مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقدمة كتاب عن مشكلة دارفور وأثرها علي العلاقات التشادية السودانية


[email protected]

يوثق هذا الكتاب مرحلة هامة من مراحل العلاقات التشادية السودانية، والتي شهدت الأعوام السابقة منعطفات خطيرة(2005-2008م), والتي جلت بأنها اخطر أزمة إقليمية ودولية في المنطقة، لاسيما بعد توترات سياسية وأمنية افرزها الصراع المسلح الدائر في دارفور على الحدود بين البلدين. وكان ذلك بفعل الكثير من العوامل الداخلية والخارجية في تشاد والسودان، إضافة إلى أثار التداخل العرقي التشادي السوداني في شبكة من العلاقات الاجتماعية والسكانية على امتداد واسع من الحدود المشتركة، وقد اتسم ذاك التوتر في جميع مراحله المختلفة بالتراشق وتبادل الاتهامات وسوء الفهم بين الحكومتين التشادية والسودانية.
ويحلل كتاب:(مشكلة دارفور وأثرها على العلاقات التشادية السودانية)كل الظروف المكانية والزمانية التي مرت بها مسيرة التعاون بين الدولتين على ضوء الكثير من المرتكزات والمتغيرات التي حدثت في تشاد والسودان سياسيا واقتصاديا وأمنياً، إضافة إلى أطر وآفاق هذا التعاون ثنائياً وإقليميا.
ونستعرض في هذا الكتاب العلاقة التاريخية التي تربط شعبي البلدين عبر حقب زمنية ضاربة في أعماق التاريخ، وبهذا الصدد يُطرح سؤال حول الاتصال الثقافي والوجداني للشعبين منذ أيام الهجمة الاستعمارية للدولتين، وكيف أن القوى الاستعمارية سعت بعد رحيلها إلى فصل الشعبين عن امتدادهما الطبيعي المتمثل في الثقافة المشتركة؟.
ويناقش الباب الأول التاريخ المشترك للشعبين التشادي والسوداني في عهد الممالك الإسلامية التي قامت على ارض البلدين(كانم ووداي وسلطنتا دارفور وسوبا)، وهو ما يعكس لنا بجلاء كل صور التعاون في العهود السابقة، ويُعد ذاك إرثاً طبيعياً وماضياً ينبغي أن يبنى عليه الحاضر والمستقبل.
ويستوضح في الباب ذاته دور القبائل المشتركة التي تعيش على الحدود عبر حركة التاريخ والجغرافيا, وكيف استطاع الأقدمون التعايش سلمياً وفق ما أقتضه الحاجة وقت ذاك، وبوعي تام صار اليوم مفقوداً تماماً رغم التطور الذي حدث في وسائل الانتقال والاتصال والمعرفة، وقد أدى هذا إلى بروز الكثير من المشكلات والتعقيدات بين البلدين، الأمر الذي يتطلب إستتذكار التجارب السابقة التي خلفها الأسلاف في تلك الحقب؟.
كما يحاول هذا الباب أيضا الولوج إلى العوامل المشتركة الكفيلة بتحقيق قدرا كبيرا من التعاون والتفاهم والانسجام بين المجموعات الإثنية المنتشرة والتي تعيش على ارض منبسطة على جانبي الحدود، وبدون حواجز طبيعية تحول دون الانتقال والتحرك مهما كانت الظروف، ويمثل هذا يُمثل حالة فريدة في إقليم أفريقيا جنوب الصحراء، وكما يعتبر في حد ذاته مصدراً للثراء والتنوع في تلك المنطقة، وليس مدعاة للعداء والنزاع والحروب, ونتطرق هنا وبشكل خاص إلي السمات الثقافية والسحنات الاجتماعية والتي تعبر عن حلقات من التواصل الدائم والمستمر بين شعبي البلدين.
وفي نفس الباب أيضا يتم تسليط الضوء على دور سياسة الدولتين في تقنين العلاقة الرسمية وإبرام الاتفاقات الثنائية, وإقليميا عبر المدخل الجماعي لدول المنطقة في إطار المنظومة الإقليمية(الاتحاد الأفريقي، تجمع دول الساحل والصحراء، دول عدم الانحياز والأمم المتحدة).
