الفريق دقلو في تراجيديته الإغريقية    الدوري الخيار الامثل    عائشة الماجدي تكتب: (جودات)    القوات المسلحة تصدر بيانا يفند أكاذيب المليشيا بالفاشر    اشادة من وزارة الخارجية بتقرير منظمة هيومان رايتس ووتش    الهلال يحسم لقب الدوري السعودي    أهلي جدة يكسر عقدة الشباب بريمونتادا مثيرة    الجيش السوداني يتصدى لهجوم شنته قوات الدعم السريع على الفاشر    المريخ يعود للتدريبات وابراهومة يركز على التهديف    برباعية نظيفة.. مانشستر سيتي يستعيد صدارة الدوري الإنكليزي مؤقتًا    يوكوهاما يقلب خسارته أمام العين إلى فوز في ذهاب نهائي "آسيا"    هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟.. بحث يكشف قدرات مقلقة في الخداع    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    سألت كل الكان معاك…قالو من ديك ما ظهر!!!    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    مخرجو السينما المصرية    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عربان السودان كلام في الممنوع بقلم محمد عربان - الرياض


عربان السودان
كلام في الممنوع
بقلم محمد عربان - الرياض
:مقدمة
بعد انفصال الجنوب عاود بعض الإنقاذيين حلمهم القديم و تخيلوا أن أمر الهوية قد حسم لصالح معسكر بني يعرب. و نتمنى عليهم أن يتريثوا قليلاً في هذا الأمر بغرض إخضاعه لمزيد من النقاش. يقول مثل أفريقي:"أن تكون صوفة في ذنب أسد خير لك من أن تكون ريشة زاهية الألوان في مؤخرة ديك".
مدخل:
قدم إلى جزيرة العرب من أقصى غرب السودان فخورا بأصوله و جذوره العربية فلم يساوره أدنى شك في عراقة أصله و فصله و سعى حثيثاً للاتصال بشجرة نسبه من قبيلة السلمي اللذين كان قد قرأ عنهم إذ أنهم أهل بادية يقطنون شمال غربي مكة. فتجشم الصعاب و امتطى الفارهات الجياد و زار مضاربهم. و بعد السلام و كرم الوفادة _قهوة عربية و شاهي فقط _ (و لولا أنهم لا يكرمون إلا من يعرفون لذبحوا له كبشا أقرناً) بعد ذلك قدم نفسه بأنه "سلاماتي" من عرب السودان و أنه لمما يشرفه و يزيده فخراً أن يتصل و يتواصل مع جذوره.... و استرسل كثيراً في تسميع ما كان قد دبجه استعداداً لمثل هذه اللحظات. و استرجع ما قرأه عن عروبة السودان و أصول قبائله فالسلامات و السليم و المسلمية أولاد رجل واحد و كذلك الجوامعة و الجموعية و الجِمع أبناء عمومة و بدأ يفكر في كيفية تطوير العلاقات ما بين شعوب الجزيرة العربية و بلاد السودان و تصور مؤتمرات تجمع بين قبائل الحوازمة في كل من تشاد و السودان و الجزيرة العربية و تبادل زيارات بين وفود قبائل الحمر و الحمران في بلاد العرب و بدأ يهيئ نفسه ليحاضر عن قبائل السودان و عروبة السودان إلى أن أفاق من أحلامه و قطعوا حبل أفكاره حينما قدموا إليه بدوياً قبيح المنظر – انقبض قلبه لمجرد رؤيته و كرهه لوجه الله و دونما أي سبب– قام صاحبنا و صافح ابن أمير القبيلة و قالوا لابن الزعيم في خبث ظاهر:"هذا السوداني يقول إنو سلمي من جماعتنا و جا يبغى يتعرف على أهله"... فقال ابن الأمير ملتفتاً لقومه: "و الله السوداني لو لمّا في بلال ما ترك شي!" و فجأةً أدرك صاحبنا أن الذي بيده لم يكن فنجاناً من القهوة ,بل سطلاً من الحنظل!!
و حدثني صديق يعمل في الاستقبال بأحد المستشفيات العسكرية بالرياض فقال أنه وجد اسم مريض ينتهي بالبديري فأراد أن يفتح معه موضوعاً فقال له: "تدري أنو عندنا في السودان قبيلة كبيرة جداً اسمها البديرية؟" فصد عنه وأشاح بوجهه نافراً و قال له: " و أنا ويش عليّ منهم!!" فكان شعوره كمن أخذ دشاً بارداً في صباح يوم شاتٍ فكاد أن يتوقف قلبه على أثره.
