يتجه النزاع في دارفور لأكمال عقد علي أندلاعه فالنزاع الذي أكتسب زخمه الكبير مطلع عام 2003 لا يزال عصياً علي الحل وتبدو آفاق الحلول أمامه منسدة لأسباب عدة أهمها أن التوافق علي الوصول الي حل لا يتوافر لدي معظم الأطراف وهي أطراف متعددة فطول عهد الأزمة في دارفور وتشعبها وما وفرته أطراف النزاع المحلية من فرص لتدخل الأطراف الخارجية الاقليمية والدولية- وكل بأجندته بالطبع- جعل لكل تلك الأطراف دوراً في تحديد مسار الأزمة والوصول بها لنقطة النهاية ولكن مهما بلغ حجم تلك التدخلات فأن الوصول للحل المرتجي ممكن أذا توافق عليه طرفا النزاع الرئيسيين و هما فصائل التمرد الدارفورية التي قدحت زناد الحرب والحكومة السودانية التي أنحازت للخيار العسكري كأسلوب لحسم النزاع وهو أسلوب أثبت قلة فعاليته وعدم جدواه منذ بدء المشكلة التي أداره كل طرف برؤي فأذا كانت الحكومة السودانية قد أعتبرت أن التمرد علي سلطاتها يشكل أنتقاصاً لهيبتها فجيشت جيوشها وأرسلتها لدارفور لوأد التمرد الذي ثلم سلطانها وبالمقابل كيف خاضت فصائل التمرد في دارفور تلك الحرب؟؟ أو بالأحري كيف جيشتَ الفصائل مقاتيلها ؟وماهي الحجج والمبررات التي ساقتها لشق عصا الطاعة علي سلطان السلطة المركزية؟؟ وكيف وفرت ملاذاتها الآمنة وحواضنها التي تمدها بالمقاتلين وتمدهم بكل ما يحتاجون اليه أن الخطأ الأبرز لفصائل دارفور المسلحة هو التصورات التي وضعتها لنزاعها مع الحكومة المركزية فقد صورت النزاع علي ثلاثة مستويات علي مستوي دارفور جري تصوير النزاع علي أنه صراع بين قبائل الزرقة الذين شكلوا قوام حركات التمرد وفصائله المسلحة ضد قبائل دارفور العربية والتصور الثاني هو نزاع مع المركز الذي يهيمن عليه الجلابة الذين جري تصويرهم كأستعمار داخلي كما اسمتهم حركة العدل والمساواة في الكتاب الأسود والذي هو في الواقع مانفستو تأسيس الحركة ولاهوت تحريرها وصبت الحركة جام غضبها علي قبائل معينة مثل الجعليين والشايقية والدناقلة وقالت أن هذا الثالثوث القبلي متوافق ومتؤاطي منذ آماد بعيدة علي تدوالهم كجلابة لحكم السودان تحت كل الشعارات وأعتبرت أن كل الجلابة ملة وأحدة حتي ولو أختلفت توجهاتهم السياسية والفكرية ووفق تصور حركة العدل والمساواة هذا فأنه ليس ثمة فرق بين جلابي شيوعي وأخر أسلاموي في توجهاتهم السلطوية , أما التصور الثالث الذي وضعته فصائل دارفور لنزاعها مع الحكومة السودانية فقد أستلهمته من أدبيات الحركة الشعبية لتحرير السودان بأن أعتبرت معظم الفصائل الدارفورية أن النزاع في دارفور هو أمتداد لنضال الحركة الشعبية في جنوب السودان وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق ضد هيمنة المركز الأسلاموعروبي ووفق هذا التصور لم تجد الفصائل الدارفورية حرجاً من أستثمار المناخ المعادي للعرب والمسلمين الذي نشاء في الغرب في عقابيل هجمات سبتمبر و ما أتبعها من غزو أمريكي لافغانستان والعراق وما وأكب ذلك الغزو من مجازر أرتكبت بحق شعبي البلدين من غزاة أجانب أتخذوا من قضية دارفور ستاراً للتغطية علي جرائهم ورمي الغير بدائهم ففي الوقت الذي كانت فيه غارات الناتو توقع عشرات الضحايا المدنيين في أفغانستان وفي الوقت الذي غزت فيه وأشنطن العراق ودمرت مؤسسات الدولة ونسيجها الوطني وقصفت الفلوجة بالفسفور الأبيض كانت طرقات نيويورك وكثير من المدن الامريكية تحتشد بالمتظاهرين من منسوبي المنظمات الصهيونية وصهاينة النصاري ضد ما أسموه الأبادة الجماعية في دارفور وتوهمت الفصائل الدارفورية في تلك المنظمات التي أئتلفت في تحالف أنقذوا دارفور توهمت