ويدلف الباب الثاني إلى أطر التعاون والتحولات الذي صاحبت ازدهار العلاقات السياسية بكافة مستوياتها، خاصة في الفترات التي أعقبت نيل البلدين استقلالهما رغم ما تواجهانه من صعوبات كثيرة في عملية البناء السياسي وتدعيم أسس الوحدة الوطنية والاستقرار والشروع في التنمية الاقتصادية التي تستجيب للتطلعات الشعبية بعد جلاء المستعمر, لاسيما وأن تشاد والسودان كانتا مسرحاُ لحروب داخلية طاحنة، ساهمت فيها تدخلات ومضاعفات خارجية أدت إلى تعميق الثأر السياسي وهددت وحدة النسيج الاجتماعي فيهما، وكانت تلك السياسات سبباً مباشراً في بروز الخلافات والانشقاقات بين الأطراف الوطنية في تراب البلد الواحد من جهة, وبين العديد من الأنظمة التي توالت على حكم البلدين من جهة أخرى، ويتم التركيز هنا على أهم الفترات التي ألقت بظلالها وأثرت دون غيرها في مسيرة العلاقات التشادية السودانية، وما لازم ذلك من تطورات وتحولات ومتغيرات في ساحة البلدين, إما كعوامل منفردة أو مجتمعة.
وتتم الإشارة هنا إلى العلاقات في فترات حكم(حسين هبري - جعفر نميري) وكذا عهد حكومتي(ديبي – البشير)على التوالي، وهي مراحل تأرجحت فيها علاقة البلدين بين التحسن والتوتر أحيانا، والتطبيع الحذر في أحايين أخرى، ونكشف في هذا الباب أيضا عن أهم القضايا التي لازمت تلك العلاقة وألقت بظلال من التأزم وكذا الانفراج الذي اعتراها من بعد ذلك, رغم أن العلاقة بين تشاد والسودان في أغلبها تتسم بالدفء والحيوية والتلقائية، وذلك انطلاقا من العوامل المشتركة بين الشعبين، ويتناول هذا الباب كذلك الجانب الاجتماعي بكل تعقيداته(القبائل المشتركة)، وهو بالطبع المجال الأهم في مسيرة العلاقات الشعبية والتي تتأثر باستمرار بسبب قضايا الاضطراب الأمني على طول الشريط الحدودي، ويظل عامل الانفلات الأمني في الحدود(الجريمة العابرة) مؤثرا جدا، حينما ينشأ خلاف أو اختراق حدودي كما تسميه الدوائر السياسية في الدولتين، وحينها يسود أجواء أنجمينا والخرطوم ضباب قاتم يتطور إلى ردود أفعال سياسية حادة تتأرجح ما بين إلصاق التهم بدعم الجهات المسلحة المناوئة لكل طرف(المعارضات المسلحة أو المليشيات شبه العسكرية على جانبي الحدود)، وتلك القضية بالذات طفت على السطح بصورة لافتة إثر الغارة الخاطفة التي شنتها قوات الضابط التشادي المنشق محمد نورعبد الكريم على مدينة(أدري)الحدودية في ديسمبر2005م, وما أعقب ذلك من تطورات أمنية خطيرة داخل تشاد ذاتها وأدت إلى انشقاق العديد من الضباط داخل المؤسسة العسكرية التشادية، وانتهى الأمر بمعارضة تشادية مسلحة تتمركز في شرق تشاد، وهي تتألف من عدة جبهات سياسية وعسكرية متحالفة, وتتهم حكومة أنجمينا بأنها مدعومة من الخرطوم، بينما يرى القادة السياسيون في السودان بأن حكومة ديبي تلعب بالنا رفي دارفور، وهذا يعتبر رد فعل طبيعي في المعاملة بالمثل في قضية التمرد في دارفور والذي تزعم السودان بأنه مدعوماً من القيادة التشادية، وكان قد زاد من الطين بلة ذلك التصريح الناري الذي أدلى به الرئيس التشادي إدريس ديبي للصحافة الفرنسية في عشية زيارته لباريس في 26/11/2005م-29/11/2005م، واصفاً الأوضاع بين بلاده والسودان بالقول(أن السودان يكذب، وهو الذي يسعى إلى زعزعة استقرار تشاد)، وكان هذا ردا على بيان الخارجية السودانية الصادر في 23/11/2005م، يوجه اتهاماً إلى تشاد بأنها تدعم التمرد في إقليم دارفور، وبتحريض من قوى خارجية تعادي السودان وتستهدف إلى النيل منه، ويتم استخدام تشاد ورئيسها إدريس ديبي قاعدة خلفية للانطلاق وتصفية الحساب مع الخرطوم. كما يمكن الإشارة هنا أيضا إلى شن الغارة الخاطفة التي نفذتها قوات حركة العدل والمساواة على مدينة أم درمان في 10/5/2008م.
