في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات كنا نمتلك (كارو حمار)،تحمل برميلا لزوم توفير مياه الشرب ،ولما كنت (صغير البيت)، كنت أتولى جباية المياه بواسطة تلكم (الكارو) حيث كنا نسكن في احدى الحارات الطرفية لمدينة أمبدة ووقتها كانت مصادر المياه شحيحة ،اذ نقوم منذ الفجر في ملاحقة (الدوانكي) على قلتها من أجل الفوز ببرميل ماء يسد حاجتنا من مشرب واغتسال وغيره،أما الشبكة الرئيسة للامداد المائي فكانت حلم بعيد المنال ...حارتنا الان صارت في وسط البلد وأصبحت الأطراف تنظر الينا وكأننا من الأحياء الارستوقراطية ..فقد دخلت اليها شبكات المياه والكهرباء بل وحتى الطرق الفرعية اضافة للتخطيط الجيد لمربعاتها وشوارعها...كل ذلك حدث في سنوات وجيزة في بداية التسعينات ، والحق يقال أن هذه الحكومة لم تقصر معنا بل نقلتنا من مصاف الحواري العشوائية الى رحاب المدن ذات الخدمات...ماقادني لهذه التوطئة أزمة المياه التي تعاني منها بعض أحياء العاصمة وفي حارتنا تحديدا...اذ أعاد التاريخ نفسه وشاهدنا نفس تلك (الكوارو) وبراميلها تجوب الشوارع والناس يتعرضون لها بغية الفوز بشربة ماء...عاد بي شريط الذكريات الى تلكم المعاناة التي قاسيناها منذ أكثر من عقدين من الزمان...ماهذا ياسودان أكلما فتحت كوة من أمل في رفاهية وعيش كريم سرعان ما تنسد هذه الكوة (ونقول للزمان ارجع يا زمان)،وليته لو كان زمانا رغدا ولكن حكومتنا الهمامة تريدنا أن نرجع لزمن الحاجة والمسغبة...برر بعض المسؤولين شح المياه أن هناك مخربين يغلقون(البلوفة) حتى لا تسري المياه في الأنابيب فان كان ذلك صحيحاأين الياتكم في حراسة ومراجعة هذه (البلوفة)،اما ان كان هذا فعلا عملا تخريبيا من معارضة أو حركات مسلحة فانه في تقديري أقل ما يوصف به أنه عمل قذر جبان لا ينال من الحكومة وانما ينال من المواطن المغلوب على أمره ،ثم أن هناك ميادين أخرى لنزال الحكومة غير الاعتداء على الممتلكات العامة للدولة والتي فيها مصالح العباد...شهدنا في الفترة الأخيرة افتتاحات لمحطات مياه حديثة قيل أنها تفي بحاجة العاصمة وتفيض من المياه الا اننا لم نر شيئا فلا زالت المياه لا تأتي الا ليلا أو بصورة شحيحة نهارا ولا زال الحمار وبرميله هو سيد الموقف ...ان شبكات المياه الموجودة بامبدات وغيرها من أحياء أم درمان القديمة تعاني من التصدع والهزال بسبب عوامل الزمن،فيجب تجديدها ،ويوميا نشاهد أنابيب جديدة ترمى على جانبي الطرق و(حفارات ) تحفر، ولكن يبدو أن العمل بطيئا جدا، والا قولوا لي لماذا نجد محطة مثل محطة (المنارة)، تفتتح قبل شهور وتقام لها الاحتفالات، ولم نشرب من ماءها حتى الان رغم انها لا تبعد كثيرا عن مدينةأمبدة،أم أن المسؤولين في مياه الخرطوم أتوا بالبردعة قبل الحمار