و يجب ألا نتناسى ذلك الكم الهائل من السخرية و التهكم الذي يلحق بأبناء السودان في الفضائيات العربية و الذي يتعدى مداه خلال شهر رمضان المعظم ؛ و قد بلغوا الدرك الأسفل من الانحطاط حين صوروا نساء السودان على أنهنّ أقل ذكاءاً من القردة و البهائم حيث يأكلن قشر الموز و يرمين لبه.*
هناك حقائق يجب أن نضعها في الاعتبار. نحن عربان السودان لنا أصول عربية لا خلاف في ذلك. كما يجب الاعتراف بأن الفرع غير الأصل, فلا يشترط تطابقهما بل قد يكون للفرع مواصفات أفضل من الأصل....باعتبار أنه أخذ من ذلك الأصل و زاد عليه صفات من أصول أخرى..فاجتمعت فيه مزايا أصلين مختلفين و هذا ما نحسبه حالنا. أيضاً يجب أن نستصحب حقيقة أن أجدادنا يحملون ثقافة قومهم بكل إيجابياتها و سلبياتها. و بهم عطب و خلل استرتيجي ألا و هو التفاخر بالأحساب و الأنساب و أن هذا باقٍِ فيهم ما تعاقب الملوان و اختلف الجديدان. و لعله سر ذلك الإشكال الذي توارثه عربان السودان من تصنيفات للناس إلى زرقة و نواب و جانقي كما كانوا يسمّون ما جدّ عليهم من ثمار و فاكهة بأسماء تعكس تلك الثقافة فأسمَوا الفول السوداني "فستق العبيد" و لالوب القوم "تمر العبيد".
و من المسلمات أيضاً أن للبيئة تأثير كبير على حياة الناس. و لعل القبائل العربية التي ترعى الأبقار خير مثال. استوطن الرعيل الأول عند دخولهم بيئات صحراوية تناسب إبلهم و لكن عندما توغلوا إلى داخل القارة في مناطق السافنا الغنية, أوقعهم الجمل في مشاكل جمة فما استطاع أن يسير في الأراضي الطينية و لا أن يتحمل أمراضها فاتخذوا الأبقار عنه بديلا. و لذلك كثيراً ما تجد القبيلة الواحدة منقسمة إلى بقارة و أبّالة.
فالاختلاط و التزاوج بالعناصر غير العربية و تباين البيئة و الطبيعة و الثقافة كلها كان لها أثر جارف في حياة البدوي و كانت من المتغيرات التي لا يستطيع أن يسيطر عليها أو يتحكم فيها. و لما كانوا على درجة عالية من الحكمة, تركوا الأمر يتفاعل تلقائياً و دونما تدخل منهم ليستمر التلاقح الثقافي ينمو نمواً عفوياً. و لك أن تتخيل كيف يكون الحال لو كان أولئك الأسلاف على شاكلة من يتسمون بالسلفيين من أهل ذا الزمان! فما نعانيه الآن من مشاكل في جبال النوبة ما هو إلا بعض نتاج الإنقاذ في نسختها السلفية حين قررت أسلمة و تعريب النوبة!! ففي الماضي القريب من ثلاثينيات القرن العشرين كان معظم نساء القبائل العربية يلبسن زياً أشبه ب "اللاوي" الذي ترتديه نساء جنوب السودان. كل ذلك مصور و موثق و محفوظ في النشرات و الملصقات السياحية التي كانت تصدرها وزارة الاستعلامات و العمل(ذكرت الاسم القديم حتى لا تمتد يد التزوير فتفعل ما فعلته بالنصب التذكاري لأمير الشرق في مدينة بورتسودان). كما أن الذي يرويه الرواة في برامج حقيبة الفن يعطينا فكرة عن كيف كان لباس النساء في أم درمان و تحديداً ما ترتديه العروس ليلة "قطع الرحط". ثم تأثر الناس بالمشائخ الصوفية المغاربة و الشناقيط – على وجه الخصوص– و بدأ نساء السودان يرتدين زي أهل شنقيط و الذي عرف فيما بعد بالثوب السوداني. فكانت المرأة تلبس الثوب و تحته فستان إلى منتصف الساق أو أدنى و له نصف كم. هكذا كان لبس جداتنا. و لعل من يستنكرون ذلك من أدعياء و متفيهقين و من دار في فلكهم و يعيبون على نسائنا طريقة لبسهن, لو رعت نساؤهم الأبقار و الأغنام و "دقشن" تلك المهامه و الفجاج التي ملؤها "الحسكنيت" و "أم شيليني" لأعادوا النظر ملياً في جغرافية جسد المرأة و لأفتوا أن لا بأس من أن تحسر عن ساقيها و ترفع ثيابها إلى منتصف ساقيها بل و يجوز لها أن تشمر عن ساعديها أيضاً.