ونعالج في هذا الباب التصدعات التي مرت بها العلاقات التشادية السودانية منذ اندلاع الحرب في دارفور بكل تداعياتها، وإذا كان في السابق يبنى التعاون الأمني بين أنجمينا والخرطوم على استقرار الحدود(البالغ طولها1400 كلم)، فإن هذه الحدود الطويلة والممتدة والآهلة بالسكان، فهي الأخرى أيضا مسرحاً للكثير من التطورات الخارجة عن دائرة الطرفين، ويحكمها كذلك عامل التداخل القبلي ومنطق المصالح العرقية والتي تتقاطع في الكثير من الأحيان وتشعل حرباٍ قبلية مدمرة بين القبائل الدار فورية وتمتد آثارها أحيانا إلى التراب التشادي بفعل تلقائية عامل التداخل السكاني، وهو يحدث في دارفور منذ عقود منصرمة، وهي عوامل تمثل وجهاً للمصالح الحقيقية وتعبر عنها تلك الخلافات العرقية والجهوية، سواءً كانت تلك المصالح سياسية أو شعبية. وتتصدران في ذلك قضايا الأمن وتجارة الحدود(TRANSIT)المرتبة الأولى ضمن اهتمامات تلك المصالح نظراً لارتباطها بالأمن وسيادة استقرار الحدود.
ونحاول في هذا الباب تفحص أروقة التعاون التجاري والآفاق الجديدة لحركة التجارة الحرة وانتقال رؤوس الأموال وتجارة الأنعام بين البلدين، إضافة إلى دخول النفط الدورة الاقتصادية في تشاد والسودان كي يتم تصور حجم تلك المصالح، ولا ننسى التذكير هنا عن أن البلدين يعتبران ضمن منظومة بلدان العالم الثالث والتي تعاني من مشاكل اقتصادية متشابهة منها ضعف البنية التحتية(اقتصاد تقليدي يرتكز على الزراعة ونظام السلعة الواحدة)، ولا نغفل أيضاً عن عامل آخر وهام يساهم في اكتمال الصورة في الحدود التشادية السودانية، وهو متمثل في ترسيم الحدود بين البلدين(نزاع السكان على القرى الحدودية والصراع حول المراعي ومصادر المياه..الخ)، على الرغم من أن الحدود بين الدولتين مرسومة تقليدياً, أي إبان عهد سلطنتي دارفور ومملكة وداي(ترسيم تقليدي)، كما نصت عليه المادة الرابعة من المعاهدة الموروثة من قبل الاستعمار عام 1924م، والتي تنص على وضع معالم حدودية على الطبيعة.
وحري بنا كذلك استقراء سعي البلدين في هذا الاتجاه لتخطي بعض المعضلات والتي تكون في أغلب الأحيان سبباً وجيهاً ومنطقياً لإذكاء النعرات القبلية ونشوب النزاع والتوتر على الحدود المشتركة بين البلدين، بل يكون أيضا مقدمة لأي نزاع أو اختراق حدودي بين تشاد والسودان، ونورد بهذا الشأن دور لجنة ترسيم الحدود التشادية السودانية والنتائج التي توصلت إليها بهذا الصدد.
وفي الباب الثالث نستعرض مشكلة دارفور وأثرها على علاقة البلدين، على اعتبار أن عدم الاستقرار في هذا الإقليم يعد أحد الهموم المشتركة بين البلدين، لأن تشاد طرف متأثر بصورة مباشرة من جراء نزاع دارفور المسلح بكل تشعبانه بسبب عوامل سياسية و ديمغرافية وكذا جيوسياسية(إقليمياً ودولياً)، ويعود هذا التأثير إلى الحدود المفتوحة والممتدة التي تتقاسمها قبائل مشتركة في نمط التداخل السكاني والذي لا يميز فيه التشادي عن السوداني، وبعبارة أدق(شعب واحد يعيش في دولتين)، دعك من العوامل الإقليمية والدولية المتجسدة في التنافس العالمي على موارد القارة الأفريقية، ولذا فإن ذاك التأثير سيكون بالغ الخطورة على ساحة الدولتين.
وفي هذا الباب نحلل كذلك دور الوساطة التشادية من أجل الحل السلمي في إقليم دارفور من قبل حكومة الرئيس إدريس دبي في بداية نشوء الأزمة، باعتبار أن الرئيس ديبي في البدء كان وسيطاً موثوق به من كلا الطرفين(الحكومة السودانية والمتمردين)، ولكن كان هذا قبل استفحال القضية ووقوعها في أحضان الكبار وتدويلها وتحويلها إلى أجندة سياسية ومراهنات لقوى إقليمية ودولية تريد من خلال ذلك تحقيق مآرب لها في المنطقة.
ونسلط الضوء هنا على دور الوساطة التشادية وفاعليتها لاحتواء الأزمة، كما أن هذه الحالة التشادية للوساطة في السودان كانت تمثل الأولى من نوعها بأن تكون تشاد وسيط خير لفض نزاع بين أطراف سودانية متصارعة, وليس العكس كما جرت العادة في العلاقات التشادية السودانية في الماضي، والتي لعبت فيها الخرطوم دور الوسيط الفاعل في سنين الاحتراب والاضطراب الذي عم الديار التشادية قاطبة، بل قفزت أوجه الصراع في تشاد ليجتاز حدودها الطبيعية كي تمتد ساحة القتال إلى الأراضي السودانية في داخل إقليم دارفور الغربي، وهو أمر بالتأكيد أنعكس سلباً على الوضع الداخلي في دارفور مخلفا ورائه آثاراً غير حميدة على صعيد الأمن والاستقرار في الإقليم، وألقى بظلال كالحة على الصراع المسلح في دارفور لاحقاً في أزمة الإقليم الراهنة.
