لا غرابة ولا دهشة في أن تخرج أصوات مرضى السرطان قسراً من بين أنينهم وتعلن جهراً عن إنعدام أدوية السرطان والاشعاع بما فيها الأدوية المنقذة للحياة من مركز الذرة بمستشفى الخرطوم منذ شهر كامل ، الغرابة والدهشة دائماً تجاوران واقعنا السيئ لأننا في وطن لفه الشقاء، ودار حراسها أعداء الشعب ، أو قل لأننا في وطن تكاثر فيه الفساد السياسي والاقتصادي ونمت فيه الطفيلية الرأس مالية التي أفسدت جو الرعاية الاجتماعية المفروضة على الدولة بكثرة المستشفيات الخاصة وعليه تراجعت الدولة عن واجباتها تجاه المواطن فأصبح الفقراء والضعفاء من عامة الشعب لا حول لهم ولا قوة ... يتساقطون ضحايا لغياب الرعاية الصحية كما تتساقط أوراق الشجر المصفرة وهذا هو الحال في مركز الذرة. في أي وطن نحن؟ .. في وطن تكاثرت همومه ..أزماته.. دماره.. وفساد كما تكاثرت الظباء على خراش، نحن في وطن تكنز مفسدوه بالمال أكلوا من مال هذا الشعب حد التخمة حتى عجزوا عن القيام بتوفير البئية الطبية الصالحة من اجل علاج مرضى، هل يعقل ونحن في بلد منتج للبترول ويتمتع بثروة زراعية وغابية وحيوانية ، هل يعقل أن يكون سبب توقف علاج مرضى السرطان هو عدم صلاحية المعدات الطبية والغذاءات والمطبخ وفقاً لتصريحات دكتور .ياسر ميرغني الأمين العام لجمعية حماية المستهلك الذي ناشد رئيس الجمهورية بضرورة زيارة المركز باسرع ما يمكن للوقوف على مأساة الأطفال التي امتدت لأكثر من شهر.. مناشدة دكتور ياسر في محلها لكيما يقف الرئيس البشير على حجم التناقض الذي تعيشه البلاد حينما يقارن بين ما شاهده الأحد الماضي من طفرة طبية عند افتتاح مستشفى "رويال الخاص" ، والواقع المأساوي الذي يعيشه الفقراء من رعايا دولتيه وحكومته (المنتخبة). سيدي الرئيس هؤلاء الفقراء لا يستطيعون ارتياد هذه المستشفيات ذات الفواتير المليونية .. هؤلاء الغبش القادمين من الولايات والموزعون هنا وهناك في أحياء الخرطوم الطرفية وآخرون يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ..جميعهم يرفعون الأكف يسألون الله بأن يولي عليهم من يوفر لهم بلسم الشفاء .. السيد الرئيس أنت مسؤول أمام الله من معاناة هؤلاء المرضى طوال الفترة التي توقف فيها علاجهم فبدلاً من أن يذهب بك من حولك من المسؤولين إلى مستشفى "رويال الخاص" حيث مواعين الراحة للمرضى الأغنياء أولى لهم أن يطلعوك على واقع الفقراء بمركز الذرة لأنك انت القائل "نحن أبناء الفقراء والغبش من عامة هذا الشعب" ، إذاً تدرك جيداً شعور أهل المرضى الفقراء حينما يعجزون عن شراء جرعة لمرضاهم وهم يتلوون ألماً امام أعينهم. ندرك السيد الرئيس أنك وجهت بالعلاج المجاني ولكن قراراتك ينبغي أن تلاحقها المتابعة لأن عدم علمك بواقع مرضى السرطان ومعاناتهم خاصة الأطفال لا يرفع عنك المسؤولية كراعٍ مسؤول عن رعيته. رئيس الجمهورية ضع الرجل المناسب في المكان المناسب لأن تفاقم أزمة مرضى السرطان كانت نتيجة لرفض وزارة المالية للتوقيع على الشيك الذي قدمه مركز الذرة لشراء أدوية وأجهزة إشعاعية ، وجه المسؤوليين بعدم تجاهل القضايا الجوهرية المتعلقة بحياة الإنسان عودونا دائماً بأن الاستجابة لا تأتي إلا إذا تترجل الأزمة إلى الإعلام، والشاهد على ذلك استجابة وزارة المالية أمس وصدقت بشيك لشراء جهاز الاشعاع بعد طرقت الصحافة السودانية بوابة أزمة مرضى السرطان. الجريدة