهم بالإعانة ثم قطعوها عنهم.
وقد صاحب هذا الجهد العربي الإسلامي في إفريقيا كثير من المظاهر السلبية خاصة في مجال العمل الإسلامي إذ كان ينقص هذه الجهود التنسيق بحيث لا يحدث الصدام أو التنافس بينها , وكان من هذه المظاهر السالبة إرسال مجموعات غير مدربة من الأقطار المانحة أو الاستعانة بكوادر محلية ما كانت في معظمها فوق مستوى الشبهات فبددت الأموال في غير ما خصص لها, ولعل أسوأ هذه الظواهر الفتن الدينية التي أحدثتها بعض هذه المجموعات التي بعث بها للدعوة فأثارت بعض المسلمين على بعضهم الآخر بالتركيز على بعض القضايا الحساسة مثل محاربة التصوف في مجتمعات تقوم في جملتها على الطرق الصوفية أو التركيز على بعض المسائل الفقهية غير الأساسية مثل السدل والقبض واستعمال السبحة وما إليها وقد أثار بعض ذلك حروبا شغلت المسلمين بأنفسهم عن دعوة غيرهم للإسلام.
وبالتالي فقد انتهت هذه الجهود المبعثرة رغم صدق النية إلى نتائج لا تقارن بما تحققه المؤسسات الكنسية والتبشيرية من إنجازات ويحدث ذلك في وقت تحتاج فيه الأمم الإفريقية أكثر من أي وقت آخر إلى الدعم وهي تعاني من انحسار مواردها القومية وتدني إنتاجياتها بفعل الظروف الطبيعية من شح الأمطار وما تبعه من جفاف وتصحر إضافة إلى فشل مشاريع التنمية في معظم هذه الدول بسبب تورطها في استجلاب المعدات العالية التقنية العالية الثمن مع ضعف الكوادر الفنية التي تقوم عليها وما جره ذلك من ديون باهظة قعدت باقتصادياتها وانتهت بمعظمها إلى العجز عن والوفاء بما عليها من التزامات مالية للدول الغربية الدائنة مما جعلها رهينة لهذه الدول وذلك في جوهره استعمار في شكل جديد, ومن الواضح ان أسلوب التنمية الذي سعت به هذه الدول مثل دول العالم الثالث إلى تقليد الدول الصناعية الكبرى في إحداث التنمية بهذه الصورة المتقدمة بدل الاستعانة بالتقنيات المتوسطة القائمة على تطوير أساليب الإنتاج المحلية كان شركا أوقعت فيه الدول المصنعة للأدوات هذه التنمية دول العالم النامية في قبضتها باستنزاف دخولها القومية في شراء مصانع ومشاريع انتهت في جملتها بالفشل ففقدت الدخول مضافاً إليها عبء الديون مع ضياع فرص التنمية في زمان كانت معظم هذه الدول تملك الإمكانات لإحداثها حينذاك ويصعب عليه إن لم يستحيل تعويض ما فاتها في زمان ارتفعت فيه أسعار السلع المصنعة وتدنت أسعار المواد الخام التي ترتكز عليه اقتصاديات الدول النامية.
أدت هذه الأوضاع إلى تدني المستويات الاقتصادية والاجتماعية في معظم دول العالم الثالث وبالذات في إفريقيا مما نجم عنه كثير من الاضطراب والارتباك في هذه الدول بالذات الإسلامية منها, وقد كان هذا الارتباك والاضطراب بالذات هو مدخل الحركات التبشيرية لاقتحام حصون هذه المجتمعات المسلمة وأدبيات المبشرين تذكر ذلك بوضوح إذ يقولون في أحدي مطبوعاتهم ( لقد تحولت الأوضاع النصرانية - الإسلامية خلال ربع القرن الماضي ( وكان ذلك عام 1978) ومن وضع كان فيه الإسلام ينتشر سريعاً بتحويل الناس إليه إلى نمو سببه الرئيسي هو زيادة السكانية والكتاب المقدس النصراني يصل الآن إلى المجموعات الإذدواجية كما تتوطد الكنيسة بسبب ارتباك الإسلام وهزيمته. ويعزو التحول إلى ثلاثة أسباب هي عرض الكتاب المقدس بصورة ملموسة والعلمانية التي تجذب الكثيرين وانتشار التعليم الغربي بصورة واسعة لا يستطيع الإسلام أن ينافس فيها ذلك العالم الحديث(13).