ومن اجل توضيح الدور التشادي في أزمة دارفور، لابد لنا من استصحاب كافة الأبعاد ومناقشتها ضمن الاتفاقات التي وقعت في تشاد، خاصة اتفاقيتي أبشى الأولى والثانية, بجانب اتفاقية أنجمينا(1و2) بشأن دارفور, والتي أصبحت فيما بعد مرجعية لسلام دارفور في مايو2006م بأبوجا عاصمة جمهورية نيجيريا الاتحادية، إذ تضمنت وثيقة إعلان المبادئ نصاُ مفاده أن تلك الاتفاقيات تعتبر ضمن المراجع الأساسية لتحقيق السلام في دارفور.
وفي هذا الباب أيضاً نوثق دور الهجرة التشادية الكثيفة للسودان، ودواعيها وأطرها في تطوير هذه العلاقة؟، باعتبارها أكبر هجرة تشادية خارج تراب الوطن الأم، دون باقي دول الجوار الأخرى، والتي يزعم انه يفوق المهاجرون التشاديون إلى السودان عدد المواطنين المقيمين داخل تشاد ، وهي هجرة تتشكل من عناصر مزدوجة للاستقرار وعدم الاستقرار، وبحسب ظروف مختلفة، ونتطرق إلى عرض أهم مسببات تلك الهجرة الكثيفة، وتوضيح التأثير الذي أحدثته في الشأن التشادي الداخلي منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، بما في ذلك دعم النضال السياسي من اجل التغيير في البلاد، ومنها رفض التشاديون الممارسات القمعية لبعض الأنظمة في أنجمينا, ونأخذ مثال هجرة علماء الدين والمستنيرين من مملكة وداي إلى إقليم دارفور، ووقتذاك كانت تدور الحروب سجالاً بينهم والمستعمرين الفرنسيين باستمرار، وكان أشهرها حرب الكبكب1917م.
وبالمقابل نعرض جانباً من الهجرة السودانية باتجاه تشاد في الماضي بسبب ظروف النضال المشترك، كالحملة التي قادها رابح ود فضل الله ضد سلطة الاستعمار الفرنسي، أو بسبب طموحاته الشخصية لإنشاء إمبراطورية إسلامية في وسط أفريقيا(تشاد، الكاميرون ونيجيريا)، ونتطرق أيضاً إلى حالات اللجوء الحديثة بسبب الصراعات القبلية والمسلحة في أزمة دارفور، حيث يقدر تقرير الأمم المتحدة تدفق حوالي ثلاثمائة ألف لاجئ سوداني إلى شرق تشاد جراء النزاع القبلي والمسلح في الحدود التشادية السودانية، مما دفع بمئات الآلاف من السودانيين التوجه لطلب اللجوء إلى تشاد هربا من جحيم الاقتتال الدائر هناك بين الحكومة والمعارضة المسلحة في هذا الإقليم، أو كما تقتضيه ظروف طبيعية استثنائية،(الجفاف والتصحر والمجاعة..الخ)، والتي يظل عاملها شبحاً يطارد استقرار الشعبين بين الفينة والأخرى, كما أن الحروب التشادية-التشادية هي ذاتها أفزرت نزوحاً كبيراً من الموطنين التشاديين إلى السودان كجزء من دواعي الهجرة التشادية إلى السودان, وكذا خلفت أوضاع الحرب في دارفور سيلاً من النازحين صوب تشاد، وهذا ما سنتطرق إليه في هذا الباب.
وفي الأخير نعالج الدور الإقليمي والدولي في إدارة أزمة قضية دارفور، خاصة بعد ضجة عالمية واسعة النطاق التي أحيطت بتلك القضية. واعتبرت مشكلة دارفور كل أنها من أهم وأكبر القضايا المطروحة علي الساحة الإقليمية والدولية جنبا إلى جنب مع قضايا الإرهاب والحرب علي العراق وأفغانستان, وغيرها من القضايا الشائكة في العالم، وذلك بالنظر إلى تعقيدات الصراع الدائر في المنطقة, من حيث حجم المأساة الإنسانية من حيث استخدام العنف المفرط من قبل الطرفين، وهي أيضا صنفت بالأكبر دوليا في القرن الحادي والعشرين، هذا على الأقل ما جاء في تقارير المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة. هذا بجانب التغطية الإعلامية التي حظيت بها من قبل وسائل الإعلام العالمية, والتي تناولتها برؤى عديدة ومختلفة، والتي وصفها أحد المراقبين الاروبيين قائلا(رغم الضجيج العالمي، ضحى الغرب بقضية دارفور على حساب حل مشكلة جنوب السودان)، وتم رميها في نهاية المطاف في أحضان العرب في الدوحة بعد أن أستنفد الغرب أغراضه منها من ضمان استقرار إنتاج نفط جنوب السودان كمصدر جديد للطاقة في شرق أفريقيا.