كنت مرة في المسجد النبوي – على ساكنه أفضل الصلاة و السلام – و كما يقول أهلنا "كان شايلني الدين" و بقيت انتقل من حلقة إلى حلقة في همة و نشاط. فسمعت كلاماً صدمني. فسمعت في مجالس علمهم مما ينسب لأعلام السلف الصالح قولهم: "إن البياض نصف الحسن....فإذا أردت أن تتزوج فانظر إلى طول شعرها و بياض بشرتها" و في غضب احتج أحد السودانيين من الجالسين في تلك الحلقة قائلاً: يعني لون زينب ما ينفع؟ فلم يفهموا اعتراضه. و في إحدى الحلقات قال الشيخ "إن نساء السودان لسن فاتنات فيجوز أن لا يطلب إليهن لبس النقاب" و كان بجانبي صديق "بلدياتي" فقال لي في حرقة "حشّ! و الله الناس ديل شغلهم ده حقارة و معيار عديل!!" و بمناسبة النقاب فقد سمعت أطرف و أذكى تعليق من إحدى الكردفانيات في مدينة الأبيض حين قالت معلقةً على إحدى المنقبات:"مالو الزول بلبّد روحو و براعي في الناس!!"
و لو عقدنا مقارنة بين سلفيي اليوم من أهل جزيرة العرب و القادمين الأوائل لبلاد السودان لرجحت كفة الأوائل لأنهم كانوا أوسع أفقاً و فهماً لآلية التغيير و أكثر استصحاباً لاختلافات الزمان و المكان. و قد انعكس ذلك في مثل مقولاتهم لتشجيع بعضهم بعضاً و الحث على الزواج من الإفريقيات: "ابن السرية إما وليّ و إما فارس". و لو التزموا أقوال السلف )و التي في حقيقتها معايير جمالية ذوقية و ليست دينية) و بحثوا عن البيض ذوات الشعور الطويلة ليتزوجوا بهنّ, لفنوا و انقطع نسلهم.
إن حياة الترحال عند عربان السودان فرضت عليهم التعامل بقيم و أخلاق ما كانت معهودة و مألوفة عند أسلافهم في جزيرة العرب. و لعلها مما استفادوه من سكان البلاد الأصليين...ذلك أن المرء منهم كان يعمد إلى تقديم عائلته إلى ضيوفه بهدف تعريفهم بأفراد أسرته فقد يجدهم في ظرف فينجدهم. كذلك من العادات – كما حدثني والدي عليه رحمة الله – أن الشخص كان يعمد عند نزوله منزلاً جديداً بجانب أغراب لا يعرفهم إلى اختلاق مشكلة مع أفراد عائلته ليرى هل سيتدخل ذلك الجار الجنب أم لا...فإن خاب توقعه, رحل فوراً و لسان حاله يقول:"الجار قبل الدار". و حدث مرةً في مدينة خليجية أن علا صوت الجارة طالبة الاستغاثة فهب "زولاً حِمش" و اقتحم منزل الجيران و قام بدور "الحجّاز" و أنقذ الزوجة التعيسة من الزوج السيئ الخلق.. غير أن "الزول" ما لبث أن دفع ثمن شهامته و اقتيد إلى مخفر الشرطة بتهمة انتهاك حرمات البيوت.
من المجالات التي نجد فيها اختلافاً بيّناً و نتميز فيها تميزاً جليّاً مجال الكرم. و أني لأستغرب أيّما استغراب من الاحتفاء بكرم حاتم الطائي....ذلك الرجل الذي طارت بسيرته الركبان و عمت شهرته سائر البلدان. بل استنتجت من ذلك أن الكرم لم يكن مألوفاً لدى أولئك القوم و لم يكونوا كرماء كما يدّعون, و إنما احتفوا بحاتم طيئ كل ذلك الاحتفاء لأن فعله كان شاذاً في تلك البيئة المقفرة البائسة. رأيت في أسفاري و سمعت من غيري أفاعيل لا تصدر إلا من عربان السودان فقط. فمن ينسى مشهد أولئك الغبش الذين يعترضون مركبات و حافلات المسافرين خلال شهر رمضان المكرم في طول بلادي و عرضها ليقدموا طعام الإفطار للصائمين دونما ضجيج و لا ضوضاء. فهم فقراء و يحق لهم التكسب من مثل هذه السوانح كما فعل أهل العريش المصرية حينما اقتحم أهل غزة الحدود فرفعوا أسعارهم و ضاعفوها و امتلأت جيوبهم. فقد رأينا أناساً هم تجسيد للفسالة و البخل و اللؤم. هل تتصور من يمنع حجيج بيت الله الحرام و زوار نبيه عليه الصلاة و السلام من أن يستظلوا جدار بيت أو محل تجاري؟ حقاً لقد زادت أساطير العرب واحدة: الغول و العنقاء و الخل الوفي و .....حاتم الطائي.