في مثل هذا الوقت الذي تحتاج فيه الدول الإسلامية في إفريقيا إلى دعم إخوانهم في العالم الإسلامي والعربي تنحسر هذه المساعدات ويصبحون نهبا مباحاً للحركات التبشيرية التي تقدم لهم الدواء في مستشفياتها وتقدم لهم الطعام في ملاجئها إلى جانب الخدمات الأساسية في المياه والمدارس وما إليها وبذلك لا تكسب الأرواحيين وغير المسلمين فحسب بل تكسب كثيراً من المسلمين المحتاجين وبذلك يتبدى لهؤلاء المسلمين عجز إخوانهم المسلمين عن نصرتهم في حين يقدم لهم المسيحيون الدعم وقت حاجتهم إليه يقول المصدر النصراني عن ذلك( لقد أصبح من المعروف الآن في معظم تلك المناطق ان النصارى قوم يلتزمون بكلمتهم ويمكن الوثوق بهم وسوف تجد الكثير من المسلمين الذين يقولون لك:( إن ما يقوله النصراني صحيح..)(14).
خاتمة:
لقد مضى عشرون عاما منذ ان أنعقد مؤتمر التبشير بكولورادو بأميركا عام 1978 الذي وضع خطته المحكمة لغزو العالم الإسلامي وأبانت مجلة تايم الأميركية وضع المسيحية في إفريقيا بعد ذلك بقليل أي في عام 1980 كما أسلفنا وتنبأت بأنه بنهاية القرن - أي في أيامنا هذه ونحن على بعد عام وبضعة أشهر من القرن الجديد سيصبح واحد من كل أثنين في أفريقيا مسيحياً وقد كانت نسبة المسلمين في إفريقيا قبل ما يقرب من نصف القرن حوالي مسلمين إثنين من كل ثلاثة أفارقة, وهي نقلة بعيدة المدى في هذا الصراع المصيري بين النصرانية والإسلام في إفريقيا.
ومن الواضح ان ما يعانيه المسلمون في كل أقطارهم من اضطراب في أحوالهم الإجتماعية والثقافية والسياسية وهم يواجهون عصر العولمة بأدواته الفاعلة في غزو العقول والقلوب ومعظمهم مستهلك لمنتجاته غير مشترك في تصنيعها كل ذلك يدعوهم إلى وقفة يراجعون فيها حساباتهم ويعيدون النظر في مناهجهم التي أدت بهم إلى هذا الوضع المزري الذي يهددهم بالذوبان والفناء في حضارة الغرب الكاسحة.
إن قضايا المسلمين لا يمكن حلها إلا بجهد مشترك بين المسلمين جميعا مما يقتضي التوحد على المستوى الإقليمي وصولاً إلى التوحد على مستوي العالم وسبيلهم إلى ذلك ابتكار مؤسسات ذات فعالية يسهم فيها أكبر عدد من المسلمين بالتمويل والإدارة لمواجهة الزحف الغربي في مجالات الدعوة والإعلام الذين تدعمهم دول الغرب مجتمعة خلال مؤسساتها الكنسية المعروفة من مثل إتحاد الكنائس العالمي وغيره من المؤسسات الكبرى , وهم في نشاطهم يركزون على تلبية احتياجات المحتاجين ولا يكتفون بمجرد الدعوة والتبشير كما يفعل كثير من المسلمين والله من وراء القصد مسددا ونصيرا.
الهوامش:-
1. أنظر فانتيني: الممالك المسيحية في السودان.
2. أنظر أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ( طبعة لاهور الإنجليزية) ص 312-362.
3. أنظر ترمنجهام: الإسلام في شرق إفريقيا وكتابات الدكتور حسن مكي عن القرن الإفريقي.
4. أنظر د/ عون الشريف قاسم : الإسلام والبعث القومي ص85-100.
5. أنظر بحوث الندوة العالمية عن الشيخ عثمان بن فودي جامعة إفريقيا العالمية ص15و100و313 .
6. أنظر الدكتور مصطفي خالدي والدكتور عمر فروخ :التبشير والإستعمار, ومحمد محمود الصواف:المخططات الإستعمارية لمكافحة الإسلام والدكتور عبد الجليل شلبي:معركة التبشير والإسلام.
7. أنظر د/ عون الشريف قاسم : الدعوة الإسلامية في إفريقيا مجلة دراسات إفريقية العدد 6//فبراير/1990 ص 19-35 .
8. أنظر التنصير( خطة لغزو العالم الإسلامي, أعمال مؤتمر كلورادو التبشيري عام1978م, الترجمة العربية ص349.
9. نفسه ص 364.
10. أنظر جريدة الشعب المصرية عدد 654 بتاريخ 23/6/92 ومحمد الغزالي: ( هذا ديننا ص 12).
11. أنظر مجلة تايم الإمريكية عدد 12/مايو/1980 ص45.
12. أنظر كامل الشريف : المغامرة الإسرائيلية في إفريقيا .
13. التنصير , مرجع سباق ص 365.
14. نفسه ص 354.
المصدر: ورقة قدمت في مؤتمر الإسلام في إفريقيا 1992م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.