ونعالج هنا دور الاتحاد الأفريقي الذي خطف الأضواء من مبادرة تشاد الأولى وقتلها في المهد، وذلك بسبب ضعف وإخفاق حكومة إدريس ديبي في معالجتها للملف الدار فوري باعتباراتها وحساباتها الضيقة سياسياً، واستخدامها المفرط للمعايير المزدوجة في الوساطة، باعتبار أن قبيلة(الزغاوة) التي ينتمي إليها الرئيس ديبي طرف نزاع أصيل ومباشر في المشكلة, وهو الأمر الذي أشرت إليه آنفا بان هنالك عوامل اجتماعية في البدين تكون خارجة عن الإرادة السياسية في البلدين لاعتبارات قبلية وحسابات ديمغرافية في الحدود التشادية السودانية، وهذا مما زاد وأثار شكوك المراقبين والمتفاوضين في آن واحد، بالإضافة إلى احتجاج بعض قادة الفصائل الدار فورية المتمردة من الطريقة التي كانت تتعامل بها الحكومة التشادية في معالجة ملف الأزمة في الوساطة، ووصل البعض إلى حد وصف الموقف التشادي بأنه انتقائي وغير محايد، وقد ألقى ذلك بدور سلبي في مجمل اللقاءات التي تمت بشأن دارفور والوسطاء ولم ينجح الدور الشادي في إيجاد الحل المناسب للقضية كونه اقرب وسيط يمكن الاعتماد عليه في الحل السلمي نظراً للاعتبارات التي ذكرت، وأدى هذا لاحقاً إلى تعميق التوتر التشادي السوداني باستمرار, ومن أبرز تلك الشكوك فإن فريق التحقيق الدولي التابع للأمم المتحدة في حدود البلدين اتهم حكومة الرئيس ديبي في عام 2006م بأنها كانت متواطئة في تعميق القضية، جاء في ثنايا التقرير(أن تشاد لفقت معلومات مغلوطة وأكاذيب من شأنها تضلل فريق التحقيق الدولي).
وقد زادت تلك الأحداث من تعميق الشقة بين تشاد والسودان، وتلقت تشاد على إثرها صفعة قوية على وجه مبادرتها المذكورة, وأحدث ذلك فيما بعد شرخاً كبيراً في سلام دارفور، بعد أن تم سحب الوفد التشادي من عملية المفاوضات الجارية آنذاك في أبوجا عام2006م، واقتصر توقيع اتفاقية السلام في أبوجا5/6/2006 م بين الحكومة السودانية والجناح المنشق لحركة المتمرد مني أركو مناوي المنفردة بتوقيع السلام وأمتنع الآخرون عن التوقيع، تلك كلها كانت عوامل مجتمعة أدت إلى عزل تشاد كلياً من مسرح القضية، بل أسهبت التقارير الدولية إلى أن تشاد كانت متورطة في الأحداث الدامية في إقليم دارفور، وبدوافع قبلية للرئيس ديبي دون أدنى أي مسؤولية تؤهله للقيام بتجنب ما قد تتعرض له تشاد وأمنها القومي من جراء ردة الفعل السودانية أو النتائج المستقبلية المترتبة على كل ذلك.
ولا تكتمل الصور في أزمة دارفور بالطبع إلا بالتطرق إلى دور دول المنطقة في مسعاها الحميد لإيجاد الحل السلمي، ومنها الدور الليبي الممثل في فضاء تجمع دول الساحل والصحراء(س-ص), والذي كلف العقيد ألقذافي القيام بالمهمة النيلة من اجل إرساء السلام في إقليم دارفور بدءا بمبادرته الشعبية الشهيرة في ملتقى طرابلس للسلام الشامل في المنطقة, وكذا انتداب الاتحاد الأفريقي قوة لحفظ سلام ضمن الجهود المشتركة التي بذلت أفريقياً لاحتواء المشكلة, فضلا عن دور الأمم المتحدة(القوات الهجين)، ثم الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي(إدارة ساركوزي)، حيث اليد الطولي في تحريك كل القضايا وتوصيلها إلى درك سحيق من التعقيد والصعوبة بدلاً من التهدئة وإيجاد الحل الناجز في الوقت المناسب، حيث قام الاتحاد الاروبي بإرسال قوة لحفظ السلام في شرق تشاد وشمال أفريقيا الوسطى(قوات اليوروفور)، فقد أدت تلك القوات دورها المرسلة إليه لحفظ السلام في المنطقة رغم تملل حكومة الرئيس ديبي منها ومطالبته لها بالرحيل.