فيها المؤازرة و وفرصة يجب أهتبالها في تشديد الخناق علي الحكومة السودانية من دول ودوائر هي في الأصل في حالة عداء مع نظام الخرطوم قبل أت تتخلق أزمة دارفور في رحم الغيب وفي الوقت الذي كان فيه نشطاء دارفور يوثقون صلاتهم بتلك المنظمات كان كثيرون في العالم العربي والدول الأسلامية يرون في قضية دارفور مؤامرة ضد السودان تنشط فيها المنظمات الصهيونية ومنظمات اليمين الأمريكي الذي حرض علي غزو أفغانستان والعراق بوجه مكشوف . أذاَ ماذا أنتجت تلك التصورات التي صورت بها فصائل دارفور قضية الأقليم فعلي صعيد الأقليم أدي تصوير تلك الفصائل للحرب في دارفور علي أنها صراع بين الزرقة والعرب وتعميم وصف الجنجويد علي كل أفراد القبائل العربية الي وقوف القبائل العربية علي الضفة المقابلة أما كطرف أصيل في النزاع أو متفرج وأفضي هذا التصور الي أعتبار أن الصراع في دارفور ليس صراع أقليم ضد مركز الدولة ولكنه صراع بين أهل الاقليم في ما بينهم, أما التصور الثاني للنزاع بأعتباره ضد الجلابة وهو مصطلح يعني بالأساس الأثنيات العربية والمستعربة التي تعيش علي ضفاف النيل وهم '' العرب المسلمين القاطنين علي ضفاف نهر النيل'' كما أسمتهم الحركة الشعبية وهو مصطلح وجد طريقه الي قواميس المبعوثين الأمريكيين فقد أستخدمه المبعوث الامريكي الأسبق للسودان ناتسيوس في مقال له نشرته مجلة السياسية الخارجية عام 2008 حمل عنوان أبعد من دارفور وقد أضر تحريض فصائل دارفور علي مطلق الجلابة الي نشوء حالة توجس بينهم رغم أختلاف توجهاتهم السياسية وأفقدت قضية دارفور تعاطفاً محلياً كان سيلعب دوراً حاسماً في التعجيل في حل الأزمة في الأقليم.فالواقع يقول أن الجلابة الذين صنفتهم فصائل دارفور كأعداء كانوا أكثر الفئات معارضة لحكم الأنقاذ طوال عقده الأول في حين كانت كانت نخب دارفور من الأسلاميين- مثل كل الأسلاميين من أنحاء السودان الأخري بما فيها الشمال النيلي- تمسك بحكم الواقع في نفس الفترة بمفاتيح سلطات حقيقية ضمن نظام الأنقاذ وما زالت كثيرمن النخب السياسية المعارضة المنحدرة من المجتمعات النيلية تتوجس من فصائل دارفور بسبب وضعها في خانة العداء رغم أستمرار معارضتها للنظام لقد فشلت فصائل دارفور في كسب تعاطف خارج دائرة حواضنها ليس لأن الوعي القومي بقضية دارفور غائب في مناطق السودان خاصة في الشمال والوسط بل لأن تصوير فصائل دارفور خاصة حركة العدل والمساواة للصراع علي أنه موجه ضد الجلابة أوجد توجس أزاء تلك الفصائل التي لا يدري أحد ماذا ستفعل بأهل الشمال والوسط لوقيض الله لها الأمساك بمقاليد الحكم. منذ أواخر ديسمبر الماضي أجتاحت العالم العربي ثورات شعبية أطاحت بأنظمة مثل نظامي بن علي ومبارك كان لها اسوار من الجند والأحراس تحميها لم تصمد أمام طوفان الشعوب وأرادتها في الحرية والكرامة وأعادت تلك الثورات الأعتبار الي العمل السلمي الجماهيري تحت رايات الوحدة الوطنية كما رأينا في الثورة المصرية من وحدة بين مسلمي مصر وقبطها لقد أندلعت ثورة تونس في سيدي بوزيد في الوسط التونسي لكنها سرعان ما أنداحت الي أرجاء تونس الاخري لأن الفاقة والاستبداد يعاني منها الجميع وهو حال كل أقاليم السودان فأهل الشمال والوسط والشرق و وكردفان فكلهم في الهم شرق ودارفور ليست أستثناء منهم, أن حاجة أهل السودان هي في التضامن في ما بينهم وليس التطاحن والتنابز بالأعراق والجهات بوصلة أهل السودان ينبغي أن تتجه لاقامة حكم ديمقراطي وسيادة القانون ومكافحة الفساد وتداول سلمي للسلطة والتطلع لمستقبل أفضل لابنائه بعد أنتهاء عهود داحس والغبراء هذه.