إنه لشيء عجاب كنت أكثر المندهشين للورقة التي قدمها الاستاذ عادل الباز رئيس تحرير صحيفة (الاحداث) في المنتدى الثاني لمجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية يوم الخميس الماضي والذي جاء بعنوان (الصحافة .. مستقبل مفتوح على احتمالات شتى)، إنه لشيء عجاب بحق .. لأنني لم أتوقع أن الناشرين يعلمون كل تلك الحقائق عن أوضاع الصحفيين والعمل الصحفي، ثم يتمادون في السير على ذات النهج الذي ينتقدوه أو (الضلال القديم)، في حين تتكاثر الصحف أميبيا (بالانشطار) كل يوم .. وقد جئت المنتدى وأنا أكثر حماساً لأفصح عن مواضع الأزمة في الصحافة السودانية من واقع الممارسة العملية، والعلمية، فاذا بها تعلن من قبل الناشرين أنفسهم ، وإن شاء الله تكون محطة توبة بحيث لا تنتكس صحافتنا أكثر مما هي عليه الآن. الشيء الذي لم يقله الباز هو الكيفية التي يتم بها اختيار الصحفيين وتشغيلهم؟!! وقد تبين من خلال المناقشات التي أخرجت الهواء الساخن من أطراف صناعة الصحافة كافة، أن الناشرين يتعاملون مع هؤلاء بنظرية (غطي لي أغطي ليك) وهو ما يفهم من ردود عبدالله دفع الله في حديثه الغاضب الذي لمح إلى أن الناشرين وهو واحد منهم تأتيهم القروش من الحكومة ويتم توظيفها في مشاريع استثمارية أخرى ويتناسى صحيفته، وهو كلام له ما وراءه وأن هناك الكثير يجري مع الناشرين من غير أن يعلم به الصحفيون الذين يجرون آناء الليل والنهار، بمعنى آخر أن الصحف تساس عبر الونسات (الدكاكينية) وليس عبر ما يجهر به. نشير هنا إلى أن أول ضحايا إيقاف الصحف من الصدور هم الصحفيون، من غير تعينهم الحكومة بشيءٍ، ولا تذكرهم في حين أنها تعوض الناشر، وتعيد له صحيفته سالمة غانمة، ويحسب كل دعم يجده في هذا الخصوص هو له خالص، وهناك شواهد على ذلك خلال العشر سنوات الأخيرة، كما أن من يدافعون عن حقوق الصحفيين جهرة، ولكن عندما تلاحظه من واقع الممارسة لا تجده بقدر معاني المفردات التي يعبر بها عنهم. هناك تخوف ملحوظ على مستقبل الصحافة السودانية، ولكن الحقيقية أن الخوف هو من الاستثمار في مجال الصحافة الورقية بصورة عامة، لأن هناك مهددات تواجهها، محلياً وعالمياً، أما الصحافة كرسالة فإنها باقية ما بقيت الحياة، لأن الصومال لم تزل تصدر فيها الصحف رغم الظروف القاهرة التي تعيشها.