ورغم ضغوط المجتمع الدولي على الخرطوم لتوقيع اتفاقية أبوجا مع حركة مني، إلا أنه أكتشف الكثير من المراقبين فيما بعد أن توقيع اتفاقية السلام مع جناح مناوي كان خطأُ كبيراَ أرتكبه المجتمع الدولي في حق قضية دارفور، بحسبان أن المنشق مني أركو مني لا يمثل الإرادة الشعبية الغالبة لأهل دارفور، رغم انشقاقه عن عبد الواحد محمد نور زعيم الأغلبية الساحقة لقبيلة الفور، والتي يرى جميع المراقبون أن أي سلام بدونها في دارفور يصبح أمراً شبه مستحيل.
وفي خضم استعراضنا للدور الدولي لابد من ذكر دور الأمم المتحدة الكبير في دارفور من الضغط على الحكومة السودانية لتحقيق السلام في الإقليم المضطرب، ثم عمليات إيصال مساعدات الغوث الإنساني إلى مواطني دارفور في معسكرات النزوح واللجوء وما تواجهه من اعتداءات متتالية على قواتها وخطف شاحنات المؤن الآتية لمساعدة الإقليم، فقد أصدرت الأمم المتحدة قرارات تلوى القرارات حول انتهاك حكومة السودان لحقوق الإنسان والطلب منها بإلحاح تقديم ممن تسببوا في ذلك إلى محاكمات دولية في محمكة الجزاء الدولية ب"لاهاي"، و على رأس قائمة المطلوبين رأس الدولة الرئيس عمر البشير نفسه بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية وجرائم حرب ضد الإنسانية، مما ترك ذلك أثاراً وردود أفعال على نطاق واسع على الساحة العربية والأفريقية على صعيد المحافل الإقليمية والدولية، غير أن الحكومة السودانية اعتبرت المواقف والقرارات الدولية في العصر الحالي هي ذاتها في محك أخلاقي ومصداقية مهزوزة لنظراً لارتباطها بمصالح وتوجهات دول بعينها، وأنها لم تلزم أحدا، ورغم ردة فعل حكومة البشير، وهذا شيء طبيعي وهي في موقف صعب للغاية، إلا أنه للحق، فقد وصلت الأزمة في دارفور إلى سقف قمة الهرم من المطالب السياسية والشعبية في السودان ، إضافة إلى الضغوط الدولية للاذعان للمطالب العالمية، وتمثلت تلك الأخيرة في إصدار مذكرتين توقيف بحق رئيس الدولة السودانية بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقد تأزمت عملية التسوية السياسية الشاملة في دارفور رغم كثرة المحاولات والمبادرات الإقليمية والدولية، وهذا بالطبع أقرب إلى المسوغ الأمريكي لشن حرب على العراق، ولكن تم صياغة ذلك بطريقة أكثر حرفية وقانونية لاستهداف الرئيس السوداني عمر حسن البشير، كما تصف ذلك دوائر الحكومة السودانية في إدارتها للازمة في الإطار القومي السوداني والإقليمي والدولي.
وهنا نناقش بهدوء جميع القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن بشأن قضية دارفور وفاعليتها في إيقاف نزيف الحرب ورأب التصدع في دارفور، لاسيما القرارات الصادرة من الأمم المتحدة بشأن قضية دارفور والتي شُكِّلت بموجبها بعثة الأمم المتحدة في السودان تعزيز حظر السلاح المفروض على السودان وفرض عقوبات على أفراد سودانيين يزعم أنهم ضالعين في تلك الأحداث، بل وتطالب إحالة المتهمين بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور في 31 مارس 2005م إلى محاكم دولية، وصدرت موجب ذلك لائحة اتهام ضد الرئيس البشير من قبل المدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية أوكامبو متهماً إياه بارتكاب جرائم إبادة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسانية في إقليم دارفور، كما ساعدت ضغوط المنظمات الدولية في تعزيز تلك القرارات، وبخاصة النصوص المتعلقة بحقوق الإنسان.