كما أن كرمنا قبلي و ليس بعدي. فالفسِل و البخيل هو من يدعوك بعدما يملأ كرشه قائلاً : هيا يا زول تفضل! الخير واجد كما كنا نراهم ساعة السحور في الحرمين!! هناك فرق بين من يحمل كل طعامه و يخرج مع أبنائه و ضيوفه ليشاركهم كل "غاشي و ماشي" و بين من يخرج بعض طعام بنية التصدق على الفقراء و الأجانب و يبقي الطيبات ليلتهما عند أوبته. نحن أهل السودان نفخر بأننا علمنا الدنيا كافة "ضرا رمضان" . نحن أول من فرش البُسط على شوارع الإسفلت في عواصم العالم, فسرقوا الفكرة و حاولوا تأصيلها فأسموها موائد الرحمن و سوقها شذاذ الآفاق و الساقطات و الراقصات و أهل الفسق و الفجور. و أهدي لدعاة يعرب من أبناء السودان مثلنا الدارج "لصيق الطين ما ببقا نعلين". لأننا ببساطة نختلف عن أولئك الناس جملة و تفصيلاً.
و أظن و-"إن بعض الظن إثم"- أنهم فتنوا بتاريخ و بطولات العرب التي تنوء من ثقلها الدفاتر و خلطوا بين مجاهدات الصحابة و سيرتهم العطرة و بين تلك الأساطير و القصص الدرامية التي يكثر تداولها و الترويج لها في الفانتازيا السورية و شبيهاتها من أعمال مثل الباشق و العقاب و غيرها مما يعرض على الشاشة الفضية. ذلك لأن العرب لم يعرفوا في تاريخهم-قبل الإسلام- وحدة قومية قط. كان يقتل بعضهم بعضاً و يستعبد بعضهم بعضاً و يسبي بعضهم نساء بعض بل كان الواحد منهم يغدر صديقه و رفيقه في السفر إذا نام فيبيعه و يمضي جزلاً. و فوق كل ذلك كانوا عملاء لكل دخيل و مستعمر. فكان الغساسنة و المناذرة عملاء للفرس و الروم. كان الزنا متفشياً بينهم فيدخل العشرة من أكابر القوم على البغي و عندما تضع وليدها يحكم القافي بنسب المولود من شبهه فيلحقه بأحد أولئك الزناة. كان الرجل العربي يأخذ بيد زوجته ليدخلها على من يظن أنه عظيماً ليزني بها – أي يمهرها كما يفعلون مع بهائمهم – و يسمى ذلك في عرفهم استبضاعاً و ليس زنا. هكذا كان حال العرب قبل مبعثه صلى الله عليه و سلم فلما اتبعوه بلغوا ما بلغوا من مكانة و خضعت لهم الأباطرة و ذلت لهم الأكاسرة. و لما انتكسوا على أعقابهم و عادوا لسابق باطلهم ظهرت بينهم مسابقات مزايين الإبل – أي ملكة جمال البعارين – وملكة جمال الأغنام و منافسات أكبر كبسة في العالم و حفلات الجنس الثالث و تنافس مشائخهم و كبار القوم في استخراج التصاريح لاستقدام العاهرات من روسيا و إقامة مهرجانات الفسق و العهر و بدأوا يتطاولون في البنيان. فالآن أطول برج في الأمارات و غداً في الكويت و بعد غد تنتزعه جدة. فهم من عناهم سيدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و إن تسموا و تلقبوا بأمير أو شيخ أو ملك...هم البدو الحفاة, رعاة الشاه الذين يعد ظهورهم إحدى علامات الساعة.