ونناقش في الأخير الدور القطري لإحلال السلام والتنمية في القارة الإفريقية، حيث استقرت أخيرا عملية مفاوضات السلام بشان دارفور في منبر الدوحة بمشاركة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة عبر ممثله السيد/جبريل باسولي، ونرى كيف أن مبادرة القيادة القطرية استطاعت بقيادة أمير قطر سمو الشيخ/ حمد بن خليفة آل ثاني أن تجري الاتصالات المختلفة بالمعنيين في دارفور وجمعهم في منبر الدوحة وإيجاد غطاءاً ودعماً إقليميا ودولياً كافياً لعملية المفاوضات والنتائج التي تأتي من المعالجات ومن شان ذلك المسعى أن يؤدي إلى إقرار السلام في المنطقة، وان الدولة القطرية تمتلك رصيداً هائلاً في السابق من خلال تجربتهاً النموذج الحي الممثل في إجراء المصالحة بين السودان وارتريا من جهة، وتشاد والسودان من جهة ثانية، وقد جاءت مناقشتنا للدور القطري في أفريقيا انطلاقا من أن قطر دولة خليجية عربية ومسلمة استطاعت بجدارة أن تلعب هذا الدور الحميد إفريقيا لاقتراح الوساطة والحل للمشكل الأفريقي في دارفور بعد تعسر الموقف كلياً في إيجاد الحل الناجع لقضية دارفور رغم الجهود العديدة التي بذلت في الكثير من العواصم الأفريقية والأوربية والعربية، وذلك بعد أن تم تحويل ملف سلام دارفور وتعقيداته إلى أكثر من دولة، واضعين نصب أعيننا النتائج التي حققتها المبادرة القطرية لحد الآن، رغم ما تواجهه المبادرة القطرية في منبر الدوحة من مقاطعة من بعض حركات دارفور المسلحة، ولازالت الجهود تبذل لجمع كل الأطراف المعنية في طاولة واحدة للسلام الشامل في إقليم دارفور، ونتطرق إلى مساعي قطر أيضا في راب الصدع في تشاد وذلك باحتضانها لعدد من قادة التمرد التشادي للنظر في صيغة حل بين الحكومة التشادية ومعارضيها المسلحين عن طريق إبرام اتفاق سلام، ولكي نتقرب أكثر من الدور القطري المدعوم من قبل مجلس وزراء خارجية الدول العربية الممثلة في الجمهورية الجزائرية والمملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية والجماهيرية العربية الليبية وجمهورية مصر العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.فضلا عن الرعاية الخاصة من اللجنة الوزارية العربية لمباحثات السلام بشأن دارفور بالتعاون الوثيق مع الوسيط الدولي المشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لدارفور وتنسيق الموقف العربي والدولي من أجل المساعدة على تحسين الأوضاع الإنسانية والتنموية والاستقرار في ربوع إقليم دارفور.
وفي الخاتمة نستقرئ مستقبل العلاقات التشادية السودانية على ضوء الكثير من المتغيرات والتحولات الإقليمية والدولية التي تشهدها أفريقيا عامة, والسودان وتشاد خاصة، وذلك في ظل تداعيات مشكلة دارفور الآنية واللاحقة على الأطراف في البلدين.
وبطبيعة الحال, فإن كتاب(مشكلة دارفور وأثرها على العلاقات التشادية السودانية)يكشف بجلاء عن معطيات هامة في مسار علاقة البلدين وتأثير بالأحداث الدامية في دارفور عليهما، وقد هذا التأثير خلف وضعاً ظلت أثاره تتفاعل على ساحة البلدين سياسياً وأمنياً، ويأتي هدفنا من وراء إعداد هذا الكتاب هو الإسهام في تدوين وتوثيق مرحلة ما من مراحل تطور العلاقة بين أنجمينا والخرطوم وازدهارها، ثم توترها وتأزمها فيما بعد، وتمثل ذلك في عمليات الشد والجذب بين الحارتين وتبادلهما للتهم بسبب واقعا مريرا استعصى حله عليهما ثنائياُ عن طريق الوساطة والحوار, ثم تأتي انعكاسات العولمة بسياسات الدولية في المنطقة والمتاطرة في التنافس الأمريكي الأوربي والصيني في أفريقيا لتزيد عليهما هماً وعبئا ثقيلاً يصعب تجاوزه بكل سهولة، ثم الاستعداد لفض النزاع بين البلدين، حيث فرضت هذه التطورات واقعاً جديداً ومغايراً لما تعهده ساحة البلدين من خلافات تقليدية ومعتادة بينهما ويتم كالعادة احتوائها بالحوار الثنائي، وتعد عملية نشر قوات حفظ سلام دولية على ارضي تشاد والسودان وتقييد الإرادة السياسية في البلدين أمر لم تتوقعه القيادة السياسية في البلدين بان تصل تدعيات الأحداث وأبعادها في المنطقة إلى تلك الدرجة من الصعوبة والتعقيد بين البلدين.
وبهذا المفهوم، فإن القضايا بين تشاد والسودان ستظل شائكة ومؤثرة حالما ينشب خلاف ولم يتم تلافيه واحتوائه ثنائياً وبحكمة، وإيجاد العناية الكافية والجهد المخلص لمعالجته في إطاره الطبيعي والموضوعي، وبنظرنا، فإن بقاء أي مشكلة عالقة بين تشاد والسودان وبدون حل ستكون أكبر هاجس بإمكانه أن يهدد امن واستقرار الشعبين الشقيقين، ويمكن أن يتسبب كذلك في كوارث أكثر خطورة في المنطقة بالنظر إلى الخارطة السكانية المعقدة في تشاد والسودان، وفي ظل قيادة سياسية تتسم ممارساتها بالتقليدية وتنقصها القدرة على كيفية التعامل مع تلك الأوضاع والتحكم في الأمور، وان قراءة كتاب(مشكلة دارفور وأثرها على العلاقات التشادية السودانية)يوضح حجم الخطأ الكبير الذي اُرتكب ولا يمكن أن تقديره من قبل القادة السياسيين في البلدين في حساباتها السياسية لواقع تناقضات الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة، وهي بلا ادني شك لا تدرك حجم خطر التطورات المترتبة على ذلك إقليمياً ودولياً، وهي كذلك تفتقد إلى المنطق السياسي السليم والوعي الإستراتيجي الشامل لقراءة واقع الأوضاع ولما تؤل إليه من نتائج بين البلدين, وبذلك تصبح تلك النتائج في حقيقتها هي مؤثرات سياسية تفوق خيال أي سياسي ذو نظرة كلاسيكية لميزان الأمور، خاصة وان تلك الإحداث الدامية في المنطقة بكافة خلفياتها الإقليمية والدولية هي التي ساهمت في لعَب الدور الرئيسي خلف الكواليس لتحرك كل تلك القضايا وتؤججها بين تشاد والسودان.
ونتمنى أن يستوضح هذا الكتاب مسيرة علاقة تربط شعبين شقيقين يتأثران يبعضهما في كل مكان وزمان وباستمرار.. وكما نأمل أيضا أن تكون هذه الدراسة مشجعة لغيري لتسليط الضوء أكثر للمزيد من التعمق والاستقصاء في تفسير قضايا تهم تشاد والسودان وفهمها فهماً صحيحاً من كل جوانبها وتبيان أدق التفاصيل المهمة فيها، هو ما يمكننا من تدارك الفخ الدار فوري الذي وقع فيه الشعبان طوال هذه الأحداث وتطوراتها، وهذا الفهم يمكننا من الاستفادة من خيرات بلدينا المتعددة، ويعود ألينا بالخير والنفع ويوسع آفاق التعاون وتطبيع التفاهم التلقائي والسلس بين الشعبين وقياداتها السياسية بدلاً من القطيعة والعداء.

محمد علي كلياني باريس

أن الصراع التشادي- التشادي والتغييرات المستمرة في نظام الحكم في تشاد والذي كان يتخذ من دارفور قاعدة له لوجود التداخل القبلي علي طول شريط حدودي مع الدول المجاورة يبلغ طوله 1300 كيلو متراً تسبب في دخول كميات كبيرة من السلاح من دول الجوار والدول الأخرى.(خلفية الصراع في دارفور)
إن هذا الوضع شجع القبائل بدون استثناء للقيام بإعداد مليشيات مسلحة تسليحاً متقدماً، وكما أدى هذا لظهور بعض السلوكيات الغريبة علي مجتمع دارفور مثل النهب المسلح الذي استشرى في الثمانينات من القرن الماضي وظهور الجماعات التي تسمى ب"الجنجويد". كما أدى هذا الوضع إلى ظهور الجرائم العابرة للحدود وذلك عن طريق تهريب المواشي المنهوبة خاصة من الإبل والمواشي إلى دول الجوار، وتطور النهب المسلح إلى ما يشبه الجريمة المنظمة في تخطيطها وتنفيذها وشارك في هذا المنفلتون من شتى القبائل بمختلف انتماءاتهم العرقية من خارج وداخل السودان ونتج عن ذلك إضافة أعباء جديدة على الدولة كجهة مسئولة عن استتباب الأمن.(المصدر الساابق)
تفيد إحصائيات غير مؤكدة، أن تلك الهجرة تتجاوز العشرة ملايين نسمة.
عملية الكبكب هي مذابح جماعية قام بها الفرنسيين لانتقام من غلماء الدين الذين رفضوا أساليب المستعمر القهرية هناك.
محجوب حسين الناطق الرسمي السابق باسم حركة تحرير السودان.
وكلما استمر صراع دار فور لمدة أكبر، كلما زاد تعقد مهمة إنهاء القتال ومعالجة المخاوف وإعادة بناء المجتمعات والحياة. أصبحت مطالب المتمردين الأولية للتنمية والأمن أكثر تعقيدا من الناحية السياسية.(جماعة حقوق الأقليات الدولية) شاراس سرينيفاسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.