قال القائد الأممي معمر القذافي معللاً انسحابه المشرف من جامعة الدول العربية ,تلك المؤسسة الهرمة التي تساقطت أسنانها, بل ولدت من دون أسنان إنه انسحب من معسكر الخيبة و الفشل. (قام اللقطاء أحفاد الفرنجة و الروم ذوو العيون الخضراء و الشعور الشقراء من العرب "الزابلة" بالاعتراض على انضمام السودان إلي جامعة الخيبة في أخريات خمسينات القرن الماضي). فحال أعراب ذا الزمان في انحدار إلى درك الجاهليين و أسوأ. و لك أن تتخيل أنه يوجد في جزيرة العرب من لا يغتسل من الجنابة و يحاجك قائلاً: "كيف اغتسل من حلالي؟", و هناك من يؤجل غسل الجنابة في الشتاء و يؤخره حتى الصيف و يحسب أثناء ذلك حساب "ستات الانداية", أي يخط خطوطاً على الجدران بعدد إتيانه أهله و بعد حلول فصل الصيف ينزل في أول بركة ماء و يغطس غطسات بعدد الخطوط. و آخرون لديهم ما يعرف بالدّلال الذي يذهب إليه من له دين على أحد المماطلين. فيصطحبه إلى مجلس عامر يضم ذلك المماطل و يقوم الدلال برفع ثيابه ليكشف عن مؤخرته العارية – أخزاه الله– في وجه المماطل؛ فينتهي الأمر بقهقهات و ضحكات ثم وعد أكيد بالتسديد. و هذا ليس بعيداً عما كان يفعله قوم لوط اللذين قيل أنهم كانوا يتضارطون في منتدياتهم كما جاء في بعض الروايات.
فالعرب أهل حضارة سادت ثم بادت. سادت بالإسلام و بادت بتركه. يقول تعالى: "و إن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". قال صاحب الظلال في تأويل هذه الآية:" إن اختيار الله لكم لحمل دعوته تكريم و منّ و عطاء. فإذا لم تحاولوا أن تكونوا أهلاً لهذا الفضل, و إذا لم تنهضوا بتكاليف هذه المكانة, و إذا لم تدركوا قيمة ما أعطيتم فيهون عليكم كل ما عداه...فإن الله يسترد ما وهب, و يختار غيركم لهذه المنة ممن يقدّر فضل الله." انتهى كلامه. فالعرب أمة أفلت شمسها و أزف أوان رحيلها و بلغة أهل العصر "انتهت صلاحيتها".
و مما ينسب للزعيم النيجيري إبراهيم بابنجيدا قوله معلقاً على الإنقاذ أيام رعونتها: "تخلى السودان عن أخواله و تبع أعمامه فتعب". و هو قول حكيم. ذلك أننا لا نُعتبر عربا خلّصاً و بالتالي يقتضي الحال تحقيق التوازن في العلاقات و الانتماءات و الولاءات. و أرى أن تقمص الدور العروبي أضر بنا و لم نجن شيئاً من ورائه. و أرى أن نوليهم ظهرنا و نستدبرهم لأن قدر الله نافذ في الأعراب لا محالة. يقول مثل أفريقي:"أن تكون صوفة في ذنب أسد خير من أن تكون ريشة زاهية الألوان في مؤخرة ديك". فالناس يتفاوتون فيما بينهم. فهم كلهم بشر من طين لكن نوعية ذلك الطين هي التي عليها التعويل. فهناك أناس خلقوا من طين لازب, فهم بشر أسوياء صلحاء أتقياء. و آخرون خلقوا من طينة الخبال, فهم شياطين الإنس. و نوع ثالث متبلد الإحساس, عديم النفع فاقد الصلاحية خلقوا من طين "زابل".... و الطين الزابل هو نوع من الطين يخلطه فقراء أهل السودان بقليل من الرمل و كثير من الروث لتشكيل طبقة عازلة لحماية بيوتهم من الأمطار الغزيرة. و النوع الأخير هم من يريدنا دعاة يعرب و أبواقهم أن نلتحق بهم و نكون لهم أذناباً!!!
*من الغريب أنه استمرت مساخر البرنامج التلفزيوني السعودي "طاش ما طاش" لأربع أو خمس سنين و لم يستنكرها شيوخ الوهابية و لا تحرك ساكن لأصحاب الاسم الفخيم المفخم "هيئة كبار العلماء" و لكن ما إن تجاوز المساخيط الخطوط الحمراء و بدأوا يصوبون سخريتهم و هترهم تجاه عادات مجتمعاتهم و انتقاد أحوال أصحاب المشالح و ذوات العبي حتى تناثرت الفتاوى و تتابعت بتحريم البرنامج و تحريم مشاهدته و أنه لا يجوز السخرية بالناس و لا الاستهزاء بهم. حدثني مرة زميل ساخر فقال لي إن بعض الناس يتعاملون مع المبادئ مثل تعامل كفار قريش مع أصنامهم التمرية, فهم يعبدونها حتى إذا ما جاعوا .......أكلوها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.